الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنهم شهداء

على شكشك

2012 / 6 / 6
الادب والفن


إنهم شهداء
علي شكشك
ليسو أرقاماً، وليسوا أمواتاً، ولم يكونوا غائبين، أولئك الذين ذهبوا قليلاً وكرسوا حضورهم وأعلنوا حضورنا، وارتفعوا أعلاماً ورفعوا أعلامهم، ليسو أرقاماً ولم يكونوا غائبين،
لعلّ اللصوص المستوطنين، المتقدمين منهم والمتأخرين، وقد سطَوا على الرمل والوقت والنقوش وما تركَتْ الريحُ من ريحها على الروح، لعلهم يمارسون هوايتهم الجبلية في الجوييم ولا يرَون غيرهم إلا أرقاماً، يُجردونها من دلالاتها وانفعالاتها وتفاعلاتها، إلى تجريدٍ رياضيٍّ تام، فليس قبلهم معنى وليس قبلهم ولا غيرهم كان، كلُّ ما عداهم أرقام، فارغٌ هو الوقت والمكان، تجريدٌ هو المعنى بلون الأرقام، فلا بأس ولن يكون الأمرُ حينها إلا أنهم بداية المعنى على الأرض، لم يكن تاريخ ولا أشواق، كلُّ الجوييم أرقام، استكمالاً لسبب الخطيئة الأوّلِ في الجهل والغي والغرور والعناد، تلك التي تدفعهم إلى مزيدٍ منها في حلقةٍ مفرغةٍ تشربُ وعيها وتنغلقُ عليه فلا يبقى من سندٍ ولا بصيرةٍ للوهم غيرُ ذاته، فلا يرى غيره ولا يرى حوله إلا الأرقام، كلُّ ما في الكون وهمٌ وجوييم، كلُّ التاريخ ما كان وكلُّ الجغرافيا وإن سردوا روايتها في الروايات حرام، وهْمٌ وأرقام، رواية تفنى إن أبصرتْ غيرَها، ذلك أنّ مجردَ غيرها ينقضُ كلَّ روايتها، بما أنها قائمة على فرضية النفي التام، فماذا سيعني إذن إبصارُها إن أبصرَتْ غيرَها في المجال غيرَ أنها كتلة الخطيئة والباطل والوهم والضلال؟ وماذا سيعني أيضاً ذلك إلا أنها تخنق نفسَها وتنقضها إن خالفت شروطَ تخلُّقِها؟ فليس لها لكي تكون إلا أن تنفي كينونة غيرِها، وحينها يجبُ أن يتحوّلَ كلُّ شيئٍ إلى أرقام، هي ليست نزوةً في التوصيف ولا مجرّدَ رغبةٍ عابرةٍ في التنكير بقدر ما هي ضرورة بقاء كاملة وبناءٌ أصيل على الخطيئة الأولى في الانغلاق على الطوية التي تنفي وترفض في السبب والمنهاج والواقع كلَّ ما غيرها ولا تعيش إلا منظومتها، وهو الأمر الذي يفسّرُ كلَّ المسار والسلوك والمصطلح والرؤية، فهم فقط هم، والآخرون جوييم، والعالم هو الجيتو، والتاريخ ليس إلاهم، والإله ليس إلا لهم، وعلى الأشياء أن تعيد ترتيبها وفقهم، ليس إلا روايتهم، وإن خذلتهم الحفريات فليعيدوا صناعتها من جديد، وإن كذّبتهم الأحداثُ فليخترعوا التاريخ، والإسرائيليات ليست إلا معادلاً ما لزرع قبورٍ في القدس للكتابة بأثرٍ رجعيّ، يخطئ من يظنُّ أنهم يخدعون أنفسهم، هو هكذا الأمر، هم يعتقدون أنهم فعلاً عندما يغرسون قبوراً هنا فإنهم يضعونها هنا الآن منذ آلاف السنين، هو جيتو الفكر الكامل الذي يمنطق منطقهم ولا يصغي ولا يبصرُ خارجه، فليس خارجهم إلا الأرقام،
هكذا إذن يكون الذين عادوا هذا الأسبوع دلالةً وشهادةً على نقض رواية اللصوص المستوطنين المتقدمين منهم والمتأخرين، وضوءاً يبدّدُ ظلامَ الجيو الأخير ويذهب ببصرهم وبصيرتهم،
هكذا يكون الذين عادوا هذا الأسبوع في جثامينهم ليسوا أرقاماً، وليسوا أمواتاً، أولئك الذين استأذنونا قليلاً ليرتفعوا كثيراً ويُعلنوا حضورَهم ملء الزمان وملء المكان، ليسو أرقاماً ولكن شهداءَ عند ربّهم يرزقون.
مرفق رابط صورة الكاتب على موقع هيرمس برس
http://news.arabsolaa.com/mob/articles/view/55624








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار