الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
دستور الوعد و الوعيد
بودريس درهمان
2012 / 5 / 29مواضيع وابحاث سياسية
الدساتير المنفتحة على ذاتها تعتمد تقنية زرع المفاهيم و المصطلحات التقنية و العلمية بداخل بنودها التشريعية حتى تستطيع في ما بعد السلطتان التشريعية و التنفيذية الاستفادة من هذه المفاهيم و المصطلحات المتعددة للقيام بعملية التوليد التشريعي و التوالد المؤسساتي.
التعدد الاصطلاحي و المفاهيمي بداخل فصول و بنود الدستور دليل على الوفرة المعرفية للمشرع و تأكيد على الرغبة في توطين هذه المجالات المعرفية التشريعية بداخل القوانين المولدة في ما بعد؛ ليس هذا فقط بل يؤكد التعدد الاصطلاحي و المفاهيمي على مستوى الرحابة الفكرية و مستوى التمتع بالروح الديمقراطية. في حين غياب التعدد الاصطلاحي و غياب التعدد المفاهيمي، أي في غياب حضور المجالات المعرفية التشريعية المتعددة، و غياب الروح الديمقراطية بالضرورة ستتسلل عبارات الوعد و الوعيد بداخل نص الدستور.
الباب العاشر من الدستور الخاص بالمجلس الاعلى للحسابات، بالإضافة للباب الثاني عشر الذي هو باب الحكامة الجيدة، هذان البابان اللذان من المفروض ان يكونا هما البوابة التشريعية الى محاربة الامتيازات و اقتصاد الريع، هذان البابان يتحدثان عن المحاسبة و كأن هذه المحاسبة تعني دائما شيئا واحدا فقط و ليس أشياء متعددة. منظور المحاسبة حسب الباب العاشر الخاص بالمجلس الاعلى للحسابات هو على الشكل التالي:
"يتولى المجلس الاعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية. و يتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل و مصاريف الاجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون و يقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، و يتخذ، عند الاقتضاء عقوبات عن كل اخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة"
العقاب هو السمة الغالبة على ديباجة الباب العاشر الخاص بالمجلس الاعلى للحسابات و هذا الباب لم يأتي بأي جديد حيث قام فقط بدسترة المساطر المتبعة من طرف المجلس الاعلى للحسابات و هذه المساطر يغلب عليها الطابع العقابي و لا تكترث بتاتا بالطابع التقويمي كما هو معمول به لدى الدول الديمقراطية. المساطر المتبعة من طرف المجلس الاعلى للحسابات و التي تضمر العقاب و لا تكترث بالعمل التقويمي هي ستة و هي كالتالي:
1. التدقيق في الحسابات
2. التسيير بحكم الواقع
3. التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية
4. طرق الطعن
5. مراقبة التسيير
6. التصريح الاجباري بالممتلكات
كل هذه المساطر تضمر التجريم و العقاب و لا تضمر بتاتا التقويم، فالمسطرة الثانية المتعلقة بالتسيير بحكم الواقع تضمر السجن و التغريم للمحاسبين المتابعين الذين لا يصدرون حساباتهم في اجل لا يتجاوز شهرين. كل جملة مصاغة سواء في ديباجة الباب العاشر للدستور الخاص بالمجلس الاعلى للحسابات أو في ديباجة المساطر الستة المتبعة من طرف المجلس الاعلى للحسابات، كل جملة إلا و هي حاوية للغة تهديدية صريحة بدون أي نفس تقويمي و بدون لغة بيداغوجية مؤهلة لفعل التقويم.
لتلمس ضحالة الثقافة التقويمية في النصوص التشريعية الخاصة بالمحاسبة يكفي مقارنتها بدليل التقويم المعتمد من طرف وزارة الخارجية الفرنسية الصادر عن قسم التعاون الدولي و التنمية. في هذا الدليل و في نصوص تشريعية أوروبية عدة تجد أنواع مختلفة من التقويم بالإضافة الى طرق و مساطر غنية بالثقافة التقويمية و هذه الطرق و المساطر لا تترك بتاتا أي فرصة لاستفحال فعل الاخلال بالعمل المحاسباتي حيث تقوم بإيقاف هذا الفعل و الحد من خطورته و هو في مراحله الاولى.
في كل بنود الباب العاشر الخاص بالمجلس الاعلى للحسابات و الباب الثاني عشر الخاص بالحكامة الجيدة، هنالك ذكر فقط لمصطلح المحاسبة دون تحديد أو ذكر لأنواع وأشكال المحاسبة المتعددة، و كأن فعل المحاسبة هو دائما يعني شيئا واحدا، مما يدفعنا الى التساؤل: ماذا يتوخى فعل المحاسبة هل يتوخى فقط عقاب المخلين ام يتوخى تقويم السياسات و البرامج؟
و حتى في الحالات التي يتم فيها اعتبار المحاسبة هي العقاب فقط، حتى في هذه الحالة يجب الاعتماد على الية التقويم لأنه بدونها ليس هنالك محاسبة. الدستور المغربي في كل ديباجته و في كل فصوله و بنوده ليس هنالك و لو تلميح واحد للمحاسبة التي تنبني على الية التقويم بل هنالك فقط المحاسبة التي تضمر التهديد و العقاب مما يجعل من هذا الدستور نوع من الوعد و الوعيد الذي يمارسه الخطباء في المساجد من اجل الردع و التخويف.
مع تناول فعل المحاسبة، الكل سيتساءل حول ماذا سينصب فعل المحاسبة؟ هل سينصب على الافعال الاجرائية التي يقوم بها المسؤولون الحكوميون الكبار اثناء أجرأة البرنامج الحكومي أم سينصب على البرنامج الحكومي نفسه و اذا كان سينصب على البرنامج الحكومي و على السياسة الحكومية فهل سيقوم رئيس الحكومة بمحاسبة نفسه على برنامجه و على سياسته الحكومية؟؟
الكل يعلم بأن فعل المحاسبة يختلف من مستوى الى مستوى، فمحاسبة عمل اجرائي محض يخضع الى مساطر و اجراءات، و نفس الشيء بالنسبة لمحاسبة برنامج حكومي، او برنامج وزاري او حتى محاسبة برنامج موظفين عموميين بداخل الادارات العمومية. هذا التمايز على مستوى كيفية تطبيق المحاسبة على الافعال الاجرائية المحضة و كيفية تطبيق المحاسبة على البرامج و السياسات هو الذي لم يأخذه بعين الاعتبار نص الدستور المغربي الذي اكتفى بالتلويح بمصطلح المحاسبة و كأنه تهديد و تجريم مسبق في حق المسؤولين و الموظفين العموميين. ربما لهذه الأسباب تتفادى الدولة المغربية دائما اللجوء الى فعل المحاسبة في حق موظفيها الحكوميين و في حق مسؤولييها المعينين على مؤسسات حكومية و على قطاعات انتاجية و خدماتية تحت نفوذها، لأنها ربما تخشى ان تظلمهم فتفضل عوض ذلك تصفية الحساب مع البعض منهم فقط، خصوصا أولئك الذين كانوا يعتبرون الى امد قريب خصوما سياسيين وصلوا الى هذه المسؤوليات بعنادهم و نضالهم، كما يحصل حاليا في مؤسسة البنك العقاري و السياحي و كما يحصل في مؤسسة الضمان الاجتماعي و كما يحصل كذلك حتى في مكتب المطارات. كل المسؤولين المعنيين بهذه المحاسبات التي وصلت الى المحاكمات هم من أصول يسارية فهل يعقل أن اليساريون وحدهم بداخل القطاعات الحكومية من يخطئون و من يتم تقديمهم للمحاكمات كمجرمين؟؟ لا أحد يشكك في التجاوزات المالية التي قاموا بها ولكن ان تقتصر عملية المحاسبة عليهم فقط فهذا يثير كثيرا من الاستغراب.
المؤسسات الحكومية للمحاسبة و المراقبة المالية التي تنظمها قوانينها الخاصة بها ربما تحتاج الى مؤسسات تقويمية و تحليلية مساعدة حتى تخفف الضغط عليها و تساعدها على اداء مهامها في احسن الظروف كاللجوء الى خدمات مؤسسة وطنية لتقويم السياسة العمومية عن طريق الاعتماد اولا على اليات التقويم الداخلي و اليات التقويم المرحلي بالإضافة الى الاستعانة بالية الخبرة التقويمية بدل الاعتماد فقط على المحاسبة الخارجية التي يقوم بها المجلس الاعلى للحسابات. الاختلالات المحاسباتية هي سيرورة طويلة المدى و اعتماد اليات التقويم الخارجي فقط هو نوع من المحاسبة التي تتوخى العقاب و تتناقض مع المحاسبة التي تتوخى التقويم الداخلي اولا عن طريق تهييء برانم اعلامية تقويمية داخلية على مراحل للتنبيه المحاسباتي.
محاسبة السياسات العمومية يجب أن تنصب على الافعال الاجرائية و ليس على الأشخاص لأنه حينما تنصب فقط على الاشخاص فهي قد تصبح نوعا من اصطياد البعض لممارسة العقاب و اعطاء العبر و هذه خاصية ثانية من خاصيات دستور الوعد و الوعيد.
ليس فقط بعض المسؤولين العموميين اليساريين هم من يحاسبون و ينقادون الى المحاكم كالجرذان، بل حتى برامج بعضهم الطموحة و ذات البعد العلمي و التقني هي الاكثر انتقادا و الاكثر تجريما و محاسبة. من منكم لا يتذكر محنة الوزير سعيد السعدي مع خطته العلمية و التقنية لإدماج المرأة في مسلسل التنمية التي تم التضخيم من مراميها حد تقسيم الشعب المغربي الى قسمين و من منكم لم يلمس التجريح اللفظي المتعمد في المواقع الالكترونية في حق اليساريين و الحداثيين. يحدث هذا فقط لليساريين و للحداثيين و للذين يؤمنون بالقيم العلمية اما الذين تكفيهم السجادة و التسبيح لتبذير كل الاموال و الطاقات فلا يكترث بهم احد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. البيت الأبيض: نعتقد أن الخطة التي تنوي إسرائيل تنفيذها في رف
.. سقوط 8 قتلى بصفوف حزب الله وحركة أمل جراء غارتين إسرائيليتين
.. تطوير نحل روبوتي يزيد من نسل النحل ويمنع انقراضه • فرانس 24
.. الإعلام الإسرائيلي: الجيش يستعد لإجلاء المدنيين من رفح تمهيد
.. غواص مخضرم يكشف مخاطر البحث بمنطقة انهيار جسر بالتيمور وسبب