الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصدعات في عرش الرأسمالية - أزمة البطالة

نجاة طلحة
(Najat Talha)

2012 / 6 / 18
ملف حول مشكلة البطالة في العالم العربي وسبل حلها، بمناسبة 1 ايار- ماي 2013 عيد العمال العالمي


الأزمات الإقتصادية في منظومة الدول الرأسمالية هي ظواهر متجزرة في النظام الرأسمالي لا يمكن أن ينفك منها. فهي بنيوية المنشأ ومن صميم مكونات هذا النظام. دورات الركود والتي أصبحت في تسارع, إذ لا يكاد إقتصاد الدول الرأسمالية يخرج من ركود حتي تلوح في الأُفق بوادر ركود قادم, تنفي نفيا قاطعا قدرة الآلية الأوتوماتيكية للإقتصاد الرأسمالي على إبقائه. حتى إضافة قليل من ملح الإشتراكية الذي إتبعته ما تسمى بالرأسمالية الجديدة لم ينقذ الإقتصاد الرأسمالي من تحول الأزمات المالية الي ركود ولم يساعد في إنتشاله من الآثار السالبة التي يخلفها. إذ لا يزال العالم يعاني من مخلفات التجربة الدامية التي مرت بالمعسكر الرأسمالي في عام 2008. تدخلت الدولة وفقا لنظرية الرأسمالية الجديدة بتيسير الإئتمان، ودعم السوق وإنقاذ البنوك والمؤسسات المالية وكبرى الصناعات خصما من المالية العامة بمبالغ وصلت لتريليونات الدولارات ولكن كل ذلك لم يجد فتيلاً. لا تزال هذه الإقتصادات تتسم بالإنكماش في كل دول الرأسمالية: منطقة اليورو وبريطانيا والولايات المتحدة وكذلك الدول التي يرتبط إقتصادها بهذه المنظومة. تعاني شعوب هذه الدول من سياسات التقشف التي تفرضها التحالفات الإقتصادية كدول الإتحاد الأُوربي كما تمر منطقة اليورو بأزمة تتهدد العملة الموحدة. وتعاني من تراكم الديون السيادية حتي كبرى هذه الدول كالولايات المتحدة الأمريكية. هذه كلها أزمات تعصف بالرأسمالية العالمية وتنبئ عن تصدعات في هذا العرش الذي تحكم في مصالح شعوب العالم ولكنه دائما يحمل عوامل فنائه في داخله.
يناقش هذا المقال البطالة وهي واحدة من أعمق أزمات النظام الرأسمالي ويشرح كيف أنها متلازمة أصيلة في البناء الرأسمالي وهي مكون بنيوي لهذا النظام وضرورية لوجوده, لكنها تؤرق إستقراره وتؤكد ما ذهبت اليه الماركسية من عمق التناقضات في النظام الرأسمالي التي تخلق عوامل تآكله الداخلية. فالبطالة هي واحدة من صميم مكونات علاقات العمل في النظام الرأسمالي وواحدة من العوامل الضرورية لخلق التوازن الديناميكي في حركة الإقتصاد الرأسمالي. فالعمال العاطلين عن العمل وهم كما يسميهم كارل ماركس بالجيش الإحتياطي من العمال ضروري لإستخدامه عند الحاجة حسب مقتضيات الإنتاج وحركة العرض والطلب, ولإعتصار طاقاته (قوة عمله) بالحد الأقصي أي أقصي حد من الإنتاج بأقل عدد من الأيدي العاملة ويبقي العمال المقذوف بهم للشارع تدفعهم الحاجة مضطرين للعمل بأي أجر. ويشرح ماركس هذا المكون لعلاقات العمل الرأسمالية "وعليه، لكي يكون ممتلكا على الدوام الكمية الضرورية من قوة العمل التي تستجيب لمختلف درجات متطلبات السوق، عليه أن يُبقي في الإحتياط على عدد كبير من العمال غير المستخدمين، إلى جانب أولئك الذين استخدمهم. والعمال غير المستخدمين لا يتلقون أجرا لأن قوة عملهم غير مباعة، بل هي موجودة كاحتياطي، أما عدم استهلاك جزء من قوة العمل فإنه جزء لا يتجزأ من قانون الأجور في الإنتاج الرأسمالي." فبقدر ما تنمو حركة الإنتاج وهو ما يحدث الآن في العالم الرأسمالي بقدر ما تكونت ضرورة لجيش أكبر من الإحتياط.
هنالك ضرورة أخري لوجود هذا الجيش الإحتياطي من العطالة فبالتقدم العلمي والتقني في الصناعة وإستحداث الآلات ذات الإنتاجية العالية تزداد حركة المنافسة بين الرأسماليين ولمجابهة حركة المنافسة هذه يلجأ الرأسمالي لخفض أسعار السلع ويحتاج لتعويض ما ضاع من الأرباح الإضافية فيلجـأ للضغط في جانب القوي المنتجة وتقليلها مستعينا بالقدرات الهائلة لهذه الآلات وتحقيق نفس النسبة من الإنتاج بما تبقي من العمال. إذاُ فضمان الأرباح في هذه الحالة يكون مبنيا علي سرقة قدر أكبر من قوة العمل فتستمر الأرباح ويستمرتراكم رأس المال وهذا يؤكد كيف أن العطالة ضرورية لوجود النظام الرأسمالي وكما خلص آرنست مانديل (وما أن ينتج ذراعان أكثر مما يتطلبه إستمرار وجود صاحبها، حتى يمكن أن يظهر إمكان الصراع من أجل توزيع هذا الفائض). خدمة أخري تصب في خانة الأُجور وهو أن البطالة تخلق تنافس بين العمال يستخدمها الرأسمالي لتخفيض الأُجور فالأيدي العاملة هذه سلعة يخضعها النظام الرأسمالي والذي كل ما فيه سلعة تجارية لميزان العرض والطلب فتنحدر الأُجور بقدر المعروض من قوة العمل.. كل هذا يوصلنا الي أن البطالة هي من مكونات البناء الرأسمالي الأساسية والضرورية لقانون تراكم رأس المال.
ولكن هل في ظل فوضى الإنتاج الرأسمالي يمكن أن يكون هنالك دائماً التوازن المطلوب بين الحاجة للأيدي العاملة والتخلص منها كيفما تحدده حركة الإنتاج المستجيبة تلقائيا لحالة الطلب. في ظل فوضي الإنتاج هذه يضطر الرأسماليون لفرملة عجلة الإنتاج فبسبب المزاحمة المحمومة لجني الأرباح يتكون فائض إنتاجي هائل يوصل دورة الإنتاج الرأسمالي الي مرحلة الركود. فالأسواق العالمية تضيق عن إستيعاب هذا الكم الهائل من البضائع رغم تفنن الرأسمالية العالمية في خلق الأسواق وما نظرية العولمة إلا واحدة من الوسائل لتنفيذ هذا الغرض. لكن هذه الأسواق لا يمكن أن تتوسع بنفس القدر. فتحت ظل حمى اللهث وراء الأرباح التي لا تحدها ضوابط أصبحت أزمات فائض الإنتاج هذه أكثر عنفا واضطراداُ. فمتلازمة التخلص من العمالة هي أول ما ينتج عن كبح عجلة الإنتاج هذه. لنعيد هنا قرآة هذا النص والذي يحمل إستقراء دقيق لما يحدث الان، "وأخيراً، بقدر ما تُكره حركة التطور الموصوفة أعلاه الرأسماليين على إستثمار وسائل الإنتاج الجبارة القائمة وإستغلالها على نطاق متسع أبداً، وعلى تحريك جميع نوابض التسليف من أجل تحقيق هذا الغرض، بقدر ما تزداد الزلازل الصناعية التي لا يحافظ العالم التجاري على نفسه فيها إلا إذا ضحى على مذبح شياطين الجحيم بقسم من الثروة ومن المنتجات وحتى من القوى المنتجة ... كارل ماركس ... رأس المال" العطالة اذن هي من السمات الأساسية للإقتصاد الرأسمالي حيث أن وصول دورة رأس المال لمرحلة الركود مسألة حتمية لا يمكن تجنبها والبطالة هي من الخصائص الأساسية لهذه المرحلة فالنتيجة التلقائية لهذه الأزمة هو إستفحال أزمة البطالة. من قبل الدخول في إحصائيات وتفاصيل أزمة البطالة التي تنتظم بلدان العالم الرأسمالي وتهدد هذا النظام هنالك ضرورة لشرح المعايير التي تستخدم في تعريف العاطل عن العمل فما كل من يكتوي بنار هذه المشكلة يدرج في قوائم البطالة. فالمعايير التي تستخدم لحساب نسبة البطالة وهي نسبة عدد الأفراد العاطلين إلى القوه العاملة الكلية تستبعد فئات كثيرة هي في الحقيقة عاطلة عن العمل بشكل دائم أو مؤقت. مثال لذلك الأفراد الذين يعملون بأجر لبعض الوقت، أومن يعملون في وظائف على فترات متقطعة. وهنالك العمالة المُحبطة والتي تتمثل في أولئك الذين يرغبون في العمل؛ ولكنهم فشلوا في العثور عليه، فكفوا عن البحث عنه. ثم هنالك الذين يجبرون علي العمل بأجر قليل جدا الذي هو أشبه بالعدم. كل هولاء يستبعدوا من حسابات نسبة البطالة وكل الإحصائيات التالية لا تشمل هؤلاء.
في عام 2008 عصفت أزمة مزلزلة بالإقتصاد الرأسمالي العالمي فبفضل التداخل الذي أملاه نظام الإحتكارات (الإمبريالية) الذي حول العالم لأسواق تتقاسمها الرأسمالية وأصبحت الإقتصادات في العالم إما مسيطرة أو تابعة ومرهون قرارها. تمددت الأزمة المالية والتي نتجت عن مشكلة الرهن العقاري التي هزت سوق المال في الولايات المتحدة وأصابت الإقتصاد الأمريكي بحالة من الركود فسقطت تحت تأثيرها كثير من إقتصاديات العالم بل إستشرى هذا التأثير ليتسبب في أزمة مالية عالمية أمتدت من أمريكا لتصيب إقتصاد قارتي أوربا وآسيا.الهشاشة التي أصابت الإقتصاد الرأسمالي العالمي نتيجة لزلزال الركود الإقتصادي في 2008 والاعوام التي تلته أعاق كل المحاولات الرامية لإمتصاص الآثار السالبة لهذه الهزة وفي عمقها أزمة البطالة.
دخل الإقتصاد الأمريكي عام 2008 في مرحلة الركود وفقد أكثر من 2.6 مليون وظيقة وتضاعق العدد ليصل في خلال عام واحد الي 11.2 مليون. استمرت مشكلة البطالة رقم كل المجهودات التي بذلت بواسطة إدارة بوش ثم الرئيس الحالي أوباما. لم تسعف السياسات المالية في مساعدة الإقتصاد علي تجاوز الآثار السالبة للركود وعلتها أزمة البطالة. فقد نفذت خطة دعم بمبلغ 787 مليار دولار كحوافز لتنشيط الإقتصاد لكن سوق العمل الأمريكي ظل يُعاني من نزيف الفقدان المستمر للوظائف. فنسبة البطالة التي وصلت 5.7 في عام 2007 وهي بداية أزمة الإنكماش الذي اصاب الإقتصاد الأمريكي حتي إرتفعت الي 9.4% في عام 2010. ورغم أن الإقتصاد قد أظهر شيئا من التعافي وبدأت معدلات البطالة في الهبوط فإن أربع سنين من المجهودات المضنية للتخلص من هذه الأزمة لم تسفر عن علاج جزري لها وفشلت كل الجهود التي بذلت لتعزيز مستويات التوظيف فعلة البطالة من السمات الجوهرية وأزمة ملازمة للنظام الرأسمالي التي لا تعالجها الإجرءات الإسعافية المؤقتة فلا زالت المؤشرات في سوق العمل تتأرجح وبعد التفاؤل بالتحسن الذي طرأ عليه ففي يونيو الحالي قالت وزارة العمل أن معدل البطالة في الولايات المتحدة زاد بمقدار عشر نقطة مئوية إلي 8.2 بالمئة. يعاني المواطنون الذين يقذف بهم للشارع من فقدان أقل مقومات المعيشة اليومية. يفاقم من هذه المعاناة فقدان الضمان العلاجي والذي يوفر كجزء من الإمتيازات الوظيفية ومقدرة الأفراد علي تقطيته مستحيلة حتي في ظروف توفر مصدر دخل لأن تكاليفه خرافية. كذلك بما أن إمتلاك المنازل يكون علي نظام التقسيط فإن من يفقدوا وظائفهم يصح عليهم معني القذف الي الشارع بمعناه الحرفي.
لازالت أُوروبا تعاني من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي ضربت إقتصادات الدول الكبري في 2007-2009. بدأت الهزة المزلزلة للإقتصاد الأمريكي بأزمة الرهون العقارية وتأثرت بها إقتصادات اوربا فتوالت إنهيارات المؤسسات المالية في امريكا وتبعتها مؤسسات مالية كبرى في أُوربا لإرتباطها بالسوق المالية الأمريكية. فاقم من الأزمة تجربة منطقة اليورو فوجود سياسة نقدية واحدة في دول ذات معطيات وظروف إقتصادية متباينة كان حتما أن تؤول الي الفشل. كذلك سياسة السوق الحرة والتي جعلت الجشع يفضي بالبنوك الكبرى شراء ديون أملاً في تحقيق الأرباح ولكن استمرار الازمة الإقتصادية لم يترك هذه العملية تؤتي أُكلها فتسبب ذلك في إنهيار تلك البنوك. موجهة بمصالح الطبقة الرأسمالية إتبعت دول الإتحاد الوروبي سياسة ضريبية تتمثل في خصومات الضرائب علي المستويات الأعلى غنىً فتأثرت نتائج الموازنات وإرتفع عجز الموازنة من 0,6% من الناتج في سنة 2007 الى 6,3% في سنة 2009 وارتفعت نسبة الدين العام من الناتج من 66% الى 78,7%. كما أن ميزان المدفوعات في العشر سنوات الأخيرة وصل الى الصفر. مع إستشراء الأزمة وإتباع دول الإتحاد الأُوربي سياسة التقشف والذي إستهدف في المقام الأول العمال إذ أُغلقت الشركات والمصانع وشُرد العاملون إذ أنها الوجهة التي تلجأ لها الرأسمالية لتخفيف حدة أزماتها أما بتخفيض العمالة أو تخفيض الأُجور والعمال هم الضحية في الحالتين. وبذلك أصبح النمو في سوق العمل معدوم. حسب آخر إحصاءات (يونيو 2012) ففي منطقة اليورو وصل معدل البطالة الي 11% وبين الشباب 21.06%. وذلك يؤكد الآثار المدمرة إجتماعيا لهذه الظاهرة المتجزرة في النظام الرأسمالي والتي تعطل الطاقات وتدمرها, حيث توظيفها يكون فقط في خدمة الرأسمالية وليس الشعوب والمجتمعات ولا يهم أي دمار يمكن أن يلحق بهما. ففي إسبانيا حيث يعاني الإقتصاد من أزمة عميقة إرتفع معدل البطالة ليصل إلى 24,4%، ووصل المعدل بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة وخريجي الجامعات إلى 51.5% مما حدى بقطاعات كبيرة منهم للهجرة وعمت الإحتجاجات الجماهيرية أرجاء البلد. أما اليونان والذي تناضل جموع الشعب بقيادة اليسار سياسات التقشف التي يمليها الإتحاد الأُوروبي كشرط لتقديم إعانة للإقتصاد المتعثر فقد وصل معدل البطالة 21.08%. كما ذكرت آخر التقارير أن نسبة البطالة بين الشباب قد بلغت 35.4% في البرتقال و31.9 في إيطاليا وفي فرنسا وهي تعتبر ثاني أكبر إقتصاد في أُوروبا فقد بلغت البطالة 21.7% ويكون الأمل معقود علي ما يجد من سياسات قد تكون أكثر إنحيازا لمصالح الشعب القرنسي بتولي الحزب الاشتراكي الحكم وإعلانه موقف واضح من سياسات التجويع التي ينتهجها الإتحاد الأُوربي بإعتماده مبدأ التقشف. أما بريطانيا فقد إرتفع عدد العاطلين ليصل الى 2.69 مليون عاطل حسب آخر تقارير وبمعدل 11.6% في تقارير أخرى. في ألمانيا وهي أكبر إقتصاد في أُوروبا حيث لم يعنها التقدم التكنولوجي الذي يسند إقتصادها أن تصيبها علة البطالة فقد بلغت نسبة البطالة 7.1% وقد إستعانت بسياسة تخفيض الأُجور لتحافظ على هذه النسبة. إنها الرأسمالية!!
الدول النامية والتى تشكل نسبة 87% من العالم يحاصرها تسونامي العولمة والتبعية والهيمنة من المعسكر الرأسمالي وضغوط تفرض عليها من المؤسسات المالية الدولية ممثلة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. الظروف الإقتصادية الصعبة ووقوع معظم هذه الدول أسيرة أنظمة برجوازية تسيرها المصالح المحدودة لهذه الطبقة جعلت من هذه الدول لقمة سائغة تبتلعها مصالح الرأسمال العالمي وتحدد مسار إقتصادها ليمشي علي نهج السوق الحر. كانت نيجة هذا النهج أن تعاني شعوب هذه الدول فوق ترسانة مصائبها من داء البطالة العضال. حسب جداول الأُمم المتحدة فإن نسبة البطالة في الدول النامية للعام 2012 قد بلغت 10% مع الأخذ في الإعبار عدم دقة الإحصائيات في هذه الدول والمعلومات المغلوطة التي تقدمها بعض الحكومات الفاسدة التي تستغل حتي الموارد الضعيفة لشعوبها. وفي البلدان النامية للبطالة سلبيات إضافية حيث أنها تدفع الشباب للهجرة من الأرياف للمدن مما يهدد النسيج الإجتماعي والتماسك الأُسري الذي يساعد علي ضبط المجتمعات.
وكنتيجة لتحول الصين الي نهج الإقتصاد المختلط (إقتصاد السوق الإشتراكي .. وهذه بدعة وأقصي ما وصلت إليه الإتجاهات التحريفية) أي نظام السوق الحرة الذي تسيطر عليه الدولة وهو ما لايقبله العقل وقد دحضته التجربة العملية لدرجة وصول إقتصاد الصين لأزمة فائض الإنتاج والذي يعلن فراق الصين لمعايير التطور المتوازن الي غير رجعة وتستعين الحكومة لمعالجة هذا الخلل بتقديم منتوجات ذات أسعار دون المتوسط عالميا وهذا من غير شك علي حساب الأُجور وبالإبقاء علي سعرعملتها في حدود متدنية للغاية كي تتمكن من المنافسة في السوق العالمية. إنفتح إقتصاد الصين علي كل أمراض النظام الرأسمالي وعلي رأسها أزمة البطالة. بداية الإنعطاف نحو النظام الرأسمالي أدي الي تقليص القطاع العام وشكل العمال المسرحون من المؤسسات المملوكة للدولة كتلة من الطاقات المتعطلة وكم هائل من العاطلين عن العمل. منذ التحول الي نمط الملكية الخاصة في عام 1978 أخذت مشكلة البطالة في الاستشراء حتي بلغت22% في عام 2010. من ابرز التحديات التي أفرذها هذا التحول هو تركز التنمية وعمليات الإنتاج في المدن علي حساب الريف الذي يشهد موجة هجرة قاطنيه خاصة من الشباب الي المدينة فهي السبيل الوحيد لإمكانية الحصول علي عمل. التحسن الذي حدث في نسبة البطالة مؤخرا وقد إستقرت علي 4.1% (مع ملاحظة أن هذه هي نسب رسمية مشكوك فيها) وهي علي كل تحسب بتعداد العاطلين عن العمل في المدن فقط أما الريف الذي أهملته عذوة إقتصاد السوق فلا باكيا عليهم ولا هم يحسبون. أما هذا التحسن فله تفسير أضل فهو علي حساب العامل الصيني الذي أصبح وجهة إستغلال الرأسمالية العالمية فدفع ثمن الإنفتاح علي هذا المعسكر المستغل أبدا لطاقات العمال وقوة عملهم لجني الأرباح الشرهة. إرتحلت الي الصين المصانع المملوكة للرأسمالية في بلدان العالم الأول وعلي رأسها الولايات المتحدة سعيا وراء عمالة رخيصة وإستغلال أسوأ للعمال تردت معه الظروف المعيشية للعمال لأن هذا التحسن حدث خصما علي نسبة الأُجور المتدنية لدرجة أسبه بالعدم وبدون أيام راحة. والشاهد فأن أزمة البطالة في الصين هي نتاج للتحول نحو إقتصاد السوق. هذه حقيقة تعبر عن خيبة أمل في التقدم الإقتصادي الذي لم يشكل إنتعاشا حقيقيا يجني ثماره مواطني بلدان ما يسمى بالإقتصادات الصاعدة والمتحولة فهي تحت جلباب الإمبريالية وتحقق نموها علي حساب شعوب تلك الدول.
إحصاءات معدلات البطالة هذه مرشحة للإرتفاع في الفترة القادمة فملايين الوظائف مهددة بالإلغاء وعجزت كل السياسات المالية التي إتبعتها بلدان المعسكر الرأسمالي في الحد من هذه الظاهرة. البطالة مكون أساسي لهيكل الإقتصاد الرأسمالي حيث أن عملية الإنتاج موجهة لفائدة الرأسمالي الذي يفضل عدمه اذا كان لا يعود بالأرباح عليه وإذاما تضخمت القدرة الإنتاجية الفائضة لا يكون أمام أرباب العمل سوي تحجيم الإنتاج وتسريح العمال.وتتداخل دورات فائض الإنتاج هذه إذ تساعد موجات التسريح في تمددها بتخفيض القوة الشرائية. لأن أجور هؤلاء العمال هي مكون أساسي بهذه القوة وإختفائها يؤدي الي إنخفاض نسبة الطلب الإجمالي ويقود الي تفاقم أزمة فائض الإنتاج. أذن, فهكذا تتكون التناقضات في النظام الرأسمالي في صورة علله المزمنة كالبطالة وتسقط أُطروحات مفكري الإقتصاد الرأسمالي وفي مقدمتهم آدم سميث الذي زعم أن السوق يمكن أن تنظم ذاتها بدون فوضى وبعدم التدخل الحكومي.
للبطالة آثار كارثية علي الإقتصاد ثم المجتمع. بإقصائها لشريحة كبيرة من قوي الإنتاج فالبطالة تمثل ضياعا للطاقات البشرية التي هي من أهم الموارد الدافعة لتقدم الإنسان. بالإضافة الي ذلك, الأضرار الإجتماعية مادية ونفسية علي الذين يفقدون عملهم أو لا يستطيعون الحصول علي عمل. يعاني هؤلاء من آثار نفسية أغرقت المجتمعات في الدول الرأسمالية - تلك الكبري أو النامية التي تتبع النهج الرأسمالي - في الجريمة وإتباع طرق الكسب غير المشروع وتجارة المخدرات وتعاطيها. فحالة العوز واليأس تدفع العاطلين عن العمل الي سلوك هذه الدروب. ضرر آخر هو أن الشباب بسبب البطالة الماثلة لأعينهم يفقدون حافزا مهما لتلقي التعليم فينصرفون عنه. أيضا اؤلئك الذين أكتسبوا خبرة في مجالات عملهم قد تتدني قدراتهم هذه بفترات البطالة الطويلة. كل هذه الإفرازات والنتائج الكارثية تعود سلبا علي المجتمع وعلي الإقتصاد في المدى القريب والبعيد.
البطالة وبعد المعاناة التي يعيشها العامل تلقى به في هاوية بؤس سحيقة وبذلك تتكون طبقة معدومة الدخل ودرجة فقر أدني. وقد خلص كارل ماركس الي أن هذا هو القانون العام والمطلق للتراكم الراسمالي. "إن الإفقار يشكل مأوى الطبقة العاملة والثقل الأساسي لجيشها الاحتياطي. وكلما كان جيش الاحتياط كبيرا بالنسبة إلى جمهرة العمال المستخدمين، كلما كانت كبيرة شريحة الفقر الدنيا والإفقار والجريمة" ويخلص ماركس الي أن هذا هو القانون العام والمطلق للتراكم الرأسمالي." هذا الفرز الذي يوسم علاقات الإنتاج الرأسمالية يزكي من جذوة الصراع الطبقي ويؤكد ويمهد الطريق الي تغيير بنيوي عميق والي إتباع نمط مبني علي التطور المتوازن والنسبي للإقتصاد الوطني. البطالةهي واحدة من العلل المزمنة في جسد النظام الرأسمالي التي تظل تنخر فيه من الداخل .... وحتي زواله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة