الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوبيا التظاهر

قاسم السيد

2012 / 3 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حملت لنا الأنباء اخبارا غير سارة تفيد بوقوع مداهمة من قبل قوى الأمن لمقر صحيفة طريق الشعب الناطقة بلسان الحزب الشيوعي العراقي الذي يعتبر اقدم حزب وطني في تاريخ العمل السياسي العراقي في العصر الحديث حيث يمتلك هذا الحزب تاريخا عريقا ومشرفا في النضال السياسي لا اظن ان هناك حزبا اخر يستطيع احد ان يقرنه به او يزايد عليه ورغم انني لست انتمي لهذا الحزب بل هناك تقاطع فكري بين طروحات هذا الحزب وثقافتي السياسية لكن احترامي لفكري وثقافتي تحتم علي النزول عند الحقيقة والأعتراف بها .
وكما قلت في البداية ان هذه المداهمة خبرا غير سار لكن الأكثر سوءا هو مانقل عن التحقيق مع العاملين في هذه الصحيفة بعد ان تم اعتقالهم حيث كان السؤال عن سر دعم هذا الحزب للتظاهرات وهذا في حد ذاته مؤشر خطير يوضح على ان هناك نكوصا في التجربة الديمقراطية بدت افاقة تلوح في الأفق وتوافق هذا الأجراء مع الأجواء التي تعيشها بغداد وهي تستضيف القمة العربية ان هناك رسالة تبعث للعرب لطمئنتهم عن طبيعة التجربة العراقية من انها ليست بتلك الديمقراطية التي تثير ذعر الأنظمة العربية .
اذا كان التعريف المبسط لكلمة السياسية هي انها فن الممكن فإن الديمقراطية في تعريفها المبسط هي انها فن ادارة الأزمة سلميا .
ولكل نظرية ادوات تنفيذية لكي تتحول الى ممارسة واهم ادوات الديمقراطية هما الساقان اللتان تقف عليهما وهما الموالاة والمعارضة وفقدان احدهما ينقل الديمقراطية الى توصيف اخر ولقد لعب قصر تاريخ الممارسة الديمقراطية في الحياة السياسية العراقية على عدم ترسيخ مفهوم المعارضة وبقي هذا المفهوم يحمل نفس الدلالات التي رسختها الأنظمة الشمولية البائدة في اذهان الناس من ان كلمة المعارض تعني المعادي وبالتالي الوقوع تحت جريرة التهمة العظمى الا وهي الخيانة الوطنية .
من اهم العوامل التي ساعدت على عدم نضوج التجربة الديمقراطية العراقية هو تطير كل القوى السياسية من توصيف المعارضة لأن هذا المفهوم لازال تعريفه غير مريحا لدى الكثير لكون الثقافة التي تنتمي اليها الأمة العراقية لاتزال تسوق شق عصا الطاعة على ولي الأمر على انها احدى الكبائر التي تورد صاحبها جهنم وبئس المصير .
عندما لم يتم احترام قواعد اللعبة الديمقراطية في التشكيل الحكومي الأخير واللجوء الى التوافقات السياسية حملت اغلب القوى التي وصلت الى قبة البرلمان على الأنخراط في النشاط الحكومي وجعلت البعض يمارس دور المعارضة حسب المكاسب التي حصل عليها في التشكيل الحكومي اي قربه او ابتعاده من اهم حلقة من حلقات صناعة القرارمما جعله يمارس معارضته بشكل انتهازي اي بقدر مايحصل عليه من مكاسب عند مناقشة هذه القضية او تلك او امرار هذا القانون او ذاك ولم تعد المعارضة تمارس ضمن سياقاتها الصحية ومناخاتها الملائمة مما افقدها قيمتها الحقيقية ولم تعد ذلك الصوت الذي يمثل الشارع داخل اهم منظمه من منظمات الدولة الا وهي البرلمان .
الحكومة التوافقية الحالية فقدت عنصرين من عناصر القوة فلا هي حكومة اغلبية منتخبة يتيح لها نسيجها المتجانس او على الأقل مشتركاتها الكثيرة التي تساعدها على ان تكون حكومة فريق واحد بل تحولت الى حكومة تنازع وصراعات ولم ترتقي الى حكومة مشاركة وطنية حقيقية حين لم توسع دائرة المشاركة فيها لكي تتاح الفرصة امام الكثير من القوى الوطنية صاحبة التاريخ النضالي العاملة في الساحة السياسية التي لم تتمكن من الحصول على اي مقعد نيابي في البرلمان بحكم عوامل كثيرة لعل من اهمها هو ذلك الأصطفاف الطائفي الذي دفع الناخب العراقي لكي ينتخب مرشحه حسب انتمائه الطائفي وكان مثل هكذا تشكيل حكومي لو جرى وفق هذه القاعدة ان يجعل هذا التشكيل يقف على قاعدة شعبية واسعة تبرر عدم الأخذ بقواعد اللعبة الديمقراطية لكون مخرجاتها لم تكن تعكس الواقع العراقي بشكل حقيقي .
كلمة المعارض في الديمقراطيات ذات التاريخ العريق تقابل بالضبط كلمة المراقب حيث يقوم هذا المراقب بممارسة سلطة من نوع اخر هي غير السلطة التنفيذيه فواجبه هنا هو اماطة اللثام عن كل الخروقات التي قد تقع بها الحكومة حيث وفرت له الديمقراطية ادوات كثيرة لتنفيذ سلطته الرقابيه داخل البرلمان من خلال جلسات الأستدعاء والأستجواب وحتى منح الثقة لأعضاء السلطة التنفيذية الذين لايمكنهم ان يتقلدوا مناصبهم دون ان ينالوا ثقة اعضاء المجالس النيابية .
كما ان مساحة الحرية المتاحة للأعلام بكل وسائله وأشكاله وقنواته يجعله هو الأخر احدى صيغ الممارسة الديمقراطية التي تتيح لكل القوى ومنها المعارضة ان تلجها لكي توضح للجمهور من خلالها وجهة نظرها وتسلط الضوء على اي تلكوء في الأداء الحكومي قد يمارس ضد مصالحه بينما نرى الان اي انتقاد للأداء الحكومي يقابل بتهم معلبة ليس اقلها العداء للتجربة بل وصل الأمر ان الصقت تهمة الأرهاب بالكثيرين مما حمل البعض ان يشير بإصبع الأتهام الى الدولة ويحملها مسؤولية مقتل عدد من الأعلامين كونهم قد ساهموا بحملات اعلامية منتقدة وفاضحة لبعض اشكال الفساد الذي تزخر به الممارسات الحكومية .
ليس كل القوى المعارضة يمكنها ان تصل الى قبة البرلمان فقد لايتيح النظام الأنتخابي وربما حتى عدد الأصوات لكثير من القوى السياسية ان تصل الى العتبة التي تتيح لها ان تجلس تحت قبة البرلمان وهذا لايعني غمط حقها في ممارسة دورها السياسي كقوى معارضة فبالإضافة الى الحرية الأعلامية المتاحة امامها الا ان هناك فسحة اخرى اتاحتها الديمقراطيات لهذه القوى لكي تمارس نشاطها السياسي في مساحة كبيرة منها حق التظاهر والأحتجاج الذي ينظم وفق سياقات لاتضر المصالح العامة حيث تعد هذه الممارسة اصدق مرآة تعكس حقيقة وعمق الديمقراطية في اي بلد يدعي انه يمارس الديمقراطية .
الفوبيا من التظاهر التي تبديها القوى السياسية المتصدرة للمشهد السياسي العراقي والماسكة بحلقة صنع القرار فيه سببها هو تلك الثقافة التي تنتمي اليها فما دامت هذه القوى قد اصبحت سيدة للسلطة فهي ترى انها توجب اذعان الأخرين لها كواجب شرعي بإعتبارها ولي الأمر الواجب الطاعة ولم تضع في اعتبارها ان الصندوق الأنتخابي الذي اوصلها بالأمس الى سدة الحكم قد يقلب لها ظهر المجن وتصبح غدا في خانة المعارضة وهذا يعني انها تضع نفسها ضحية سنة سيئة هي اول من ساهم ورسخ ممارستها .
لقد لمست الأطراف الحكومية كيف لعبت تظاهرات شباط العام الماضي دورا مهما في تنشيط الأداء الحكومي وبدلا ان تتطير من التظاهرات عليها توفير المناخات المناسبة لتشجيع هكذا ممارسة وتستفيد من هكذا نشاط شعبي للضغط على بعض مراكز القوى المناوئة لها داخل السلطة سواء لتصحيح ادائها او تعطي قيادة الحكومة الشرعية لإزاحتها من مواقعها مستظلة بالتفويض الشعبي الذي يوفره الشارع المتظاهر لكن للأسف نرى قصر النظر لدى هذه القيادات عندما تنظر للتظاهر بعين الريبة والتخوين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي