الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخب العلمانية على مفترق الربيع العربي

فؤاد سلامة

2012 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في ذهن الجمهور في البلدان غير المتقدمة , ترتبط العلمانية بعدم التدين وأحيانا بالإلحاد . ويمكن اعتبار القدرة على فهم معنى العلمانية , وبدرجة أعلى القبول بها , مقياسا لتطور المجتمعات وتقدمها الثقافي تماما كفهم معنى الديمقراطية والقبول بها . يتطلب فهم المعنى وجود ثقافة شفهية , وبالطبع فإن امتلاك الحواسيب الإلكترونية ليس ضروريا لفهم المعاني وإن يكن بدوره مؤشرا إضافيا على تطور المجتمعات . اللجوء إلى استعمال قاموس لغوي(ورقي أو إلكتروني), باعتباره وسيلة لفك الألغاز والمعاني , هو برأيي أهم مؤشر لتقدم المجتمعات . من المسلم به أن الأمية الثقافية هي السرير الذي تولد فيه الأمية السياسية , وهي غير الأمية التامة أي عدم القدرة على الكتابة والقراءة . لا تعني الأمية السياسية عدم القدرة على فهم الكلام السياسي بل عدم القدرة على فهم المعاني الحقيقية للمصطلحات والمفاهيم السياسية فهما دقيقا . تندرج في سياق عدم الفهم هذا, الفئات المتعلمة التي تقف موقفا عدائيا من العلمانية بالرغم من مقدرتها النظرية على فهم المعاني السياسية . في هذه الحالة فإن عدم التفهم ناتج عن موقف أيديولوجي مسبق يستقوي بتخلف الجمهور لأسباب سياسية أي بهدف احتكار سلطة على الجمهور وإقصاء النخب العلمانية والليبرالية . لهذا السبب تنظر بعض النخب العلمانية إلى الجمهور في البلدان غير المتقدمة باعتباره جمهوراً "قطيعياً" منغلقاً غير قادر على التمييز, يصعب إقناعه بالحجة والنقاش ويسهل انقياده خلف الجماعات الديموغاجية . من هنا نفهم موقف النخب العلمانية التي تفسر عزلتها وعدم قدرتها على التأثير داخل الجمهور بالعقلية "القطعانية" المسؤولة عن رسوخ أنظمة دكتاتورية تلعب فيها علاقات القرابة والغيبيات الدينية دورا رئيسياً .
الفئات العلمانية في المجتمعات غير المتقدمة تنقسم على قلتها إلى ثلاث مجموعات . العلمانيون القوميون , والعلمانيون الماركسيون , والعلمانيون الليبراليون . والأخيرون بدورهم صنفان : الليبراليون اليساريون والليبراليون المحافظون . القاسم المشترك بين كل هؤلاء العلمانيين هو تأييدهم للدولة المدنية الحديثة القائمة على فصل الدين عن الدولة . ما يقسم العلمانيين فيما بينهم هو تقديرهم لأهمية الديمقراطية في بناء الدولة , بحيث يذهب الإنقسام إلى أعلى درجاته بين العلمانيين الليبراليين رافضي الدولة المستبدة والعلمانيين القوميين والماركسيين الذين لا يعتبرون الديمقراطية شرطا أساسيا للدولة الحديثة . يذهب القوميون ومعظم الماركسيين إلى حد تفضيل الدولة العلمانية المستبدة على الدولة الديمقراطية التي يحكمها الإسلاميون ولو وصلوا عن طريق الإنتخابات , لاعتقادهم بأن الإسلاميين يصلون للسلطة بواسطة الإنتخابات ليرتدوا فيما بعد على الديمقراطية ويقيموا حكمهم الإسلامي الذي لا مكان فيه للحرية . بينما يذهب العلمانيون الليبراليون للتحالف مع الإسلاميين ضد الأنظمة العلمانية المستبدة بهدف إقامة دولة ديمقراطية بالرغم من تشكك العلمانيين الليبراليين من الإسلاميين ونواياهم الغامضة بشأن الموقف الحقيقي من الديمقراطية .
يدور السجال منذ فترة طويلة بين المثقفين العرب حول أهمية الربيع العربي , وهل يمكن اعتباره ثورة تدفع إلى الأمام أم أنه مؤامرة ينتج عنها نكوص إلى الوراء . يتكثف الخلاف بين الماركسيين والقوميين من جهة , والليبراليين يساريين ومحافظين من جهة أخرى , حول الموقف من الديمقراطية ومن العلاقة مع الإسلاميين : هل الأولوية للدولة الديمقراطية بغض النظر عن من يحكمها إسلامياً كان أو علمانياً , أم للدولة العلمانية المخاصمة للإسلام السياسي والمتمسكة بالعداء للغرب(من دون الدخول في حقيقة هذا العداء) ؟ لن يحسم هذا السجال ما لم تقم تجربة ديمقراطية عربية فعلية تفسح المجال لتناوب على السلطة يقبل الإسلاميون بخوضها والذهاب فيها إلى النهاية . ما هو ثابت حتى الآن هو أن الأنظمة الديكتاتورية علمانية كانت أم إسلامية تشكل عقبة رئيسية أمام قيام الدولة الحديثة , فهل يتوافق العلمانيون على الأهمية القصوى للديمقراطية أم يبقون منقسمين بين علمانيين مؤيدين أو متساهلين مع الأنظمة العلمانية المستبدة وعلمانيين يعطون الأولوية لقيام الدولة الديمقراطية بغض النظر عمن يحكمها مؤقتاً؟ التجربة المصرية ستكون حاسمة في إعطاء الدليل على إمكانية قيام ديمقراطية عربية يتصارع داخلها سلميا العلمانيون والإسلاميون ويتناوبون على السلطة .
قدرة المجموعات العلمانية على تجاوز انقساماتها الحادة تحدد إمكانية ممارسة النخب العلمانية المحدودة الإنتشار والفعالية دوراً سياسياً في مجتمعات متخلفة ومنغلقة ثقافياً . ينصب اللوم على المثقفين لعدم قدرة الكثيرين منهم على الخروج من أبراجهم العاجية , والإنعتاق من ذواتهم المفرطة في نرجسيتها , للإنخراط في الحراكات الشعبية كي يكون لهم دور فيما يحصل من سيناريوهات . كما يلام الكثير من المثقفين لقلة وحتى انعدام حساسيتهم تجاه الممارسات المروعة التي ترتكبها بعض الأنظمة في دفاعها المستميت عن وجودها, ويجري اللجوء إلى التذكير الدائم وشبه الطقوسي بما ترتكبه إسرائيل وأمريكا لتبرير قلة الإنفعال تجاه جرائم الدكتاتوريات "الجمهورية" ... قد لا ينفع اللوم هنا لدفع المثقفين الذين يكررون المواقف "التاريخية" ذاتها والخطاب السياسي ذاته لإجراء مراجعة شاملة للتجارب الفاشلة , كما لا تكفي النزعة الإرادوية لتجاوز الإنقسامات في صفوف العلمانيين . ولكن مع تقدم التجربة الديمقراطية في الدول العربية التي ضربها زلزال الربيع العربي ومع تبلور مسارات الثورتين المصرية والسورية باتجاه تشكل نظامين ديمقراطيين في هذين البلدين , يصبح العمل لإقامة ائتلاف علماني واسع مبررا ومطلوبا أكثر مما مضى . وإذ يبدو الإنتظار هو الغالب في المرحلة الراهنة فإن تطورات لاحقة قد تفرض تسريع الخطى في اتجاه تهيئة الظروف لنشوء ائتلافات علمانية واسعة وذات ومصداقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام