الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياب رحيل مبكر وقامة لاتمحى

قاسم محمد مجيد الساعدي
(Qassim M.mjeed Alsaady)

2012 / 5 / 2
الادب والفن


السياب رحيل مبكر وقامة لاتمحى

اسئلة كثيرة تطرحها حياة السياب في ذلك المصير التراجيدي وربما هي متوافقة مع مقوله اوسكار وايلد ان سيرة ما لكي تكون جميلة ينبغي ان تنتهي بكارثة !
لكن حياة السياب لم تنتهي بكارثة رحيله المبكر والمفجع فحسب بل امتدت طيلة وجودة حيا بالشقاء والعذاب فأولى خطوات الاحساس به بدأتها بتلك الرغبة المتعاظمة بخروج امه ( كريمة ) من تلك الوهدة العميقة ( أماه ليتك لم تغيبي -- خلف سور من حجار-- لا باب فيه لكي أدق-- و لا نوافذ في الجدار ) ترافق مع شعوره بفداحة الفقد خيبة التمني في ان يكون الاب ملاذا ومعوضا ( ابي مني قد جردته النساء – وأمي طواها الردى المعجل )
لكن تلك الارض الرخوه التي يمشي عليها هذا الصبي تصدعت اكثر بوفاة جدته ( امينه ) ليمنح هذا الحدث الظهور المبكر لنزعة انطوائية جسدها بوضوح في اغلب قصائده المغردة والصادرة من روح شفافة حزينة والتي أراد فيها ان تكون معادلا لكل الآمه
فالسياب الشاعر الخجول القادم من اقصى مدن جنوب العراق هو صاحب الريادة الشعرية وفاتح العصر الجديد للشعر العربي الذي شكل انقلابا على الاطر الشعرية التقليديه و الاوضح صوره والأعمق في استثمار الرمز والاسطوره والتي اغنت قصائده وعمقت من جوهرها والشعر بالنسبة اليه مشروع حياة ... لكنها حياة مثقلة لم تهادنه أبدا لاأزماتها ولا خذلانها المستمر له فمن الخيبة من الانتماء السياسي الى الخيبة من المدينه القاسية التي لايفهم سرها ولم تعد مستودعا لأحلامه ( وتلتف حولي دروب المدينة -- حبالاً من الطين يمضغ قلبي (
يقول الناقد الكبير ماجد صالح السامرائي ( لقد داهمت المدينة أحلامه فشتتها انها مدينه مزدحمة مكتظة برؤى لم يألفها وعلاقات غريبة عن تلك البساطة التي جبل عليها ) لكن المعاناة من اخفاقات في انتمائه السياسي وتنقله من حركة الى اخرى لم يقل اخفاقا في حياته العاطفية فمن حبة الاول للراعية هاله (ذكرت سرب الراعيات على الربا --- وبين المراعي في الرياض الزواهر ) الى الكثير ممن بنى لهن قصورا في عالم الخيال ( غنى ليصطاد حبيباته – فاصطاد اسماء حبيباته ) وخفق قلبه مرات ومرات لكنه لم يجد الا الصد ووصل الى اليقين المخيف انه ليس الرجل الذي تحلم به النساء وهو العاشق الذي ادرك ان لاجواب يأتيه لكنه كان يستطيب اساه في مملكه احلامه المحتضرة والهوى كان وهما" (كان الهوى وهما" يعذبني الحنين الى لقائه )
ومثل كلكامش في رحلته للبحث عن سر الخلود مثله السياب يبحث عن سر الشفاء وهو المحاصر بالموت في كل لحظة تستقبله مستشفيات لندن وبيروت فلا تنفع استغاثته وصرخاته وهو المستنجد بالحياة على الموت و القريب من تلك الهواجس التي اجتاحت الشاعر الفرنسي فلوبير ذات يوم حين غبط الشعراء ( اذ ان لكم متنفسا في شعرك انكم تكتبون قصيده تواسون بها قلوبكم كلما ازعجكم شيء )
لكن كل قصائد الدنيا لا تواسيه فالجسد المعلول بانتظار معجزه الشفاء
(شهور طوال وهذي الجراح -- تمزّق جنبي مثل المدى --- ولا يهدأ الداء عند الصباح --- ولا يمسح اللّيل أو جاعه بالردى ) لكن زمن المعجزات قد ولى فلا احدا يلتفت الى معاناته وألمه وصبره لا من الاصدقاء ولا من الحكام الذين تركوه ينازع في ليله باردة في المستشفى الاميري في الكويت ليحمل جثمانه ثلة من معارفه وأصدقائه في يوم ممطر وكأن المطر يلقي اخر قصائده على بدر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا