الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اجداد البشر: ماقبل الايريكتوس -1

طريف سردست

2012 / 5 / 2
الطب , والعلوم


الحلقة الاولى

بدأت القصة كما في القصص الكلاسيكية، في يوم مشمس كان احد الصبيان يلاحق كلبه في الاراضي البرية عندما تعثر بحجر ليخرج من تحته عظم صدر، ظهر فيما بعد ان العظمة تعود الى صبي لقردة انسانية، ولكن هذه اللقية يمكن ان تكون الجواب على المصدر الذي خرجت منه الانسانية.

هذه الحادثة جرت في عام 2008 عندما كان والد الصبي الباليوانتروبولوجي Lee Berger وزميله Job Kibii بصحبة الصبي في رحلة الى منطقة Cradle of Humankind المشهورة بإحتوائها على المستحاثات والواقعة جنوب غرب يوهانسبيرغ في جنوب افريقيا. قبل ذلك كان لي بيرغ قد استخدم صور الاقمار الصناعية لوضع خارطة مفصلة للمنطقة تكشف عن الاماكن المحتملة للمستحاثات. على الخريطة اشر على مناطق المغارات المحاطة بالغابات ومخازن الماء. وخلال عطلته كان قد اشر على 500 مكان محتمل.

عندما عثر ابنه على العظام ونادى ابناه شعر البروفيسور على الفور انهم قد عثروا على شئ جديد. تحت الحجر كان يوجد ايضا ضرس وحنك تعودان للقرد الانساني، وكلاهما في حالة جيدة. بعد ذلك استمر البحث وتمكنوا من العثور ليس فقط على بقية الصبي وانما ايضا على هيكل لشخص بالغ، على الاغلب ام الصبي، كلاهما في حالة جيدة ويرجع عمرهما الى مليونين سنة.

اقرب مستحاثة، عثرنا عليها، لهيكل كامل من الفترة المبكرة تعود الى ماقبل 3,2 مليون سنة وهي للوسي من اثيوبيا ومن الجهة الثانية هناك صبي توركانو من كينيا ويعود الى ماقبل 1,5 سنة. لوسي تنتمي الى الفصيلة Australopithecus afarensis, في حين ان صبي توركانو يعود الى فصيلة الهومو ايريكتوس. من الواضح ان هناك منطقة بيضاء مابين القردة الانسانية الى الاصناف الانسانية، إذ اننا لم نعثر على الكثير من المستحاثات للفترة الانتقالية من القردة الانسانية الى الانسانيات، وغالبية ماعثرنا عليه عظام متفرقة.

منذ لحظة الاكتشاف اهتم العلماء من مختلف انحاء العالم وباشروا التحليل والدراسات والان اصبحت النتائج جاهزة.
تتميز اللقية بان العظام كاملة ومتجمعة في مكان واحد وغير محطمة او متكسرة. إضافة الى ذلك ليست هيكل واحد وانما اثنان. وعلى الرغم من ان احدهم لصبي الا ان الباحث لي بيرغ يشير الى انه كامل النمو بنسبة 90%. ذلك يعطي الامكانية للقيام بالقياسات والتحليل والاستنتاج بدون الاضطرار للتقدير الاتي.


المؤشرات الاناطومية من الجبهة الى اصابع القدم ممتلئة بملامح مختلطة لم يحدث لنا ان رأينا مثيلا لها. قسم من الملامح تشير الى اناطوميا الانسان في حين ان قسم اخر تشير الى اناطوميا القرد - الانسان المتأخر. " هذا بالذات ماكنا ننتظره من حلقة انتقالية. قسم من العلماء سيقولون انه اوسترالوبيثكوس في حين ان القسم الاخر سيقول انه من صنف الانسانيات"، حسب البروفيسور لي بيرغ.
كلا الهيكلين لشخصين كانوا بطول 130 سم ووزنهم 30 كيلو. الجمجمة تملك دماغ صغير مثل مالدى القرد. هذا المؤشر الاخير هو الذي قرر مكانهم في التصنيف الى جانب القردة الانسانية ليصبح اسمه Australopithecus sediba. سيديبا تعني النبع او المصدر في اللغة المحلية لشعب السوثو، وهي احدى اللغات الاثنى عشرة من لغات جنوب افريقيا الرسمية.

إذا نظرنا الى الجمجمة سنجدها متميزة للغاية. الحجم هو الاصغر على الاطلاق في المقياس العام. الدماغ 420 ميلليمتر وهو اصغر مما لدى لوسي ويتماثل مع مالدى الشمبانزي. وفي الفم توجد مجموعة من الاسنان لاتشبه مالدى لوسي وانما مالدى الانسان، مما يدلل على انه يأكل طعام يحتوي على نباتات اقل ولحوم اكثر.

وإذا نظرنا الى وجه سيديبا سنجد ملامح تؤسس لملامح الانسان: تموضع الوجه يتوجه اكثر نحو تحت الجبهة في حين ان عظام الوجنتين والانف تبرز تماما كما لدى الانسان اليوم.

اكثر ماآثار اهتمام العلماء عندما قاموا بتصوير الجمجمة بالاشعة ليظهر ان شكل الدماغ بعيدا عما هو لدى الانسان ولكنه اقرب للانسان بالمقارنة مع دماغ الشمبانزي. على الاقل منطقتين ادهشت الجميع: الفص الجبهوي الذي يتموضع مباشرة خلف العيون وعند الانسان يحتوي على العمليات العقلية العليا كالتخطيط البعيد المدى والقدرة على التقدير، نجده اكبر وغير متناظر بحيث ان الجانب الايمن اكبر قليلا من الجانب الايسر. كما يوجد تجويف كبير مباشرة خلف الصدغ الايسر بما يشبه منطقة في دماغ الانسان الحديث تسمى منطقة بروكاس Brocas, ولها علاقة باللغة والقدرة على النطق.

حسب العلماء فإن دماغ سيديبا يرينا عمل الماضي عندما مر في مرحلة إعادة تنظيم في الطريق الى دماغ الانسان. ان سيبديبا غيرت تماما الصورة عن تطور الانسان. كلاسيكيا كان الاعتقاد ان الدماغ تطور نمى ببطء من دماغ لوسي الصغير (450 ميلليمتر) الى دماغ الانسان الكبير (900 ميلليمتر) ومن ثم جرى اعادة التنظيم الى ماهو عليه الحال لدى الانسان. غير ان نموذج سيديبا يشير الى ان الدماغ استمر صغيراً الى ماقبل مليونين سنة في حين ان اعادة التنظيم الداخلي كان هو الخطوة الحرجة في الطريق نحو الانسنة العقلية.

كون تطور الدماغ جرى في مرحلة متقدمة عن المتوقع يتأكد من حوض سيديبا. تطور الدماغ مرتبط بتطور الحوض لكون لابد من تلائم عظم الحوض مع حجم الرأس عند الولادة. عظم الحوض عند سيديبا عريض وقصير يتشابه مع مالدى الانسان اللاحق الهومو ايريكتوس والنيندرتال. غير ان سيديبا تملك رأس صغير فما هي القوة التي دفعت في إتجاه تطور عظم الحوض نحو التوسع، إذا لم يكن الدماغ؟

على كل الاحوال يشير عظم الحوص الى قدرة سيديبا على المشي المنتصب. المؤشرات تقول ان سيديبا كانت قادرة على السير المنتصب عندما تسير على الارض وقادرة على التسلق على الاشجار. انها قادرة على التسلق على الاشجار توجد اثار ذلك حيث ان صفائح الكتف العظمية تشبه مالدى القرود والاذرع طويلة ولها عضلات قوية. على العكس نرى ان اليد ليست يد قرود وانما تقريبا يد انسان، على الرغم انها تعود الى ماقبل 2 مليون سنة. انها يد قادرة على القيام بالاعمال اليدوية التي تميز الانسانيات.

اليد تشير الى ان صاحبها اصبح يعتمد اقل على الاشجار واصبح يمارس اكثر استخدام الادوات اليدوية. كل هذه الملامح مع بعض تشير الى ان سيديبا اصبحت جاهزة للتطور في إتجاه الانسنة، وانها لاتزال هناك تفاصيل صغيرة للوصول الى مرحلة الهومو ايريكتوس.

الباحث الانكليزي Chris Stringer, من متحف التاريخ الطبيعي في لندن يتفق في الاعتقاد ان سيديبا هي الاكثر قراية للخط الانساني بين القرود الانسانية متجاوزة لوسي وبقية اللقى الافريقية. وعلى الرغم من انه يرى ان الوقت لازال مبكرا للقول ان سيديبا هو الخط البشري يؤكد على ضرورة انتقال الاهتمام الى جنوب افريقيا للبحث عن الرحم الذي خرجت منه البشرية.

بالتأكيد هناك علماء اخرون يعارضون هذا الاستنتاج. الباحث البالينتولوجي Bernard Wood, من جامعة جورج واشنطن يشير الى ان شكه نابع من كون الوقت قصير للتحول من سيديبا الى الايريكتوس. اخرون يشيرون الى حنك عمره 2,3 مليون سنة وجرى العثور عليه في اثيوبيا (Hadar) ويعتبرون انه يعود الى نوع من انواع الانسانيات. ذلك ينفي إمكانية انه انحدر عن سيديبا، وبالتالي ان الانسانيات انحدرت عن سيديبا، لكون سيديبا ظهرت بعده بثلاثمئة سنة.

غير ان لي بيرغ يشير الى نقطتين:
اننا لانعلم غير سيديبا كنقطة تاريخية، وذلك لايكفي لتوثيق الامتداد التاريخي لها، إذ يمكن ان تكون قد تواجدت قبل هذا التاريخ بكثير واستمرت فترة طويلة بعده. والنقطة الثانية ان مجموع ملامح سيديبا تجعلنا ننظر الى ملامح بقية المستحاثات بطريقة اخرى جديدة.

يقول:" شئ مهم نتعلمه من سيديبا انه لايجوز لنا استخدام لمحة اناطومية واحدة لنحكم على بقية الملامح. لو كنا مثلا عثرنا فقط على اسنان سيديبا او فقط على حنكها لقلنا انها اسنان او حنك تعود للانسانيات".

هذه الحجة تملك مقدارا كبيرا من الحقيقة، ويعود الى سيديبا فضل تعليمنا اياها. قطعة واحدة، مهما كانت تتشابه مع الانسانيات، لاتكفي للقول على انها كذلك فعلا. ولازال الجميع يتشوقون للعثور على المزيد من اللقى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توضيح
magdi zakaria ( 2012 / 5 / 3 - 10:01 )
استاذ طريف
وجود الانسان على الارض يتجاوز السته الاف سنه بقليل
وبدأت الحياه البشريه بأدم وهو لم يكن قردا بل بشرا سويا بل انسان
كامل جسديا وعقليا وروحبا اكثر بكثير من اى انسان عاش بعده الى الان
وكل مانسمعه من قصص كالتى ذكرتها هو احتيال علمى ينكشف بمرور الوقت


2 - والدليل؟
طريف سردست ( 2012 / 5 / 3 - 11:08 )
السيد مجدي زكريا
عندما نتكلم من منظور العلم لابد ان نقدم دليلا علميا وموضوعيا على اي ادعاء وعلى مبررات رفضنا للادلة المادية. ان مجرد توجيه الاتهامات وحدها لايكفي ولايغير مكان الحق لمجرد تمنياتنا. ان المبدأ الذي يجب التمسك به واضح: هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين

خالص الود


3 - ---
حسين عمر ( 2012 / 5 / 3 - 11:14 )
شكرا لك سيد سردست على المقال للأسف لم نتلقى تعليما أوليا عن التطور و أصل الإنسان بسبب نفوذ عقلية الكاتب الموقر أعلاه الذي يقول أن عمر الأرض و الإنسان ستة آلاف سنة (مسلمين و مسيحيين فهو مسيحي). لذلك لايمكنني سوى التعقيب بالشكر على ماتفضلت به فمعلوماتي في هذا الجانب ضئيلة و لم أتعلم عن التطور شيئا إلا بعد جهود أمثالك ممن ترجموا وثائقيات قيمة عن هذا التاريخ..

سيد مجدي زكريا, بامكانك الايمان بما تشاء لكن لا تجعل للعلم و المعرفة سقفا..


4 - اما نظرية داروين وإما فرضيات الأساطير
رمضان عيسى ( 2012 / 5 / 3 - 17:30 )
جاء في التوراة في سفر التكوين - قال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية وليطير طير فوق الأرض على وجه جلد السماء ،فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحيةالدبابة التي فاضت بها المياهك كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه - (التكوين 20- 21 ) وورد أيضا:-قال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها، بهائم ودبابات ووحوش أرض كأجناسها - التكوين آ 24 , ان هذا يفترض ثبوت أجناس العضويات الحية دوما ودون تغير ولا تطور ولا تحور .
هذا هو الفهم الذي تقوم عليه الآراء التي تعارض نظرية داروين , وداروين من خلال مشاهداته وبحوثه رأى أن الأجناس العضوية بما فيها الانسان لم توجد بأمر علوي ولمرة واحدة , بل هناك تسلسل عضوي تطوري لجميع العضويات الحية من حيوان وطيور وزواحف وانسان على سطح الأرض استغرض ملايين السنين, بحيث كان يزول من لم يستطع من الكائنات أن يكيف نفسه وتتكيف أعضاءه مع ظروف حياته وظروف صراعه من أجل بقاءه .
فماذا يقول العلم ,: انه مع النظريات التي تنتج عن المشاهدات الحية والتي تثبتها الوقائع والاكتشافات . أما عن آدم وبداية البشرية , انظر مقالي في الحوار بعنوان : آدم بين المعيار الديني والمعيارالعلمي

اخر الافلام

.. حديث السوشال | مشاهدة مذهلة لأعماق الكون .. ناسا تنشر لقطات


.. ممرض يشكو سوء الوضع الطبي في شمال غزة




.. اتفاق تشاوري حول المياه الجوفية بين الجزاي?ر وتونس وليبيا


.. غزة: انتشال 332 شهيدا من المقبرة الجماعية فى مجمع ناصر الطبى




.. ما الجديد الذي استحدثته مايكروسوفت في برنامج الذكاء المصغر؟