الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برامج التوك شو .. -من يصرخ أعلى-

محمد أبو زيد

2012 / 5 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يدرك الضالعون في صناعة الفضائيات في مصر، أن أول شيء يجب أن يفعله صاحب القناة، هو البحث عن نجم إعلامي، لتقديم برنامج توك شو مسائي، على فضائياته، يضمن جذب المشاهدين، والإعلانات، ويثير الجدل، ويجعل أخبار القناة تتناقلها الصحف، وبعد ذلك يقوم بالتجهيز لبقية القنوات.
المشهد السابق، يكشف بوضوح، عن المزاج العام للمصريين، في السنوات الأخيرة، مع ظهور ما عرف ببرامج التوك شو المسائية، وهي برامج يومية، تقدم تحليلا، وتعليقا، وعرضا لأهم ما يحدث في مصر طوال اليوم، لكن هذه البرامج تحولت مع الوقت من مجرد معلق على الأحداث، إلى صانع لها، ولا ينسى المصريون، حلقة من برنامج "آخر كلام"، الذي يقدمه يسري فودة على قناة "أون تي في"، حين استضاف رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق، عقب الثورة، وتمت إقالة شفيق في اليوم التالي.
لكن بعيدا عن المواطن البسيط، الذي استبدل سهرته أمام فيلم أو حلقة من مسلسل تركي، بالتنقل بين برامج التوك شو المسائية، وبعيدا عن أن هذه البرامج سحبت جزءا من جمهور الصحافة، الذي أصبح يستعيض عن قراءة الصحف بمتابعة البرامج، فالواضح أن هذه البرامج أدركت مدى قوتها، وتأثيرها في الرأي العام المصري، وهو ما جعل هذه البرامج تصبح رقما صعبا في السياسة المصرية، وجعلها مرآة لمصالح مذيعيها وأصحاب القنوات، في حرب تحريك الرأي العام، كما جعل بعضها على صلة بالأجهزة الأمنية.
مساحة الحرية التي شهدتها مصر بعد الثورة، استفادت منها لا شك برامج التوك شو، لكن لا يمكن فصل ذلك عن المصالح الضيقة أحيانا لأصحاب الفضائيات، صاحبة البرامج، خاصة مع اتهامات توجه لها، أثناء تغطية الأحداث المثيرة في مصر، مثل أحداث محمد محمود، ومجلس الوزراء، أنها تنفذ أجندات أصحابها، وأحيانا الثورة المضادة، ويتداول المصريون فيديو للإعلامية لميس الحديدي، في برنامجها، وهي تتحدث عن حريق المجمع العلمي قبل حدوثه بيوم، في أحداث مجلس الوزراء، وفيديو آخر للإعلامي خيري رمضان يتحدث عن حريق وزارة المالية قبل حدوثه بيوم، والملاحظ أن البرنامجين على قناة CBC التي تواجه اتهامات بأنها قناة "فلول"، وتقوم بغسيل أموال جمال مبارك، وهو ما نفته القناة، معتبرة أن الأمر من قبيل الصدفة.
بعض القضايا المثارة، في هذه البرامج كان يتوقف الحديث عنها فجأة، ويتردد أن السبب في ذلك هو تعليمات أمنية من وزارة الداخلية وأمن الدولة قبل الثورة، ومن المجلس العسكري بعد الثورة. ومؤخرا أثناء تغطية أحداث وزارة الداخلية عقب مجزرة بورسعيد، أعلن برنامج التوك شو "الحياة اليوم" أنه لن يشارك في تغطية الأحداث، وهو ما رده البعض إلى تعليمات أمنية، ومما لا ينساه المصريون ما فعله برنامج "48 ساعة"، على قناة المحور، المحسوبة على الحزب الوطني المنحل، أثناء الثورة، عندما قدم فتاة قالت إنها تم تدريبها في الخارج لتخريب مصر، وأنها تم تمويلها من خارج مصر، وأنها تعتذر لمبارك، ثم اتضح بعد ذلك أنها صحافية، وأن جهاز أمن الدولة هو من اتفق مع مقدم البرنامج لتشويه الثورة.
أجندات برامج التوك شو، كانت واضحة منذ البداية، وأدركها التليفزيون المصري، حين أطلق برنامجه الشهير "البيت بيتك"، ثم استبدله ببرنامج "مصر النهارده"، واستعان بنجوم الإعلام لتقديمه، وكان يستضيف في كلاهما، وزراء الحكومة، لتلميعهم، والرد على ما تثيره المعارضة، وكان في المقابل هناك برامج الفضائيات الخاصة مثل، "العاشرة مساء"، الذي تقدمه منى الشاذلي، على فضائية دريم، يطرح وجهة النظر الأخرى، وإن لم يكن خاليا من الضغوط.
وكما أن هناك برامج توك شو محسوبة على الثورة، فهناك برامج توك شو، تدعم الثورة المضادة، وتشتهر بذلك، مثل "مصر اليوم"، الذي يقدمه توفيق عكاشة، على قناة الفراعين، والذي تم إيقافه مؤخرا، كما ترفع بعض المظاهرات المؤيدة للمجلس العسكري، صور بعض مقدمي البرامج المحسوبين على الثورة، متهمين إياهم بإثارة الفوضى.
مدى تأثير البرامج المسائية، ربما يتضح، مع حكاية طريفة، يتناقلها العاملون في الحقل الإعلامي، أن وزير الإسكان الأسبق في نظام مبارك، أحمد المغربي، والمحبوس حاليا، قام بقطع المياه عن أملاك رجل الأعمال أحمد بهجت، صاحب فضائية دريم، بسبب مهاجمة برنامج التوك شو بها لسياسات وزارته.
برامج التوك شو، لم تخطف بعضا من جمهور الصحف فقط، ولم تدخل في منافسة معها فقط، بل خطفت رؤساء تحريرها، فعدد كبير من مقدمي هذه البرامج، يعمل في الأساس صحافيا، مثل إبراهيم عيسى الذي تنقل بين أكثر من قناة، ووائل الإبراشي، الذي يقدم برنامج الحقيقة، وعمرو الليثي الذي يقدم برنامج واحد من الناس، ومحمود سعد، الذي يقدم، برنامج آخر النهار، وأصبحت الصحف، وصحافييها، تعمل في خدمة، رئيس التحرير وبرنامجه.
الطريف الذي يمكن رصده هنا أن عددا من ضيوف هذه البرامج تحولوا إلى مقدمي برامج، توك شو مسائية، وأصبح طبيعيا أن تجد الضيف اليوم مذيعا غدا، لكن المشهد الأكثر دهشة، هو ظهور الضيف في أكثر من برنامج يومي، حيث يرى بعضهم أن هذا الأمر بالنسبة له يمثل "مورد مالي"، ليس أكثر.
بعض الأطباء النفسيين يتهمون برامج التوك الشو المسائية، بأنها هي السبب في تعاسة المصريين، وزيادة اكتئابهم، خاصة أنها آخر ما يراه المشاهدون قبل نومهم، ويرد مقدمو البرامج على هذه الحجة، بأنهم يقدمون ما يحدث بالفعل على أرض الواقع، لكن جزء من الحقيقة أنه في ظل التنافس بين البرامج فالأكثر نجاحا بينها هي الأكثر شجارا، والقدرة على إثارة التشاتم والتجاذب.
تشارك برامج التوك شو في صناعة الرأي العام المصري بكل تأكيد، وبسبب نجاحها في اجتذاب نسبة كبيرة من الإعلانات، أصبحت بعض الفضائيات، تقدم أكثر من برنامج، توك شو على نفس القناة، وقد يصل عدد برامج التوك الشو، في قناتين تابعتين لمؤسسة واحدة إلى أربعة برامج، لكن البعض يرى أن ما تقدمه غثاء كغثاء السيل، مجرد صراع ديوك، ومعارك، لكن لا نتيجة واحدة تذكر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء