الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم كامل بدار الضريبة !

محمد السلايلي

2012 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


مبنى وحيد لدار الضريبة بمدينة تنمو و تكبر بشكل مخيف مثل المحمدية( قرب الدارالبيضاء). على عشرات الالاف من المواطنين ان يتجهوا إليها دفعة واحدة او على دفعات وفي ظرف شهر واحد، من أجل دفع الضريبة.
الاكتظاظ و الفوضى و سوء التسيير وبطء المسطرة . هناك المئات من المواطنين لا يتمكنون من دفع الضريبة الا بعد يومين أو ثلاث من الانتظار و غالبا ما تزيد اضرابات المالية في معاناة المواطنين.
احيانا اخرى تتعطل مصالح الخزينة لاسباب واهية، مثل عطب الشبكة المعلوماتية، يفقد المواطن اعصابه حين يخرج بعض الموظفين للغذاء خارج الادارة لاكثر من ساعتين، بينما يبقى المواطن جامدا في مكانه حتى لا يضيع منه الدور. لا ندري ما المصلحة من التوقيت المستمر اذا كان يزيد من تقطيع ساعات العمل ومضاعفة معاناة المواطن؟ فالمواطن يضحي بوجبة فطوره وغذائه لكي يقضي مصالحه الادارية بناء على هذا التوقيت ؟
قضيت خمسة ساعات وانا انتظر هذا الدور اللعين لكي أدفع الضريبة وانا اعلم ان الاغنياء وذوي السلطة والجاه لا يدفعونها. كيف يدفعون الضريبة إذن ونحن ندفعها من اجل أن تزدهر حياتهم الباذخة، بدون حسيب ولا رقيب؟
كان بامكانهم ان يجعلوا انحنائنا للواجب الوطني اكثر اريحية وبما يحفظ ما تبقى من كرامتنا وماء وجهنا. لكنهم يصرون على تمريغ هذه الكرامة وهذا الوجه في الوحل، حتى لا نفكر في المصير الذي تنتهي عنده هذه الاموال المقتطعة من شقانا وعرقنا ودمنا.
ان الضريبة في هذه البلاد السعيدة، سيف مسلط على رقابنا، يعلم الكادح و العامل و التاجر و الفلاح والمالك لعقار كنصدوق عود ثقاب، ان هذا السيف سيزيد من قطع ما تبقى من شقائهم وعرقهم انهم تاخروا بيوم واحد عن موعد التسديد.
الناس يمتلكهم الخوف، لذلك يتحملون ألم الوقوف لساعات طويلة ينتظرون الدور. فتنسلخ أقدامهم و يتصببون عرقا. تكثر شكاويهم، لكنها شكايا أقرب للأنين والتنفيس منها للفعل و الاحتجاج المنظم. ماذا سيخسر دافعي الضرائب ان هم توحدوا و امتنعوا عن التسديد الى ان تصلح الادارة أعطابها البيروقراطية والبشرية؟
بامكان هذه الادارة ان تفتح بنايات و وكالات فرعية لتسهيل دفع الضرائب. بامكانها ان تحد من المحسوبية والزبونية و الرشوة، ان توفر ما يكفي من المقاعد وشروط الراحة للمواطنين الذين تجبى منهم الضرائب، هذا أقل ما يمكن عمله.
نحن شعب يحترف جلد الذات، لذلك بات من الصعب ان تجد فردا واحدا غير عابس الوجه، متوتر و " على سبَة أو نقشة " كما يقال. أصبحنا نتحدث عن همومنا بنفس الطريقة التي نتحدث بها عن الريال والبارصا، بعنف وقسوة و انفعال. غير أننا نعرف ان سبب تعاستنا وحكرتنا تكمن فينا أولا. فنحن غير قادرين على اي مبادرة. لكن حناجرنا لا تتوقف من الصراخ. لاننا صرنا ظاهرة صوتية فقط...
ان تقوم بتأدية الضريب عليك أن تقتطع يوما بكامله من حياتك، من عملك و مشاغلك. وان كنت محظوظا، فان يوم واحد دون ان تعاود الكرة مرة أخرى ، يعد انجازا عظيما يجب ان تحمد الله عليه! فغيرك قد يكلفه ذلك يومين أو ثلاثة أو اكثر. إنك لن تدفع الجباية فقط ولكن، وهذا هو الاهم، تدفع معها ضريبة المهانة و سوء المعاملة و المس بالكرامة؟
دخل القانون المحدث للبطاقة الوطنية للتعريف الالكترونية حيز التنفيذ منذ 2007، وبموجبه تعفي هذه البطا قة حاملها من الادلاء بشواهد الازدياد و الاقامة و الحياة و الجنسية في جميع المساطر الادارية. خمس سنوات مرت على القانون الذي نشر بالجريدة الرسمية، ولازالت الادارة ترفض تطبيق هذا القانون، كيف يمكن لهذه الادارة تنزيل الدستور وهو ام القوانين، رغم كل التحفظات عليه؟
سياسة تقريب الادارة من المواطين، الشعار البراق " للعهد الجيد" هي وصلة اشهارية ودعائية أمام ضحالة مردودية الادارة وضخامة اعطابها و مشاكل المواطنين من جراء بيروقراطيتها. عدنا من جديد للمربع الذهبي لاصلاحات الواجهة، وعادت الألسن المعهودة تلوك كعادتها العجينة المغربية للاصلاحات الافتراضية في الادارة و الاقتصاد و السياسة والاجتماع والقضاء والتربية والثقافة والرياضة والاعلام.. عدنا لنتكلم في كل شيء لكي لانغير أي شيء !!!!! هذه المرة، الكرة في مرمى المواطنين، و نخبهم التي لا تكف عن الزعيق بالاصلاح والتغيير.
من نتائج الربيع العربي وثوراته المتواصلة، انها كشفت عن عيوب المجتمع العربي وامراضه المزمنة. غير ان اكبر العيوب و اخطر الامراض هي التي تنهك جسم النخبة العربية بمختلف اطيافها، وعلاج معظم هذه الامراض يتوقف على أداء هذه النخب وفعالية مبادراتها. ان فاقد الشيء لا يعطيه، والعجز الذي تعانيه منه نخبنا أصبح عائقا ابيستيمولوجيا كما يقول الفلاسفة العقلانيون ...
الادارة بارثها التاريخي التقليدي و العصري الملقح بتجارب الاستعمارين المباشر وغير مباشر، عائقا ذاتيا وموضوعيا، امام انتقال مجتمعاتنا و انعتاقها من سطوة النظم الاستبدادية. الادارة المتكلسة و الراعية لمختلف العلاقات والتناقضات و المصالح المتضاربة .. هي المنفذ للقوى المضادة لاي تغييروأي تطور ونماء والمنتج الاول للزبونية و المحسوبية والرشوة، اصلاح الادارة و وترميمها لتصبح ادارة مواطنة مطلب ملح وضروري، لكنه للاسف لا زال غير مفكر فيك بكل جدية بهذا الزمن الثوري الذي كثرت قلاقله وارتداداته.!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت


.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث




.. بوركينا فاسو تطرد دبلوماسيين فرنسيين في خطوات لتصفية الوجود


.. الرئيس الإيراني: عملية الوعد الصادق كانت خطوة ضرورية وتعتبر




.. لماذا غرقت دبي في الفيضانات؟