الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبيعية في القرن التاسع عشر ( من تاريخ الدراما الحديثة والمعاصرة )

أحمد صقر

2012 / 4 / 12
الادب والفن



ثانيًا: الطبيعية في القرن التاسع عشر واستمرارها

نشأة المذهب الطبيعيى

حين نتحدث عن الطبيعية لابد وأن نوضح منذ البداية أن الطبيعية كاتجاه وكمدرسة ارتبطت ارتباطًا مصطنع مع الواقعية وذلك لعدم وضوح الفواصل بين الاتجاهين وخاصة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين، لأن منطلق أدب الطبيعة كان من الواقع ولكن لم تحاول أن تقول شيئًا من خلال التصوير والوصف بعكس الواقعية التي كانت تحاول أن تبلور الواقع حتى يراه الناس في ضوء جديد وليس كما هو في الواقع التقليدي.

والطبيعية ترتبط في نشأتها بالواقعية وبمنتصف القرن التاسع عشر والبعض يقول أنها حركة أدبية منفصلة عن الحركة الواقعية إلا أنها تعتبر امتدادًا متطرفًا لها. غير أنها في ذات الوقت تعتبر امتدادًا متوازيًا مع المذهب الطبيعي في الفلسفة.

فالطبيعية هي في حقيقتها امتدادًا متطرفًا للواقعية- كما سبق وذكرنا- لإنها تتخذ من الواقع نقطة بدء دائمة، ولكنها لا تلتزم بحدوده كما تفعل الواقعية؛ ذلك أنه في النصف الأول من القرن التاسع عشر حاول "أوجست كونت" (1798- 1857) أن يستعين بالافكار العلمية في دراسة المجتمع، ومن ثم اعتقد اعتقادًا راسخًا فيما يدرك بالحواس الخمس.
ولقد شجع ذلك "هيبوليت تين" على تطبيق ذلك في مجال الأدب بحجة أن حالات الإنسان النفسية وسلوكياته الحسية ما هي إلا نتائج لمسببات مادية.

المذهب الطبيعي في المسرح
أراد كتاب هذا الاتجاه أن يصفوا ويصوروا لنا عالمًا بأسره فلم يصنعوا لنا إلا مستشفى كل من فيه مجانين أو ناقصوا التكوين أو منحرفون.
وقد حدث هذا في المسرح حينما أصابته ريح المذهب الطبيعي، وسنرى أن كتاب المسرح الطبيعي قد تتلمذوا على يد "إبسن" رائد المذهب الواقعي في المسرح، والذي كتب بضع مسرحيات اصطبغت ببعض معالم المذهب الطبيعي، إلا أنها لم تهبط إلى حضيض الطبيعية كما فعل تلاميذه الاشقياء الذين تتلمذوا كذلك على يد "زولا" وعلى الكاتب السويدي "أوجست ستريندبرج".

على أننا نأخذ على هذا المذهب أنهم يعنون فقط بنقل صورة طبيعية صادقة من الحياة، إلا أنهم لا يعنون بالقواعد والقوانين في تصير شخصياتهم، لذا نجد أن أسلوب تصويرهم هذا يبتعد عن القواعد وينطلق بحرية بعيدًا عنها، ذلك أنهم كانوا يسعون إلى أن ينقلوا الحياة بلا زخرفة، وكل هدفهم ألا يشوهوها وأن يصدقوا في هذا النقل دون أن يعلقوا عليه ولا يحللوا أو يستنبطوا.

من ناحية أخرى فإنهم ركزوا على تصوير حياة الطبقة الدنيا مؤكدين على أن الفضائل التي قدمتها الحضارة إنما هي نفاق مصطنع ورياء مجلوب، اخترعته الحضارة وتوسلت به الإنسانية في أطوار ضعفها لتجعله سلاحًا للضعفاء يقيهم شر الأقوياء بما يضمرونه في أنفسهم.

وقد تطلب الامر من كاتب المسرح أن يعالج- بأدوات موضوعية بحتة- قوانين علمية، أو أن يسجل حالات جديرة بالدراسة، مستهدفًا من ذلك الوصول إلى الحقيقة. إذ يجب أن ينظر المتفرج من فتحة البرواز المسرحي كما ينظر العالم إلى عينة مادية تحت المجهر.
كما ينبغي على الكاتب أن يختار موضوع المسرحية الطبيعية اختيارًا عشوائيّا دون تدخل بأدواته الفنية، كالحبكة والمباغتة والتأزم ...إلخ.

ولقد كان يتم هذا الاختيار عادة من الجانب المريض المتداعي في المجتمع، ومن أوجه الحياة المنحطة والمعتمة في عالم الطبقات الدنيا، مثلما حاول غيرهم من كتاب القرن الثامن عشر تصوير شئون الطبقة الوسطى.
ولهذا بعد أن كان البطل الرومانسي يصور وهو يمارس إرادته الحرة، أصبح البطل في المسرحية الطبيعية ضحية بريئة لعوامل الوراثة، والظروف الاجتماعية التي فرضت عليه فرضًا.
كما أن خشبة المسرح قد تأثرت بهذا الاتجاه حيث حشدت المناظر وتفصيلاتها الدقيقة فوق المسرح لكي تنقل الطبيعة نقلاً حرفيًّا للمشاهدين. كما أن الممثل لابد وأن يدرك أنه لا يلعب دوره، بل يجب عليه أن يعيضه كما يعيشه في الحياة.


الفرق الشاسع بين المذهب الواقعي والمذهب الطبيعي

إن الفرق الشاسع بين المذهبين يتضح من مجرد النظر في اسم كل منهما، فالشيء الطبيعي هو الشيء المنسوب إلى الطبيعة.. الطبيعة كما خلقها الله.. الطبيعة التي لم تتأثر بالعوامل الخارجية الطارئة والتي يصنعها المجتمع في الغالب بما يتواضع عليه من تقاليد وآداب، وما يسنه من شرائع وقوانين، وما يقدمه من معاهد للعلم أو منشئات للفنون، وما يبتدعه من أصول الذوق العام.

والأدب الطبيعي هو ما يحدثنا عن تلك الطبيعة الفجة التي لم تتأثر بهذه العوامل المكتسبة، أما الشيء الواقعي فهو الشيء الذي تحول إليه الشيء الطبيعي بعد أن تاثر بتلك العوامل الخارجية الطارئة.. والعوامل التي صنعها المجتمع بما تواضع عليه من تقاليد وآداب، وما سنه من شرائع وقوانين، واقامه من معاهد العلم ومنشئات الفنون، وابتدعه من قواعد الذوق العام...

والأدب الواقعي هو ما يحدثنا عن تلك الحياة الواقعية المهذبة التي تأثرت بكل تلك العوامل المكتسبة وكل تلك الآداب المرعية.

ونحب قبل أن نمضي في الموضوع أن ننبه ما من إنسان في هذا الوجود إلا وفيه قدر من الواقعية... بل ليس ثمة مجتمع من المجتمعات إلا وفيه من هذا أو ذاك... إلا أنه إذا غلبت عليه سمات المذهب الطبيعي قلنا عنه أنه مجتمع طبيعي.. فإذا غلبت عليه سمات المذهب الواقعي سميناه مجتمعيًّا واقعيًّا.


خطر المذهب الطبيعي
إن هذا المذهب له من المخاطر ما يجعلنا نتوقف قليلاً لنتعرف عليها، فهذا المذهب يؤدي بجميع أربابه إلى الدمار الخلقي والصحي، وهذه مقولة نتوقف عندها لنتعرف على مدى صحتها من عدمه!

إن هذا القول ناشئ من التزام هذا المذهب الصدق في تسجيل مجريات الحياة، والمبالغة في التزام ذلك دون أن يعمل الأدباء حسابًا للعواطف المكبوتة التي يفجرها الإطلاع المكشوف على ما يجدر به أن يختفي ويستتر من موبقات العالم الجنسي.

هذا العالم الذي يثير الشهوات النائمة ويجعل أصحابها فريسة ذليلة لها، كلما حاولوا إشباعها لم تقنع وطالبتهم بالمزيد حتى تذوب قلوبهم وأبدانهم في جحيمها التي لا تعرف الشرائع، ولا تحفل بالتقاليد والأخلاق ويتيح لرجالها الجرأة... بل التهتك.. لأن المذهب الطبيعي ينتهي دائمًا إلى التحلل من هذا كله.

ويعد هذا كله هذرًا وسخفًا ارتبط العالم به مما كان سببًا في ظهور المذهب الوجودي. وقد اجتذب هذا المذهب ضعاف البنية من الأدباء المرضى والعليلين من المفكرين.


الأسباب التي أدت إلى ظهور المذهب الطبيعي

لعلنا نتساءل عن الاسباب التي دفعت هؤلاء المهتمين بالمذهب الطبيعي من كتاب القصة والمسرح إلى الأسباب التي دفعتهم إلى الازدهار في هذا المذهب،هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لماذا ركزوا على طبقة محددة،وهي الطبقة الدنيا من الفقراء؟.

يدعي أصحاب هذا المذهب أن أعمالهم قدمت عندما وجدت طبقة الأغنياء والمستقلين من الرأسماليين الذين سعوا إلى الكسب بأي أسلوب دون أن يفكروا في الوسيلة التي تحقق كسبهم. بل إنهم استغلوا العمال في المصانع والمزارعين في الحقول، مما جعل البيئة يسودها الاحتكار من جانب فئة معينة وأدى هذا إلى أن يسود الفقر والجهل والمرض- الثالوث القاتل.

وقد آثر أصحاب هذا الاتجاه أن يكتبوا من منطلق قانون النزاع على البقاء، وآثروا أن يركزوا على أبناء الطبقة الشقية من الناس، إلا أنه يعاب عليهم أنهم قدموا صورة فوتوغرافية تصيب الإنسان عند مشاهدتهم بالغثيان، كما فيها من افتقاد العمل للتحليل أو التعليل أو التفكير أو حتى مناقشة الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة.
وهم بذلك يختلفون عن كتاب المذهب الواقعي الذين تمتلئ أعمالهم بالأفكار المنطقية والمشكلات التي يبسطونها ساعين إلى إيجاد الحلول أو يتركونها في بعض الأحيان لنا أو لغيرهم من المفكرين لإيجاد الحلول المناسبة.

البناء الدرامي للمسرحية الطبيعية:
1- التقليل من عناصر موضوع المسرحية.
2- العقدة بسيطة إن وجدت.
3- التقليل من الحركة المسرحية.
4- التقليل من الأحاديث الجانبية.
5- التقليل من المونولوجات الطويلة والخطب المملة.
6- التركيز على الحوار الطبيعي الذي يتبادله المتحدثون. حيثما اتفق الحوار الخالي من التنميق والذي لا تربط أطرافه روابط الصنعة البلاغية والتعمد الزائف.
7- ونظرًا لاستخدامه هذا الحوار السائب يفتقد العمل والموضوع الذروة مما يجعل المشاهد هو الذي يتصور الذروة كما يحلو له.
8- لغة المسرحية الطبيعية لغة بسيطة دارجة بما فيها من إباحية ومعاني فاضحة والغمز واللمز عن الأساليب التي يستخدمها أبناء الطبقة الدنيا للتنويه عن خلجاتهم وأحاسيسهم، أي أن أسلوبهم إيجابي وليس صريح.
9- من حيث الموضوع، فيفضل الكاتب اختيار أحداث من العصر الذي يعيش فيه، مما يجعل الأحداث قريبة من نفوس المشاهدين، أي أنهم يركزون على الموضوعات التي توجع صدور المشاهدين بما فيها من مصائب أو خزي وخراب؛ وهم يعلنون أن هدفهم من وراء كل هذا الإصلاح، ولكنه ليس الغصلاح الذي يثور على قوانين الطبيعة.
10- كل هذا يؤدي ويجعل أبطال مسرحياتهم ضعاف، يسهل قيادتهم والتأثير عليهم، وهم يعنون من هذا المنطلق في مسرحياتهم بعالم الجريمة وهي ظروف تعادل القضاء والقدر عند الكلاسيكيين القدامى.

إذن، ينتج عن هذا أن أصبح معظم الكتاب الطبيعيين أقرب إلى التشاؤم والنظرة السوداء إلى الحياة ومستقبل الإنسانية منهم إلى التفاؤل والابتسام للمستقبل.

كتاب المذهب الطبيعي في المسرح

أ. روسـيــا

1- تولستـوي (1828- 1910)

نجح "تولستوي" فيما فشل فيه "زولا"، حيث كان طبيعيًا إلى أقصى حد في مسرحية "سلطان الظلام"، حيث صور قوة تأثير البيئة وتحكمها تحكمًا جبارًا طاغيًا في الفرد، إلا أن "تولستوي" نجح في أن يتجنب ما وقع فيه "زولا"، حيث أنه لم يكن مجرد آلة لتصوير البيئة تصويرًا لا تظهر فيه شخصيته، بل تصويرًا يتلاشى فيه ويفنى كما يفنى الطبيعيون.
وعندما جنب نفسه الوقوع فيما وقع فيه "زولا" فعل مثلما فعل "إبسن" الذي وقف في أعلى درجات السلم الواقعي وفي أول درجات السلم الطبيعي.


2- مكسيم جوركي (1868- 1936)

سار على نهج "تولستوي" حيث صور المعركة الحزينة المؤلمة بين المرء وبيئته تصويرًا طبيعيًا، غير أنه عنى عناية بالغة بهذه النفوس الضعيفة العاطفية المسلوبة الإرادة، وما يجره عليها هذا من تعاسة وشقاء ومن مغالبة الأحكام البيئية وأحكام ظروفها القاسية التي لا ترحم. والمدهش أن ذلك يظهر بوضوح في قصصه ومسرحياته، مثل مسرحية "الأعماق السفلى".

ب. السـويــد

1- سترندبـرج (1849- 1312)

يحسب لهذا الكاتب أنه لم يقصر موضوعاته على المعركة الأزلية الأبدية الناشبة بين قلوب الجنسين من الرجال والنساء، وقد نجح في أنه نقل المذهب الطبيعي في أكثر من مسرحية من مسرحياته، من بيئة الطبقات الفقيرة الحقيرة إلى بيئة الطبقات الوسطى ذات الغنى والوفرة ليصور على مبادئ المذهب الطبيعي، الانفعالات السفلى والعواطف الدنيئة التي تسيطر على أهل هذه الطبقة من الناس، فتنحط بهم إلى ما تشقى به الطبقة الدنيا، وهو ما يتجلى في مسرحية "الأب" و"الآنسة جوليا".

ج. فرنـســا

1- هنري بك (1837- 1899)

كتب "هنري بك"- زعيم المدرسة الطبيعية الفرنسية في المسرح- عدد من المسرحيات التي تندرج ضمن قائمة الأعمال المسرحية الطبيعية، ومن أهمها مسرحية "الغربان" و"الباريسية"، وقد اعترف به الكتاب الطبيعيون قبل وفاته أستاذًا ومنشئًا للمدرسة الطبيعية في بلادهم، بل منشئ تلك المدرسة الطبيعية في العالم كله في العصر الحديث.

2- أندريه أنطوان (1858- )

هو منشئ المسرح الحر 1887 في فرنسا، الذي بدء فيه بتقديم أربعة مسرحيات من ذات الفصل الواحد، تنتمي إلى الاتجاه الطبيعي. من ناحية أخرى فقد قدمت أيضًا مسرحيات "تولستوي" و"بسن" و"سترندبرج" و"هاوبتمان" الألماني "بجورنس" النرويجي.
ويرجع فضل "أنطوان" في أنه شجع صغار المؤلفين الذين لم تلمع أسماؤهم بعد، فيخرج مسرحياتهم في مسرحه، ومن هؤلاء من أصبحوا من مشاهير المؤلفين المسرحيين فيما بعد.

د. المسرح الحـر خارج فرنسـا

1- ألمانـيــا

أنشأ جماعة من الكتاب الألمان المسرح الحر وهم متأثرين وسائرين على المذهب الطبيعي، وكان على رأس هؤلاء "أوتوراهام" و"مكسمليان هارون" و"بول شلنتر"، فأنشأوا المسرح الحر على غرار المسرح الحر في فرنسا لإخراج المسرحيات الطبيعية التي شرع الألمان ومن بينهم "هاوبتمان" و"سودرمان" يكتبونها، وقد بدأ قبل تلك بعرض روايات "إبسن" و"زولا" و"إدموند دي جونكور" و"تولستوي"... إلا أن حياة المسرح الحر في ألمانيا كانت قصيرة مثلما هو الحال مع المسرح الحر في "فرنسا"، وذلك لبشاعة ما كان يعرض على خشبته من تلك المسرحيات الطبيعية المغشية للنفس، والتي وقف لها الرقيب بالمرصاد، فلم يصرح بعرضها إلا في حفلات خاصة ويدعي إليها الصفوة من رجال الفكر وببطاقات خاصة.

2- في إنجـلـتـرا

أنشأ "جرين Grein" المسرح الحر على غرار مسرح أنطوان في "باريس"، وللأغراض نفسها الذي أنشئ "المسرح الحر" الفرنسي من أجلها. وقد كتب "جورج برنارد شو" للمسرح الحر الإنجليزي مسرحيته "حرفة المـزوارن"، وهي من أولى الروايات التي ألفها، وقد ظل الرقيب يمنع عرضها مدة طويلة، إلى أن استسلم بسبب حملات "شو" النقدية.

3- أمـريـكــا
أنشأ مسرح حر في "نيويورك" عقب ذلك- عقب إنشائه في كل من "إنجلترا" و"ألمانيا"- فوجد هناك مرتعًا خصبًا كان من ثمراته تلك المسرحيات الطبيعية الموغلة في القذارة والتي راحت "هوليود" تمطر العالم كله بأوبئتها.. ولاتزال... ومن أهم الكتاب "أوجين أونيل" في مسرحيته "الحبل" 1918.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج