الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يُمسخ عيد العمال.

محمد عبعوب

2012 / 5 / 1
ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012


صباحا هذا اليوم سالني ابني الصغير ذي الثماني سنوات:
- ما هو عيد العمال يابابا؟
فكرت مليا قبل ان اجيب عليه، حاولت استجماع ما تختزنه ذاكرتي المثقوبة باربعة عقود من المسخ والتصحر الثقافي الذي فرض علينا، حول هذا العيد، وقررت ان اجيب عن تساؤله بإجابة مقتضبة:
- عيد العمال يا إبني هو مناسبة يحتفل فيها العمال ويذكِّرون فيها العالم بانهم هم من يصنع الحياة للناس بعرقهم وجهدهم، ويجب انصافهم في جهدهم هذا.
- يعني عيد المصريين يا بابا؟
- لالالالا عيد كل عمال العالم، بما فيهم انا الذي اعمل في مجال الصحافة.
- بس العمال المصريين هم من عملوا صيانة لبيتنا، ولم اشاهد عمال ليبيين في الشارع ؟!!
- هناك عمال ليبيون في المصانع والورش والميناء وفي مزارعهم.....
وقررت وقف النقاش عند هذا الحد، ذلك ان الاسترسال في تحليل الوضع الشاذ الذي نحن فيه اكبر من ان يستوعبه هذا الطفل وليس عندي الوقت والنفس للدخول في حوار قد لا يؤتي ثماره..
في ليبيا تحت حكم معمر القذافي لم يفلت قطاع من قطاعات الشعب من المسخ والتزوير بما فيها قطاع العمال، وبعد انقلابه مباشرة في اول سبتمبر 1969م جرد القذافي العمال من اهم واخطر سلاح يمتلكونه ، وهو حق التظاهر، بأن اصدر قانونا يجرم التظاهر ويرقى التجريم في هذا الشأن الى حد الادانة بالخيانة التي عقوبتها الاعدام.. ولم يكتف هذا الطاغية بهذه الخطوة، فعمد الى تدجين النقابات العمالية وحلها والايعاز الى اذنابه بتشكيل نقابات صورية تنفذ أوامره، وذلك ضمن مخطط واسع فكك بموجبه كل منظمات المجتمع المدني الفاعلة التي ما كانت لو بقيت لتسمح له بما ارتكبه في حق البلاد والعباد من تدمير ممنهج، وبذلك بدات تختفي من ذاكرة الليبيين طبقة العمال كجماعة منظمة وفاعلة في المجتمع..

وطور القذافي من حربه ضد شريحة العمال الليبيين فبعد أن زج بالسواد العظم منهم في منظومته العسكرية التي سحقتهم حتى العظم بسلسلة من التنقلات الصاروخية المنهكة والحروب العبثية المدمرة، عمد الى اختلاق لعبة عبثية ماكرة تلهي من تبقى منهم خارج المنظومة العسكرية عن واقعهم وتدفعهم في ملهاة عبثية من التنظير المشوه المستنسخ عن الفكر الماوي تقضي بتحول العمال الى ما دعاه بـ"المنتجين" مطلقا خطابات رنانة كعادته يدعو فيها العمال الى السيطرة على مواقع الانتاج التي تعود لمستثمرين خواص وتلك المؤسسات المتهالكة التي تعود للدولة، أما عمال قطاع النفط -اكسير الحياة لنظامه- فقد كانت مسرحية التحول للانتاج فيها كوميدية لم تطل جوهر تلك الشركات التي تمده باسباب الحياة. والمتأمل لتلك الخطب الرنانة والمحاضرات السمجة والمملة التي كان ينظر فيها الطاغية أمام اولئك البؤساء يعتقد ان ليبيا لديها ملايين العمال، فيما هم في واقع الحال، وبعد أن زج بسوادهم الاعظم في المؤسسة العسكرية، لا يشكلون نسبة 10% من السكان حسب تقديري.. ولا ننسى الاشارة الى أن اكثر من 20% من القوى العاملة في ليبيا اليوم تعيش البطالة بعد ان دمر القذافي اقتصاد البلاد ..

وعلى مدى السنين تحقق للقذافي هدفه الاستراتيجي، وهو تدجين طبقة مهمة وفاعلة في المجتمع وهي طبقة العمال والموظفين بتحويلها الى ادوات تنفذ ترهاته ونظرياته المهترئة، واصبح نظامه في مأمن من اي مظاهرة قد تحرك الشارع ضده وضد سياساته الخرقاء على كل الاصعدة.. وهكذا ولد جيل لا يعرف شيئا عن العامل والعمال وعيدهم، ومنهم ابني بعد إن اختلق لهم القذافي عيدا جديدا اسماه عيد المنتجين.. وبقي عمال ليبيا على مدى اربعة عقود يحلمون في احتفالاتهم السنوية التي يسخر لها الطاغية مهرجانات الدجل والكذب، بوهم الشراكة والرفاه الذي يحدثهم عنه المُنظِّر الاممي، فيما يعيشون واقعا مزريا فاق في تدني مستواه واقع العمال في الدول الراسمالية.. فمعظم المصانع والمؤسسات والورش التي تعود للخواص تدهورت اوضاعها وانتهت بفعل عصابات النهب والسراق التي سلطها الطاغية عليها الى الافلاس واصبح مصير عائلات عشرات الآلاف من العمال في مهب الريح ، ولم تفلح عمليات الترقيع التي ابتكرها سدنة النظام في انقاذ الموقف، وكان العلاج الاصلح لهذه المعظلة التي تهدد نظام القذافي هو وضع هذه الطبقة تحت السيطرة الامنية، وتحويل ضحايا سياسة التحول للانتاج كما يسميها، بشكل جماعي الى جهاز الامن الداخلي، الذي تحول بهذا القرار الى دولة قائمة بذاتها يزيد عدد افرادها على عدد افراد الجيش، وهكذا ضمن القذافي مرة أخرى الابقاء على من تبقى من شتات طبقة العمال دون فاعلية وتحت السيطرة الامنية المتغولة لجهاز الامن الداخلي الذي كان مجرد ذكر اسمه امام اي مدني تجعله يبتلع لسانه، وبالمناسبة لقد كان تحويل اي موظف يخطئ بدون قصد في حق النظام، او يتجرأ على اي من كبار اعمدة النظام -ليس القذافي و لا ابناءه طبعا فالتجرؤ على هؤلاء يعني الاعدام فورا- الى جهاز الامن الداخلي عقوبة له، وكان قطاع العاملين في الاعلام من صحفيين وفنيين هم اكثر من قضى شهورا في معتقلات هذا الجهاز او سنوات في سلكه الوظيفي، ومنهم من لا زال حتى اليوم يعمل في هذا الجهاز.

وهكذا فقد الليبيون خاصة الاجيال التي ولدت بعد انقلاب القذافي اي صلة لهم بواحدة من الثقافات العالمية التي تحضى باهتمام واسع وهي ثقافة العمال، فمسخ القذافي بنظرياته الوهمية ذاكرة الكبار وتصحرت ذاكرة اجيال الشباب الذين نشأوا في ظل نظامه من اي ذكر لهذه الثقافة، وهذا ما نلمسه اليوم في الاحتفالات المشوهة بهذا العيد في المدن الليبية والتي لم يستوعب سكانها فكرة عيد العمال العالمي، ونرصد مشاهد مصطنعة ومشوهة لإحياء هذا اليوم وذلك نتيجة المسخ الذي تعرضت له ذاكرة الليبيين في ظل نظام ظل يحكمهم لأربعة عقود ويعدهم بفردوس ارضي وهمي لا وجود له إلا في خياله المريض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على