الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا أصبحت بلا ديون, فهل نتفاءل؟

منير شحود

2005 / 1 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


عندما سمعت تصريح وزير الإعلام بأن سوريا ستكون الدولة الأولى بين الدول النامية غير المدينة لأحد, وذلك بمناسبة إلغاء الجزء الأكبر من الديون المستحقة لروسيا, كنت أزور مسقط رأسي في إحدى قرى جبال الساحل السوري, وكانت الريح الشرقية الباردة تعصف بالصمت والسكون. وما عدا القليل من القصور المتربعة على عروش تلك الجبال والهضاب, والعائدة لأولئك الذين "هبشوا" ثرواتهم في وضح النهار, وتحت سحب الشعارات الوطنية المعطاءة, مازالت هذه المناطق الريفية, مثلها مثل باقي الريف السوري, أو أحزمة الفقر حول المدن الكبيرة, تئن تحت وطأة الفقر, ويبحث قاطنوها عن لقمة العيش الكريمة بأي ثمن.
وحول المدفأة التي تحلَّقنا حولها, اعتبرت إحدى النساء نفسها محظوظة, لأنها وجدت عملا في أحد المشاغل الصغيرة بمرتب يعادل حوالي 50 دولار, رغم استمرار العمل من الصباح إلى المساء. ولا يمكنها الاحتجاج بالطبع؛ لأن أي كلمة ستعني الطرد من العمل, في الوقت الذي تقف فيه الكثيرات من النسوة على أبواب المشغل, طلبا لمثل هذه الفرصة الثمينة!. كما حدثني رجل آخر بأنه طرد من العمل في أحد معامل القطاع الخاص لصناعة الحديد دون أي تعويض, بعد أن عمل فيه عشر سنوات, وقد احتوت أوراق المباشرة بالعمل على تنازل شخصي عن التعويضات في حال التسريح من العمل. وتجدر الإشارة إلى أن قائمة ذلك الرأسمالي الوطني (هل أضع كلمة الوطني بين قوسين؟) كانت قد فازت في انتخابات غرفة تجارة مدينة طرطوس, رغم كل ما قيل حول تلك الانتخابات!. فأين أنت أيتها النقابات, وماذا تفعلين بحق الله؟!.
أما الحصول على وظيفة رسمية في مؤسسات الدولة, حيث لا يتجاوز المرتب فيها 100 دولار بالنسبة لهؤلاء, تعدُّ من الأحلام, وتحتاج إلى وساطات كبيرة, أو عمولات ورشاوى!. وتحدث آخرون عن ظروف العمل في لبنان على قلتها وصعوبتها, والتي تعدُّ من أفضل الفرص, وقد اعتادت عدة أجيال من أبناء المنطقة على العمل في لبنان. ولا ريب بأنهم كانوا ينظرون إليَّ كمحظوظ, غير عارفين بأن ما أتقاضاه, كأستاذ جامعي, لا يستحق منهم الأسف لحظة واحدة كونهم لم يكملوا تعليمهم للحصول على شهادة الدكتوراه!. ولا أخفيكم بأن هؤلاء المساكين كانوا مسرورين جدا لأن مياه الشرب وصلتهم أخيرا, مع أن مشروع جر المياه كان قد بدأ منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي!.
تصريحات مسؤولينا تبعث على الاستغراب, وتتضمن جانبا واحدا من الحقيقة, لا أكثر؛ فما يهم إن كانت سورية غير مدينة, ونسبة الفقر والبطالة فيها هي على الحال التي يعرفها وزير الإعلام نفسه؟. وماذا ينفع سورية - الدولة الأولى غير المدينة, إذا كان ذلك لا ينعكس خيرا على أهلها, اللهم إلا ذلك الشعور بالكرامة الوطنية, والتي طالما استُغلت لإيهام السوريين بأنهم شعب محظوظ وعظيم, على أن يتركوا تدبير أحوالهم لسلطاتهم وحكوماتهم الرشيدة التي تفكر عنهم وتهتم بأحوالهم ليل نهار!. صحيح أن سورية أصبحت من الدول غير المدينة تقريبا, ولكن وزير الإعلام نسي أن يقول لنا بأن تلك الديون لم تكن تُسدَّد أصلا. ومن جهة ثانية, ما المانع إن استقرضت سورية قروضا, بشروط معقولة, من أجل مشاريع تعود بالفائدة على شعبها؟ وهل كل الدول المستقرضة ضحَّت باستقلالها لقاء ذلك؟.
أن تكون سورية كذلك, أي دولة غير مدينة, لهو من الأمور المستحبة, دينيا ودنيويا, بيد أن المكان الذي كنت فيه عند سماع تصريح السيد الوزير, وما رأيته ولمسته من جموع الباحثين عن عمل, مهما بلغت درجة الاستلاب فيه, جعلني أستغرب وأصاب بالإحباط. وزاد من إحباطي ما ذكروه على مسمعي من أن أحد أبناء القرية, الحاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة دمشق, وربما كان من أصغر الذين حازوا على هذه الشهادة سنا على مستوى العالم, يقبع منزويا في أحد الأكواخ, تهربا من خدمة العَلَم!.
ولا يمكن لعاقل ألاَّ يتساءل عن السر في كون حكومة رشيدة لهذه الدرجة, وبمديونية صفرية تقريبا, وتعجز عن حل مشاكل العباد لهذه الدرجة, وينتشر الفقر في طول البلاد وعرضها, باستثناء طبقة من الرأسماليين الذين يهربون من كل منافسة, ويفرضون علينا بضائعهم السيئة بأغلى الأثمان, وقلة أخرى مستحدثة, لا يعلم إلا الله وحده حجم ثرواتها ومداخيلها؟. وأتمنى أن تتضمن إجابة وزير الإعلام الأسباب كلها, على ألاَّ تكون مقتضيات الصراع مع العدو الصهيوني في مقدمتها!.
وكان أحد المحللين - النجوم في ليلنا الحالك قد تفاخر بأن سوريا تأتي في المرتبة الثالثة عالميا بمستوى الأمن والأمان, وذلك بعد حدوث أحد الاختراقات الأمنية من قبل الموساد. هل يقصد المسؤولون, ومن في صفهم من المحللين, أن يدفعونا للتفاؤل من وراء إحصاءاتهم العالمية هذه؟. حسن, سأرسل نسخة من هذا المقال إلى إحدى صحفنا الغراء, فهل يتفضل وزير الإعلام ويوافق على نشره؟ أم أنه سيُرفَض, لأن ما تحدثت عنه هو من قبيل النقد اللاموضوعي!؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال


.. أوروبا تسعى لشراء أسلحة لأوكرانيا من خارج القارة.. فهل استنز




.. عقوبات أوروبية مرتقبة على إيران.. وتساؤلات حول جدواها وتأثير


.. خوفا من تهديدات إيران.. أميركا تلجأ لـ-النسور- لاستخدامها في




.. عملية مركبة.. 18 جريحًا إسرائيليًا بهجوم لـ-حزب الله- في عرب