الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة بغداد والتحدي المستحيل

مهند عبد الحميد

2012 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


ما لم يحدث مفاجأة، كل الدلائل تشير إلى أن قمة بغداد العربية ستعقد في موعدها. استعدادات عراقية غير مسبوقة، فقد نشر 100 ألف جندي وعنصر أمن عراقي لحماية المؤتمرين، وجرى تعطيل المدارس والدوائر الحكومية، وإغلاق شوارع وساحات عامة، وقد يمنع التجول في بعض المناطق. وأنفقت الحكومة مليارا وربع المليار دولار تحضيرا للقمة العتيدة، الأمر الذي يؤكد اهتمام السلطات العراقية الاستثنائي بعقد القمة.
القمة العربية الثالثة التي تعقد في بغداد في مراحل الانعطاف والتحولات السياسية الكبرى. فقمة عام 1978 رفضت اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وعاقبت النظام المصري بنقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس. وقمة العام 1990 تصالحت مع كامب ديفيد وأعادت مصر الى موقعها العربي. أما قمة العام 2012 فهي قمة تأتي بعد انتفاضات شعبية ضخمة ضد أنظمة عربية عديدة، وبعد ان نزعت أكثرية الـ 340 مليون عربي ثقتها من النظام العربي بمختلف سياساته الداخلية والخارجية. ماذا سيقول الملوك والرؤساء والأمراء لشعوبهم في قمة بغداد؟ هل ستتغير السياسات وأشكال الحكم بالاستناد لموازين القوى الشعبية الجديدة؟ وهل سيطرأ تعديل على تركيبة النظام العربي؟
قد تكون الإجابة على هذه الأسئلة مبكرة، في غياب استقرار التحولات والاستقطابات الجديدة، وفي ظل حمى المساعي الداخلية والخارجية للحفاظ على جوهر النظام العربي والقوى المكونة له، ولاستبقاء علاقات التبعية السياسية والاقتصادية القائمة، وقطع الطريق على عملية التغيير الحقيقي. وطالما أن الصراع العربي الداخلي لم يفض الى نتائج حاسمة، وطالما ان الاسلام السياسي حرف الحراك الشعبي نحو أهدافه الفئوية المتقاطعة مع بقاء النظام القديم، فإن السياسات الرسمية التي ستتمخض عن القمة ستكون من الصنف الذي تعودنا عليه. وأكبر دليل على ذلك هو الفتور الرسمي والشعبي إزاء القمة وانخفاض سقف التوقعات، بل إن البعض يتحدث عن تحول مؤسسة الجامعة العربية إلى ساعي بريد لمجلس الأمن وغطاء لتدويل القضايا العربية، في إشارة الى فقدانها للإرادة المستقلة.
في غياب الأهداف والتوقعات الكبيرة، لا تنعدم أهداف من الوزن المتوسط والخفيف، كإستعادة العراق الى الحضن العربي والتأكيد على هويته العربية، وإصلاح العلاقات العراقية الخليجية، وما يتطلبه ذلك من إبعاد العراق عن إيران وحليفه النظام السوري، ووقف الدعم والتسهيلات المقدمة للأخير. غير ان هذه الأهداف من الصعب ان تتحقق في غياب التوافق العراقي الداخلي على سياسة تأخذ في صدارة الاهتمام مصالح الشعب العراقي. فالعراق الرسمي بعد مرحلة التدخل والاحتلال سار في استقطاب المركزين الأقوى، وهما الولايات المتحدة الدولة المحتلة التي دمرت البنية التحتية والدولة العراقية والاقتصاد العراقي جريا وراء الاطماع الكولنيالية المتوحشة. وإيران التي فتتت النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي في سياق تعزيز نفوذها الطائفي ذو الطموح الإقليمي الكولنيالي أيضا. وما كان لهذين التدخلين والاستقطابين أن ينجحا بمعزل عن الديكتاتورية البعثية المستبدة وسياساتها الحمقاء. استقطابان أعادا ويعيدان انتاج مأساة الشعب العراقي، وأعادا إغراق العراق بالحروب الطائفية والمذهبية والعرقية، ويقطعان الطريق على عراق ديمقراطي مستقل ومزدهر.
ان ذهاب الشعب العراقي نحو الطريق المستقل، في مواجهة التدخلين السافرين، كان بحاجة الى مساندة الشعوب العربية التي انتزعت الديمقراطية وخلخلت الانظمة المستبدة، لكن هذا الرهان صُدَ بفعل انتكاس الديمقراطية أمام تحالف الاسلام السياسي مع النظام القديم والولايات المتحدة. ولا يستطيع النظام العربي الدائر في الفلك الاميركي أن يحرر العراق من الاستقطاب الاميركي، لكنه يستطيع ويحاول قصارى جهده أن يبعد العراق قليلا من السيطرة والتدخل الايراني.
المهمة الأقل تعقيدا هي تشجيع العراق على اتخاذ موقف حيادي من الصراع بين النظام والشعب في سورية، كالامتناع عن نقل الاسلحة الايرانية للنظام السوري الذي يشن حربا وحشية ضد شعبه، وفتح الأراضي العراقية أمام المواطنين السوريين لغرض الحماية من الموت والاعتقال ومن اجل العلاج والرعاية الصحية. والالتزام بقرارات الجامعة العربية المتعلقة بالنظام السوري. الشعب السوري الذي يعيش محنة شديدة بفعل الحرب الدموية التي يشنها النظام، ينتظر من القمة العربية الدعم والمساندة والحماية. إن تحويل الملف السوري لمجلس الأمن لا يعفي الدول العربية من تحمل مسؤولياتها الكاملة تجاه شعب يقتل وتدمر مدنه وبلداته ويشرد.
والشعب الفلسطيني ينتظر قرارات القمة بفارغ الصبر، سيما وأنه يتعرض لاخطر هجمة استيطانية إسرائيلية، تستهدف السيطرة على 60% من أراضي الضفة الغربية بما في ذلك مدينة القدس التي تخضع لعمليات تهويد كبيرة. وتهدف ايضا إلى تقويض مقومات الدولة الفلسطينية وفرض حل الفصل العنصري ( ابارتهايد). وتعريض الشعب الفلسطيني لعقوبات عنصرية مرة لأن القيادة الفلسطينية طرحت مشكلة الاحتلال الدائم على هيئات الامم المتحدة بعد 20 سنة من المفاوضات الفاشلة والخداع الإسرائيلي. ومرة لأن فلسطين أصبحت عضوا في اليونسكو، ومرة لأن مجلس حقوق الانسان شكل لجنة تقصي حقائق حول انتهاك المستوطنين والمستوطنات للحقوق الفلسطينية. ويلاحظ ان حكومة نتنياهو تصعد من عقوباتها واجراءاتها التعسفية، وتستفرد بالشعب الفلسطيني وتضعه وجها لوجه أمام غطرسة القوة وشريعة الغاب، وتحاول أن تفرض إملاءاتها عليه.
القضية الفلسطينية تحتل مركز الصدارة في اجتماعات القمم العربية، ولم تبخل كل القمم في استصدار قرارات الدعم السياسي والمالي. لكن تنفيذ القرارات يظل متدنيا ومتراجعا باضطراد، الامر الذي يشجع دولة الاحتلال على التمادي في الانتهاكات وصنع الوقائع على الأرض. الآن الوضع بات لا يحتمل الانتظار والتردد. كل يوم لا يتم فيه عمل شيء من الاعتراض والتدخل والدعم والإسناد يقرب الشعب الفلسطيني من الهاوية.كل يوم يمر دون دعم مدينة القدس ودعم صمود المقدسيين يسرع في تهويد المدينة. لهذا فإن قمة بغداد مطالبة باتخاذ موقف صريح وجاد من الاحتلال والتهويد العقوبات والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني. القمة مطالبة بتأمين الحماية السياسية، عبر الضغط على المصالح، وعبر فرض عقوبات، فلا يجوز التعامل بمعايير مزدوجة بفرض عقوبات على أنظمة عربية تنتهك القانون الدولي وحقوق الانسان وهذا صحيح ومطلوب، ولكن دون إستثناء دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تدوس على القانون الدولي وتتنطح لمعاقبة اليونسكو ومجلس حقوق الانسان! والقمة مطالبة بإيجاد شبكة أمان مالية تبطل مفعول السلاح المالي الذي تستخدمه دولة الاحتلال. ان التردد في خوض معركة سياسية، وفي تأمين شبكة أمان مالية، يلحق أفدح الأضرار بقضية الشعب الفلسطيني، بقضية العرب المركزية، فمن يقبل بذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في