الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النكبة زلزال لم يهدأ

خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

2012 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


في الخامس عشر من ايار عام 1948 حدث زلزال الفلسطينيين.. اهتزت الارض وماجت ووجد 750 الف فلسطيني انفسهم مشردين.. قتل من قتل منهم ودمرت مساكنهم وجوامعهم، وحرقت مزارعهم واستبيحت مدنهم وقراهم، وهاموا على وجوههم في الصحاري والوديان، يبحثون عن ماوى يوفر لهم الامن والامان من بطش عدو قرر مسبقا ابادة العدد الاكبر منهم، وتهجير من تبقى ليبني دولته على انقاضهم.. بكاء الاطفال وعويل النساء وانين الجرحى والمتعبين ملأ السماء-- لكنه لم يحرك شيئا في الضمير العالمي الذي تخدر وتكلس متعاطفا مع اليهود كضحايا للنازية، ولم ينبس ببنت شفة وهو يرى ضحايا النازية يرتكبون من الجرائم ضد شعب فلسطين الاعزل جرائم ابشع مئات المرات مما فعله النازيون باليهود.. 531 قرية ابيدت وعشرات المجازر اقترفت والجوع والمرض يفتك بشعب باكمله كان حتى 15 ايار يمتلك كل سمات الشعب والدولة فتحول الى شعب مشرد لاجئ.
في ذلك اليوم تشردت عائلتي، وكانت اخر لحظات عيشهم في ام الزينات-- البلدة الفلسطينية الواقعة على سفوح جبل الكرمل على بعد 17 كم من مدينة حيفا، وسار جدي وابي واعمامي تائهين لا يعرفون الى اين يذهبون، والى متى سيغيبون عن بيتهم الذي ولدوا وعاشوا فيه مئات بل الاف السنين.. واحدة من اخواتي كان عمرها اسبوعين سقطت من على ظهر الحمار الذي وضعتها عليه امي، وكاد الجميع ينساها بين الاعشاب اليابسة لولا ان راها مشرد اخر فاحضرها لامي.. اخي واحد اعمامي كانو لم يبلغو الثلاث سنوات من عمرهم وضعهم ابي في المشتيل على ظهر الحمار.. سار الركب جميعا في منتصف الليل نصفهم حافي القدمين يحاولون الابتعاد عن مواضع القصف الذي كان الصهاينة يقومون به..
قالت لي والدتي : ( خرجنا من بيوتنا كالمضروبين على رؤوسنا كانت عصاباة الهاجاناة تحاصر البلدة وتطلق النار في كل اتجاه خرجنا خائفين على ارواحنا، ولدينا اعتقاد ان غيبتنا لن تطول اكثر من اسبوعين-- لان الجيوش العربية ستاتي لتهزم عصاباة الصهاينة ).. لم يحملوا شيئا من متاعهم، وانتشروا باحراش الكرمل ثم اتجهوا لبلدة اجزم-- التي لم تكن قد سقطت بعد.. ومن هناك اتجهوا نحو ام الفحم واحراش عانين، وامطرت السماء عليهم، وجاعوا ولم يبق حتى اعشاب لياكلوها، فاتجهوا الى مخيم نويعمة في منطقة اريحا لانهم سمعوا ان الصليب الاحمر يقدم للاجئين هناك الماوى والطعام، ثم واصلوا التشرد الى ان وصلوا مخيم الجلزون في منطقة رام الله، فاقاموا به بضعة شهور وغادروه الى مخيم الفارعة شمالي مدينة نابلس حيث تجمعت اغلبية العائلة هناك..
جدي لم يكن يستوعب ما يحصل، وبقي في اتظار قدوم الجيوش العربية-- التي لم تاتي-- وبعد ان قرصه وابناءه واحفاده البرد والجوع، وبعد ان تكشفت امام عينيه المؤامرة الدولية التي ساهم بها بعض الحكام العرب-- اصيب بصدمة قوية وتمنى لو كان قد مات في ارضه، وشعر بالندم لانه لم يسمح لابنائه باخراج بعض المتاع من بيتهم قبل ان يتركوه على حاله، عامرا بالفراش والملابس والطعام من قمح وطحين وزيت وعدس وبرغل ودجاج وبيض.. وعندها فقط تغاضى عن تسلل بعض ابنائه الى بلدتهم الاصلية والى بيتهم بالذات، لينقلوا بعضا من خيراته الاساسية لتعينهم في مواجهة اصعب الاوقات والتحول الكبير الذي يحصل لهم في حياتهم
اما ابي الذي كان في ريعان شبابه، والذي وقف مع المدافعين والمقاومين ببندقيته التي كانت نصف صالحة فقد قال لي : ( لم نشعر بحجم الكارثة الا بعد اشهر وبعد ان تيقنا ان العودة الى البلدة اصبح دونها الدماء والموت .. واضاف فقدنا كل شيئ، الارض والمنزل والمتاع، ولم نجد ما ناكله-- وحتى لو وجدنا خضارا او بقولا او اعشاب فلم يكن معنا من الادوات ما يمكننا من طبخه.. لم نجد مكانا ننام فنمنا تحت الاشجار وفي المغائر.. لم نجد مكانا نستحم فيه فاتجه البعض الى بعض الينابيع ليغطس فيها وينظف جسمه مرة في كل شهر.. وجدنا انفسنا بين ليلة وضحاها يا مولاي كما خلقتني وضاع عزنا وكل ما كنا نملك من الخيرات الوفيرة ).
لقد كان الخامس عشر من ايار عام 1948 الزلزال الاكبر في تاريخ شعبنا، وهو الزلزال الذي لم ينتهي بعد ولم تتوقف هزاته الارتجاجية حتى يومنا الحاضر، فبعد الزلزال الاكبر الذي اسميناه بالنكبة الكبرى، حدثت الهزات الارتجاجية على شكل نكبات اخرى، كاحتلال اسرائيل لما تبقى من فلسطين في العام 1967، ومذابح ايلول الاسود في العام 1970، والحرب الاهلية في لبنان في العام 1974، وضرب قواعد منظمة التحرير في لبنان في العام 1982، وكان الاستيطان الذي لم يتوقف منذ بدء الاحتلال ولغاية اليوم، وكان الجدار في العام 2002، واخيرا وليس اخرا كان الانقسام الداخلي الرهيب في العام 2007..
وبين كل نكبة ونكبة كانت هناك نكبات اخرى لم يعد بامكاننا احصاؤها، بل ويبدو اننا ادمنا النكبات لدرجة ان حدوث حتى الزلازل الطبيعية اصبح يمر علينا كامر عادي-- ليس لاننا لم نعد نحس بل لاننا مؤمنون بان كل ما يحدث هو هزات ارتجاجية تسببت بها وتسببها زلزلة عام 1948-- وان هذه الهزات لن تتوقف مادامت زلزلة عام 1948 باقية.. وبعبارة اوضح ادركنا اننا سنبقى عرضة للنكبات مادامت افرازات نكبة عام 1948 باقية..
مخيم الفارعة – 13/5/2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شو الجديد
عتريس المدح ( 2012 / 5 / 13 - 19:50 )
طيب! هي وبعدين يا شاطر؟ لايمتا بدنا نظل انعيط

اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت