الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في انتظار الحُكم

سها السباعي

2012 / 7 / 11
الادب والفن


"في انتظار الحُكم" (Waiting for the Verdict, 1859 )، اسم لوحةٍ للرسام الإنجليزي أبراهام سولومون (Abraham Solomon (1823–1862، تُصوِّر أفرادًا يجلسون في أحد أركان الانتظار في محكمةٍ تسود أروقتها الظلال، إلاَّ من بعض الضوء الداخل على استحياء من نافذة مرتفعة وبعض الأبواب مفتوحة. يتهالك كهلٌ أشيب الشعر مستسلمًا مخفيًا وجهه بيده على مقعدٍ بلا ظهر موازٍ لأحد الجدران، معتمدًا على مرفقيه، زاهدًا في الاتكاء على الجدار. على مقعد موازٍ للجدار المتعامد تجلس امرأةٌ تشي ملامحها بالطيبة المحلاة ببعض العزم، وتظهر على وجهها آثار سنواتٍ من الكفاح، تسند بين كفيها طفلاً لم يبلغ عامه الأول من العمر وتتوجه إلى الرجل بنظرةٍ صامتةٍ، متعاطفةٍ ومدركةٍ لطبيعة الموقف الصعب. الرضيع الذي تحمله مشرئبٌّ على قدميه الصغيرتين، ينظر في ابتسامةٍ بريئة ويمد يديه الصغيرتين في لهفة إلى امرأةٍ أصغر سنًّا تعطيه ظهرها، وقد جلست في قلة حيلة على درجة سلمٍ في بداية الممر الموصل لقاعة المحكمة، وثوبها الفضفاض يفرش الأرض من حولها. على إحدى فخذيها تُسند طفلةٌ نائمةٌ رأسَها بينما يرتكز باقي جسدها الصغير على الأرض، وقد تهدَّلت ملابسها وتشوَّش شعرها القصير كأنما ألقاها التعب وملل الانتظار. تستنتج أنهم أفراد عائلة ينتظرون حُكمًا يمس حياتهم وقد يغيرها إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، وقد تركوا أنفسهم تماماً إلى القدر الذي سوف يترجمُ قرارَه بعد حين في صورة كلماتٍ ينطق بها أحد القضاة. وبينما جلسوا وقد غرق كلٌّ منهم في أفكاره، وقفت صبيةٌ منتبهةٌ يتعلق بصرها بباب قاعة المحكمة في ترقبٍ بينما تضع يدها في مؤازرةٍ على كتف المرأة الجالسة.

في نهاية الممر المعتم إلا من ضوء النهار المتسرب في استقامة من أبوابٍ أخرى، يظهر باب قاعة المحكمة وقد فُتِح ليسمح بدخول رجلٍ مهيب يرتدي رداءً أسود، ينتظره رجال يقفون في احترام، وقد أمسك في يده أوراقًا مطوية.

يسود جو الترقب والانتظار لوحة سولومون، مع تسليمٍ كاملٍ وواضح من الأطراف المعنية بما سوف يقرره هذا القاضي أيًّا كان، فقراره حاسم و سوف يشكل حياتهم بعد النطق به على كيفيةٍ ما. يعلمون تمامًا أن عليهم تكييف حياتهم وفقًا لهذا القرار، ولم يدر بخلدهم للحظة تكييف القرار وفقًا لحياتهم. يستشعرون رهبة المكان الذي يجلسون فيه متواضعين كأنما يجلسون في رحاب معبد. يسلمون مقدراتهم إلى ضربة مطرقةٍ خشبيةٍ مُنهية لانتظارهم، سيضربها ذلك الرجل المهيب الذي يأملون منه الإنصاف.

ما قبل الحكم حال وما بعده حال، وبين الحالين ينتظر المتقاضون أو من ستمسُّهم نتيجة التقاضي بشكلٍ أو بآخر، تلك النتيجة التي ستُعلن بعد البحث في مجلداتٍ ضخمة من القوانين التي سنَّها بشرٌ مثلهم، يكتبونها ويفسرونها ويحكمون بها عليهم من فوق منصاتهم العالية . تلك القوانين التي يقدسها البعض ويتلاعب بها آخرون، يحترمها البعض ويطبقها كحد السيف، ويتخذها البعض الآخر كمطيةٍ تسير بهم في طريقٍ ثعبانيٍّ لتحملهم إلى حيث يريدون. يؤدي الفاعلون ومن سيقع عليهم الفعل أدوارهم في هذا السياق، غير عابئين بتلك المرأة التي تشرف عليهم من علٍ، تحمل في إحدى يديها كتابًا وفي اليد الأخرى ميزان، لأنها ببساطة لا تراهم، فهي معصوبةُ العينين.

بالنسبة لمن لا يملكون زمام الأمر، تتسرب الأيام وتلحقها الشهور والأعوام من أعمارهم المعلقة على رجاء كلمة؛ كلمةٌ قد تبدأ بهم من جديد، وقد تُجَمِّد الوضع القائم على ما هو عليه، وقد تعود بهم إلى الخلف. ذلك الزمن المفقود من حياة المنتظرين لا ثمن له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا