الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب الناعم

نزهة المكي

2012 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


الإرهاب النــــــاعم
المقدمة :
قد يبدو العنوان صادما للوهلة الأولى أو محيرا ، اذ كيف تلتقي النعومة و الجمال مع الارهاب و التخويف و الاجرام ؟؟ بل كيف يكون هناك ارهاب ناعم و اخر قاهرو دام و مميت كما تعارفنا عليه ؟؟البحث ادناه سيعطي الاجابة الشافية على كل التساؤلات ، و قبل ذلك احب ان اذكر انه اذا سلمنا بوجود القنابل و اسلحة الدمار التي يطلقون عليها صفة " النظيفة " وهي تقترف ابشع جريمة بحق الإنسان وهي قتله و تدميره، فإننا سنسلم حتما بوجود الإرهاب الناعم الذي يؤدي نفس الدور و يقترف نفس الجريمة لكن بشكل هو الاقرب للنعومة والنظافة، بل كله ترغيب و اغراء يدفع بالإنسان لقتل نفسه : ذاته ، هويته ، حضارته ، قيمه الاخلاقية بشكل طوعي ، بل و يدفع بالشعوب للانتحار الجماعي .فالجمال و التجميل كل ما يتعلق بالمفردات الحضارية لأي شعب من ازياء و خطوط فنية يرسمها على ذاته و ادواته ، عاداته و تقاليده ، سلوكياته التي تعكس ثقافته و عقيدته و قيمه الاخلاقية و الحضارية فأي مساس اذن بهذه المفردات سواء عن طريق الترغيب او الترهيب بما يفسد هذه القيم و المفردات او تشويهها او طمسها يعتبر عدوانا و ارهابا مقيتا على صاحب هذه المفردات و ألقيم وهو الشعب المستهدف،
مفهوم الجمال ،
يعتبر الجمال من القيم التي يسعى إليها البشر على اختلاف ألوانهم ومجتمعاتهم وفي مختلف العصور.. وجمال الإنسان في وجهه وجسمه وثيابه (مظهره العام) وفي أخلاقه وأفكاره وسلوكه وفي صوته وحديثه وغير ذلك ,,,.. والجمال يكون في الطبيعة من حولنا وفي الحيوان والنبات، وفي الأشياء والمواد والمنازل والأدوات وفيما ينتجه الأدب والفن والفكر من كل الأنواع.. والجمال مرتبة تعلو فوق مرتبة الوظيفة والحاجة والإشباع.. وهو قيمة عليا سامية، ويبدو أنه لا يمكن أن تستمر الحياة دون جمال من نوع ما..كما ان الجمال ليس هو الفتنة او الاغراء كما يتبادر لذهن البعض حيث نجد من يمعن في اظهار مواطن الجمال الحسية لكسب اعجاب الناظرين او اثارة غرائزهم، هذا الامر يروج لمفهوم خاطئ للجمال و التجميل ليصبح هذا الاخير مرادفا للانحلال و التفسخ الأخلاقي فيستفز ردود فعل تكون احيانا اكثر تطرفا خاصة ببلاد المسلمين و ذلك باعتماد وسائل و مفاهيم للجمال ينتج عنها طمسه و تشويهه و الظهور بمظهر مستفز لمفاهيم أخرى تثير الفتن في كثير من المواطن، كأنواع من الحجاب الاسلامي الذي طمس جماليات الشعوب و خصائصها الثقافية و الحضارية التي تتجلى في الازياء المحلية، التي تعبر بشكل كبير على هويتها و لا تخالف مبادئ العقيدة، لان الفكر الاسلامي و العقيدة الاسلامية جزء لا يتجزأ عن هويتها و شخصيتها و تاريخها و ثقافتها، و النتيجة ان هذه الاشكال الدخيلة للزي الاسلامي لم تجلب وراءها إلا المفاهيم الخاطئة للدين و الجمال، و معاني اخرى تساهم بشكل قوي ايضا في طمس شخصية الشعوب، الشيء الذي تلتقي فيه مع اهداف الدول الاستعمارية، و تسهل عليها تفكيك حضارات الشعوب المستهدفة و مسخ او محو هويتها، والجمال مفهوم نسبي وغير نهائي ولا يسهل قياسه علمياً.. ويختلف تعريف الجمال ومواصفاته بين الناس، ولا يمكن الاتفاق عليه نظراً لاختلاف تكوينهم وتجاربهم وأذواقهم وأفكارهم.. إلا أن المجتمع بظروفه وتكوينه وقيمه الخاصة واتجاهاته يمكن له أن يحدد ملامح معينة عامة للجمال. وبالطبع تختلف المجتمعات فتختلف تبعا لذلك أذواقهم و مفاهيمهم للجمال، فلا تجد بعد ذلك مقاييس و مفاهيم ثابتة للجمال بين شعب وأخر او بين مجموعة بشرية و أخرى حتى و ان اجتمعت احيانا في نفس النطاق الجغرافي و اقتربت من بعضها .كما ان الجمال يعتمد على الحس و التذوق المعنوي و المادي، لهذا فان سلامة الحس و رقي الذوق البشري يلعب دورا اساسيا في الاحساس بالجمال و تلمسه في كل الاشياء . اما سلامة الحس و الذوق فمثلها مثل سلامة جميع الحواس البشرية، فصاحب العيون السليمة ليس كمن له مشاكل في النظر، فالأول يمكن ان يرى الاشياء بكل وضوح و يحدد معالمها، كذلك صاحب الذوق والحس السليم الذي لم تلوثه بعض الاضطرابات النفسية التي تشوش على احساسه بالأشياء، فتغلب على نظرته اليها الضبابية او يطغى عليها الشعور بالنفور او الكراهية او الخوف او الاعجاب المضطرب، الذي يطغى عليه الضعف والاستلاب بسبب خلفيات فكرية و ثقافية، تشبع بها و طغت على نظرته للحياة والأشياء او بسبب ازمات و اضطرابات عايشها او عاشها فخلفت آثارا سيئة في نفسيته، وشوشت على نظرته للحياة و الأشياء و بالتالي تذوقه للجمال .
مفهوم الجمال في الثقافة العربية :
رغم تنوع الثقافات التي نهل منها الانسان العربي خاصة منها الثقافة الاسلامية التي اثرت كثيرا في كل مناحي حياته، إلا انه حافظ على بعض الخاصيات التي صاحبت شخصيته وميوله، منذ ان وعت نفسه وجودها على وجه الأرض ومنها تذوقه للجمال في الاشياء وفي المرآة فقد اجاد في تذوقه للأدب و الشعر واهتز كيانه للكلام الموزون والبليغ حتى اضحى مصير القبيلة مرهون ببيت شعر اما ان يزيدها علوا او يهبط بها لأسفل سافلين، كذلك مصير عشائر وعائلات او أشخاص لذلك كان لكل مجموعة او فرد حاشيتها من الادباء و الشعراء، وهذا يوضح اثر الكلام الحسن والجميل والبليغ في توجيه الرأي العام نحو هذه القبيلة او تلك هذه العائلة او العشيرة أو تلك ومثلهم من ألشخصيات الملوك و الامراء وشيوخ القبائل، بل وكان يمكن ان تشتعل الحروب الضارية بفعل بيت شعر او جملة بليغة، تتضمن ما تتضمنه من ايحاءات او استفزازات، اجاد قائلها في صياغتها، أما بالنسبة للمرأة فالإنسان العربي لم يكن بتلك السذاجة او السطحية في تعامله مع جمال المرأة كما يروج البعض، بل ربما كان العرب من اكثر الشعوب التي تعرف جيدا مواطن الجمال عند المرأة، كما يجيدون التعامل معها، فالجمال عند العرب لا يقتصر على الجمال الجسدي بل ربما كان هذا شيء ثانوي عندهم، فقد خلد التاريخ العربي قصص حب و عشق كانت بطلاتها سيدات لايتمتعن بأي قدر من الجمال حسب المقاييس العامة، او كن جواري من اجناس وألوان مختلفة، و مع ذلك حظين بإعجاب الكثيرين، وهام بهن علية القوم، ومرد ذلك ان الانسان العربي لا يغفل عن الجانب المعنوي من خلق وأدب وثقافة وعلم، وهو يحكم على جمال المرأة بل ربما مالت الكفة اكثر الى هذا الجانب، وقد تغنّى الشعراء و الحكماء العرب بقدسيّة الجمال واقترانه بالمثل العليا، فقالوا " جَمُلت المرأةُ إذا حَسُن خَلْقُها أو حَسُن خُلُقُها. والجميل هو الفعل الحَسَن وهو المعروف أي الخير، وناكر الجميل هو ناكر معروف الآخرين وخيرهم. وأَجْمَلَ في الطلب تعني اتأد واعتدل فلم يفرط ". و لعل حكايات الرشيد مع جواريه اصدق دليل على هذا الطرح، فقد كان بلاطه يتضمن عددا كبيرا من الجواري من مختلف الاعمار والأجناس و مع ذلك لم تحظ إلا القليلات جدا بإعجابه وحبه، بل وخلد التاريخ ذكرى بعضهن ورفعهن فوق عرش الجمال، لا لجمال اشكالهن بل لجمال حديثهن وخلقهن واتساع أفقهن ونذكر هنا بعضا من حكاياته التي تتجلى بها روعة تذوقه للجمال و احساسه بالمرأة :ذات ليلة طلب من كبرى جواريه ان تستعرض عليه ما لديها من صبايا ليختار منهن من تؤنسه في ليلته، أخذ يتفحص كل واحدة منهن بنظره ثم يذكر امامها عيوبها وهو ينظر مليا في عيونها، ويتأمل ما توشي به ، فمرت عليه الكثيرات دون ان تتحرك فيه الرغبة لأي منهن، الى ان جاء دور صبية، عيناها تنضحان بالذكاء وروحها بالخفة، امتثلت بين يديه فاستلطفها لكنه ذكر لها عيبها المتمثل في ساقيها النحيفتين، فمالت عليه الصبية و همست في اذنه بإغراء : " حينما تكون الاقرب الي لن تراهما" بتلك العبارة استطاعت الجارية ان تحظى بقبوله وقضاء اجمل ليلة مع الخليفة، أما حكايته مع الجارية " تودد " فتلك قصة مثيرة، يمكننا ان نقول عنها انها الدليل الذي ينصف الذوق العربي وإحساسه بالجمال، كما يرفع بمكانة المرأة العربية و جمالها الذي لا يتجلى في جسدها فقط، وإنما في عقلها الذي سعت دوما لتجميله بالعلم والمعرفة والأخلاق ألحسنة حتى تتمكن من أسر العقول و القلوب....فأبو الحسن كما تخبرنا الحكاية في التراث العربي بكتاب الف ليلة و ليلة ، " ورث عن ابيه مالاً وفيراً، وأملاكاً وبساتين تكفيه للحياة زمناً طويلاً، لكنه ما إن مات أبوه وفارق الحياة، حتى نسي وصيته، فأكل وشرب ، ولذّ وطرب وارتاح الى قهقهة القناني، واستماع الأغاني، ولم يزل على هذه الحال، حتى ضيّع كل شيء، ولم يعد يمتلك في الدنيا غير الجارية (تودد)، التي عرفت بالحسن والجمال، والبهاء والكمال، وبتفوقها على اهل عصرها في سعة علومها ومعارفها، وهو ما ادهش الخليفة والمجتمعين من الرجال حوله، الذين رأوا فيها نموذجاً تصعب محاكاته والتغلب عليه . "من الملاحظ هنا ان الراوي لم يصف جمالها الجسدي من قوام وعيون وشعر وغيرها من مواطن الجمال الجسدي التي اجاد الانسان العربي في وصفها، حين تمتثل امامه بل اقتصر الوصف على " الحسن و الجمال و البهاء والكمال " و هذه كلها توحي بجمال الجانب المعنوي اكثر من الجانب الجسدي او الملموس، لنعد لقصة الجارية "تودد" عندما افلس ابو الحسن أشارت عليه الجارية ان يعرضها على الخليفة هارون الرشيد، ويطلب فيها مبلغا كبيرا. فاتجاه الجارية للخليفة لم يكن لاعتبارات مادية، فقد كان هناك من يستطيع دفع مبالغ اكبر، لكنها اشارت على مولاها بعرضها على الخليفة لإدراكها وعلمها انه خير من سيقدر قيمتها، ويعرف موطن جمالها وتميزها لخبرته الواسعة في النساء، وإحساسه السليم بجمالهن، ولغرض في نفسها ايضا .بقصر الخليفة الرشيد. عرض ابو الحسن جاريته للبيع وطلب بها مبلغا كبيرا من المال، كما أوصته مما شد انتباه الخليفة، واستدعى فضوله لاستكشاف مكنون هذه الجارية العجيبة، التي بلا شك لها من المواهب او العلوم ما ليس لباقي جواريه، و لها ما يميزها، وإلا ما تجرأ ابو الحسن وطلب فيها هذا الثمن الكبير، ولما سألها الرشيد عما تجيده من علوم ومواهب، اجابته بما ادهشه اذ لم يكن هناك بحر من العلم او الفن الا ونهلت منه، بما اوصلها لتحدي اهل التخصص فيه رغم صغر سنها، فجلب لها اهل كل تلك العلوم والفنون لمناظرتها، فتفوقت على الجميع فدفع الرشيد لأبي الحسن ما طلبه من مال مقابلها، وهو يحس ان ذلك اقل بكثير مما يمكن ان يدفع في جارية مثلها، وإمعانا في تكريمها طلب منها ان تتمنى عليه اي شيء لينفذه لها في الحال. فتمنت عليه ان يردها لصاحبها فلم يجد الرشيد بدا من تلبية رغبتها، وإن آلمته، فمثل هذا الجمال الذي يأخذ العقل والروح ويسبح بها في الآفاق لا يمكن ان يتخلى عنه بهذه السهولة. لذلك قرب سيدها منه وجعله من ندماءه ليتمكن من رأيتها وكي لا تفارق بلاطه، وعوملت معاملة السادة، كذلك كان مقياس جمال المرأة بما احسنت وأجادت من صنع وفنون، ونهلت من علوم، وكذلك كان حس الرجل العربي بجمال المرأة إلا من جهل وتمتع ببلادة الاحساس، اما عن جمال الوجه و الجسد فقد كانت نظرة العربي اليه نسبية، اذ عشق البيضاء والسمراء و الحمراء والسوداء والشقراء، فلا تمييز عنصري، ولا انحياز لأي جنس بخصوص تذوق جمال المرآة وعشقها فهناك من قال البياض نصف جمال المرآة وهناك من خالف هذا الرأي كلية . أنشد شاعر حين لامه البعض عندما احب جارية سوداء
يقولون ليلى بالعراق مريضة ++ ايا ليتني كنت الطبيب المداويـــــــــا
يقولون ليلى سوداء حبشيـــة ++ قلت لولى سواد المسك ما انباع غاليا
بل وقد يعشق العربي المرأة رغم قبح شكلها رحمة بها، وتكريما لخلقها الطيب كما قال الشاعر عبد الله ابن المعتز، وهو امير عباسي ولي الخلافة ليوم او لبضع يوم، ثم قتل غدرا على يد خادمه :
اهيم بالحسن كما ينبغي*** و ارحم القبح فأهواه
هنا طبعا يقصد بالقبح قبح الوجه وخلوه من الجمال، كما ان للعربي نظرة ثاقبة في الجمال، فهو لا يتوقف عند النظرة الاولى ولا يأسره الانبهار عند حد معين، وهو ينظر للجمال بل يتسرب لأعماقه ليخترق آفاقه، و يستكشف معانيه في كل شيء يقع عليه نظره، وتسره او تجذبه رؤيته، فالعربي يعتقد انه كلما تأمل الجمال كلما تكشفت له محاسن جديدة فيه، كما قال الشاعر ابو نواس الذي خبر انواع كثيرة من الجمال :
يزيدك وجهها حسنا إذا ما زدته نظرا
أو كما قال الشاعر ابو تمام :
قد قصرنا دونك الأب +++ صار خوفا ان تذوبا
كلما زدناك لحظـــــا +++ زدتنا حسنا و طيبــا
مفهوم الجمال في الثقافة الغربية كانت السمة الاساسية لمفهوم الجمال عند الانسان الغربي، هي غريزة الاستعلاء حيث كان الجمال في الانسان يقتصر على ابراز المستوى الطبقي حتى اقتصر التجميل على الامعان في ابراز صفاء لون البشرة التي تميل للبياض، كما التركيز على ابراز عناصر الفخامة في الادوات والأمتعة و الرسومات، والمعمار والتي كانت تخص طبقات راقية من المجتمع، وقد ساهم مفهومه للعقيدة والدين على ترسيخ هذا المفهوم، فساهم رجال الدين في تعميق التباين الطبقي، والانحياز للطبقات الاكثر ثراء، فنشروا مفاهيم دينية مشوهة حالت دون حرية الانسان في الابداع و تجميل حياته، فعرفت اوربا انحطاطا كبيرا في العصور الوسطى نتيجة لمعتقدات اثرت في كل مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ـ فيما اصطلح عليه تاريخيا بعصر الظلمات ـ و ضمنها طبعا المجال الثقافي مما اثر بشكل سلبي على الذوق الغربي وشوه احساسه بالجمال، إلا ان تعامله مع الجمال كان يكتسي دائما صبغة عنصرية حتى اقتصرت عملية التجميل عند الانسان الغربي كما اسلفنا على الامعان في ابراز التباين بين الطبقات ألاجتماعية خاصة منها الطبقة الارستقراطية والنبيلة التي كان هاجسها الاول هو الحفاظ على بشرتها البيضاء و العمل على الاستزادة من نقاء بياضها وصفائه لذلك هيمنت مادة واحدة اساسية في مواد التجميل عندهم، وهي مبيض البشرة الذي اجتهدوا في صناعته من الدقيق والأرز وبعض النباتات، ولم يهتموا كثيرا بالألوان الاخرى إلا في وقت متأخر جدا عن الكثير من الشعوب، مما يعكس تلك العقيدة والثقافة العنصرية المتجذرة التي ستتطور وتتلون لتبرز لنا في كل مرحلة بشكل مختلف، و التي لا تفارق الانسان الغربي الى ألان حتى وان حاول تغطيتها بمفاهيم وشعارات مضللة كالديمقراطية والحرية، وتكفي محاولاته الحثيثة لعولمة الجمال وفرض مفهومه ومقاييسه الخاصة للجمال على كل الشعوب دليلا على هذه النزعة المقيتة، التي تصل لدرجة التعسف على المرأة خاصة و الشعوب عامة.بل يرتقي لدرجة الارهاب بسبب ما يخلفه من ازمات نفسية و مادية و اجتماعية تصل بالمرأة او الشعب بأكمله للعيش في نوع من المتناقضات، والقلق والتفكك في نسقه الفكري و المفاهيمي مما يخلق تيارات فكرية متناقضة، يمكن ان يصل الصراع بينها للاحتراب وهذا هو الارهاب في كامل نعومته !!!
التجميل وعولمة الجمال :
يمكننا ان نعرف التجميل على انه عملية تطبيق لمفهوم الجمال لدى الفرد او المجتمع، وهو عملية يرسم بها الانسان قناعاته و يعكس بها ثقافته وأفكاره، ويعبر بها عن قضاياه في كل مفردات حياته : زيه وزينته و سلوكياته وفي ادواته او صناعاته ورسوماته، ومنتوجه الفني والثقافي بمختلف اشكاله في الرسم او الموسيقى او العمران أو التشخيص والتمثيل على المسرح او السينما، وغيرها من الحرف والفنون ...إلا ان العامة ربطته بالإنسان وتحديدا بالمرأة ، ربما لكونها تعكس في الغالب الثقافة التي تسود بالمجتمع، كما ان للمرأة تأثير قوي في حياة الانسان ألاجتماعية فهي من تتحكم في مفردات حياته الدقيقة و ألحميمة هذه المفردات التي من شانها ان تقلب موازين حياته اذا ما تم العبث بها او التعامل معها بشكل يلبي اغراض ثقافات معينة، تلعب لصالح سياسات خارجية، غرضها التخريب او الاحتلال كما سيجري توضيحه لاحقا،
إن اخطر ما اصاب عالم التجميل والجمال هو عملية العولمة، التي حولته لسلاح دمار شامل اشد فتكا من اسلحة الدمار التقليدية، وقد انطلقت الشرارة الاولى لهذه العملية سنة 1951على يد البريطاني ايريك مورلي بالمملكة المتحدة، وكان الغرض منها اختيار ملكة جمال محلية لغرض استثمار التظاهرة لأغراض خيريه تقوم الفائزة بالترويج لها، إلا ان المسابقة سرعان ما اتسعت رقعتها لتصبح عالميه وتتنوع اغراضها ورسائل لتخرج عن نطاق اعمال الخير لأعمال الدمار والتخريب والإرهاب الذي ستكون المرأة سيدة ألمجتمع اول من سيكتوي بناره، فبعد ان وضع ايريك مورلي اللبنة الاولى لعولمة الجمال، اجتهد بعده خبراء ومثقفون غربيون لدعم قواعد هذه العملية، وذلك عبر قنوات متعددة اعتمدت كلها على الصورة، من سينما وصحف و مجلات وعروض للأزياء قدمت كلها الجمال حسب مقاييس غربية محدده فالمرأة الجميلة هي ذات البشرة البيضاء، الشقراء، الطويلة القامة التي تميل للنحافة، كما اوهموا المرأة ان بإمكانها ان تصل لهذه المواصفات بسهولة او على الاقل الاقتراب منها، وذلك بواسطة مواد التجميل، وبالتالي فبإمكان المرأة ان تتحكم بجمالها وصورتها، وبذلك اصبح شغل المرأة الشاغل هو مغازلة المرآة، وإدمان النظر اليها لدرجة الهوس، وتتبع صيحات الموضة وما تفبركه دور التجميل من نماذج للجمال الصناعي المغشوش، ولم يعد هاجسها الاول أن تهتم بتثقيف نفسها او تنوير عقلها، بقدر ما صار همها الاول العناية بجمالها الخارجي، وتطويع جسدها لمقاييس الجمال الموضوعة، فترسخ في وعيها أن جمال الشكل هو معيار النجاح في العمل، و دليل التحرر والتحضر وليس الكد والاجتهاد والإيداع وقد تأثر الرجل بدوره بهذه النظرة والمفهوم السطحي للجمال، ففي استطلاع للرأي بالولايات المتحدة الامريكية اوائل ثمانينيات القرن الماضي، صرحت اكثر من 55% من المستطلعة آراءهن من النساء أن اكثر ما يجذب الرجل للمرأة هو جمالها، في حين كان 1 % فقط لصالح ذكائها،نتيجة لهذا المفهوم و هذه الثقافة صارت النساء يعشن حالة من الرعب والضغط النفسي، لدرجة الكآبة بسبب التوقعات التي صارت تسيطر عليهن، فيما يخص جمالهن ومدى انسجامه مع المقاييس الموضوعة، مما سبب لهن الكثير من القلق وانعدام الثقة بالنفس حتى صنف بعض الاطباء و الباحثين حالتهن كونها نوع من الاعاقة العقلية او المرض الجسدي، ففي تقرير صدر عام 1985 في نيويورك تايمز جاء : (غالباً ما يظهر المعاقون جسدياً رضاً كاملاً عن أجسادهم، بينما النساء القادرات جسدياً اللاتي رأيناهن لا يظهرن ذلك). وصرّح الدكتور آرثر كي بالين الذي كان رئيساً للمنظمة الأميركية للشيخوخة في 1988م: "إنه سوف يفيد الأطباء النظر للقباحة ليس كشيء تجميلي بل كمرض". لقد هيأت هذه المفاهيم و الثقافة السائدة عن الجمال الفرصة كاملة لهيمنة مصممي الازياء ودور التجميل، ومنافسة هؤلاء لرجال السياسة والقرار ، فعندما تصل النفقات العالمية على الجمال والموضة لأكثر من 100بليون دولار، وتفوق ميزانية التسلح، يجدر بنا ان نتوقف وقفة تأمل امام هذه القضية، فنحن نعلم جيدا ان الدول الكبرى لا تفارقها النزعة الاستعلائية والاستعمارية، التي ابادت لأجلها شعوبا و قبائل مستعملة في ذلك القوة والقهر لكن بعد ان ذاقت من نفس الكأس بعد الحربين الكونيتين، اصبح لزاما عليها ان تفكر بوسيلة اخرى لإخضاع الشعوب بأقل الخسائر، ومن ثم بدأت رحلتها الاستعمارية الثانية، واعتمدت فيها على خبراء التجميل وصناعة الجمال، ليمهدوا الطريق لسياساتهم وجيوشهم، ويذللوا العقبات امام مشاريعهم الاستعمارية، فبرز عدد كبير من دور التجميل العالمية التي صارت شركات عابرة للقارات، تستنزف ميزانية هائلة من دخل الشعوب، تضخ من ارباحها لصالح خزينة التسلح، كما تتحكم في توجيه سياسات الدول، ففي كانون اول من سنة 2002 نظمت في لندن المسابقة الثانية والخمسون لاختيار ملكة جمال العالم، وفازت بها التركية المسلمة آزرا أكي وقد سجل هذا الفوز اول اختراق للعالم الاسلامي وبقلبه العالم العربي، فقد كانت النتيجة سياسية اكثر من كونها خاضعة لمعايير الجمال الموضوعة، لان الغرض كان مغازلة المجتمعات الاسلامية والعربية من اجل تصدير ثقافة الجمال الغربي، و تمهيد الطريق امام شركات التجميل وصناعة الموضة، لفتح اسواق جديدة لها من اجل الترويج لبضاعة الجمال المصطنع، ومفاهيمه الدخيلة التي ستؤثر على ثقافة هذه الشعوب، وسلوكياتهم وتربك حياتهم الاجتماعية خاصة في عالمنا العربي، اذ بدأ الرجل يتطلع للبيضاء، الشقراء صاحبة العيون الخضراء او الزرقاء، معرضا عن السمراء ذات العيون العسلية، التي بدورها دخلت في صراع ضد الطبيعة، وراحت تبحث عن تلك المادة السحرية التي تحقق لها حلمها في الحصول على تلك البشرة البيضاء، والشعر الأشقر و بهذا ارتبكت مفاهيم الجمال لدى مجتمعاتنا، وتوارى مفهومه الجميل الذي تعامل معه الاجداد وعاشوا في ظله في استقرار وسكينة، و الأمرّ من كل ذلك اننا فتحنا صدورنا لسهام القذف و التجريح، والحط من حضارتنا وثقافتنا، ففي تصريح صحفي لعقيلة رئيس الوزراء البريطاني شاري بلير معلقة على الزي التقليدي لإحدى البلدان العربية " لا أعتقد أن هناك ما يمثّل تخلّف المرأة أكثر من البرقع " كما علق السياسي الفرنسي جان ماري لوبان العنصري المتطرف عن الحجاب في سخرية : " إنه يبعدنا عن النساء القبيحات " لقد كانت مثل هذه التصريحات و التعليقات تتويجا لغزو ثقافي غربي لأغراض استعمارية محكم التركيب، وواضح الاستراتيجية فمع الغزو الامريكي لأفغانستان ادخلت دول التحالف مشاريع لترسيخ احتلالها للدولة، كان من ضمنها مشروع " حرية احمر الشفاه الافغاني " وهو عبارة عن مشروع ممول من الولايات المتحدة، لتزويد المرأة في أفغانستان بمدرسة جمال ذات طابع غربي، تبنى في كابول، وسط مجمع وزارة أفغانستان لشؤون المرأة، على أن يكتمل إنشاؤها في أيار 2003، هدفها تدريب بعض نساء أفغانستان على قص الشعر، وتجارة الجمال، مع تزويدها بمساحيق التجميل، من أرقى شركات أدوات التجميل مثل (ريف لون) و(يماك). فقد تم القفز على كل المشاكل الكبيرة التي تغرق فيها المرأة الافغانية مثل الجهل و الجوع والمرض، الى تعليمها طرق التجميل الغربية وما يرافقها من سلوكيات، املا في تغلغلها في المجتمع الافغاني لتشويه شخصيته، وخلق صراع حضاري يفكك نسيجه الاجتماعي من اجل تأجيج الصراعات الداخلية التي كما رأينا بدأت تطل بنفسها عبر طوائف وتيارات دينية متطرفة، امتد تأثيرها لعالمنا العربي، وأثرت بشكل كبير على قضاياه المصيرية مثل القضية الفلسطينية، والعراقية و اخيرا بلدان ما يسمى بالربيع العربي التي لا يمكننا ان نجزم لحد الان ان ما يحصل بها هي ثورات حقيقية، بل نراها على ضوء ما سبق تحليله انها تعيش حالة انفجار ناتج عن ضغوط نفسية متراكمة، بسبب كم هائل من المتناقضات التي عاشتها خلال العقود السابقة، والتي تمثلت في غزو ثقافي متعدد الاطراف والأهداف مس ادق مفردات حياتها و حضارتها، قسمت شعوبها و مواطنيها لفرق وطوائف كل تحمل شعارا، و تعبر عن نفسها بنوع من الازياء والحلي و السلوكيات، تتنافس مع بعضها البعض للاستحواذ على الاضواء و الشهرة و السلطة ، حتى و ان كانت لا تستند لأي فكر او عقيدة صحيحة ، يكفي كل طائفة او فريق منها ما تراه على الاخر من شكل في اللباس والزى وما يأتيه من سلوكيات لتصنفه ضمن هذا الفريق او ذلك، متأثرة بالمفهوم الغربي الدخيل للجمال الذي يعتمد معيار الصورة في الاحكام و تتراجع معه الافكار و القيم الاخلاقية . و لتوضيح هذه المقاربة سوف نفرد لها بحثا تحت عنوان : الربيع العربي في مصر وهل المغرب استثناء ؟
بقلم : نزهة المكي الادريسي خبيرة تجميل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الارهاب الناعم
رأفت لافى ( 2012 / 6 / 1 - 17:35 )
دوما رائعه ومتميزة ...واقعية وصادقة بالرغم من محيط الكذب والنفاق والتدجيل بالمنطقة الجغرافية كلها الا ما رحم ربى ...تحياتى الحارة للكاتبة ومع خالص شكرى وتقديرى.

اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن