الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منة سيف: الكتابة ضد التحفظ والصمت

علي بنساعود

2012 / 7 / 2
الادب والفن


في روايتها الأولى، "Méchamment bérbère"، سلطت "منة سيف"، الكاتبة الفرنسية من أصل أمازيغي من جنوب المغرب، الضوء على عمارة بحي "باب إيكس"، وهو واحد من حيين كبيرين يقطن بهما المهاجرون بمدينة مرسيليا. وهذه العمارة، حسب المؤلفة، عبارة عن مبنى تسكنه النساء، أما الرجال فغادروها فرارا من الأسرة ومن تحمل مسؤولياتها.

تصور هذه الرواية، حسب بعض النقاد، "الطلاق الفعلي بين المهاجرين والمدينة المضيفة، إذ تنقل كفاح سكان العمارة المعنية الواقعة بالحي القديم بمرسيليا، ضد ضغط بلدية هذه المدينة، التي ترسل آليات لهدم العمارة، بعد إجبارهم على الرحيل إلى ضواحي المدينة".
لكن هؤلاء الناس يكافحون ببسالة من أجل البقاء بهذا الحي المرتفع الكثافة السكانية المهاجرة، والذي تقدمه الراوية "كمدينة غارقة في الموجات المستمرة للمهاجرين القادمين من الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط". غير أن الصراع بين المهاجرين وبلدية المدينة ينتهي بإعلان الراوية: "اليوم، مكان المرحومة العمارة 7، بشارع السيدات، ينتصب مبنى عملاق بنوافذ كبيرة، يعج بالكاتبات، مع أعلام تزين واجهته الخارجية. هذا المبنى اسمه: المجلس الإقليمي..."

وبذلك، يستغرق هذا العمل في تذكر أحياء المهاجرين، وعملية تحويل أفضيتها ومحو آثارها، رغم أن العالم ولد ويعيش في هجرة تتجدد باستمرار.

للإشارة، فإن المؤلفة، التي ازدادت بكورسيكا، استقت أحداث عملها التخييلي هذا من ذكرياتها ومذكراتها، ما جعله عبارة عن مونوغرافية للحي حيث أقامت، وشهادة فريدة من نوعها تقريبا، تقول مثلا: "ما تزال في المدينة العديد من مظاهر الفقر التي عشتها طفلة ومراهقة. هي كما كانت لدى الأسر التي لا وثائق شرعية لها، الغارقة في الخوف. ووسط اللاجئين من جميع الاتجاهات. أطفالهم يشبهونني عندما كنت طفلة: نفس التصميم متجذرا في العينين، والصمت ، مثل الجدار".

وبذلك، فإن ساردة هذه الرواية، الصادرة سنة 1997، تمنحنا فرصة للقراءة عن الحي الشهير، حيث نشأت وترعرعت، والاستماع إليه وإلى ساكنته، بنبرة ملتزمة، تقدم شهادة عن الحياة في هذا الحي، وعن تضامن سكانه، وهو ما سمح بالقول حقا إن "مرسيليا هي جزائر بالفعل".

وتقدم الرواية النساء ككائنات منفية، محرومة من الحماية، من اللغة الأم، ومن مسقط الرأس، والتضامن... نساء وحيدات، محطمات، خاضعات لاستبداد الزوج والأب.

أما الأزواج المتحدث عنهم، فعبارة عن شيوخ، في سن الآباء، وبينهم وبين زوجاتهم فوارق عمر تقارب الثلاثين عاما...
لذلك، فإن الأطفال مضطرون لرؤية العالم من خلال العنف الذي مورس على أولئك الذين لا يملكون شيئا، "لا أرض، ولا منزل، ولا قبيلة".
من ثمة، فلا غرابة أن تنكتب هذه الرواية بكلمات تقطر كراهية وحنقا، إلى درجة أن البعض اعتبر أن كتابة "منة سيف" وقحة، وأن لغتها لغة شيطانية، سوداء، صادمة وغير مخادعة.

في حين، اعتبر بعض النقاد أن ميزة هذا العمل تكمن في قوة لغته وفي عنفها، وهي لغة مستمدة من الشارع، وهو شارع فقير، شارع العرب والفقراء وكل المنفيين... شارع نعثر فيه على كل ما نعرفه مسبقا: الفنادق الرثة، والعمارة المقصودة، والسلالم القذرة، كريهة الرائحة، حيث تتسابق الفئران، وتفتش صناديق القمامة يوميا. وحيث الأسرة مفككة، والزوجات المهاجرات أميات، تساء معاملتهن، ويتخلى عنهن، وحيث أضحية العيد تذبح في حوض الحمام... وحيث كل ماركات حياة الهجرة...

وإضافة إلى هذا، رأى بعض النقاد أن رواية "Méchamment bérbère" رواية غضب لا تتحايل، بل تقول بصوت عال، واضح، ودون مواربة، ما يقوله الآخرون سرا، وأنها تنتهك قاعدة التحفظ والصمت، بكلمات مؤلمة موجعة، وأنها لا توقر أحدا عدا الأم: "إينا"، وصديقاتها البذيئات المتخلى عنهن.
هذا، وتعتكف المؤلفة راهنا على كتابة القصة القصيرة والرواية، وتنشط ورشات للكتابة، سيما في مدن أحياء تسمى "الشمالية".
تقول في روايتها الأولى: "خلال سنوات المراهقة، تشكلت هويتي. كنت أطالع في الفصل خلسة، أو على سريري على ضوء مصباح يدوي. وفي الوقت نفسه اكتشفت السينما."

وتقول أيضا: "كنت دائما أكره المدرسة، حتى الاشمئزاز. كنت أذهب إليها فقط من أجل أساتذتي للغة الفرنسية، واستمر الأمر كذلك حتى الباكلوريا. كنت بمثابة مترجم وقارئ لوالدي. كنت أقرأ له كل صباح جريدة "لوبروفنسال"، وغالبا تاريخ فرنسا لوالدتي. ومع مرور الوقت، أصبحت الكاتب العمومي للعديد من الأصدقاء والجيران. وهذا أمر شائع جدا بالنسبة إلى الأطفال من أصل مهاجر. جميع الوثائق الهامة وغير الهامة كانت تمر بين أيدينا..."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا