الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون الدولة دولة القانون

خالد ساحلي

2012 / 4 / 1
المجتمع المدني


قبل البدأ هل تتفق معي أيها القارئ حول هذه المقولة : " الدولة قوة سياسية منظمة تسود على أراضيها الخاصة وتنشد أقصى قوة إزاء الدول الأخرى وتكافح لأجل السيطرة على ميادين الحياة الثانوية و تنظمها و تضبطها تبعا لمصالح العامة ومصالحها الخاصة."

سقوط الدول مرهون بالانحطاط الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي المنتج للتصادم المتحول إلى صراع سياسي خطير ؛ فالصراع السياسي المثمر السلمي هو المعزّز للحرية التي لا تتحقق إلا في ظل وجود مؤسسات دولة حقيقية تعمل على فك النزاعات القائمة الناشئة من جراء الصراع الطبقي الدائم المستمر ؛ إنه صراع المصالح الشخصية.
المتتبع للتاريخ القديم لروما العظيمة يستخلص الدروس لإمبراطورية قوية وجـّهت الصراع بموجب إرادتها في الاتجاه الذي تريده، إن قدرتها على الاستجابة في حفظ الحرية والمحافظة على المدينة من الانهيار كانت دقيقة، فأرست نظاما دعمّت به المدينة حتى لا تنهار. إنه التنظيم المخطط الذي يمكنه المحافظة على البناء السياسي ووقايته من الانهيار الجزئي و الكلي.
المجتمعات الأوروبية أخذت العبرة من تراثها فهل أخذنا نحن العبرة مثلهم؟
لماذا لا نسمع اليوم بالمدافعين عن حقوق العامة؟ الجواب يملكه العامي أكثر مما نجده عند النخبوي ، ببساطة لأن البرجوازية تمددت كعفريت مخيف بعد خروجها من القمقم؛ حتى الارستقراطية صارت المطلب الوحيد للجميع إما انتفاعا بها أو طموحا لها أو قبولا بالعمل تحت سلطتها أو الرضا بالاستعباد الجديد.
الارستقراطية و البرجوازية اليوم طرحت مسألة تحويل العامة إلى عبيد ورقيق في غياب تطبيق حقيقي للقوانين التي تحمي الفقراء و العامة من خطرها. فهل يوجد مجتمع مدني حقيقي يفرض على الدولة اللجوء إلى قانون دستوري يخلصها من هذا النزاع الخطير؟ الحقيقة لا أجد مدافعين عن العامة انطلاقا من مؤسسات الدولة التي يتمفصل فيها الفساد انتهاء بالأحزاب و الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الرسمية .
هذه الأحزاب إن بدا للسلطة أنها تخدمها فهو على عكس ذلك يمثل خطرا على استقرار الجمهورية. إن الانتقال من النظام الاشتراكي إلى نظام الديمقراطية ثم إلى النظام الليبرالي لم يمر عبر مراحل زمنية مدروسة وصحية بل جاء نظير تحولات سياسة عالمية وضغوطات داخلية وظروف . رأينا البرجوازية الاشتراكية تمثلت في سلب المال العام من المصانع و استعمال النفوذ في الاستحواذ على العقارات والاستفادة الاجتماعية التي كانت موجهة للفقراء لكنها تحولت بقدرة قادر إلى استفادة لأسماء الأبناء و الزوجات و العائلة للنافذين ، الانتفاع المفضوح المقنن ؛ ثم ظهور هذه البرجوازية في صورة قاتمة سوداوية ووحشية باختيار النظام الليبرالي كنظام اقتصادي، إنها ليبرالية صورية غير علمية تم الاستعانة بها لأجل تلميع صورة شعب وأمة إقرارا بهذا النظام العالمي الجديد حفاظا على كيان الدولة من الخطر الخارجي.
سنعرج على المرحلة التسعينية لأنها لا تهمنا و الرؤى فيها ضبابية .
سنطرح السؤال الآتي: هل تم تسليم السلطة إلى البرلمانيين الارستقراطيين الجدد ولا مجال لمشاركة العامة في الحياة السياسية كما في زمن الاشتراكية و لو بنسبة قليلة؟
هل تستطيع العامة مشاركة السلطة ديمقراطيا مع الأثرياء الجدد ؟
السلطة الحقيقية كما هو معروف مزيجا من الفاعلين الأثرياء و الفقراء، امتزاج طبقات المجتمع خدمة لأهدافها لأنها تجد في مصلحتها ما يحركها إلى الدفاع عنه بإشراكها لهذه الطبقات. أليس الصراع هو الدفاع عن المصالح بلبس قضايا الأمة؟ سؤال آخر هل نواب الشعب يحتكون بالعامة بصفة مباشرة ؟ وهل هناك توافق حقيقي بينهما؟
الحقيقة أن الدولة التي على وشك الانهيار تحمل في جسمها جرثومة الانحطاط السياسي والفساد بأشكاله المتعددة.
إن النجاح السياسي الحقيقي لا يمكـّن القوة للثروة على إقامة إمبراطورية شاسعة مالية ، فالبرلمان الناجح لا يبحث نوابه عن الاغتناء و يطمعون فيما تقدمه الدولة من امتيازات، لأن الذي يجلب الثروة هو نفسه الذي يتيح الفساد ويستقر به في جسد الدولة فالفساد لا يعرف التعقل ولا الفضيلة.
النواب في حياتهم الاجتماعية هل يحتكمون إلى القانون مثلهم مثل رؤساء أحزابهم؟
الأحزاب اليوم كبنية سياسية مختفية في قناع المعارضة تتبجح بالعمل على الإصلاح للميادين الاجتماعية، وبأنها جهاز محاسبة للدولة ، متورعة بإدعاء المحافظة على قدرة الفعل في التغيير لو ما أعطيت لها الأصوات، لكنها تتخلى عن الفعل بمجرد وصول المفعول لأجله( الامتيازات).
هل يمكن حقا دمج الفرد مع الجماعة و القلة مع الكثرة لأجل خدمة الجمهورية الواحدة و لأجل الدولة الواحدة بعمل المشترك لرفاهيتها و تطويرها؟
إنه من الاستحالات العشر لأن الحقيقة غير ذلك، فالطبقة الثرية اليوم تؤمن بمبادئها خدمة لمصلحة شخصية كمثل الملكية التي كانت في أوروبا في القرنين السادس عشر و السابع عشر.
هل عندنا حقيقة برلمان فعّال مزيج ارستقراطيين و ديمقراطيين ومدافعين عن العامة؟ هل عندنا حقيقة حكومة مختلطة حافظت على النسيج الاجتماعي و الديني و الوطني؟ حكومة مرنة دافعت عن الشعب ليبقى الشعب مشاركا للدولة باعتباره القاعدة ؟
إن التوازن الطبقي منعدم، و المساواة منعدمة ونحن نحيا أوقات عصيبة في ظل التدخلات الأجنبية و المؤامرات المحاكة هنا و هناك المكشوفة و المستترة.
من حقنا أن نسأل و نخاف، هل أخذ النظام بأولوية الحفاظ على الصراع الذي سيقوم يوما ما حول صراع طبقة جديدة يمثلها الفساد في ظل غياب التطبيق الفعلي للقوانين الردعية و في ظل غياب إصلاح حقيقي؟ هل هناك استعمال حكيم للسلطة؟ هل هناك وعي حقيقي لنواب الشعب، المشرعون للقوانين؟ أيكونون حقا حكومة؟ هل هناك صراع حقيقي بين الأحزاب حول مشاريع اقتصادية وسياسية أم مجرد صراع متوهم نتائجه محبطة و قاتلة سياسيا؟ لماذا العامة لا تمارس ضغطا على الأحزاب لتحدد وظيفة المنتخب عليهم؟
الحقيقة الشعب يأس فدخل مرحلة النزاع مع نفسه و محاسبتها حول إرادتها. إننا قد نرى الصراع يتحول إلى صراع الأثرياء مع الأثرياء ووقود الصراع البؤساء الباحثين عن الفتات في المواعيد الانتخابية.
إن صراع البرجوازية بعضها مع بعض دفعها إلى البحث عن الألقاب السياسية (برلماني، منتخب الشعب، سيناتور، رئيس كتلة وغيرها من الألقاب) ؛ المعايير السياسية بدأت تنحدر إلى أسفل القاع وتسير نحو الأسوأ في ظل استفحال مرض اللا مبالاة و الدعاء على الوطن بالهلاك و الهروب النفسي ومعه الفعلي نحو قوارب الموت.
المعايير السياسية في اختيار ممثل الشعب يجب دراستها من جديد وفق ما يخدم الدولة لا الفرد، ما يخدم الشعب لا الحزب، فالمرض مستفحل وسيتسبب بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الضرر ولو مستقبليا بمصالح الدولة والجمهورية بتخطيط أجنبي أو داخلي لكن ستقترفه أيدي غاضبة من الوضع.
من فتح أبواب الصراع الجديد؟ من فتح الطمع في وجوه الخاصة و العامة في الاستفادة من أراضي وعقار و سكن و قروض؟ لماذا ينعدم التوزيع العادل للأرض و الإلزام بتوزيع الإعانات بعدل؟ إن تحيّز المتحزب ونائب الشعب يجعله برجوازي كبير دون أن يسأل من أين له هذا؟ إنها التجارة السياسية الجديدة التي لا تحتاج إلى المعارضة بقدر وظيفتها في تحريض المواطن على الانتخاب لأجل الوصول إلى هذه الثروة المنتظرة دون الاهتمام للمصلحة العامة.
هل يمكن للمؤسسات القائمة للدولة أن تصلح تحزب العامة وتضع معايير جديدة للترشيح؟
الأحزاب التي لا تملك الإصلاح في برنامجها و تريد الانتفاع بالامتيازات المأخوذة قبل الترشح، لا تختار الكفاءة والفضيلة إن وجدت المال ، لا يهمها من يمثل الشعب لأن الشعب في النهاية " غاشي" على حد وصفها، خسرت أو انتصرت على حد سواء؛ في النهاية لا يسرها الأمر كيفما كان.
إننا نأمل أن نكون أصدقاء القانون لأن سلطة القانون توقف خصومه، نهتم لأمر الوطن لأن هناك من يصنع الكراهية في قلوب أبنائه، ونأمل في تناقص الحقد المتبادل بين العامة والبرجوازيين الجدد وبين النواب و الأحزاب، لأن الصراع إن تأجج سيقود إلى ما لا يحمد عقباه، إننا نأمل إلى اعتدال في المعايير و لا يستحمر الشعب بقدر ما استحمر ونراعي حرمة هذا الوطن ونحترمها.
إن الأحزاب لا تجد اليوم العلاج الشافي لنفسها و لمناضليها و لقاعدتها و هي دائما في حرب مع المنشقين و المناوئين و الطامحين للامتيازات والمتنقلين والمتبدلين، الحرب النفسية و السياسية على الفرقاء الذين لا يوثق بهم عند العامة أينما حلّوا وأينما ارتحلوا،، لذلك يجب البحث عن علاج خاص ليس في البحث عن حزب جديد أو رئيس جديد و لا كما نرى استحواذ شخصية سياسية على فريق جديد أو قاعدة جديدة ، فكل الفرق اللاعبة ستصير تابعة لقيصر سياسي دون شك و ما أكثر قياصرة السياسة في البلاد ولا شيء يعود لله.
أنا ضد أن يصير الحكم إلى حزب دون غيره لأن التجارب علمتنا في ظل المعاناة وهشاشة الأحزاب أن كل رئيس حزب هو مستبد و ملكي أكثر من الملوكية وتحوله هو و نوابه إلى مستبدين بات أمرا محتوما ولن تسترد الدولة بعدها حريتها مرة أخرى لو تركتها لكذا حزب مراوغ...
لست الخصيم ولا خصم أحد، لا للعامة و لا للأثرياء، إنما خصم الاستبداد و الفساد أينما حل ووجد، إنني مواطن أبحث عن شروط قيام الحرية بعيدا عن التحزب الأناني الذي يعيق مساعدة الدولة والجمهورية و العامة على التكيف مع الظروف المتغيرة المحيطة بنا. من البديهي مطالبة كل مترشح أن يكون غنيا و لكن لا أن يكون لصا، و لا غشاشا و لا أميا ولا مرتشيا و لا فاسدا، من الطبيعي مطالبته بتمويل حملته الانتخابية لأن الدولة صارت لا تتحمل عبأ ذلك، لكن هذا لا يعني المتاجرة بالترتيب وفتح بورصة عفنة على حساب البرامج والمشاريع الحقيقية . على النائب الممثل من الحزب أن يتخلى عن ولائه لخدمة مصلحته الشخصية وخدمة من وضعه في ذاك الترتيب بل الولاء للدولة و للعامة (المواطنين) فلقد سمعنا كثيرا من أفواه الساسة قولهم: الشعب يقبل بفقره وبوضعيته السياسية وبأنه ليس واعيا إلى الحد الذي يجعله يحكم عليهم ( نواب الشعب و الساسة)، هؤلاء نزعوا عن الشعب الفضيلة و التمسوا له حياة الشقاء واللامبالاة، والتمسوا لأنفسهم حياة البذخ. فمعنى أنك نائبا في البرلمان لا يعني أن تحصد منافع الدولة.
إنه برلمان برجوازية جديدة سيصل إليه الأثرياء وتشتد حوله المطالبة بالمنفعة الخاصة والمشاريع ، سنسمع القلاقل فيه و ستكون هناك أوركسترا قاتلة للحن الجميل. ستتكلم أحزاب باسم الدين والوطنية و العلمانية و الديمقراطية وتظل مركـّبة بهذا التركيب ومهما دامت في حكمها إلا أنها لن تزدهر.
أدعوا الله من كل قلبي أن توجد قيادات حكيمة ومناخ سياسي مضبوط يدفن المتشدقين والمتنطعين و يروّض المتطاولين على التاريخ وعلى الوطن وعلى الدولة و الزارعين للوهن في قدرة وجود مجتمع مدني يمكنه أن يكون بديلا عن الأحزاب.
المعلوم أن المرض القاتل هو المصلحة الشخصية داخل الأحزاب و النظام، والانشقاق في العامة هو أحد مظاهره واللا اكتراث بمستقبل الأجيال وتاريخ الماضي ، إننا لا نريد أن تنصّب محكمة غدا، محكمة الأحفاد للأجداد، هذا ما يحمله السباق المجنون على الفوز لولا أن نتداركه بعقلانية ونشدّد على خدمة المواطن لأنه الحامي الوحيد للدولة، إن لم يكن ذلك سيكون المواطن السلبي أليس هذا ما بدأ يحدث الآن . نأمل لمواطن ايجابي ، مواطن حقيقي لا يخجل في الدفاع عما يؤمن به ، بل يخلق له أسباب التأكيد و الحضور لذاته تأكيدا وجوديا. ليصير معدنا نفيسا خالصا يسر الناظرين لأنه قيمة في ماهيته وفي تركيبه على السواء.
إننا نتصارح في حقيقة : لا نملك غير هذا الوطن، شئنا أم أبينا يجب أن يقبل أحدنا بالآخر، ننتقد أنفسنا و الآخرين لكن في حدود القانون و احترامه و العمل على البديل و نضع في الحسبان الدولة لا تعترف بمن هو فوقها، وكما قال سقراط يجب احترام قوانين الدولة و لو كانت مستبدة.
كل عهدة انتخابية و أنتم بخير.
خالد ساحلي
كاتب وقاص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا