الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكفيريون علمانيون ... الثقافة والسلطة مرة أخرى

مهند صلاحات

2012 / 6 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



الخطاب التكفيري المرتبط بالصراعات الطائفية الدينية، وصراعات الأديان فيما بينها ليس بالخطاب الجديد على الثقافة والتاريخ العربي الحافل بحملات التكفير لمجموعات بشرية أو لأشخاصٍ بعينهم، والذي صاحبه في كثير من الأحيان عمليات تطهيرٍ عرقي لطوائف بعينها، كما حدث مع الطائفة الإسماعيلية الإسلامية في فترة الدولة العباسية، ويورد المؤرخ العربي الإسلامي ابن الأثير نماذج مهمة من عمليات التطهير والقتل الجماعي التي تعرضت لها الإسماعيلية على يد طوائف أخرى بناء على فتاوى تكفيرية دينية مثل فتوى الإمام الغزالي (كما يصفها الباحث حسن الأمين) التي أصدرها الغزالي للخليفة المستظهر وللسلاجقة، والتي جاء فيها: بناءً على الأوامر الشريفة المقدسية النبوية المستظهرية بالإشارة إلى الخادم على اعتبار أن الحاجة إلى الكتاب عامة في حق الخاص والعام ...... قبول التوبة من المرتد لابد منه ... وأما توبة الباطنية الإسماعيليين .... وإنما الواجب قتلهم وتطهير وجه الأرض منهم، هذا حكم الذين يحكم بكفرهم من الباطنية .
ويمتلئ التاريخ العربي بالكثير من الفتاوى على هذه الشاكلة التي حرضت على القتل والإبادة بدوافع دينية أو طائفية أو حتى عرقية، الجديد والمثير للجدل فيما نشهده اليوم وخاصة بعد انطلاق الثورة السورية في آذار من العام الماضي، والتي قسمت الشارع العربي لأنصاف ما بين مؤيد ومعارض وما بين مؤيد للثورة ومعارض للتدخل الأجنبي، خلقت حالةً جديدةً من التكفير العلماني الذي مارسه ولا يزال يمارسه مثقفون وكتّاب اشتراكيون علمانيون عُرف عنهم في بعض الأحيان تطرفهم اللاديني، والذين تحولوا بعد الثورة لكتّاب في الفقه، يكتبون في التاريخ الإسلامي ويستندون لأحاديث نبوية، بل ويغالون في مسائل طائفية.
هذا التحول العجيب، وأخص المثقفين والكتّاب العرب من سوريين وغير السوريين، أوجد حالة غريبة من النهج التكفيري لدى جمهور الكتّاب الموالين لحزب البعث الحاكم في سوريا، فبدأنا نقرأ على صفحات بعض الجرائد والمواقع الإلكترونية مقالات تكفيرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى بعضها يدعو بشكل صريح للقتل واستمرار عملية القتل المُمنهج ضدَّ الشعب السوري وبعضها يمكن اعتباره فتاوى تُجيز القتل وتبرره، فكل من يقف مع الثورة السورية هو عميل، خائن لدينه، خائن لوطنه، خائن لأمته، بترودولاري حتى وإن كان لا يجد قوت يومه فهنالك من يصنع سيناريوهات عن ملايين يقبضها من دول عربية، وأمريكي صهيوني.
كل تلك الاتهامات لم تستند بطبيعتها إلى بعض مظاهر الأسلمة التي تظهر أحيانا على الثوار السوريين وينتقدها كتّاب ومثقفون مناصرون للثورة من أمثال الشاعر والأديب السوري المُهجر في السويد فرج بيرقدار الذي قضى ما يزيد عن خمسة عشر عاماً في الاعتقال السياسي في سوريا وغيره كثيرون، إنما تستند فتاوى التكفير ودعوات القتل إلى أن كل من يقف لجانب الثورة ويكتب بتفاؤل عن ربيع عربي سيغير وجه المنطقة لتحول ديمقراطي هو خائن وكافر وعميل للأمريكان والإسرائيليين، وهي اتهامات لا تقل خطورة عن فتاوى التكفير الداعية للقتل في ظلِّ وجودِ حالةٍ عربيةٍ في الشارع مغيبة ومجهّلة تفعلُ ولا تناقش وأحياناً لا تفكر، لأنها لو كانت تفكر لا يمكن لعقل بشري أن يتصور أن قتلة الأطفال في بلدة الحولة بالسلاح الأبيض ارتكبها بشرٌ يستخدمون عقولهم، ولا يمكن تخيل سوى دافع طائفي أعمى يقف خلف عمليات القتل تلك التي يقوم بها الشبيحة.
لا يمكن إنكار أن حملة تكفيرية مقابلة للنظام وأعوانه يقوم بها رجال دين مسلمون في عدة دول عربية، إلا أن دعوات التكفير تلك لا تجد صدى لها إلا لدى المتدينين، لكن ما يفعله الكتّاب العرب كما فعل ويفعل بشكل يومي رئيس رابطة الكتاب الأردنيين وغيره من كتاب آخرين لا يقل خطورة عن فتاوى الشيخ البوطي وغيره من رجال دين مؤيدين للنظام بحجة حماية سوريا من الخلايا الإرهابية، لكنها تجد أيضاً صدى لدى شريحة من الجمهور غير المتدينين فنراها أوسعُ تأثيراً وأكثر خطورة.
العالم العربي الحالي حاضنة جيدة لثقافة التكفير والتخوين وتلك الفتاوى التي يجري حشو العامة فيها، تجد صداها بسهولة في شارع محتقن معبأ بالموت اليومي، وتسيطر عليه عقلية الثأر، وهنا ينسى المثقف العربي كل مهامه الحقيقية، ينحاز لمواقفه السياسية وبعضهم ينحاز لراتبه الشهري أو مصالحه مع نظام ما فتراه يطالب بالإصلاح وأحياناً إسقاط النظام في بلاده في حين نراه ذاته يصدر فتاوى بقتل كل من يحاول الثورة في بلد أخرى كسوريا تربطه مع نظامها مصالح خاصة أو ارتباطات أخرى.
ما يمكن التذكير فيه لهؤلاء المثقفين أن المثقف الملتصق بالسلطة هو مثقف غير نزيه، وهو مثقف سلطة حتى لو انهارت تلك السلطة فلن يتحول لمثقف معارض فالأصل في موقف المثقف نزاهته ذاته وليس بقاء أو زوال السلطة، ومن جانب أخر يجب تذكيرهم أيضاً أن مثقف السلطة ليس بالضرورة مثقف ملتصق بسلطة سياسية تحكم بلاده، بل إن المثقف المنحاز لنظام سياسي في دولة أخرى هو مثقف سلطة بشكل واضح بل إنه لا يجد مبرراً ويراه البعض خائناً.
ومن ضمن تلك الحسابات جميعها، يخرج هؤلاء المثقفون المنحازون للنظام ضد الشعب السوري مرددين رواية النظام السوري عن أبناء الشعب بأنهم عصابات مسلحة، يخرجون جميعاً من دائرة المثقف العضوي لفقدان شرط نزاهة المثقف، فالمثقف العضوي كما يصفه جرامشي الذي طالما عقدت منتديات ثقافية ورابطة الكتاب بالأردن ندوات لمناقشة أعماله هو المثقف الذي له دور في بناء الطبقة ويعرفها ويدخل في تشكيل وعيها، وهو إما مثقف للطبقة العاملة أو البرجوازية، فعن أي كتلة تاريخية جديدة كان يتحدث مثقفون عرب ينظّرون في مسألة الثقافة والسلطة وهم في أول معركة بين الشعب والسلطة انحازوا للسلطة ؟

كاتب ومخرج فلسطيني يقيم في ستوكهولم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #