الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مابعد الثانية عشرة ليلا من يوم رفض الرئيس إنذار التحالف

علي عبد الكريم حسون

2012 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


مابعد الثانية عشرة ليلا من يوم رفض ((الرئيس )) إنذار التحالف
يوميات تؤرخ لفترة مابعد التاسع من نيسان 2003
الحلقة الأولى
علي عبد الكريم حسون
الأسابيع الثلاث مما بعد العشرة الأخيرة من آذار 2003 ولغاية نهاية العشرة الأولى من نيسان 2003 . كانت جحيما بكل معنى الكلمة , بعد أن إستحال عليّ الذهاب إلى مسقط رأسي في الناصرية , أو العودة إلى ناحية سدة الهندية , حيث أهل زوجتي .. إضطررت مرغما على البقاء في شقتي في الطابق السادس من عمارات لاتبعد عن قصور صدام إلا أمتارا قليلة .
كان حرسه الخاص والحرس الجمهوري وكل مسميات تشكيلاته , تنتشر بين العمارات السكنية الخضراء والحمراء والصفراء والزرقاء . أكثر من 35 عمارة يسكن في مجموعتين منها , مواطنون عاديون إشتروها منذ 1984 بالمزايدة العلنية وأنا منهم . وفي المجموعتين الأخريين يسكن من يعطف عليهم الدكتاتور من موظفي قصوره وخدمه وحاشيته , وممن يطعمون أسود ونمور عدي إبنه , وكذلك ضباط عرب وافدين من السودان واليمن وأجانب من يوغسلافيا .
كان القصف شديدا ومهولا وأصواته إرتجاجية , تحطمّ زجاج شقتي بالكامل , فلم أجد مناصا من التمدد بين جدارين بعيدا عن فتحات الشبابيك المهشمة . إكتشفت متأخرا إنني لست الوحيد في العمارة بطوابقها العشرة وشققها المائة , ففي الطابق الأرضي , بقي الحاج أحمد أبو عبد الرحمن , شيخ خمسيني العمر بلحية طويلة ودشداشة قصيرة وطاقية خضراء , وريث عائلة شوربجية ( وهم الذين يطبخون ويقدمون حساء الشوربة مجانا , تقربا للولي المدفون في الحضرة القادرية / نسبة للشيخ عبد القادر الكيلاني في باب الشيخ من جانب الرصافة ) . كان قد فضلّ البقاء إختيارا ووحيدا من دون عائلته , بعد أن تهدمّ الجدار الخلفي لشقته , إثر قصف مكثفّ لمبنى أمن الكرخ بطوابقه السبعة , والممتليء على الدوام بموقوفين بتهم متعددة : سياسية / جنائية / إقتصادية . وكانت مأساتهم مضاعفة عندما دخلنا البناية بعد السقوط لنجد سرداب البناية مكتضا بجثث الموقوفين بعد أن أقفل الجلاوزة الباب عليهم عندما هربوا ....
إكتشفت أثناء تجوالي صباحا , بعد أن تيقنت بأن القصف كان ليليا فقط وجود عائلة في أحد بيوت كرادة مريم المجاورة للعمارات السكنية , عائلة علي أبو سيف بن الدكتور الكرادي عبد الحسين مبارك . فضلّ معيلها أن يبقى أيضا حفاظا على آثاث بيته , فطنت بعد ذلك أن هذا سببا ثانويا وبقائه كان الشراب الذي لايستطيع تناوله في بيت أهل زوجته في الطوبجي . دعاني للمبيت عنده ليلا , فقبلت إستئناسا برفقته .
ساعات مرتّ كأنها الدهر بكامله :
---------------------------------
من يلبس الزيتوني , وكان يمشي متبخترا وأقلامه على جانبي ذراع بدلته , وحذائه البرتقالي ملمعاّ على الدوام , أصبح وديعا يردّ التحية بلطف , إن لم يبادر أصلا لألقائها على الناس , بعد أن وجد نفسه وحيدا مع رشاشته مقابل قصف جوي مكثفّ , وحملة دعائية تبثّ عليه مجبرة إياه على الأصغاء لتهديدات بالأستسلام .
مخزوني من الطعام نفذ بعد أن ذابت المجمدة , كان لي خزين من معلبات لاتحتاج إلى طهو , بعد أن إنقطع الغاز خشية من إنفجار أنابيبه القريبة من مبنى الأذاعة والتلفزيون , ومبنى وزارة الأعلام ( الصحافية ) #. كنت أذهب إلى علاوي الحلة القريبة مشيا على الأقدام أثناء توقف القصف الجوي نهارا, وجدت هناك من يبيع المشروبات بأسعار مضاعفة . كانت سعادة (أبي سيف ) لاتوصف عندما جلبتها له مع السكاير , لم يكن يشرب نهارا , بل عندما يحلّ الظلام والمقدار كان محددا بنصف القنينة فقط . عندما ينتشي , يتذكر أيامه في الأسر الأيراني التي طالت لتسعة أعوام , وفي معسكر للأسرى قرب بحر قزوين شمالي إيران , ورفضة الأنتماء إلى التوابين (( وهم الأسرى العراقيين في سجون / جمهورية إيران الأسلامية / الذين إختاروا الخروج من الأسر مقابل الأنضمام إلى قوات بدر / الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الأسلامية / جماعة محمد باقر الحكيم / ومقاتلة الجيش العراقي )) . والعذاب الذي كان يتلقاه منهم , ومن الحرس الثوري الأيراني , وعن تعلقه وبقية الأسرى بأمل الأفراج عنهم وعودتهم للوطن .
وكيف ذوى الأمل , عندما أخبرهم جاسم (مرافقهم الأيراني العربي من الأحواز) في عمل السخرة والأشغال الشاقة , بحكاية من أيام الحرب الفارسية العثمانية , أن شاها لأيران زار معسكرا للأعتقال يتواجد فيه الأسرى الأتراك ... إستحموا ونظفوا أبدانهم , شذبوا ذقونهم , وغسلوا ملابسهم , وقفوا لأستقباله , ظانين بأن نهاية الزيارة ستكون الأفراج عنهم وعودتهم لوطنهم , زاد أملهم عندما وجدوا الشاه , فرحا ومستبشرا , يلاطفهم , بل وداعبهم أيضا . عندما ودعوه , تفاجأوا ببكائه ودموعه التي إنهمرت وبللت لحيته . تصوروا أن ذلك من رقة قلبه وتعاطفه مع سنين أسرهم الطويلة , كانت كلماته التي وصلت مسامعهم مع نشيجه , بأنه متألم من إحتمال أن يطلق ولي عهده سراحهم بعد موته , وذاك لايجوز ..... قهقهه جاسم العربي من عربستان , حارسهم في الأعمال الشاقة في جليد جبال قزوين , وهو يقول بلهجة عراقية جنوبية (( بالمشمش إطلعون )) . وهي لفظة عراقية دارجة تدلّ على إستحالة تحقيق مايشتهيه المرء .
حينها تذكرت حكاية لشاعر تشيلي بابلو نيرودا , أوردها في مذكراته عن رئيس سابق لتشيلي , أوصلته أصوات اليسار والعمال لسدة الحكم إنتخابيا : أنه في ليلة ما وبعد أن أصبح رئيسا منتشيا بزهو السلطة ونياشينها , إشتاق لأثنين من أصدقائه العمال , زمن النضال ضد الدكتاتور السابق له . إحتفى بهم , أكلوا وشربوا معا , فقط ثلاثتهم , وغنوا ورقصوا , بعد أن كاد الفجر أن ينبلج , ودعهم حتى باب القصر , عانقهم وهو يجهش بالبكاء , تعجب القائدان العماليان من هذه العاطفة الغريبة , إستمر النشيج والدموع من الرئيس وهو يقول لهم بأن هذه آخر لحظاتهم وأنه لن يراهم بعد ذلك ... إنهالت بعدها زخات رصاص رشاشات حرسه الخاص وهي تثقب جسدي من كان يذكّره بماضيه اليساري .
# نسبة إلى محمد سعيد الصحاف وزير إعلام صدام حسين والمتبجح بخطابات وشعارات نارية فارغة , أثبتت سقوطها واقعيا , عبر قول لفتاة في الثانية عشرة من عمرها , وجدتها تملأ سطلا بالماء من نافورة الحديقة الوسطية المجاورة لمبنى وزارة الأعلام الصحافية يوم 10 – 4 – 2003 التالي لسقوط النظام , مجيبة على تساؤل نظراتي المحدقة صوب دبابة أمريكية تربض عند مدخل جسر السنك : نعم عمو إنها دبابة أمريكية ....
وللصحاف هذا موقف رسخ في ذهني , ففي يوم من عام 1965 , كنا نسلك طريق الديوانية – الحلة , أثناء توجهنا من مدينتنا الناصرية إلى بغداد , حيث كلياتنا , وكانت سيارات النيرن الكبيرة التي تستوعب أكثر من أربعين راكبا واسطة النقل الرخيصة لنا , وحيث ينزل بعض الركاب , ويصعد آخرين عند مدن الديوانية – الحمزة - القاسم – الحلة – المحمودية .. الخ
صعد في هذه الأثناء مجموعة من مدرسي ناحية القاسم في طريقهم للحلة مدينتهم . جلس واحد منهم بيننا , كان شعر رأسه أبيض بالكامل , ولكنه ممتليء صحة وعافية , وبنظارات طبية سميكة . سألنا بإستخفاف :الشباب منين ؟ أجبناه بأدب : من الناصرية .. ردّ بتهكم : وهل لاتزال
( فطيمة ومحيسن ... ) في مدينتكم .. إعتصرنا الألم من تلميحاته الرخيصة . لم نملك إلا ردا بسيطا عليه , عن معنى المغزى التربوي لمدرس شاب مثله لشباب مثلنا , ينهلون من العلم بعيدا عن مدينتهم . أجاب بصلف أكثر : ( خوش تحجون مثل ولايتكم ) . بعدها بسنوات وعند عودة البعث الثانية في 1968 أطلّ علينا من شاشة تلفزيون بغداد نفس الشخص بنظاراته السميكة ولكن بشعر أسود فاحم وبعنوان وظيفي : المدير العام للمؤسسة العامة للأذاعة والتلفزيون . سيفا مسلطا على كل تقدمي من الفنانين والكتاب والأدباء العاملين في حقل الأعلام .
## الجزء الثاني .... أربعة أيام أخيرة بإنتظار نهاية الحرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ذكريات مشّوقة وساخنة !
اراس ( 2012 / 6 / 27 - 01:38 )
تحياتي للسيد الكاتب ونتمنى له الاستمرار..ولدي تعليقين يبعث على الابتسامة وهم الم تجد اوتعثر على متخلفين اخرين عن عوائلهم في عمارتكم الكبيرة وبذلك كانت تكبر لمتكم الجميلة وقد يخفف عنكم ذلك الجو المرعب ! ومع ذلك اعتقد ان لسان حالك مع رفيقك السيد ابو سيف تقول ..سلاما ايها الندمان - اني شارب ثمل ..وتعليقي الاخر يخص محمد سعيد الصحاف الذي ربما نسيت ان تذكره وهو عودة شعره الابيض بعد استسلامه للعلوج ونفاذ مخزون الصبغ لديه حيث ضهر في في مقابلة مع فضائية ابو ظبي قبل تسفيره الى الامارات ضمن صفقة عقدوها معه وجرى نقله مع عائلته الى هناك في الاسبوع الاول من سقوط الصنم وكان هو اولل المستسلمين ..وكنا نشاهد نحن بث جميع الفضائيات لان الكهرباء كانت متوفرة عندنا بشكل دائمي في مدن اقليم كردستان العراق وكنا نتابع الاحداث والتطورات الميدانية ( الحربية وبضمنها لقاءات مع خبراء ومحللين عسكريين اكفاء عرب واجانب ..وكانت مدينتنا ايضا شبه خالية حيث نزح الاهالي الى القرى في الجبال القريبة خوفا من صواريخصدام وتحسبا لها..احييك ورفيقك الذي لم تتفارقوا طيلة تلك الايام المرعبة والخطرة وارجو سرد التفاصيل وملاحظاتك ودمت


2 - رد للأخ آراس
علي عبد الكريم حسون ( 2012 / 6 / 27 - 08:36 )
الأخ العزيز آراس / تحية طيبة
سيكون في الحلقة الثانية ذكر للقلة القليلة من الباقين . وإضافات عن الصحاف مرة ثانية طيب المنى لك ولكل من يستطيب السيرة الطيبة لفكرنا ولثقافتنا التقدمية
أبو حسين
كرخ بغداد / الصالحية
27 - 6 - 2012 .


3 - تحية واحترام
علي فهد ياسين ( 2012 / 6 / 27 - 09:42 )
كل الشكر والتقدير الى استاذنا الفاضل علي عبد الكريم الذي يقدم لنا وللقراء جميعا لقطات مختارة من سنوات المحن والدمار التي عاشها العراقيون طوال خمسة عقود من تاريخهم بعد ان احكمت عصابة البعث قبضتها على الحكم في عودتها الثانية بعد تجربة شباط الدموية عام 1963
انها فعلا مدعاة للسرور في ان تجد خزين الذاكرة لاستاذنا علي متدفقا كما عهدناه قبل عقود ومخلصا كما عرفناه ووطنيا صادقا كما وثقنا به وبغيره من الشرفاء من ابناء الناصرية ومدن العراق جميعها من اللذين لم تتلوث صفحاتهم بعفن البعث واذنابه
باقة ورد رازقي عراقي لقلبك الكبير ودمت كريما


4 - شكر وتقدير للطيب علي فهد
علي عبد الكريم حسون ( 2012 / 6 / 27 - 17:45 )
عنبار عذوبة وطيب المنى للعزيز علي الذي لاأزال أتذكر آخر لقاء لي معه في شارع المتنبي قبل سنوات قليلة . وعجبت من تقديمي له عبر الأخ أبو داليا / عادل . فكيف لأبن المدينة أن يقدم لأبن آخر منها . مرة أخرى أتمنى لك كل السعادة .
أبو حسين / علي عبد الكريم حسون .
كرخ بغداد / الصالحية
27 - 6 - 2012

اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر