الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رئاسة -النص كم- في مصر

نعيم الأشهب

2012 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيرًا، جاء الاعلان عن فوز الدكتور محمد مرسي، مرشح حركة الأخوان المسلمين، بأغلبية هشة، على مرشح معسكر مبارك، بعد مسلسل طويل وحافل بالمساومات والمناورات. من المعلوم، في هذا الصدد، أن حركة الاخوان المسلمين لم تنضم الى جماهير ميدان التحرير الاّ بعد طول تردد، لدى اندلاع حركة التمرّد الجماهيرية على نظام مبارك، في شباط من العام الماضي. وكانت في طليعة المستجيبين الى دعوة عمر سليمان، الذي عيّنه مبارك، حينها، نائبا له، للحوار في اطار نظامه مع فصائل المعارضة. ثم كانت هذه الحركة الطليعة الفاعلة في تمرير الاستفتاء على بعض مواد الدستور، كما اقترحها المجلس العسكري المصري، واجهاض المطالبة بدستور جديد يكرس أهداف حركة الملايين المصرية التواقة الى تغيير جذري، في ظل ضغط تلك الملايين الثائرة.
في تلك المرحلة، ساد الغزل والتناغم المتبادل بين حركة الاخوان المسلمين والمجلس العسكري، حتى تمّ لهما تهميش واخراج تلك الملايين، ولو مؤقتا، من دائرة صنع القرار، مستثمرين افتقار تلك الملايين لقيادة سياسية ثورية، واعية ومجربة. ولكن ما أن تحقق لهما ذلك، حتى بدأت بينهما مرحلة الصراع على السلطة وحين بدأ الحديث عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية، باشرت حركة الاخوان المسلمين موجة من المناورات التي يمكن اعتبارها أكثر من براغماتية. فقد أعلنت هذه الحركة، حينها، أنها لن تتجاوز في طموحها الثلاثين بالمئة من عضوية مجلس الشعب، وأنها لن ترشح أحدا للرئاسة، ناهيك عن شعاراتها السابقة حول فلسطين والقدس وحول معاهدة كامب ديفيد المذلة. ومعلوم أين انتهت هذه الوعود والشعارات، وفي وقت قياسي في قصره. لكن ما كان لهذه المناورات المكشوفة الاّ أن تنال من مصداقية هذه الحركة ، في أعين الجماهير المصرية؛ وقد بدا ذلك في تراجع شعبية هذه الحركة بين حجم ونسبة التصويت لصالحها في كل من انتخابات مجلس الشعب والرئاسة. ففي انتخابات الرئاسة، التي تدنت فيها نسبة المشاركين عن انتخابات مجلس الشعب، وذلك نتيجة مقاطعة قطاع مرموق من الشعب لها، حيث رأى فيها خيارا بين سيئين مرفوضين؛ فان الاسلام السياسي، على اختلاف تنظيماته، حشد فيها صوت كل رجل وامرأة استطاع التأثير عليه لصالح مرشح حركة الاخوان، هذا عدا عمن صوتوا له لسد الطريق على اعادة انتاج نظام مبارك. ومع ذلك كان الفارق بينه وبين مرشح جهاز مبارك هزيلا.
وفي انتخابات الرئاسة، كان أحمد شفيق محسوبا على المجلس العسكري المصري، ويحظى بدعم قوى عربية وبخاصة السعودية التي ضخت الأموال لدعمه. ويلاحظ في هذا السياق أنها، أي السعودية، امتنعت، حتى الآن، عن مجرد تهنئة الفائز! بينما حظي مرسي، مرشح الاخوان المسلمين، بدعم قطر، وكانت في طليعة المهنئين.
أما واشنطن، ورغم أنها تراهن، كعادتها، على أكثر من حصان، وأي من هذين المتنافسين مقبول عليها، الاّ أنها تحبذ ممثل الاخوان المسلمين، على اعتبار أنه يستند الى حركة لديها قاعدة جماهيرية، حتى الآن، بعكس أتباع نظام مبارك ؛ بخاصة بعد أن توصلت مع قيادة هذه الحركة، في سلسلة من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية عقدت في القاهرة وواشنطن، الى تفاهمات واضحة ومحددة ولا سيما فيما يتعلق بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة ومعاهدة الصلح مع اسرائيل. ولعله يستحق الذكر، في هذا الصدد أن وفدا من مجلس الشعب المصري الذي جرى انتخابه – وقبل حله – زار واشنطن في الثاني عشر من حزيران الماضي، وعناصره الأساسية من الاخوان المسلمين ؛ وكان مقررا، كما أشارت وكالات الأنباء، وصول وفد من الكنيست الاسرائيلي في اليوم ذاته الى واشنطن، وشاع الحديث، حينها، عن عقد لقاء بين الوفدين بالرعاية الأميركية ؛ لكن الوفد الاسرائيلي تخلّف عن الحضور. ويعزو بعض المراقبين هذا التخلف لرغبة اسرائيل في تحاشي تفسير مثل هذا اللقاء كتفضيل اسرائيلي لمرشح الاخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة على مرشح معسكر مبارك الذي تحبذه اسرائيل على غيره.
أما المجلس العسكري المصري، فقد اتخذ في صراعه على السلطة مع حركة الاخوان المسلمين سلسلة من الاجراءات لتحديد طموح هذه الحركة في السيطرة على جميع مفاتيح السلطة في مصر؛ كان من بين هذه الاجراءات حل مجلس الشعب، الذي كانت الهيمنة المطلقة فيه للاسلام السياسي، بقيادة حركة الاخوان المسلمين ؛ ولفت الانتباه، حينها، أنه بمجرد اعلان رئيس المجلس العسكري لحل مجلس الشعب اتصل به وزير "الدفاع" الأميركي مطالبا بلغة الاملاء الحفاظ على المؤسسات الدستورية، التي ترى فيها واشنطن غطاء ضروريا لتمويه السياسة المطلوبة ؛ ثم جاء الاعلان الدستوري المكمل، الذي يضمن للمجلس العسكري صلاحيات مطلقة ومغلقة في الشؤون العسكرية والأمنية، بما فيها، حرمان رئيس الجمهورية من موقع القائد الأعلى للقوات المسلحة ومن صلاحية اعلان الحرب، علاوة على أخذ هذا المجلس ليديه الصلاحيات التشريعية في غياب مجلس منتخب للشعب!
وحتى بعد اجراء انتخابات الرئاسة وظهور نجاح الدكتور محمد مرسي بأغلبية بسيطة، فقد منع المجلس العسكري اعلان هذه النتائج رسميا لمدة اسبوع كامل، خضع خلالها الدكتور المذكور لعملية ضغط ومساومة كثيفة على توزيع الصلاحيات بين المجلس العسكري والرئاسة. ولعل الاعلان عن لقاء مرسي، بعد الاعلان الرسمي عن نجاحه، بالمشير طنطاوي، في مقر الأخير وليس العكس، يعكس حصيلة هذه المساومات. في الوقت ذاته خضع الدكتور مرسي لضغوط من ممثلي بعض التيارات الليبرالية والعلمانية لالزامه بالحد الأدنى من مطالبها السياسية والاجتماعية. وقد انعكس كل ذلك في تصريحاته الأولى، والتي جاءت خلطة عجيبة، تتقدمها وبتأكيد خاص تطمينات لواشنطن بالحفاظ على المواثيق والاتفاقات الموقعة، والتي تعني أول ما تعني اتفاقات كامب ديفيد الجائرة مع اسرائيل. على صعيد آخر، ليس من المستبعد أن مجرد نجاح مرشح حركة الاخوان المسلمين قد يزيد من تصلب حماس، في قضية استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وعلى كل حال، يحتاج المرء لفهم الواقع الحالي في مصر وآفاق تطوره اللاحق، بما في ذلك صراع القوى داخلها ومن حولها، لفهم البنية الاقتصادية للمجتمع المصري المعاصر، بعد عقود من التدمير المنهجي لقواه الانتاجية، من صناعية وزراعية، وفقا لتوجيهات كل من البنك وصندوق النقد الدوليين وتطبيقات عقيدة الليبرالية الجديدة التي أشاعت الفقر والبطالة، وعلى نحو غير مسبوق في هذا المجتمع.
في اطار هذا الواقع المأساوي تسيطر مؤسسة الجيش على قرابة خمسة وثلاثين بالمئة من حجم الاقتصاد المصري، بما في ذلك مصانع وعقارات وأراض شاسعة ؛ وتسيطر حركة الاخوان المسلمين ، بدورها، كمؤسسة وأفراد، على حوالي ثلاثة وثلاثين بالمئة من هذا الاقتصاد، بما في ذلك بنوك وشركات عملاقة تعمل في شتى الاختصاصات. ومعلوم، على سبيل المثال، أن مرشحهم السابق للرئاسة، الشاطر، ملياردير مشهور. أي أن عقيدتهم الاقتصادية لا تتصادم مع املاءات الغرب على مصر.
وغني عن القول انه دون التمرد على الاملاءات الاميركية - الاسرائيلية، التي تحرص كل الحرص على بقاء مصر مريضة وجائعة، فستبقى مصر مهمشة ولا يحسب حسابها في معادلات القوى الاقليمية في المنطقة والعالم ؛ وقبل ذلك، ستبقى عاجزة عن معالجة قضايا الفقر والبطالة، التي بلغت حد تفجير ثورة الغضب الجماهيرية ؛ ودون معالجة جذرية لهذه الحالة المزرية فالانفجار الجماهيري قابل للتجدد، في أية لحظة، بخاصة وهذه الجماهير كسرت جدار الرعب وامتلكت تجربة غنية في هذا المجال، كما انضمت اليها ملايين جديدة كانت مهمشة سياسيا.
ضمن مجموعة هذه الوقائع يدخل الدكتور مرسي، ممثل الاخوان المسلمين، الى قصر رئاسة الجمهورية المصرية بخطوات الوزة العرجاء! فالى أي مدى يستطيع التعاطي، حتى لو أراد، مع هذه التحديات، في وقت يواجه صراعا متواصلا على السلطة والصلاحيات مع المجلس العسكري، ومنافسة متوقعة من فصائل الاسلام السياسي الأخرى؛ وهل من التعسف توقع فشله؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهنئك علي تحليل دقيق-1
مجدي سعد ( 2012 / 7 / 7 - 18:43 )
كنت أقكر في كتابة مقال قصير في هذا الصدد وفي الحقيقة أنك أوفيت

تحليلك جاء صائبا في كل أركانه

فقط أود أن أضيف أن فوز مرسي أمر مشكوك فيه لعدة اسباب

اولها هو ان استباق اعلان النتيجة من جانب الاخوان وحشد جماهير غفيرة تتظاهر وتحتفل لم يكن بريئا البته

كانوا يعرفون أن التزوير الذي ارتكب كان كافيا لإسقاط مرسي أو لالغاء الانتخابات برمتها

وبالتحديد بسبب منع قري كاملة من التصويت لأن أغلبهم من الاقباط وكان قد أشيع انهم سيصوتوا لشفيق

هذا كافيا لألغاء الانتخابات بقول رئيس اللجنة المستشار سلطان صراحة الا أنه ذهب الي أن هذا لم يثبت

هذا المصطلح لا ينفي بل فقط أنها لم تثبت في قناعة اللجنة

هذا رغم توفر المحاضر المقدمة والشهود الموجوديين

كانت هناك ايضا واقعة التزوير في المطابع الاميرية (الحكومية) وهذه لم يكن بالامكان التشكيك فيها ولكن اللجنة ذهبت الي انها لم تئؤثر علي نتيجة الانتخابات ..ولم تلغي اللجنة اي من الصناديق التي طالها التزوير او باتت مشكوك فيها بشدة

كيف وعلي أي اسس بنت اللجنة هذه القناعة؟ لا نعرف وهي لم تقل لنا



يتبع


2 - أهنئك علي تحليل دقيق-2
مجدي سعد ( 2012 / 7 / 7 - 19:02 )
تكملة

وهنا نري انه كان هناك صراع ومعارك لي للأذرع

من ناحية خروج قوي للشارع وتهديد واضح بالشغب والفوضي والصدام والعنف


وفي المقابل تهديد

إما

بإنجاح شفيق بإستبعاد الصناديق التي طالها التزوير نتيجة لواقعة المطابع فليس من المعقول أن تكلف الجماعة نفسها عناء وتكلفة ومغبة اختراق المطابع الحكومية من أجل بضعة آلاف من الاصوات

ولا هو من المعقول انه متي تمكنوا من هذه الاختراق أن يكتفوا بكم قليل من الاصوات حتي يتسني لللجنة الانتخابات أن تعلن انها لم تؤثر علي النتيجة؟؟

لو كان الامر كذلك فلماذا كلفوا نفسهم هذه المشقة وخاطروا هذه المخاطرة؟

وان كانت اعداد الصناديق المطالة قليل فلماذا لم تستبعد نتائجها من الاحصاء؟

أو

بإلغاء الانتخابات برمتها للأسباب التي ذكرت عاليه


وتمت الصفقة كما تكرمتم وأوضحتم

والباقي كما يقال أصبح تاريخا

وتحية

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة