الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتجاهات المضادة للواقعية ..أ- الرمزية

أحمد صقر

2012 / 5 / 1
الادب والفن


الثــورة ضـد الواقعـيــة

أ. الرمـزيـــة

منذ ان ظهرت الواقعية كاتجاه ظهرت المدارس المعارضة لها التي استمرت فترة ليست بطويلة، إلا أنها جميعًا أثرت دون شك في الواقعية، وقد اضطرتها إلى تعديل مسارها، وقد قامت ثورات عديدة ضد الواقعية قبل الحرب العالمية الثانية، وتمثلت في الرمزية والتعبيرية والمسرح الملحمي (مسرح الغصلاح الاجتماعي)

أما الرمزية فقد أخذت تسميات أخيى، منها الرومانسية الجديدة أو الانطباعية... وقد نشأت وتطورت في "فرنسا" في الثمانينيات من القرن التاسع عشر وانتهت تقريبًا قبل نهاية القرن.

وهي تؤمن بأن الحقيقة لا يمكن استخلاصها من حقائق الحياة اليومية التي ندركها بحواسنا الخمس، كما لا يمكن الوصول إليها عن طريق العقل- على العكس، فالطريق الوحيد إلى الحقيقة هو الحدس الفطري.
أي لا يمكن إدراك الحقيقة عن طريق العقل وبذا فلا نستطيع أن نعبر عن هذه الحقيقة بلغة منطقية.

من ناحية أخرى، فالحقيقة يمكن الإيحاء بها عن طريق أفعال أو أشياء رمزية تثير في المتفرج إحساسات وأفكار تتناسب مع إحساس الكاتب بالحقيقة، ولذلك فالسطح الخارجي للبناء أو الحوار المسرحي لا قيمة له في ذاته. قيمته فيما يوحي به.

أما عن النواحي الأخرى التي تميز المسرحية الرمزية أنها لا تهتم بإحداث الحياة اليومية الصرفة، إذ أنها تسعى إلى التعبير عن رؤيا الفنان لحقيقة عليا لا يمكن التعبير عنها، وإنما يمكن فقط الإيحاء بها عن طريق الرمز.

وعليه نجد أن المسرحية الرمزية لا تقدم معنى واحد للحدث أو تجربة يمكن تعريفها على وجه التحديد، بل معنى يمكن تفسيره بطرق مختلفة لا نهاية لها. وقد جعلهم هذا يرون أن المناظر يجب أن تقتصر على لوحات توحي بلانهائية الزمان والمكان.

والنقطة المهمة بالنسبة للرمزية أنها تستخدم الرمز للتعبير البعيد عن التعبير المباشر مما يجعلها تسعى إلى عالم الفن الخالص الذي لا يخضع لأي منطق أو مفهوم عقلي.


نشـأة المدرسـة الرمزيـة

برغم أن استعمال الرمز بدأ مع أولى الخطوات التي وضع فيها الإنسان قدمه على الأرض، وذلك عندما شعر بحاجته إلى التعبير عن نفسه، وبعد ذلك انتقل هذا الأمر من الحياة إلى الأعمال الأدبية والفنية.

إلا أن الرمزية لم تعرف كمدرية أدبية ذات خصائص معينة إلا في عام 1886 على وجه التحديد، وما سبق هذا سواء عن قصد أو من دون قصد من استخدامات للرمزية لا يعني ميلادها إلا في هذه السنة التي علن فيها عشرون كاتبًا فرنسيًّا "مانيفستو" نشر هذه في جريدة "ألفيجارو الفرنسية" يعلن عن الميلاد الرسمي للمدرسة الرمزية، وقد أصابت هذه المدرسة القراء والجمهور بالحيرة وذلك لأنهم لم يعهدوا هذا الأسلوب من قبل.

من الأمور التي يجب أن نعرفها أن الحركة الرمزية في الأدب قد عاصرت الحركة التأثيرية في الموسيقى والفنون التشكيلية التي أطلقت العنان لكل إمكانيات التعبير، وأيضًا تاثرت إلى حد كبير بفلسفة "برجسون" ودراسات "فوريد".

من ناحية أخرى فهناك خط خفي يربط مابين المدرسة الرمزية والمدرسة المثالية التي عاصرت أواخر القرن التاسع عشر.

وإذا كانت الرمزية تعد بمثابة الخروج الكامل عن طريق التعبير الرومانسي المباشر، إلا أنها في الحقيقة تطوير لإمكانياتها في التعبير لدرجة أنه يمكن اعتبار الرمزية الامتداد غير المباشر للرومانسية نظرًا لتشابه النظرة إلى الوجود والغموض الذي يكتنف الكون والذي تأثرت له كل من الرومانسية والرمزية عن طريق المدرسة الأفلاطونية الحديثة.

انتشار الرمزية خارج فرنسا

ومن "فرنسا" تأخذ المدرسة الرمزية في الانتشار ليصل أثرها على الأدب الإنجليزي الصوفي وعلى المدرسة التصويرية والرمزية في "أمريكا" التي رفع لواءها "أزرا باوند" و"إيمي لوبل"، وعلى الرمزيين في "ألمانيا" بزعامة "ر.م.ويلكة" و"ستيفان جورج"، وعلى مدرسة المجددين في "أسبنانيا" وارتبطت الموسيقى بعد ذلك بالمدرسة الرمزية بزعاة "فاجنر".

وعندما كتب "إبسن" مسرحياته تمكن من الاستغلال الدرامي للرمز بحيث أصبح منهجًا معترفًا به في المسرح تأثر به من بعد "ماترلينك" و"يتسن" و"سنج" و"تشيكوف" و"يوجين أونيل"، وتسلك الرمزية أيضًا إلى الرواية وخاصة في روايات "جيمس جوس" و"جيل رومان" و"ريتشارد هوفمان" وكذلك في شعر ت.س.إليوت"، كل هذا أدى فيما بعد إلى الوصول إلى المدارس الادبية الاخرى مثل السريالية والتجريدية والتعبيرية.

ولاشك فإن التأثير السريع الذي تمارسه مدرسة أدبية محلية على الأدب العالمي بحيث تبشر بها ويستفيد منها بعد ذلك، ليدل دلالة واضحة على أن الأدب العالمي وحدة متكاملة مهما اختلفت الاتجاهات وتنوعت المشارب لإن النفس الإنسانية لا تختلف باختلاف المكان أو الزمان، ولكن الذي يختلف هو طرق التعبير عن صراعاتها وآمالها وآلامها، والأدب خير ما يبلور هذه الحقيقة.


موضـوعـات الرمـزيـة

سعى كتاب الرمزية- وأهمهم "موريس كيترلنك" و"إدجار ألن بوالامريكي"- إلى اختيار نوعية موضوعات تتمشى مع احتياجاتهم لكي توصل قضيتهم وتحقق الهدف المنشود، لذا نجد أن موضوعات مسرحياتهم من الماضي، ومع تجنب كل محاولة لمعالجة المشاكل الاجتماعية أو الاقتراب منها.

كل هذا جعل هدفهم يأتي مثل هذف النيو كلاسيكيين والمتمثل في الإيحاء بحقيقة عالمية لا تعتمد على المكان أو الزمان ولكنهم يختلفون عنهم في إيمانهم بأن الحقيقة لا يمكن أن تحدد منطقيًّا.

1- موريس ميترلنك – البلجيكي:
قدم "موريس ميترلنك" أهم مسرحياته المعروفة باسم "بيلياس وميلينراند" 1892، وهي اشهر المسرحيات الرمزية، وهي تحكي قصة زوجة شابة تقع في غرام شقيق زوجها الأصغر منه سنًا، ويقتل الزوج شقيقه وتموت الزوجة حزنًا على عشيقها.

هذا هو السطح الخارجي للمسرحية، ولكن الأفكار والمشاعر التي تعبر عنها المسرحية هي التي كانت تهم "ميترلنك"، فهو يوحي بأن الحياة سر غامض في معناها وفي القوى التي تتحكم فيها، وهو لا يعبر عن أفكاره بطريقة مباشرة، وإنما يوحي بها عن طريق الرمز.

ورموز المسرحية تحمل المعاني التالية:
- البحر = الطريق الوحيد للنجاة.
- الغابة = تحيط بالقلعة، وتكاد تكتم أنفاسها وهي مقترنة بظلام الاماكن المرتفعة والمنخفضة.
- النور = الحقيقة والصراحة والسعادة.
- الظلام = الأسرار والمجهول.

وعليه نجد أن الشخصيات ليست شبيهة بشخصيات الحياة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الممثلين ينشدون الحوار ويستعملون حركات وإشارات غير مألوفة لزيادة تأكيد اختلاف العالم الذي تحاول المسرحية استكشافه عن عالم الواقع.

وقد انتهت الرمزية كحركة مستقلة، إلا أن أثرها ظل مستمر حتى وقتنا هذا في القرن العشرين وساعد على ذلك ظهور وانتشار آراء "فرويد"، الأمر الذي جعلنا نرى الرمزية كمنهج مضاد للواقعية ليتضح في كثير من الاتجاهات والمدارس المسرحية في القرن العشرين.

وقد واجهت الرمزية الكثير من الرافضين والمعارضين، الأمر الذي جعلهم يسعون من أجل إنشاء مسارح مستقلة لهذا النوع في "فرنسا"، فأنشأوا مسارح الفن الذي أسسه "بول فودت" ومسرح العمل الفني الذي أسسه "لوجني بو".

2- هنريـك إبسـن:
استخدم "إبسن" الرمز في بعض أعماله المسرحية وخاصة أعماله المسرحية التي كتبها في بداية حياته، وأهمها مسرحية "براند" و"البطة البرية" و"الأشباح".
إلا أن بعض النقاد يذهبون إلى أن استخدام الرمز هو نتيجة لقصور المسرحية التي من هذا النوه.. نوع مسرحيات "إبسن" التي يحاول النقاد الاصطلاح بانتماءها إلى المذهب الواقعي، وإن كان ذلك يضيرها في شيء أكبر من محاولة وضعها في خانات أبدًا تضيق بعظمة هذه المسرحيات.

- البطـة البريـة:
استخدم "إبسن" الرمز في تلك المسرحية استخدامات شتى، وفي أماكن متفرقة، بحيث نجده يهيمن على المسرحية ويمسك بجماعها، وقد استغل الرمز بصورة عامة، وأخرى خاصة، في شكل رموز صغيرة تصب في الصورة العامة أو الرمز الكبير.

ويعدها الكثير من النقاد نقطة تحول في فن "إبسن" نحو الرمزية، كما تعتبر "أعمدة المجتمع" و"بيت دمية" نقطة التحول نحو الواقعية.

إن البطة التي سميت المسرحية باسمها لا تلعب أي دور إيجابي في المسرحية، ومع ذلك فهي الرمز الذي تفهم به المسرحية كلها.

إنها بطة اصطادها "فيرل"، وهو رجل غني كان يوم ما شريكًا لـ"أكدل" صاحب البطة الحالي، وهذا الأخير اتهم في تبديد أشجار للحكومة، فحوكم وسجن وتخلى عنه "فيرل"، ولو أنه يساعده على المعيشة بعد خروجه من السجن، وتلك البطة من بعض كرمه على شريكه القديم.
إن هذه البطة هي رمز للأسرة كلها، الأسرة الكسيحة التي لم تستطيع أن تطفو على السطح بعد أول رصاصة.

من ناحية أخرى فإن "إبسن" في مسرحيته هذه لم يشرح الرمز كما فعل في "الأشباح" ولم يحدده، بل ترك مدلوله واسعًا غني بالأفكار، فكان كالمرآة تنعكس فيها صورة كل أفراد المسرحية جميعًا.. فإذن الرمز هو المسرحية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر


.. وصول نقيب الفنانين أشرف زكي لأداء واجب العزاء في الراحلة شير




.. عزاء الفنانة شيرين سيف النصر تجهيزات واستعدادات استقبال نجوم


.. تفاعلكم : الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحته ويتألق مع س




.. المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق يكشف عن أسباب اعتماده على ق