الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معارك الدستور وخبرات التاريخ

إلهامي الميرغني

2012 / 3 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


معارك الدستور وخبرات التاريخ
" وطني علمني أن أقرأ كل الأشياء "
يعتقد البعض أن معركة الدستور وألاعيب العسكر هي أزمة جديدة علي مصر . لكن لأنهم شوهوا التاريخ علي مدي سنوات ، وحاولوا سلب الشعب خبرات معاركه وانتصاراته لنستسلم للواقع المرير.لكن ربما لوعدنا لنتذكر معارك الشعب المصري من اجل الدستور والديمقراطية نجد دروس وخبرات تفيدنا في الأزمة الحالية.
بعد أن نجح الشعب المصري في ثورته عام 1919 واستطاع جمع تفويض لسعد زغلول ورفاقه بالدخول في محادثات الجلاء . وبعد فشل محادثات لجنة ملنر أصدر الانجليز تصريح 28 فبراير 1922،وتم إلغاء الحماية البريطانية علي مصر. ورفضت القوي الوطنيه هذا التصريح .
كانت القوي الشعبية وجموع الفلاحين والعمال مع الوفد ، وكان كبار ملاك الأراضي مع الأحرار الدستوريين وقطاع من كبار الملاك والصفوة مع حزب الأمة. وعندما رفض الوفد تصريح 28 فبراير حاول الانجليز وأحزاب الأقليات سحب البساط من الوفد بتشكيل لجنة الثلاثين لتضع الدستور ووصفها الوفد بلجنة الأشقياء .
كان الوفد هو الحزب الوحيد الذي يربط بين الاستقلال والدستور . لذلك كان يريد دستور يعلي كلمة الشعب وإرادته معبراً عن إرادة الشعب ، لذلك دافع عن حق الانتخاب للجميع دون شروط من مال أو ثقافة أو مصالح بل يكون الشرط الرئيسي للترشيح والانتخاب هو الانتماء للشعب المصري.وكانت رؤية الوفد نابعة من أهمية الدستور كأب للقوانين وحامي للحقوق والحريات ، يجب أن تضعه جمعية تأسيسية منتخبة إنتخاباً حراً ، وبذلك لا يكون منحة من احد أو عرضة للعبث والتعديل (محمد زكي عبد القادر – محنة الدستور – صفحة 53).
بينما يري الأحرار الدستوريين أن الانتخاب وظيفة وليس حق. ومن ثم لا بد من شروط لها تتعلق بالمركز الاجتماعي وتمثيل المصالح ( المقصود مصالح كبار الملاك الزراعيين) .
صدر دستور 1923 ولم يرضي عنه حزب الوفد ورغم ذلك قرر دخول الانتخابات التشريعية .وانتقد البعض موقف الوفد وكيف يخوض الانتخابات في ظل دستور لا يرضي عنه . ولكن جاءت النتائج باكتساح حزب الوفد وفي 28 يناير عام 1924 تشكلت وزارة سعد زغلول الذي يعتبره كبار الملاك فلاح . بل ودخل وزراء الوفد من أمثال مرقس حنا ونجيب الغرابلي ومصطفي النحاس وفتح الله بركات للوزارة.
دروس من دستور 1923
1. أن نجاح ثورة 1919 ودخول الوفد المفاوضات باسم الأمة وعودة سعد زغلول ورفاقه من المنفي تم ولم يكتب دستور الثورة ليعكس موازين القوي الجديدة.
2. إن الدستور الجديد تمت صياغته بعد أربع سنوات من الثورة ولم يرضي عنه الوفد.
3. إن حق الانتخاب والترشح كانت معركة الدستور الرئيسية بين الوفد حزب الطبقة الوسطي والطبقات الشعبية وبين أحزاب كبار ملاك الأراضي والتجار والأعيان ولم تكن الشريعة الإسلامية.
4. إن الوفد كان يربط معركتي الاستقلال بالديمقراطية لذلك كان حزب الشعب الحقيقي.لأن معركة الديمقراطية وحدها لن تحقق التغيير المطلوب.نفس الوضع ينطبق اليوم علي من يحاول إغراقنا في قضية المادة الثانية أو يضع قضية الحريات بمعزل عن بناء الاقتصاد المستقل وعن العدالة الاجتماعية وبمعزل عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
5. رغم رفض الوفد للدستور لم يقاطع الانتخابات التي تمت علي أساسه ، لم يقول انه في مرحلة ثورة وعليه مقاطعة انتخابات تتم علي أساس دستور غير راضي عنه . وكانت الجماهير وراء الوفد ففاز بالأغلبية وشكل سعد الحكومة لتستمر الثورة بوسائل أخري.
الحلف الرجعي وحكومة الوفد
لم يرضي الانجليز والسراي وأحزاب كبار الملاك بنتائج الانتخابات ووزارة سعد زغلول. وفي 19 نوفمبر عام 1924 حدث الاعتداء علي سردار الجيش المصري وحاكم السودان . ووجهت القوات البريطانية إنذار إلي سعد زغلول الذي اضطر لتقديم استقالة حكومته التي لم تستمر لسنة كاملة في الحكم قبل الإطاحة بها.
ثم جاء إسماعيل صدقي ليشكل الحكومة الجديدة علي أنقاض النظام البرلماني ويمهد لانتخابات برلمانية جديدة.ورغم ذلك فاز سعد زغلول برئاسة مجلس النواب (البرلمان) .وقابل الملك فؤاد ذلك بمرسوم ملكي يقضي بحل مجلس النواب ، وبدعوة المندوبين لانتخابات جديدة في 23 مايو سنة 1925.وعطلت الحياة النيابية بعد عام واحد من قيامها. ولم ييأس الشعب المصري من الديمقراطية التي لم تستمر وواصل ثورته .
كما عكست الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1928 نفسها علي الاقتصاد المصري وحدث هبوط حاد في أسعار محصول القطن. وأيضا جاء الملك فؤاد بإسماعيل صدقي مرة أخري ( مثلما جاء العسكر بالجنزوري ). وقد صاحب حكم صدقي حالة انفلات امني (حسب التعبير الحديث) حيث تم الاعتداء علي موكب النحاس باشا أثناء زيارته للمنصورة وإصابت سانيوت حنا بك في ذراعه ونشوب معركة سقط فيها 4 قتلي و 145 جريح . وامتدت المظاهرات إلي بورسعيد والاسماعيلة والسويس وطنطا ، وفي الإسكندرية سقط عشرين قتيل و خمسمائة جريح . ومن المضحكات المبكيات أن كبير الجند الذي أرتكب هذه الاعتداء كان نصيبه من الحكومة الشكر ومنحه رتبة اللواء ورتبة الباشوية وذلك في اليوم التالي للحادث. ( ألا يذكرنا ذلك بإعادة العسكر محافظ بورسعيد المسئول عن مجزرة الإستاد كتكريم له، وحديث وزير الداخلية محمد إبراهيم عن بسالة ضباط الشرطة )
في 12 يوليو صدر مرسوم بفض الدورة البرلمانية قبل الانتهاء من إقرار الميزانية، وعندما حاول النواب الدعوة لاجتماع في البرلمان يوم 21 يوليه احتل العسكر البرلمان وهددو بإطلاق النار علي من يحاول الوصول إلي البرلمان.وبقيت الوزارة معتمدة علي دعم الملك والجيش .
وفي يوم 22 أكتوبر سنة 1930 صدر أمر ملكي بوقف العمل بدستور 1923 وحل مجلسي الشيوخ والنواب .وصدر دستور جديد يرضي تطلعات الاستعمار الانجليزي والسراي.وتفجرت حوادث منعت زعماء الوفد من زيارة بني سويف وطنطا . ولذلك قاطع الوفد الانتخابات البرلمانية التي تمت في يونيو عام 1931.
اتسعت حركة المقاومة واضرب عمال عنابر بولاق والورش الأميرية وتظاهروا احتجاجا علي تزوير الانتخابات فسقط مائة قتيل و175 جريح . ورغم ذلك خرج إسماعيل صدقي يعلن " أن الانتخابات جرت علي خير وجه" ( دكتور عبدالعظيم رمضان – تطور الحركة الوطنية في مصر 1918-1936 – الجزء الثاني – صفحة 750)
وفي ديسمبر عام 1935 أصدر الملك فؤاد مرسوماً بعودة دستور 1923 وانتصرت الإرادة الشعبية وضاع دستور صدقي في مزبلة التاريخ.

إذا الشعب يوماً أراد الحياة
لقد شكل صدقي حزب سماه الاتحاد وهو يذكرنا بأحزاب فلول الوطني التي تشكلت بعض الثورة. لكن الشعب المصري وثورته لم تتوقف إلا بسقوط دستور 1930 وعودة دستور 1923. ومن الخبرات التي نخرج بها من هذه التجربة:
1. الربط بين حالة الانفلات الأمني والأزمة الاقتصادية المترتبة علي أزمة الاقتصاد العالمي والهجوم علي الديمقراطية.
2. تحالف الاستعمار والخارج مع الملك وكبار الملاك والتجار.
3. إسقاط دستور 1923 وفرض دستور تفصيل يقنن الاستبداد والتبعية.
4. لم يستسلم الشعب المصري لحكم صدقي واستمرت ثورته التي دعمتها الاحتجاجات العمالية وعندما اتسع نطاق المواجهات سقط دستور صدقي وتلاشي حزبه.
5. وجود حزب قوي مثل حزب الوفد استطاع تجميع إرادة الأمة وفرضها ولذلك فإن توحيد القوي المدنية والقوي الاشتراكية في أحزاب قوية تجذب قطاعات عريضة يمكن أن يعيد صياغة المعادلة السياسية .
إن أهم دروس وخبرات العشرينات والثلاثينات والدستور تعكس أنه لا يمكن قهر الأمة . وأن دستور صدقي لم يكن نهاية المطاف فهو لم يعمر كثيراً ، لكن استمرار مقاومته هي التي أدت لسقوطه.
إن الدساتير لا تضعها جماعات بمفردها ولكنها نتاج توافق ، وعندما أرادت جنوب أفريقيا وضع دستورها نزلت للفلاحين والعمال ليكتبوا ماذا يريدون في الدستور ، ثم تولي أساتذة القانون تحويل احتياجات وطموحات الناس لنصوص دستورية.
لذلك فإن خبرة التاريخ تعلمنا أن علينا أن نستخدم كل الوسائل والأساليب لوضع دستور يعبر عن كل طبقات وطوائف الشعب المصري . سواء بالأساليب القانونية أو الحملات الشعبية.ولكن إذا لم نستطيع وفرض علينا دستور لا يعبر عن طموحاتنا. فهي فرصة لنجمع قوانا ونقاوم حتى نسقطه . ليلحق بدستور 1930 وإسماعيل صدقي. فالأمر مرهون بقدرتنا علي الاستفادة من خبرات تاريخنا وتعبئة القوي الشعبية والوطنية الحية من اجل دستور يساهم في دعم استكمال ثورتنا ومطالبها في الحرية والعدالة الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتى
عادل العمري ( 2012 / 3 / 26 - 23:55 )

- وجود حزب قوي مثل حزب الوفد استطاع تجميع إرادة الأمة وفرضها -

هذه هى المشكلة الكبرى الآن.....


2 - صديقي العزيز الدكتور عادل العمري
إلهامي الميرغني ( 2012 / 3 / 27 - 00:18 )
خبرة التاريخ وجود حزب قوي
له شعبية حقيقية
له رؤية واضحة تربط الدستور بالديمقراطية والاستقلال السياسي
وهو يمثل رأس الثورة
لأنه لا توجد ثورة بلا رأس
المشكلة ان البعض روج لأكذوبة ان ميزة الثورة المصرية انها بلا رأس
لكي نظل نتخبط ونعاني
فمهمتنا الآن هي بناء رأس ثوري
لاستكمال مهام الثورة

اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو