الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنخفاض متوسط أعمار العراقيين..الأسباب والعوامل المؤثرة ( 4 )

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2012 / 7 / 9
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


معالم بيئية وصحية مخجلة لبلد يطفو على بحر من الذهب الأسود

جواباً على سؤلنا الذي طرحناه في العدد السابق،نقول أن المتنفذين في السلطة أعطوا الكثير من المبررات لأتهامهم بأنهم لا يعتبرون صحة وحياة المواطنين ذات قيمة كبرى، ولا يعتبرون رعايتهما وحمايتهما من أولى أوليات الدولة- كما في الدول المتمدنة. ولذا لم يحصل في عهدهم – كما عول العراقيون-أي تطور إيجابي في الرعاية الصحية ولا في الخدمات الطبية الحكومية المقدمة لهم. ويبدو ان التطور لم يكن من أولوياتهم، وهو ما جعل المشكلات الصحية في العراق تتفاقم،ومستوى الوضع الصحي يتردى أكثر، والأعذار المكررة والمملة للتنصل من مسؤولية التفاقم والتردي جاهزة. وبدلآ من إيجادهم للحلول الفاعلة والعاجلة لأيقاف تدهور متوسط أعمار العراقيين، وهو ما يعني إنقاذ حياة مئات اَلاف العراقيين والعراقيات ، كباراً وصغاراً، وفي المقدمة براعم عماد حاضر ومستقبل الشعب العراقي-أطفاله، كمهمة وطنية عاجلة، وتشكيل لجنة وطنية عليا لهذا الغرض من كبار المختصين من مختلف الوزارات، برئاسة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب، تأخذ على عاتقها مهمة التخطيط ووضع أستراتيجية وطنية مدروسة علمياً،وتكون متعددة البرامج وقصيرة الأمد، ولا ضير أبداً من الأستعانة بخبراء من الخارج للإستفادة من خبراتهم وتجارب بلدانهم، الخ.. بدلآ من هذا، تجاهل المسؤولون المشكلة ونسوها تماماً.والدليل لا أحد من المسؤولين تحدث عنها. وحتى " الخطة الأستراتيجية" العتيدة لوزارة الصحة لم يتابعها أحد وقد مر نحو عام كامل على الأعلان عنها...

بقول النائب محمد إقبال- عضو لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب- بحق:" إن معدل عمر الفرد يعكس الصحة العامة للبلد، وأي زيادة تطرأ على هذا المعدل تؤشر تعافي المجتمع"[1].بيد أن السيد إقبال فاته ان يضيف بان العكس هو الصحيح تماماً. فأن تدني هذا المؤشر الحيوي يعكس بالمقابل الواقع المزري للرعاية الصحية ولتدني مستوى معيشة المواطنين وبؤس حياتهم. .وهذا هو واقع حال الغالبية الساحقة من العراقيين مهما حاول المتنفذون في عراق ( اليوم) تجاهله أو إغفاله ويواصلون التفرج عليه.
تأكيداً لبؤس الأوضاع التي يعيشها العراقيون، نشير الى بضعة حقائق من الواقع السائد الذي يعيشه ملايين العراقيين، والحكومة تتحمل مسؤولية تفاقمه خلال السنوات التسع الأخيرة..
أعلنت وزارة البلديات والأشغال العامة أن 70 بالمائة من سكان المدن يفتقرون لخدمات الصرف الصحي و20 بالمائة للماء الصالح للشرب( هذه النسبة رسمت ملامح الدهشة والإستغراب على وجوه اَلاف المواطنين الذين يسكنون مناطق مختلفة في ضواحي بغداد وأطرافها أو في المحافظات الأخرى وهي تشكو شحة المياه عموماً وليس الصالح للشرب فقط على نحو مزمن[2]). وأشارت الوزارة إلى أن التخصيصات المالية للعام المقبل غير كافية لتنفيذ مشاريعها.ويذكر أن جميع المحافظات العراقية تعاني من شح في الماء الصالح للشرب، بسبب تقادم معظم المشاريع العاملة فيها وخصوصاً المشاريع المركزية ذات الطاقات الكبيرة والتي يعود البعض منها إلى ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، في وقت تشهد فيه المحافظات نموا سكانيا يصل إلى 3 % سنويا[3].والمخجل ان طفح المجاري لا يقتصر على المناطق السكنية وشوارعها وأزقتها وساحاتها فقط، وإنما طال المؤسسات الطبية أيضاً.فعلى سبيل المثال تعاني مستشفى بغداد التعليمي من انسداد الحمامات في اغلب الردهات، بالإضافة إلى طفح المجاري وانبعاث الروائح الكريهة في الردهات ، حسب تقرير اعدته الهيئة المتخصصة للرقابة والتدقيق التابعة لديوان الرقابة المالية للسنوات 2007-2009.واشار التقـريـر الى إن عـدم وجـود وحدة معالجة المخلفات السائلة في المستشفى يؤدي إلى رمي هذه المخلفات مباشـرة إلى مياه النهر[4].ورمي المياه الملوثة في الأنهر دون معالجة مشكلة خطيرة، سنتناولها لاحقاً..لكن السؤال: متى تُحل مشكلة الصرف الصحي في العراق؟

أما الخدمات الصحية،فبعد ان بلغت ذروة التدهور، أقر المفتش العام لوزارة الصحة بان 20 بالمئة من الشعب العراقي يعيش خارج البيئة الصحية.وان العديد من مدن وأقضية العراق تعاني من سوء الخدمات الصحية بسبب بعد المراكز الصحية عن اماكن سكن المواطنين، مما يؤدي الى وفاة الكثير من المرضى التي تحتاج حالاتهم الى عناية سريعة ومركزة. [5].وأكد نواب في لجنة الصحة والبيئة البرلمانية تراجع مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وحملوا الفساد الإداري والمالي وسوء تنفيذ المشاريع الصحية مسؤولية التراجع. وتوقعت النائبة في لجنة الصحة والبيئة البرلمانية أيمان الحسن ان تكون نسبة الـ 20 % من المواطنين خارج الخدمة الصحية أكثر بكثيروقالت ان الواقع الصحي في البلاد غير مطمئن وغير مرض والمواطن يشتكي باستمرار من سوء الخدمات الصحية.وطالبت وزارة الصحة بالاهتمام بشكل جدي بالواقع الصحي للبلاد[6].
ومنذ تسعة أعوام وكافة دوائر الصحة في المحافظات، دون إستثناء، تشكو من سوء الأهتمام بالخدمات الصحية، محذرة من إنهيار المؤسسات الطبية لإستهلاكها ولعدم قدرتها أكثر على مواصلة العمل وهي تخدم بنحو ثلاثة أضعاف وأكثر.وأكد عضو لجنة الصحة والبيئة البرلمانية فالح الزيادي: ثمة تذمر واسع في أغلب المحافظات من تدهور الواقع الصحي ورداءة الخدمات الطبية المقدمة وشحة ادوية الامراض المزمنة، مؤكداً بان الواقع الصحي حاليا في هبوط مستمر بسبب رداءة الخدمات الطبية المقدمة للمواطن لعدم جدية وزارة الصحة في إدارة الوزارة والنهوض بالواقع الصحي وتقديم خدمات طبية مقبولة.وأضاف: هناك شحة كبيرة في أدوية الأمراض المزمنة وخصوصا الأنسولين، وهناك أزمة مالية في اغلب المراكز الصحية في المحافظات والتي اصبحت في فوهة المدفع لكونها على تماس مباشر مع المواطن. وبين أن الاجتماع الاخير في لجنة الصحة والبيئة البرلمانية،بحضور نائبي رئيس مجلس النواب ، طرح موضوع تدهور الخدمات الصحية في البلد وتناول مشكلة عدم تواجد اغلب المسؤولين في وزارة الصحة بما فيهم الوزير لكونهم في ايفادات خارج العراق اغلب الأحيان، مما اثر سلبا على الواقع الصحي بشكل عام[7].
من جانبه، ذكر خبير في الشأن الصحي ان هذا القطاع يعاني من نواقص وعراقيل كثيرة، مؤكدا ان الفساد المالي والإداري اثر على انجاز الكثير من المشاريع الصحية.وقال الدكتور ماهر غانم ان الفساد عامل مؤخر لمسيرة البلاد ووزارة الصحة ليست بعيدة عن باقي الوزارات التي تعاني من الفساد.وأضاف ان قطاع الصحة في البلاد يحتاج للكثير من المستلزمات.وأشار الى ان المبالغ التي صرفت على قطاع الصحة لو كانت بدون فساد مالي او أداري لكان تغير الواقع الصحي كثيراً. ودعا غانم الى إستبعاد وزارة الصحة عن نظام المحاصصة الحزبية والطائفية، واعتماد مبدأ الكفاءة والمهنية في اختيار المسؤولين[8]
وللمنظمات الدولية ذات العلاقة رأيها أيضاً.فقد أشار تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة UNICEF إلى ان أطفال المجتمعات الريفية الفقيرة في 10 دول، بضمنها العراق، يعانون جراء عدم المساواة في الحصول على الخدمات الصحية أسوة بأقرانهم من أبناء المدن او بالأسر الغنية. وأوضح التقرير ان مستوى الدخل للطفل والأم والمنطقة التي يقطناها باتت عوامل أساسية تحدد المستوى الصحي لهم. معاون مدير دائرة الصحة الدكتور محمد جبر إعترض على التقرير بشأن العراق، الا ان منظمات و ناشطين في مجال التنمية البشرية ومحاربة الفقر أيدوا ما أورده التقرير جملة وتفصيلا، بل إنهم أكدوا أن معطيات الواقع هي أكثر سوءا مما أورده التقرير[9].وأكدت ذلك تقارير دولية أخرى، ومنها تقرير لمنظمة الصحة العالمية أشار إلى أن الوضع الصحي في العراق لا يظهر أي تحسن فيه، لافتا أن معدل الوفيات للأعمار بين 15-59 عاماً ترتفع لتصل 222 وفاة لكل 1000 حالة، مقارنة مع المعدل العالمي البالغ 176 حالة[10].واظهر مؤشر مؤسسة " غالوب" عن العافية البدنية في العام 2011 ان العراق هو الاسوأ صحيا في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا،/سجلاً 47 نقطة في المؤشر - الذي يقوم على 5 أسئلة حول الصحة الندنية والعاطفية.وتعادل نتائج العراق تقريبا نصف النقاط في الإمارات العربية المتحدة (80) والكويت (80).وتعد 47 نقطة التي حصل عليها العراق أدنى نتيجة منذ بدأ معهد غالوب بحساب المؤشر القياسي في العام 2008، وهي نتيجة أقل من الـ 60 نقطة التي حصل عليها في أوائل العام 2009 [11].
وحمل إتحاد أطباء العراق، الذي تأسس مؤخراً، وزارة الصحة مسؤولية تردي الوضع الصحي في البلاد، فيما طالب بتشريعات جديدة للوزارة من شأنها زيادة الثقة بين الطبيب والمريض.ومايزال الواقع الصحي متردياً في غالبية المستشفيات الحكومية في المحافظات عموماً والعاصمة بغداد بشكل خاص، الأمر الذي يضطر المواطن إلى الذهاب في غالبية الأحيان إلى المستشفيات الخاصة للحصول على الخدمات الطبية اللازمة، أو السفر إلى الخارج لتلقي العلاج[11].ومن لا يملك المال فمصيره الموت في المستشفى الحكومي أمام أنظار سترتيجيو وزارة الصحة،أو في بيته وغالباً لا يسجل سبب موته الحقيقي.

ان الحديث يطول عن معالم تدني القطاع الصحي في العراق،والذي يشهد حاليا تداعيات خطيرة تتجسد في النقص الحاد للكوادر الطبية والخبرات والكفاءات العلمية المختصة،ونقص الأدوية والمحاليل الطبية في المختبرات، وتهالك الاجهزة الطبية وافتقار المستشفيات للأجهزة الحديثة، وضعف البنى التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية ،الامر الذي ينعكس في تدني الخدمات المقدمة للراقدين من المرضى، كذلك قلة عدد المستشفيات الموجودة قياسا بالكثافة السكانية للمدن، ما يؤدي الى الزخم الشديد للمراجعين، فضلا على الفساد الاداري والمالي المستشري رغم الجهود المبذولة للحد منه. وقد يتعرض بعض المرضى الى ابتزاز واضح من قبل سماسرة الاطباء، لأجراء العمليات في المستشفيات الأهلية بدل الحكومية[12].وكل هذا سنتناوله تدريجياً.

إذا إستمرت المشاكل في القطاع الصحي دون حل فاعل وعاجل فلن يتوقف تدهور متوسط أعمار العراقيين، ناهيكم عن تحسنه !

الهوامش:
1--" موطني"، 3/8/2011
2- بهاء النعيمي - راديو سوا،9/6/2012
3- " السومرية نيوز" ،12/12/2011
4- وكالة الصحافة المستقلة ( إيبا )،28/3/2010
5- "اَكانيوز"، 18/5/2011
6- علي صاحب-"طريق الشعب" ، 25/5/2011
7- وكالة الصحافة المستقلة (أينا) ،28/11/2011
7- "طريق الشعب"، 25/5/2011
8-"المدى"، 30/7/2011
9- تحقيق: إيناس طارق –"المدى"،5/12/2011
10- استطلاع دولي: العراق هو الاسوأ صحيا،"ساحات التحرير"، 12/6/2012
11-"السومرية نيوز"،25/6/2012
12- سهاد ناجي، أسباب تدهور الواقع الصحي للبلد؟،"طريق الشعب"،9/5/2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة