الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الشهيد حبيب-

امنة محمد باقر

2012 / 7 / 8
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كنت في المرحلة الاعدادية ، لكنني لا اختلف عن طلاب الابتدائية ! من حيث الشكل والتصرف! ولم يكن يخطر على بالي ابدا ان جارنا حبيب محط اعجاب الفتيات ، ثم انه تزوج رحمه الله وخلص من ملاحقة الفتيات بوقت قياسي... لكن منظره صباح كل يوم وهو يودع اخته الى المدرسة لم يكن يغيب عن بالي .. كنا نطرق بابهم كي نذهب سوية الى المدرسة ...وفي مرات اخرى ... كان يأتي الى الباب ليودعنا ، وجهه برئ ، طفولي ، شاب في التاسعة عشرة او العشرين لا اعرف ، بعدها صار يخرج الى الباب مع زوجته الجميلة ، احبت والدته ان ترى ذريته ، الان وقد انتهت حرب ايران ، ولربما ظنت انها قد خلصت من كل الحروب الى غير رجعة ...

بعد فترة ليست بالقصيرة دخل هدامهم الى الكويت واعتدى على الجارة الكويت ، وكم دولة ودولة كانت تئن تحت سطوة اعتداءاته الخبيثة ، وكم خلف في قلوب الامهات من قرحة الفراق والبعد عن ابنها ، او كوى قلبها بمقتله .... والشاب حبيب ... رحمه الله كان قد اختفى من عام 1991 ، كنا قد تركنا المدينة وهربنا الى الريف لأن بيتنا ومدرستنا في قلب المدينة وقريبة من المواقع الحساسة التي كانت تقصف من قبل الجميع ، الدولة ، الجيش ، التحالف ... ومن يومها حرمت علينا مظاهر المدينة من كهرباء الى غيرها ...

صورة حبيب رحمه الله لاتفارقني من يومها ، رغم انني لا اقرب له ولا اعرف عنه شئ سوى اسمه ، وكونه ابن الحاجة ( ام حبيب ، لها ابن اخر ينادونها به ، لا اتذكر بالضبط) .. كانت والدته تجلس امام باب الدار تئن وتون ... وتصرخ ولا من معين .... كان وجهه يضحك دوما وهو يحيينا عند الباب ... وثغره يبسم عن اسنان جميلة ... وعيناه .. ضاحكة مشرقة ... فيها تلك اللمعة الجميلة ، والبراءة والوسامة تملأ وجهه .... تنبأ عن قلب طيب ودماثة وخلق رفيع ...

خسرته والدته وبالتأكيد صحبته واسرته والحي ... الذي ظل يتحدث بعدها ببطولته وشهامته ... في الانتفاض ضد طاغية العراق القذر .. المقبور ..... عرفنا بعد عودتنا الى المدينة ان الحكومة اخذته اسوة ببقية شباب الانتفاضة في حينا ... ولم نر له جثة ولا قبر ولا كفن .... زوجته بقيت فترة في بيت الخالة ام حبيب ، وبعدها .... طالب اهلها بتزويجها كبقية ارامل الشهداء .... لا حول ولا قوة ... جمعها الله واياه في عالم الجنان ...

حبيب هذا بوجهه البرئ ... كان يقطن امام شارعنا ، وفي الشارع الخلفي كانت هنالك مأساة اخرى .... شاب اخر بنفس عمر حبيب ونفس الوسامة ، كانت اخته تعود معي من المدرسة بعض الاحيان ، لا اتذكر اسمه ايضا ، لكنه كان من النخبة والصفوة والخلق والوسامة ... بالضبط نفس الصفات ، خلقوا فقط لعالم الاخرة ... ابناء اخرة وليسوا ابناء دنياها هذه ...

لا ترى امهاتهم بعدها الا نائحات في كل مأتم ... بعد ان تخرجت من الجامعة ، رأيت منظرا مؤلما اخر.... ام حبيب وام الفتى الاخر من الشارع المجاور ، كلاهما منحنيتان على شاب اخر يلفظ انفاسه .. مصاب بالسرطان .. ( عمره 17 سنة ) في لحظ الاحتضار ... تخبره احداهن ... وهو يحتضر ... : نسألك يا احمد ان ترسل سلامنا الى اولادنا حين تقابلهم هنالك ... في حضرة علي عليه السلام والنبي والزهراء ... عليهم السلام اجمعين ..

والله مناظر تحطم القلوب لا احب ان احكيها او ارويها ... لكن ... كم فقدنا من شباب ... لا يعدل هدام وعشيرته البائسة ذرة من التراب الذي يمشون عليه ..

كانت تلك ذكريات مراهقة عراقية ... رأت كثرة من النساء المرملات ، والامهات الثكالى ... وحي غيب اكثر شبابه ... بالتعذيب والتقتيل .. ولم تكن طفولتي حافلة سوى بحوادث مشابهة .... صور من المعركة ... وابن عمي علي رحمه الله الذي كان ايضا فلقة قمر ... تتمناه كل نساء الحي ... وكان يغدق علينا نحن الاطفال بالعطايا والهبات ، ذهب شهيدا في معارك شرق البصرة وهو في الحادية والعشرين حسبما اخبرتني الوالدة .... ورأيت امه مكسورة القلب .. كتلكم النسوة ... واوقعت حوادث فقدهم في قلوبنا ... هموما واحزانا في روح طفولة غضة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا