الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (1)

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2012 / 6 / 25
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تمهيد
متوسط الأعمار مؤشر حيوي هام.إنه مقياس إحصائي لمتوسط عدد السنوات التي يتوقع أن يعيشها السكان في البلد المعين. يرتبط إرتفاعه أو إنخفاضه بعوامل عديدة،إقتصادية وإجتماعية وبيئية وصحية وثقافية وسياسية وتشريعية.وإقتراناً بهذه العوامل المؤثرة والحاسمة يكون للمؤشر أثر بالغ إيجاباً أو سلباً على مجمل نواحي الحياة الاجتماعية والحضارية في البلد.

إستمرار هبوط متوسط أعمار العراقيين
عودتنا منظمة الصحة العالمية WHO ان تنشر تقريراً دورياً عن متوسط أعمار شعوب دول العالم ، وبضمنها العراق، تعده بالأستناد الى معلومات تزودها بها الجهات الرسمية ذات العلاقة في تلك البلدان. اَخر تقرير نشرته المنظمة قبل عام، وقد أشر إنخفاض متوسط الاعمار في العراق الى 66 عاما بعد ان كان 68 عاماً في عام 2000[1].بينما أكدت تقارير تستند الى احصائيات المنظمة العالمية بأنه ثمة نسبة 2.8 % فقط ،من بين جميع سكان العراق، ممن تتجاوزت اعمارهم الـ 65 عاما[2]. ونبه تقريرها الى إنخفاض متوسط أعمار الرجال 3 سنوات خلال العقد الاخير ما جعل العراق في أسفل قائمة التصنيف العالمي، موضحاً إرتفاع متوسط أعمار الرجال في العالم خلال السنوات العشر الاخيرة من 66 عاما إلى 68 عاما، عدا العراق، الذي كان الوضع فيه مغايرا، اذ تراجع متوسط أعمار الرجال فيه إلى 62 عاما بعد ان كان 65 عاما، فيما حافظت النساء منذ عام 2002 على معدل أعمار 68 عاماً [3].الى هذا، كشفت وزارة البيئة العراقية،في أواخر حزيران 2012، عن إستمرارتردي هذا المؤشر الحياتي الخطير،حيث وصل متوسط عمر الانسان في العراق إلى 60 عاما منذ عام 2006 وفق دراسات وبحوث اجرتها الوزارة [4]. وتؤكد البيانات التي توفرها شهادات الوفاة سنويا والمسجلة في وزارة الصحة بإن متوسط أعمار العراقيين وصل في عام 2011 إلى نحو 60 عاما، وهو أقل بأكثر من 5 سنوات عمّا كان مسجلاً في السنوات الـ 10 الأخيرة [5].أما في اقليم كوردستان فقد أشارت آحصائيات صادرة عنه الى ان متوسط الاعمار هناك شهد انخفاضا حادا مقداره 10- 15 سنة عن معدلاته السابقة [6].
أما أسباب هبوط هذا المؤشر، فقبل عقدين، وبالتحديد عقب حرب الخليج الثانية عام 1991 التي إستخدمت خلالها وجربت لأول مرة في ميادين القتال "الحية" ضد العراق أسلحة جديدة مصنعة من نفايات نووية، فقد نبه مكتب شؤون السكان (OPA) التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية في تقريره لسنة 1992، بعد دراسة ميدانية في العراق، الى هبوط متوسط عمر الانسان العراقي بما مقداره 20 سنة للرجال و11 سنة للنساء، وأعتبر المسؤل عن ذلك هو التلوث الإشعاعي جراء استعمال اليورانيوم المنضب، الذي يتذكره العراقيون وتنساه الحكومة [7]. ولم يهتم بهذا الموضوع النظام السابق- المسؤول الأول عن الحروب والكوارث التي حلت بالعراق، متذرعاً بالحصار الأقتصادي الدولي. وقد سقط ذلك النظام غير مأسوف عليه، وإستبشرت غالبية العراقيين، متأملة ان يتخذ حكام العراق (الجديد) وبشكل عاجل كل ما يلزم لحماية صحتهم وحياتهم عبر تحسين مؤشرات حياتهم الأقتصادية والأجتماعية والصحية والبيئية.. لكن ذلك لم يحصل لحد الآن وخابت اَمال أغلب العراقيين.
تعقيباً على تقريرWHO عام 2011 عزت استاذة علم الاجتماع الدكتورة فوزية العطية اسباب التراجع إلى ما شهده العراق خلال السنوات الاخيرة، سواء على الصعيد إلاجتماعي او النفسي وحتى الصحي، ذلك لأن الرجال اكثر تأثرا بنتائج النزاعات المسلحة فضلا عن سياسات النظام السابق التي تركت اثارها على البنية الصحية للرجال العراقيين.وأرجع مدير دائرة الصحة العامة في وزارة الصحة الدكتور حسن هادي تراجع متوسط اعمار الرجال العراقيين الى عوامل متعددة ابرزها العمليات الارهابية.ويرى السيد مناف محمد ان الضغوط النفسية التي يعانيها المواطنون يوميا قد تكون هي السبب الرئيس وراء تراجع اعمارهم لما تسببه هذه الضغوط من امراض تؤثر بشكل كبير على استمرار الحياة [8].
أما وزارة البيئة، فلها وجهة نظر أخرى، محملة المسؤولية،على لسان وكيلها د.كمال حسين، على الفرد العراقي لعدم وعيه بمخاطر التلوث البيئي على صحته، ولعدم الألتزام بالمحددات البيئية[9].. في عدد قادم سنناقش وجهات النظر هذه ضمن الأسباب الجوهرية والعوامل المؤثرة الأخرى .

صمت وتجاهل صارخ لهبوط المؤشر الحياتي
المفارقة الصارخة ان التردي في مؤشر إعمار العراقيين حصل خلافاً لكل التوقعات الرسمية العراقية والأجنبية.فبحسب قائمة CIA (تقديرات 2009)، إحتل العراق المرتبة 142 من بين 191 دولة، بمتوسط عمر متوقع عند الولادة 69.31 عاماً.وبحسب قائمة الأمم المتحدة للفترة ( 2010- 2015) إحتل العراق المرتبة 153 من بين 195 دولة بمتوسط عمر متوقع عند الولادة 59.5[10].القوائم المذكورة تضمنت أرقام مأخوذة من كتاب" حقائق العالم 2008"[11] وكذلك من تقرير الأمم المتحدة للتوقعات السكانية في الفترة: 2005 - 2010[12].والمعروف ان الوكالات الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ، مثل منظمة الصحة العالمية WHO وصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA وغيرها،وكذلك مؤسسة كتاب "حقائق العالم"، تعد بياناتها بالأستناد الى معطيات رسمية تقدمها حكومات الدول.وفي العراق فان وزارة الصحة هي الجهة المسؤولة عن المعلومات المتعلقة بالولادات والأمراض والوفيات ومتوسط الأعمار..
وهنا، لابد من الأستفسار:ألا يفترض بالمسؤولين الحريصين ان يتحروا الذي زود تلك المؤسسات بالأرقام السالفة ؟ وإذا كان مصدر المعلومات واحد فكيف حصل ان تكون التوقعات مختلفة- بفارق 10 أعوام (69.3 عاماً و 59.5 عاماً) ؟ ولماذا تجاهلت المؤسسات العراقية المعنية توقعات الأمم المتحدة بهبوط متوسط أعمار العراقيين الى أقل من 60 عاماً خلال الفترة 2005- 2010، والذي أكدته منذ عام 2006 دراسة وزارة البيئة ؟!
لو حصل مثل هذا في الدول المتمدنة
إن إنخفاض متوسط أعمار المواطنين تعتبره الدول المتمدنة والحكومات الحريصة على شعوبها حدثاً خطيراً إن حصل لديها لأي سبب كان، ولن يمر مر الكرام، وإنما توليه إهتماماً كبيراً وإستثنائياً، حتى لو كان الفارق سنة واحدة، تستنفر كافة مؤسساتها المعنية لدراسة الأسباب (حتى لو كانت كارثة طبيعية أو حرب أو عدوان خارجي أو حصار إقتصادي دولي، وما الى ذلك) ومراجعة وتقييم الخطط الموضوعة بالأساس لمواصلة رفع المؤشر،فضلاً عن محاسبة المقصرين عن عدم تنفيذ الخطط والبرامج أو التلكوء فيها حساباً عسيراً، وفي كل الأحوال سيطير وزراء وموظفين كبار،إن لم تسقط الحكومة بكاملها..
أما في العراق، فلمسؤوليه المتنفذين موقف اَخر..لا أقله السكوت والتغاضي، ليمر الحدث مر الكرام، وكأن شيئاً لم يحصل. هذا الموقف أرساه نظام البعث المقبور طيلة عقود حكمه البغيض، ويتواصل حالياً للأسف دون شعور بالمسؤولية الوطنية والمهنية.. ولعل أول المُلامين هي وزارة الصحة- الجهة الرسمية المعنية عن المعلومات ذات العلاقة- قبل غيرها، لصمتتها وتجاهلها لإستمرار هبوط متوسط أعمار العراقيين- كما فعلت مع الكثير من القضايا الخطيرة التي تؤثر فيه، ولم يحاسبها أحد، وهي معنية بها- سنتوقف عندها لاحقاً..وعندما نطقت، أتحفت العراقيين ببالون من الوهم ، بوعدها: "ان ترفع متوسط الأعمار الى مستوى الدول المتقدمة ( 80 عاماً) خلال سنوات قليلة مقبلة " !!،معلنة وضعها "خطة ستراتيجية" لهذا الغرض، متجاهلة إرتباط هذا المؤشر الحيوي إرتباطاً عضوياً بعوامل هامة عديدة: إقتصادية- إجتماعية وبيئية - صحية وسياسية..

في القسم الثاني: نناقش حيثيات "الخطة الأستراتيجية" لوزارة الصحة التي تعد العراقيين برفع متوسط أعمارهم الى مصاف متوسط أعمار الدول المتقدمة ( 80 عاماً) خلال السنوات القليلة المقبلة، ولماذا نعتبر الهدف المرسوم للخطة غير موضوعي ولا معقول، بل ووهماً وخيالآ لا أساس له، إرتباطاً بالواقع الموضوعي الراهن في العراق..
-----------
الهوامش:
1- باسم العضاض،متوسط الأعمار في العراق واريتريا الى أين؟!! ،"الحوار المتمدن"،العدد: 3385، 3/5/2011
2--"شفق نيوز"،28/11/2011
3- أحمد الزبيدي،اذاعة العراق الحر، 18/5/2011
4-"شفق نيوز"، 27/4/ 2012.
5- خالد الطائي، "موطني"، 3/8/2011.
6- "شفق نيوز"،28/11/.2011
-7 تحقيق: عمار الصالح - وكالة " فنار "ا لأخبارية،8/3/2012 8
- أحمد الزبيدي-اذاعة العراق الحر،18/5/2011
9-"شفق نيوز"، 27/4/2012
10- ملحق: قائمة الدول حسب متوسط العمر المتوقع، من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
11- Life expectancy at birth- Rank Order- CIA - The World Factbook, 2008.
12-United Nations World Population Propsects: 2006 revision -Table A.17 for 2005-2010

* أ.د. كاظم المقدادي باحث بيئي عراقي مقيم في السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو