الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخوف لا يجنب الخطر !!

محمد السلايلي

2012 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


كم هو مقرف حد الغثيان أن نشاهد بشاعة القتل و التقتيل التي تمارسها بعض مؤسسات الجيش ضد أبناء شعبها بمنطقتنا العربية. نصاب بالهذيان ونحن نرى كل يوم رؤوس الاطفال و النساء وأحشاؤهم تتناثرها صورالفضائيات والمواقع الالكترونية بشكل رهيب. ان فظاعة ما نشاهده من اجرام و مذابح وتقتيل يقوم بها العسكرمن ابناء جلدتنا، داخل جهاز منظم خاضع لسلطة الحاكم، لا يمكن تبريرها او حتى مناقشة خلفياتها.
وظيفة الجيش هي حماية الحدود والبلد من الأعداء الخارجيين أو هكذا يفترض أن تكون كما هو سائر في المجتمعات الديمقراطية الحديثة التي تعلي من شان كرامة الانسان و المواطن. في العصور المظلمة،، ارتبطت الجيوش بالحكام والسلاطين المستبدين واستعملت للاطاحة أو للوصول الى السلطة ولسحق المعارضين. وغالبا ما كان يعتمد السلاطين على مجموعات بشرية أجنبية عن التركيبة البشرية لمجتمعاتهم لارهاب واخضاع الشعوب لمشيئتهم، أو للقيام بغزوات ضد أمم مجاورة لضمها تحت نفوذهم ( بالمغرب جيش بخارى على سبيل المثال كان مصدر استيلاء وتوسع حكم السلطان اسماعيل الذي أخضع به جل القبائل والزوايا المتمردة لحكمه )، ما يفسر أبضا شراسة قتال هؤلاء بسبب انصياعهم التام لتنفيذ أوامر قادتهم وتحررهم من أي انتماء أو روابط مع خصوم السلاطين.
هذا الأسلوب، أي الاعتماد على عناصر خارج التركيبة البشرية الداخلية، هو ما تستثمر فيه الولايات المتحدة الأمريكية منذ هزيمتها بالفيتنام، هو ما رأيناه مؤخرا بدرجة مختلفة في ليبيا من خلال تجنيد مرتزقة أجانب لسحق الثورة الليبية. إن التاريخ الأوروبي الحديث يمدنا بمعطيات وشروح لفهم هذه الظاهرة من زاوية أخرى، حيث تلازمت نشأة الديكتاتوريات الحديثة مع انقسام المجتمع الأوروبي خلال القرن 19 بسبب الثورة البورجوازية، الى شطرين : المدينة الحديثة بفكرها التحرري و حضارتها العقلانية المتنورة والبادية التي تشكل إرث استمرار الماضي الإقطاعي التقليدي الرجعي. فاستغل الديكتاتوريون هذا التناقض لبناء قوى عسكرية من أبناء الأرياف والقرى والمسحوقين اجتماعيا للانقلاب واستيلاء على السلطة ودحر معارضيهم. بالعالم العربي، الذي أخضع تحت حكم الانتداب البريطاني والفرنسي، تبدو هذه العلاقة بين أبناء البادية والجيوش الرسمية واضحة. في حرب فرنسا ضد هيتلر أو بالهند الصينية جندت الحماية الفرنسية بالمغرب الغالبية من أبناء الفلاحين لقتال أبناء مجتمعات مستعمرة أخرى. وفي مطلع الخمسينات استعان نفس المستعمر بأبناء السينيغال القرويين لمواجهة انتفاضة الشعب المغربي بكبريات المدن خاصة مدينة الدار البيضاء . ان التركيبة البشرية لجيوش الأنظمة العربية المستبدة حافظت الى حد ماعلى نفس الإستراتيجية، تقريبا على نفس النموذج الذي اتبعته الإدارة الاستعمارية لإركاع شعوب المنطقة، حيث سيتم استغلال الحقد الدفين للقرويين اتجاه سكان المدن( 1 ) وشحنهم بأن هؤلاء المدنيين هم سبب الفتن والمشاكل التي يعيشونها من تهميش و سوء أحوال المعيشة.
بالاظافة لهذه العوامل التاريخية والاجتماعية، استجدت عوامل أخرى بفعل التطور الذي أصبحت تعيشه شعوب المنطقة. ورغم كل التحولات الهائلة التي شهدتها هذه المجتمعات تحت سلطة الاستبداد والديكتاتورية المقنعين بالعصرنة والتحديث، فإن سياسة اذكاء النعرات الطائفية والعرقية والجهوية لازالت تجد في تربتها الاجتماعية ما يجعلها سياسة ناجعة لتقسيم المكونات الشعبية وضرب بعضها ببعض..ما يفسر نسبيا ما نشاهده اليوم من جرائم ومجازر يرتكبها عساكر ينتمون لنفس المجتمع ولنفس الشعوب بلا رحمة ولا شفقة. فالعسكر يمارسون قذارتهم لصالح الأسياد والديكتاتوريين الذين يستفيدون من انقسامات مجتمعاتهم وتناقضاتها لتأمين استمرار قبضتهم الحديدية على مقاليد الحكم.
سياسة تفقيرالجماهير الفلاحية وعزلها عن باقي مكونات المجتمع، واستمرار البنيات الاجتماعية والذهنية التي تساهم في فصل بعضهم عن بعض، تعد عاملا رئيسا واحتياطا سياسيا وعسكريا لقوى الاستبداد والديكتاتورية. وهذه الحقيقة، سبق لكارل ماركس أن فسر بعض عناصرها في كتابه " الثامن عشر من برومير لويس بونابارت") 2( أثناء زيارته لفرنسا، بحيث يعد هذا الكتاب، ولا يزال، مرجعا أساسيا لفهم هذا التناقض رغم مرور حوالي قرن ونصف عن صدوره.
لقد انتبه ماركس للإقصاء الذي يعانيه الفلاحون الصغار وانعزالهم عن حركية المجتمع، والى محدودية الروابط التي تجمعهم وهشاشة أشكال التنظيم والتحالفات فيما بينهم مما يسهل عملية إخضاعهم والتحكم في مصائرهم. ويستنتج ماركس أن تقارب مصالح الفلاحين وتشابهها لا يخلق أي وحدة فيما بينهم، بل بالعكس، بسبب فنمط إنتاجهم يجعلهم خصوما لبعضهم البعض.سلط ماركس الضوء، من خلال ربطه بين بونابرت المستبد بالسلطة بالفلاحين الصغار،على الآليات والعوامل التي تفصل الفرد أو الجماعة عن جذوره الاجتماعية
الفلاحين الصغار بالنسبة لماركس* هم مجموعة هائلة من البشر، يعيش أعضاؤها في أوضاع متمائلة دون أن يتحدوا فيما بينهم عن طريق علاقات منتظمة. إن نظام الإنتاج السائد بينهم يعزل بعضهم عن بعض عوض أن يخلق بينهم علاقات التبادل والتضامن المستمر. ومما يزيد في انعزال الفلاحين الصغار، ما اتسم به المجتمع الفرنسي من ضعف وسائل التواصل والنقل من جهة، وفقر الفلاحين من جهة أخرى. إن نظمهم الإنتاجية لا تفتح المجال لأي تقسيم للعمل ولا لإي استعمال للمناهج والتكنولوجيات العلمية الحديثة، وبالتالي، لا تفتح المجال لتنوع أشكال التطور وتنوع المهارات والكفاءات وتعميق العلاقات البشرية
كل عائلة من الفلاحين الصغار تعتمد تقريبا على ذاتها. وهي تنتج الجزء الكبير مما تستهلك، لذلك تحصل على موارد عيشها عن طريق التبادل مع الطبيعة أكثر ما تحصله عن طريق التبادل والتجارة داخل المجتمع.
أينما أتينا، دائما وصف ماركس للفلاحين بفرنسا القرن 19 ، سنجد قطعة أرضية فيها فلاح وعائلته وبجوارها قطعة أخرى يعيش فيها فلاح أخر وعائلته. تشكل بضعة عشرات من العائلات قرية. ونشكل بضعة عشرات من القرى إقليم. وهكذا، فإن الغالبية من الشعب الفرنسي تتكون من جمع بسيط لوحدات لها نفس الاسم ( أسرة، قرية، إقليم ) تقريبا على نفس الطريقة التي يشكل فيها كيس مملوء بالبطاطيس كيسا للبطاطيس. على اعتبار أن هناك ملايين من العائلات الفلاحية تعيش في ظروف اقتصادية تعزلها عن باقي الطبقات على مستوى نمط العيش والمصالح والطموحات وأيضا على مستوى أنواع التركيبات التي تتضمنها وتتصارع فيما بينها بصفة تجعل كل طرف يحول الطرف الأخر الى خصم. الفلاحون الصغار يشكلون طبقة في ذاتها 3 ولكنها لا تشكل طبقة لذاتها 4 باعتبار أنه لا يوجد بين الفلاحين الصغار إلا روابط محدودة على الصعيد المحلي وأن تشابه أو تقارب مصالحهم لا يخلق أي وحدة بينهم ولا يخلق أي أدوات للتنسيق والعمل المشترك والتنظيم السياسي. وهنا يستنتج ماركس أن الفلاحين غير قادرين عن الدفاع عن مصالحهم الطبقية باسمهم الخاص بصفة مباشرة، ولا عن طريق اللجوء الى البرلمان أو جمعيات وطنية. بل يجزم أنه لا يمكنهم أن يمثلوا أنفسهم بالاعتماد على ذواتهم ويتعين عليهم البحث عن من يمثلهم. أما ممثلوهم فيتعين عليهم عليهم في نفس الوقت أن يقدموا أنفسهم للفلاحين كما لو كانوا أسيادهم أو يملكون سلطة عليا تتجاوزهم أو كسلطة حكومية لها صلاحيات مطلقة تجاهم وتقوم بجمايتهم من جور الطبقات الأخرى وتمنحهم عندما تريد ذلك، المطر أو الطقس الملائم، وبالتالي يستخلص ماركس في هذا التحليل الدقيق، أن الثأثير السياسي للفلاحين الصغار سيجد أقوى تجلياته في خضوع المجتمع للأجهزة المركزية وخضوع الفلاحين لممثليهم.
الخوف لا يجنب الخطر ! الانظمة الاستبدادية العربية تتكإ على بقايا البنيات التقليدية التي تقسم مجتمعاتها الى ملل و نحل، تأكل بعضها البعض، لتطرح نفسها ضامنا واحدا و أوحدا للامن و البقاء. وهي نفس اللعبة التي تتقنها القوى الاستعمارية و حلفائها الاقليميين، بالابقاء على هذه البنيات و التحكم فيها عبر مؤسسات الاعلام و تمويل الجمعيات و صاناعة النخب الدينية والمدنية المرتبطة بمشاريع الاستعمار بالمنطقة.
ان مجتمعاتنا هي حقل بارود معرض للانفجار في اي وقت وحين. وحطب ووقود هذه الانفجارات هي العالبية العظمى من الجماهير المعزولة التي تتكالب عليها القوى الداخلية و الخارجية لفرض مخططاتها و مصالحها الانية و المستقبلية. ما نشاهده اليوم، يجعلنا نعيد السؤال حول دور و وظيفة هذه الجيوش التي تحرق الاخضر و اليابس من أجل ساستها. لقد افرزت ثورات الربيع العربي ثلاث نماذج مختلفة ومتناقضة للمؤسسات العسكرية. النموذح الاول، تقع فيه هذه المؤسسة بين يد الحاكم يذبح بها الشعب الثائر ضد ظلمه وبطشه كما حصل بليبيا و لا يزال يحصل حتى اليوم بسوريا. و ربما سيتسع هذا النموذج ليشمل البلدان الاخرى التي يختمر فيها حراك الشعوب ضد الفساد والاستبداد، وهو نموذج دموي و متخلف و بدائي الى اقصى الحدود، يستغل تناقضات البنيات الاجتماعية التقليدية العشائرية الطائفية و الجهوية لتثبيت سلطة الحاكم و نظامه الاستبدادي.
والنموذج الثاني، تظهر فيه المؤسسة العسكرية بجانب الشعب الثائر، فتلتزم الحياد السلبي، لكنها تضع نفسها في مقابل الشعب، فتتبنى ثورته لتنقض عليها و تمارس نوع من الانقلاب الناعم، كما حصل بمصر.
و النموذج الثالث تلتزم فيه المؤسسة العسكرية بالحياد التام و باحترام الشرعية الشعبية و بعدم التطاول على المؤسسات الدستورية و تحترم نتائج الانتخابات. هذا النموذج هو الذي نراه في تونس، ولو على مستوى الشكل، حيث عاد العسكر للتكنات و قدمت قياداته مشاريع قوانين لاخضاع المؤسسة العسكرية تحت الرقابة البرلمانية.
اننا حقا في امس الحاجة لاعادة التفكير في طبيعة مجتمعاتنا و الخروج فورا من الاستيلاب و القهر الاعلامي الذي ينمط الاحداث المتسارعة التي تزعزع كيانات و المنطقة وتعصف بها.!!!
محمد السلايلي
هوامش:
Karl Marx : Le 18 Brumaire de Louis Bonaparte,ed.Sociale,Paris,P:188 -189 *
1- فرانز فانون سيقلب هذه القراءة في كتابه " معذبو الأرض" ومن خلال تجربته بجانب جبهة التحرير الجزائرية، سينظر- للفلاحين نظرة مغايرة
2- لتحميل النسخة الفرنسية الكاملة للكتاب en pdf
3- classe en-soi
4- classe pour-soi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو