الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثوره الإيرانيه و الثوره المصريه - تشابهات و إختلافات

محمد شفيق

2012 / 7 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بعد فوز د/ محمد مرسى مرشح حزب الحريه و العداله الذراع السياسى لجماعه الإخوان المسلمين بمنصب رئاسه الجمهوريه تعالت كثير من أصوات القوى المدنيه و الليبراليه بالخوف من هيمنه الإسلاميين على الدوله المصريه و أنتشرت المخاوف بين القوى المدنيه و العلمانيه من تحويل مصر الى دوله دينيه , و كان جزء كبير من هذه القوى و الحركات السياسيه قد قام بمقاطعه الجوله الثانيه من الإنتخابات بدعوى إنها إختيار مر بين الفاشيه العسكريه و مرشحها الفريق أحمد شفيق و بين الفاشيه الدينيه و مرشحها د/ محمد مرسى.

و كان شبح الخمينى و الثوره الإيرانيه تحديداً و لايزال حاضراً فى ذهن و وجدان النخب الليبراليه و اليساريه كأسوأ مصير منتظر للثوره المصريه فى ظل هيمنه الإسلاميين منذ تنحى الرئيس المخلوع حسنى مبارك.

و بالرغم من تجاوز الوعى الشعبى الجماعى لجماهير الثوره المصريه عملياً لهذه الإشكاليه المهموم بها النخبه السياسيه و التى ثبتت فى تصويت ما يزيد على 8 مليون مصرى تقريباً من خارج دائره نفوذ الإخوان المسلمين للمرشح محمد مرسى ضد مرشح النظام السابق أحمد شفيق ليحصد ما يزيد عن 13 مليون صوت فى الجوله الثانيه بعد حصوله على 5,5 مليون صوت فقط فى الجوله الاولى تمثل حصاد كل طاقه ماكينه الإخوان الإنتخابيه , الا أنه تظل هناك أهميه لضروره دحض هذه الدعاوى نظرياً , خاصه مع توقع إستمرار فرض و تأجيج الصراع الإسلامى العلمانى الموهوم بين القوى السياسيه و الإجتماعيه لمنع تبلور حركه إجتماعيه قويه و موحده من بين طبقات الشعب المصرى المستغَله و المضطهَده ,و أستمرار مؤسسات الدوله العميقه الغير منتخبه فى الدفاع عن مصالحها ضد المزيد من مقرطه جهاز الدوله , لذا أتمنى ان تكون هذه المقاله هى خطوه أولى فى هذا الإتجاه.

الدوله الدينيه

هناك العديد من الدول التى يسود فيها الإسلامى السياسى والذى برز على الساحه السياسيه بقوه منذ نهايه السبعينات و ملأ العالم صخباً من وقتها و حتى الان , هناك العديد من الدول التى يمكن بها ملاحظه النفوذ المتصاعد بشده للإسلاميين , سواء فى المعارضه كالأردن و العراق و اليمن والجزائر و باكستان أو فى مقاعد الحكم كالمغرب و أندونيسيا و ماليزيا و تركيا و مؤخراً تونس و مصر.

الا أن ما يشير له دوما أنصار التيار المدنى كمثال للدوله الدينيه عاده لا يتجاوز أمثله كإيران و باكستان و المملكه العربيه السعوديه.
و فى الجزء الأول من هذا المقال سنبدأ بتحليل الفروق الجوهريه بين الثورتين المصريه و الإيرانيه.

الثوره الإيرانيه

فى البدايه تنقسم الثوره الإيرانيه إلى مرحلتين: المرحلة الأولى دامت تقريبا من منتصف 1977 إلى منتصف 1979، وشهدت تحالفاً ما بين الليبراليين واليساريين والجماعات الدينية لإسقاط الشاه. و المرحلة الثانية التى شهدت بروز آية الله الخميني وتعزيز موقعه فى السلطة وقمع و قتل زعماء كل الجماعات اليساريه و الليبراليه المعارضة للسلطة الدينية و القيادات النقابيه فى المصانع و الشركات و الطلاب اليساريين و الليبراليين في الجامعات الإيرانية و تنتهى بإستيلاء الخمينى و مؤيديه منفردين على السلطه فى إيران.

المرحله الاولى

بدأت المرحله الاولى على خليفه سياسات رأسماليه فى شده القسوه من نظام الشاه ضد العمال و الفلاحين و أدت لضغوط شديده على طبقه التجار التقليديه "البازار" وثيقه الصله أسرياً و أيديولوجياً برجال الدين و خلقت جيوش من العاطلين عن العمل فى المدن الرئيسيه , و لكنها أدت على الجانب الاخر لفتح السوق الإيرانى للإستثمارات الأجنبيه و للثراء الفاحش و السريع لشريحه ضيقه من رجال الأعمال القريبين من النظام.

كانت البدايه فى أكتوبر 1977 بموجه عفويه من الإحتجاجات و المظاهرات الشعبيه ضمت فى البدايه تنويعات مختلفه من مهنييى الطبقه المتوسطه و الطلاب و كانت الغالبيه منهم من القوى السياسيه العلمانيه و الليبراليه و قوى الإسلام الليبرالى , ثم بدأت الإضرابات فى المصانع و المؤسسات الحكوميه مع دخول القوى اليساريه بقوه الى ساحه التمرد و الإحتجاجات و كانت القوى اليساريه الأساسيه هى حزب توده الشيوعى "القياده التاريخيه للطبقه العامله الإيرانيه" و حركه مجاهدى خلق اليساريه ذات التوجه الإسلامى.

تطورت هذه الإحتجاجات من مظاهرات صغيره لاتزيد عن عده الاف فى كل مدينه الى مظاهرات جماهيريه حاشده خلال 1978, و كانت البدايه عندما بدات قوات الامن بمواجهه التظاهرات بالقمع و الرصاص الحى و كانت البدايه بسقوط 70 طالب ضحيه لرصاص الأمن فى يناير 1978 , و كان وفقا للعادات الشيعية يجرى حفل تأبين في ذكرى مرور أربعين يوماً من الوفاة ، وهكذا أطلقت المساجد في كل البلاد الدعوى للمشاركة في تكريم الطلاب القتلى، واستجابت عدة مدن للنداء وسارت المظاهرات فى 20 فبراير تكريماً للقتلى واحتجاجاً على حكم الشاه بعد أربعين يوماً من الحادثه الاولى ، و هذه المرة وقعت أعمال العنف من جانب الامن في مدينه تبريز، وقتل هذه المره المئات من المتظاهرين ، وتكررت الحلقة مرة أخرى في 29 مارس فى الذكرى الأربعين الجديده للشهداء الجدد ، حيث وقعت جولة جديدة من الاحتجاج في سائر البلاد، وهوجمت الفنادق الفارهة ودور السينما والبنوك والمكاتب الحكوميه وغيرها من رموز نظام الشاه، وتدخلت قوات الأمن مرة أخرى، وقتلت المئات من المتظاهرين ، وتكرر الأمر نفسه في التأبين الأربعينى لهم فى العاشر من مايو.

و استمر القمع الوحشى لنظام الشاه ليحصد أكثر من 400 شخص قضوا في حريق سينما ريكس، وهو حريق متعمد وقع في أغسطس 1978في عبدان، ورغم أن دور العرض السينمائي كانت هدفاً مستمراً للمتظاهرين الإسلاميين فقد بلغ انعدام ثقة الجماهير بالنظام حداً جعل الجماهير ترى أن السافاك كان وراء الحادث في محاولة منه لتقسيم المعارضة. في اليوم التالي تجمع 10.000 من أقارب القتلى والمتعاطفين لتشييع جماعي حاشد ومظاهرة تنادي ليحترق الشاه و الشاه هو المذنب.

و كان الشاه فى محاوله للسيطره على التضخم و الزياده فى الأسعار قد بدأ فى صيف 1978 فى إتباع سياسات تقشفيه و تقليل فى الإنفاق الحكومى , و لكن أثر هذه السياسات بالرغم من حدها لإرتفاع الأسعار كان زياده فى تسريح للعماله الغير مثبته خاصه بين العماله الغير ماهره فى المدن الكبيره , و قد أنضم مئات الالاف من هؤلاء للمظاهرات ليكسبوها زخماً جديداً , و هكذا مع حلول سبتمبر، كان الصراع الطبقى كان أحتدم ، وتحولت المظاهرات الحاشدة إلى أحداث منتظمة يشارك فيها مئات الالاف من المتظاهرين ، وفرض الشاه الأحكام العرفية كرد فعل ، وحظرت كل التظاهرات بموجب القانون الجديد .

وفي يوم الجمعة 8 سبتمبر 1978، خرجت مظاهرة مليونيه حاشدة في طهران لتحدى هذا القانون ، إنها المظاهرة التي حولت ذلك اليوم إلى ما بات يعرف اليوم باسم الجمعة الأسود.حيث أطلقت ميليشيات الأكراد التابعه لنظام الشاه النار على المتظاهرين و تسببت فى سقوط مئات القتلى ، و ظهرت حكومة الشاه بصورة الحكومة الوحشية الملطخه بالدماء مما أبعد عنها الكثير من الإيرانيين الموالين للنظام والكثير من الحلفاء في الخارج.

و كانت الضربه القاصمه للنظام على يد الطبقه العامله في أكتوبر 1978, حيث أضرب بشكل متزامن مئات الألاف من عمال البنوك و المصانع و السكه الحديد و المواصلات و الموانى و المؤسسات الحكوميه و الشركات مما أدى إلى شل الاقتصاد والصناعات الحيوية التي أغلقت أبوابها و كان إضراب عمال البترول أخيراً الضربه القاضيه التى "حسمت مصير الشاه".

حيث بلغت الاحتجاجات ذروتها في ديسمبر 1978، خلال شهر محرم أحد أهم الشهور لدى المسلمين الشيعة. وفي 12 ديسمبر خرج إلى شوارع طهران نحو مليوني شخص مطالبين برحيل الشاه وعودة الخميني , و فى النهايه و بعد تزايد الضغط الشعبى الى أقصاه أستجاب الشاه الى طلب رئيس وزراؤه شابور بختيار بالرحيل و في 16 يناير 1979 غادر الشاه والملكة إيران , و عاد الخمينى الى إيران من المنفى فى الاول من فبراير 1979و كان فى إستقباله فى المطار 3 مليون إيرانى.

تحليل

بالرغم من التشابه الكبير بين أحداث و تطورات الثوره الإيرانيه مع مثيلتها المصريه الا أن الفارق الاهم و الجذرى حتى الان بين المرحله الاولى من الثوره الإيرانيه و الممتده من اكتوبر 1977 و حتى رحيل الشاه فى يناير 1979, هو طول تلك المرحله بالنسبه للثوره الأيرانيه بما لا يقاس بالنسبه للثوره المصريه و التى بدات فى 25 يناير 2011 و أنتهت برحيل مبارك فى 11 فبراير 2011 "18 يوم فقط".

هذا الفارق يرجع الى التطور السريع و المفاجىء فى حجم التظاهرات و الإحتجاجات الجماهيريه فى الثوره المصريه و خاصه فى المدن الكبرى الى عشرات الالاف ثم مئات الالاف فى مجرد بضعه أيام , بالإضافه الى سرعه دخول الطبقه العامله بإضراباتها الحاسمه و المؤثره فى سياق الحركه الجماهيريه بعد أسابيع قليله من بدء الثوره و هو الامر الذى تأخر حدوثه فى الثوره الإيرانيه لما يقارب سنه كامله.

لهذا الإختلاف فى المده أسباب كثيره و معقده و ليس هنا المجال لذكرها و لكنها تعطى للمتابع الفطن القدره على إستنتاج مدى عمق وجذريه الثوره المصريه و مدى سرعه التطور المدهش فى الوعى الجماهيرى الطبقى فى الحاله المصريه حتى بالمقارنه مع أحدى أعظم الثورات فى القرن العشرين و هى الثوره الإيرانيه, و لكن فى النهايه ما يهمنا بالأساس هو نتائج إختلاف المده الزمنيه للصراع الطبقى بين الثورتين على الصعيدين السياسى و الإجتماعى , و التى لعل من اهمها هو الإنهاك و التحطيم البطىء الذى حدث لجهاز الدوله الإدارى و البيروقراطيه فى الحاله الإيرانيه بسبب إحتدام الصراع الطبقى و الإضرابات المتتاليه قبل رحيل الشاه , بعكس الحاله المصريه التى كان رحيل مبارك المبكر قبل تصاعد وتيره الصراع الطبقى سبباً فى الحفاظ على جهاز الدوله الموروث من النظام السابق على حالته.

النتيجه الثانيه , هى تفتت الجيش الإمبراطورى و إنهيار تماسكه بعد رحيل الشاه بسبب إستنزافه و تحطم معنوياته جراء مواجهاته مع الشعب الإيرانى طوال عام و نصف و حمايته للشاه الفاسد فى مواجهه مطالب الشعب العادله و هو ما أثر بقوه فى معنويات الجنود و فى إنضباطهم العسكرى و أدى قرب النهايه لإستعانه الشاه بالميليشيات الكرديه لقمع الجماهير , بعكس الحاله المصريه التى كان تضحيه المجلس العسكرى فيها برأس مبارك بتعليمات مباشره من الإداره الأمريكيه "و التى بالتاكيد وعت الدرس الإيرانى جيداً" سبباً فى الحفاظ على تماسك المؤسسه العسكريه , بل و إمساكها بزمام الحكم بعد تنحى مبارك.

النتيجه الثالثه , تتعلق بوضعيه القوى السياسيه التى أدى طول امد المواجهات بينها و بين الشاه الى فرزها بمعايير صارمه أطاحت بالأحزاب و القوى السياسيه الإصلاحيه و الإنتهازيه خارج الحلبه السياسيه و أبقت فقط على القوى الثوريه و الراديكاليه من مختلف التيارات , و هو ما لم يحدث فى الحاله المصريه للأسف مما أتاح للأحزاب الإصلاحيه و القوى السياسيه الإنتهازيه البقاء فى الساحه.

النتيجه الاخيره و الأهم على الإطلاق , هى ما أفرزته المواجهات الطويله بين نظام الشاه و الطبقه العماليه المنتفضه من تنظيم الطبقه العامله لصفوفها و أتاحه الفتره الزمنيه الطويله نسبيا من المواجهات مع الصراع الطبقى المحتدم لتكوينها للمجالس العماليه الشهيره " مجالس الشورى " و التى تولت عمليه تنظيم الإنتاج فى كثير من المصانع و المؤسسات و واجهت أتباع الشاه من المديرين فى كثير من الاماكن الاخرى. هذا التنظيم الذاتى للطبقه العامله و الذى يتجلى سواء فى صوره مجالس عماليه أو مجالس الاحياء أو الروابط الشبابيه أو الثوريه المختلفه هو ما أفتقدته الطبقه العامله المصريه فى خضم الثوره نظرا لإحتياجه للوقت و لدرجه من الإحتدام الطبقى تكفى لزياده الوعى الجمعى للطبقه العامله و لبناء التنظيمات العماليه المستقله و بناء الروابط بين التنظيمات و التكوينات المختلفه و هو ما لم يتوافر فى خلال المرحله الاولى القصيره للثوره المصريه. و إن كنا قد شاهدنا إرهاصات تكوينه فى موجه ظهور النقابات المستقله فى الفتره اللاحقه لسقوط مبارك مباشره و فى صراعات العمال حينذاك فى كثير من المصانع و المؤسسات و المستشفيات الحكوميه مع الإدارات التابعه لنظام مبارك و نجاحهم فى إستبدالها , بل و نجاحهم فى إداره بعض المصانع و المستشفيات و المؤسسات ذاتياً لفترات متفاوته.

المرحله الثانيه

تبدأ هذه المرحله منذ مغادره الشاه للبلاد فى 16 يناير نزولاً عند طلب رئيس الوزراء الدكتور شابور بختيار، الذي كان لفترة طويلة من زعماء المعارضة و أصبح بعد رحيل الشاه رئيس الحكومه الإنتقاليه ، وعلى الفور ظهرت مشاهد الابتهاج العفوي بين الجماهير ، ودمرت خلال ساعات "كل رموز سلالة بهلوي"، وأعلن بختيار حل البوليس السرى السافاك ، وأفرج عن السجناء السياسيين، ووعد بانتخابات حرة وأمر الجيش بالسماح للمظاهرات الشعبية. وبعد عدة أيام سمح بعودة الخميني إلى إيران وطلب إليه تأسيس دولة مثل الفاتيكان في مدينه قٌم، ودعا المعارضة للمساعدة على الحفاظ على الدستور.

مع وصول الخمينى الى إيران فى الاول من فبراير و حتى الحادى عشر من فبراير , كانت هذه الفتره هى فتره الإختيار بين إستكمال الخط الثورى و بين الخضوع للمسار الدستورى الإصلاحى , و كان جواب الخمينى حاسماً فقد اعلن رفضه لحكومه شابور بختيار المعينه من قبل الشاه و هدد وزاره بختيار كلها و قال نصياً "سوف أركل أسنانهم لقلعها"، وعين منافس بختيار اللدود الإسلامى الليبرالى مهدي باذرخان مؤقتاً رئيساً للوزراء، وقال: "بما أنني قد عينته، فيجب أن يطاع"، واعتبر أنها "حكومة الله" وحذر من عصيانها، فأي عصيان لها "عصيان لله"، و كان الصراع على الشرعيه بين الحكومتين على أشده فمن ناحيه هناك حكومه بختيار المعينه من قبل الشاه و من ناحيه هناك حكومه باذرجان المعينه من قبل الخمينى و المدعومه من قوى الإسلام الليبرالى و من اليسار و كان مفهوماً أن موقف الجيش هو الحاسم فى هذا الصراع , و هكذا فيما راحت حركة الخميني تكتسب مزيداً من الزخم، بدأ الجنود بالانضواء في جانبه، و اندلع القتال بين الجنود الموالين والمعارضين للخميني و قوى المعارضه بإعلان الخمينى الجهاد على الجنود الذين لم يسلموا أنفسهم لأوامر حكومه باذرجان , ثم بدأ الثوار فى الإستيلاء على المبانى الحكوميه و مقر الإذاعه و التليفزيون و غيرها من المؤسسات الحكوميه ، الانهيار النهائي لحكومة بختيار حصل في في 11 فبراير عندما أعلن المجلس العسكري الأعلى نفسه "محايداً في النزاعات السياسية الراهنة، لمنع المزيد من الفوضى وإراقة الدماء".

و حتى اليوم يتم الإحتفال بالفتره من 1 الى 11 فبراير سنويا فى إيران بما يعرف عهد الفجر و يتم تتويج الإحتفالات فى 11 فبراير بعطله سنويه قوميه تعرف بيوم إنتصار الثوره الإسلاميه.

كان خروج المؤسسه العسكريه خارج الصراع السياسى لا يعنى إنتصار نهائى للخمينى و أتباعه و لا حتى سيطرتهم السياسيه على السلطه فى البلاد , و لكنه كان يعنى بدء الصراع الإجتماعى و السياسى بين القوى السياسيه و الإجتماعيه المختلفه فى إيران حول شكل و طبيعه الدوله الإيرانيه بعد الثوره. و قد إستطاع الخمينى بذكاء و مهاره سياسيه بالغه و حس تكيكى فائق التفوق على كل خصومه السياسيين فى الفتره من فبراير 1979 و حتى أوائل 1982 حينما أستتبت له مقاليد الحكم فى إيران.

الخمينى

أهم و أشهر معارضى الشاه منذ الستينات , تمكن فى فتره نفيه فى النجف العراقى من بلوره أفكاره و طرح مفاهيم سيطرت على عقول و مشاعر ملايين الإيرانيين خلال الثوره , طرح الخمينى أن الانظمه الملكيه بطبيعتها هى مخالفه للإسلام و ان على المسلمين فريضه مقدسه للثوره على هذه الانظمه الفاسده المتعاونه مع الغرب , هاجم الشاه بقوه لتحالفه مع أمريكا و إسرائيل , و أنتقد إنتشار الفساد و غياب الخدمات العامه للجماهير من مياه نظيفه و مساكن أدميه للفقراء ومستشفيات مجانيه للفقراء , و هاجم سياسات الشاه الإقتصاديه التى أفقرت الفلاحين و ركزت الثروه فى يد رجال الأعمال و أستخدم مصطلحات و مفاهيم فى غايه الراديكاليه و الجذريه بل و ماركسيه فى أحيان كثيره فى الحديث عن الصراع الطبقى و الثوره الجماهيريه و العداله الإجتماعيه مثلاً : " الإسلام هو دين المستضعفين و ليس دين المستكبرين , الإسلام لسكان العشش و ليس لسكان القصور , الإسلام ليس أفيوناً للشعوب و لكنه مفجر صحوتها , الفقراء يموتون من أجل الثوره بينما يتأمر الأغنياء عليها , نحن نناضل من اجل الإسلام و ضد الرأسماليه و الإقطاع , الإسلام سينهى الفوارق بين الطبقات , لن يكون فى ظل الحكم الإسلامى فلاح واحد معدم دون أرض , دور رجال الدين هو تحرير الفقراء من سيطره الأغنياء."

على العكس من هذا الخطاب الثورى الماركسى ! كان الخمينى عملياً يدافع عن الملكيه الخاصه لوسائل الإنتاج , و يهاجم الرأسماليه الغربيه بينما يدافع عن التجار و الرأسماليين الإيرانيين و يتحالف معهم ,يدافع عن أفكار المساواه الإجتماعيه و يهاجم عملياً الأحزاب و المنظمات الشيوعيه و الإشتراكيه , و الأخطر من ذلك كله لم يكن يطرح إستيلاء جماهير الفقراء و المضطهدين على السلطه و الثروه , و أنما كان يقترح أن يتبع هؤلاء رجال الدين و يعملوا على إيصالهم للحكم لتطبيق شرع الله و الذى سيعنى العداله و الإزدهار للفقراء و الكادحين.

بالرغم من الشعبيه الجارفه للخمينى بين ملايين المطحونين و الفقراء فى إيران و كونه رمز الثوره الأبرز و الأشهر الا أنه كان أبعد ما يكون عن السيطره على الثوره أو السلطه حتى ذلك الوقت فى فبراير 1979 .

أتبع الخمينى تكتيكات فى غايه الذكاء لإضعاف منافسيه السياسيين عن الثوره و تحييدهم منذ عودته الى إيران من المنفى و قد ساعده فى ذلك الأخطاء الكارثيه لمنافسيه , حيث عمد الى التحالف مع الليبرالين الإسلاميين و حشد القوى السياسيه و الثوريه حول مهدى باذرجان للتخلص من حكومه شابور , ثم بدأ فى مهاجمه اليسار و منظماته و قواعد إرتكازه فى الجامعات و المصانع بالتحالف مع الليبراليين و كانت إنتفاضه الأكراد و العرب و الترك و باقى الأقليات فى أبريل 1979 هى المناسبه الملائمه لبدء ذلك الهجوم.

كانت الأقليات و خاصه الكرديه متعاطفه بشده مع الثوره و بعد رحيل الشاه بدأت فى المطالببه بالمزيد من الحريات الثقافيه و الإجتماعيه و بنصيب أكبر فى المشاركه فى السلطه و الثروه بعد عقود من التهميش فى عهد الشاه , و كانت إنتفاضه أبريل خاصه فى المناطق الكرديه و خوذستان أحتجاجا على تهميش الأكراد فى الدستور الجديد , و كان لليسار الإيرانى تواجد كبير ومؤثر وسط الاكراد و تاييد كامل لمطالبهم كعاده اليسار فى مسانده الأقليات.

أنتهز الخمينى الفرصه و بدأ فى مهاجمه المناطق الكرديه و أحزاب اليسار و أعلن الجهاد عليهم و بدأ فى تنظيم تكوينات مسلحه تابعه له أطلق عليها الحرس الثورى فى مايو 1979 , و عهد إليها بمهمه قمع الأكراد , و من ناحيه أخرى و للقضاء على مجالس الشورى المكونه من العمال المتحكمه فى المصانع و المؤسسات و الشركات و لقمع النقابات التى ضمت عدد كبير من كوادر حزب توده الشيوعى و تأثرت بسياساته بدأ فى تكوين مجالس و لجان ثوريه موازيه لا تضم الا المؤمنين و تسبعد كل من لا يتبع الخمينى.

كما نظم مجموعات مسلحه من الغوغاء و المهمشين أطلق عليهم حزب الله و مجموعات أخرى أطلق عليها الباسييج تخصصت فى الهجوم على مقار الصحف و الاحزاب المناوئه للخمينى و سياساته , و أكمل الخمينى إنتصاره على معاقل اليسار بعمليه التطهير الثقافى فى الجامعات فى مارس 1980 و التى تم طرد أكثر من 20،000 مدرس فيها من وظيفته.

أنتهت عمليات الخمينى العسكريه ضد الاكراد بحوالى 10،000 قتيل كردى منهم 1200 تم إعدامهم بعد القبض عليهم , اما بالنسبه للمواجهات مع اليسار فقد تم تدمير حزب توده الشيوعى تماماً و حظره و تم القبض و إعدام قادته التاريخيين بعد تعذيبهم و تم إعتقال عشرات الالاف من كوادره و إستشهد 12 الف معارض يسارى إما فى المعارك المسلحه مع عصابات الخمينى و الحرس الثورى أو فى معتقلات الخمينى دون أى محاكمات.

فى المقابل حاولت منظمه مجاهدى خلق اليساريه ذات التوجه الإسلامى الرد على هجمات الخمينى و قامت بسلسله من الإغتيالات و التفجيرات ضد النظام بمعزل عن الجماهير و لكن هذا أنتهى بها الى التحطم بعد المواجهه المسلحه مع نظام الخمينى و هروب فلولها الى العراق فى النهايه.

على الجانب الاخر بعد تمكن الخمينى من تحطيم اليسار بدا فى المواجهه مع الجناح الليبرالى الإسلامى و كانت أزمه الرهائن فى السفاره الأمريكيه و التى أفتعلها النظام هى الغطاء المناسب لذلك , حيث سحبت الكثير من الشرعيه من تحت المنظمات اليساريه و أظهرت الإسلاميين المتشددين بمظهر الثوريين , كان الظاهر من عمليه إقتحام السفاره هو المطالبه برجوع الشاه من الولايات المتحده حيث كان يعالج من السرطان ليحاكم فى إيران , بينما كانت الحقيقه كما اعترف بها الخمينى بعد ذلك للرئيس المستقبلى بن صدر : " لهذا التحرك فوائد عديده , فهو سيوحد الشعب ورائنا و لن يجرؤ منافسينا على مهاجمتنا بعد ذلك , كما سيمكننا تمرير الدستور بدون مشاكل ".

و بالفعل فقد أستمرت ازمه الرهائن 444 يوم حتى بعد فتره طويله من لجوء الشاه الى مصر و تركه الولايات المتحده و حتى بعد وفاته هناك , و فى المقابل أدى تذمر باذرجان من طريقه كتابه الدستور و إعتراضه على ولايه الفقيه التى اعطت لرجال الدين و على رأسهم الخمينى وضعاً و سلطات إستثنائيه الى تفاقم الصراع مع الخمينى و جناحه , و الذى انتهى بإستقاله باذرجان و حكومته بعد فشلهم فى حل أزمه الرهائن و تسريب الخمينى العديد من الوثائق من السفاره التى تتحدث عن مقابلات الليبراليين الإسلاميين مع الامريكان , و اكتملت هزيمه الليبرالين سريعا بعد حل أحزابهم و حظرها فى أوائل 1980.

بعد القضاء على القوى السياسيه اليساريه و الليبراليه , أستدار الخمينى لمواجهه القوى الإسلاميه المخالفه لخطه وكانت المواجهه فى يناير 1980مع الفقيه الدينى أيات الله محمد على شريعتمدارى و حزبه الحزب الشعبى الجمهورى الإسلامى حيث تجمعت كل القوى المعارضه لمبدأ ولايه الفقيه , و الذى انتقد الإستفتاء الذى أعطى الخمينى سلطات واسعه فى الدستور و دعا لتغيير هذا المبدأ فى الدستور بزعم انه مخالف للإسلام , كان الرد من الخمينى بوضع أيات الله شريعتمدارى تحت الإقامه الجبريه فى منزله و إعتقال و تعذيب أفراد أسرته.

كان الرد مظاهرات واسعه من انصار الحزب فى إيران و خاصه فى تبريز حيث احتلوا مبنى الإذاعه و بداوا فى التحريض ضد الخمينى , كان الرد من الخمينى بإرسال الدبابات و الحرس الثورى الى تبريز لمحاصره المحتجين , دعا شريعتمدارى المحتجين لوقف المظاهرات و الإحتجاجات لخوفه من نشوب حرب أهليه و لحقن دماء الشيعه , قام الخمينى بعد ذلك بحل الحزب و فى 1982 عزل شريعتمدارى من منصبه الدينى و أبقاه رهين الإقامه الجبريه فى منزله حتى وفاته فى 1986.

حتى منتصف 1980 و بالرغم من نجاح الخمينى فى القضاء على كل خصومه السياسيين من يسار او ليبراليين او إسلاميين , و إقراره لدستور يعطيه سلطات و صلاحيات واسعه بصفته الفقيه الأعلى و القائد الاعلى للثوره و مؤسس الجمهوريه الإسلاميه الا ان السلطه الكامله لم تكن حتى ذلك الوقت فى يده , فقد كانت مئات الالوف من الجماهير الثائره لاتزال فى حاله حراك و نشاط ثوريين و كانت الحركه الجماهيريه لاتزال فى الشوارع تطالب بحقوقها و بمطالب إجتماعيه عادله تنتظر من الخمينى تحقيقها , و كانت التجمعات و الروابط التى نشأت خلال الثوره فى الأحياء السكنيه و اماكن العمل و المؤسسات لاتزال فعاله , كما ان جسم المعارضه بأطيافها المختلفه لايزال موجوداً بالرغم من الإطاحه برأسها الممثل فى الأحزاب و الزعماء و القاده السياسيين , و سريعاً بدأت الجماهير تتململ من الإنتظار و تتطلع لجنى ثمار الجمهوريه الإسلاميه و ولايه الفقيه.

الحرب الإيرانيه – العراقيه

مثلما خدمت أزمه الرهائن الخمينى فى معركته مع منافسيه السياسيين و وحدت قطاعات كبير من الشعب الإيرانى وراءه ضد الإمبرياليه الأمريكيه , كانت الحرب مع العراق هى المنحه التى قدمت له الفرصه للتخلص من مأزق الحراك الجماهيرى الهائل و إستحقاقات الصراع الطبقى الذى خلقته الثوره الإيرانيه , فقد وحدت الحرب الشعب الإيرانى وراء النظام للدفاع عن الثوره ضد الغزو العراقى , و كان العراق قد قام بغزو الاراضى الإيرانيه فى سبتمبر 1980بدعم خليجى من الملوك العرب الخائفين من إمتداد شعله الثوره الى عروشهم و مباركه أمريكيه و غربيه.

الا ان ما خلقته الثوره من حماس و قوه فى اوصال الشعب الإيرانى مكنت الإيرانيين من إسترجاع معظم المناطق التى أحتلتها القوات العراقيه مع بدء الحرب بحلول سنه 1982 بالرغم من فارق العتاد و التسليح الهائل بين الطرفين لصالح العراقيين , و عندها عرض صدام حسين الهدنه و إنهاء الحرب على النظام الإيرانى , و كانت وقتها الخسائر البشريه فى صفوف الطرفين حتى ذلك الحين بسيطه لا تتجاوز عده الاف , الا ان الخمينى رفض عرض الهدنه و ادعى أن الحرب لن تنتهى الا بسقوط النظام فى العراق و إقامه جمهوريه إسلاميه هناك على غرار النموذج الإيرانى , و هكذا أستمرت الحرب 6 سنوات اخرى لتصبح الحرب التقليديه الاطول فى القرن العشرين 1980-1988 و لتتزايد تكلفتها البشريه من مدنيين و عسكريين الى نصف مليون قتيل و جريح على الجانب العراقى و مليون قتيل و جريح على الجانب الإيرانى , هذا غير الخسائر الماديه و الإقتصاديه و التدمير بالبنيه الأساسيه و التى تقدر بالمليارات و التى لاتزال مؤثره حتى يومنا هذا على النمو الإقتصادى بالبلدين.

على المستوى السياسى لم تغير الحرب من الحدود السياسيه للبلدين أو من نظام الحكم فى أيا منهما و لكنها أدت لإنتهاء كل مظاهر و بقايا الحراك الشعبى الذى حفزته الثوره الإيرانيه و رسخت لقواعد نظام الخمينى على جثه الثوره و الثوار فى خنادق الموت على الحدود على العراق.

لمزيد من المعلومات حول مدى بشاعه الحرب الإيرانيه العراقيه يمكن مطالعه هذه المصادر حول : تكتيك الموجات البشريه الإيرانيه - خنادق الموت – الحرب الكيماويه العراقيه – حرب المدن. http://en.wikipedia.org/wiki/Iran-Iraq_War

تحليل

تمثل الثوره الإيرانيه بكل احداثها و منعطفاتها منجم للخبرات الثوريه و الدروس التاريخيه لكل أتباع الإشتراكيه الثوريه و الديموقراطيه الجذريه فى العالم , فمن مواقف القوى السياسيه و الطبقات المتصارعه فى الثوره الإيرانيه يمكننا التعلم لمنع وقوعنا فى نفس اخطاء القوى اليساريه الإيرانيه.

بدايه المرحله الثانيه للثوره بدات بالمواجهه بين قوى المعارضه و على رأسها الخمينى و بين النظام القديم و الذى كان على رأسه شابور بختيار رئيس الحكومه الإنتقاليه .
كان النظام قد حسم أمره أخيرا و قرر التخلص من الشاه و بدا فى تغييرات جذريه فى شكله و طبيعته الديكتاتوريه , يتضح هذا من التغييرات التى قام بها بختيار بعد رحيل الشاه من حل البوليس السرى " السافاك " و السماح بحريه التظاهر و الإفراج عن السجناء السياسيين و الوعد بإنتخابات حره و غيرها من الإصلاحات الديموقراطيه فى البنيان السياسى للدوله , و كان هناك بدايه محاولات من النظام فى إستيعاب المعارضه الجذريه الإسلاميه تجلت فى الموافقه على عوده الخمينى و دعوته لتأسيس دوله أشبه بالفاتيكان فى مدينه قٌم , و من الناحيه الاخرى دعوه للقوى المدنيه للدفاع عن الدستور المدنى , فى سيناريو أشبه بسيناريو المجلس العسكرى المصرى فى دعوته للإستفتاء على الدستور و تقسيمه لقوى المعارضه بين علمانيه و إسلاميه.

الفارق الجذرى هنا هو طول المده الزمنيه التى أستغرقها النظام الإيرانى ليحسم قراره و يتخلص من الشاه إرضاءً للحركه الجماهيريه و هو الوقت الذى سمح بتجذير قوى المعارضه السياسيه و الإجتماعيه مما جعل الأحزاب و الحركات الجذريه فى صداره المشهد السياسى , و سمح بحراك قطاعات كبيره من الجماهير لمده زمنيه طويله تجعل إرضائها ببعض التغييرات السياسيه الديموقراطيه أمراً غير محتملاً.

و بالفعل كان رد القوى المعارضه و على رأسها الخمينى برفض خطه النظام إيذاناً ببدء المعركه النهائيه للنظام , و هكذا شاهدنا إزدواجيه السلطه بين حكومه بختيار المعينه بواسطه الشاه المخلوع و حكومه باذرجان المعينه بواسطه الخمينى قائد المعارضه و رمز الثوره.

كان الدور القذر الذى لعبه الجيش الإمبراطورى الإيرانى على مدى ما يزيد من عام فى الدفاع عن نظام الشاه بالإضافه الى تصاعد الصراع الطبقى قد أديا لتشقق الإلتزام و الإنضباط العسكرى , و لعب تزايد عدد الضباط و العساكر المواليين لقوى سياسيه معارضه من داخل الجيش دوراً هاماً فى إنقسام الولاء بين صفوف الجيش الى الثوره و حكومه باذرجان من ناحيه و الى الشرعيه و النظام و الإنضباط العسكرى و حكومه بختيار من ناحيه أخرى , و كان بدء إحتلال الثوار للمبانى الحكوميه و التليفزيون و إندلاع القتال بين صفوف الجيش مؤشراً بإنعدام سيطره الجيش "خط الدفاع الأخير لدوله الشاه" على أفراده و جنوده و دلاله على تفتته.

لذا كان قرار المجلس العسكرى الاعلى بالحياد بين الصراع السياسى الدائر معناه التخلى عن دعم نظام الشاه و حكومه بختيار حفاظاً على الحد الأدنى من تماسك صفوفه , و بالتالى إنتصار الثوره و إستيلاء الثوار على الدوله.

شكل الدوله الإيرانيه بعد الثوره

كان هذا السؤال الجوهرى هو محور الصراع بين القوى السياسيه و الإجتماعيه المختلفه , و هو صراع لم تكن نتيجته محتومه بالضروره كما تابعنا من سير الاحداث .
يمكننا ملاحظه بعض الدلالات الرئيسيه فى الأحداث التى تلت 11 فبراير 1979:

1- مثلت الصبغه الدينيه الإسلاميه عاملاً مشتركاً هاما بين العديد من القوى السياسيه الرئيسيه و أدعى كلا منها دفاعه عن مصالحه السياسيه و الطبقيه كدفاع عن الفهم الصحيح و التطبيق الامثل للإسلام , و هى ظاهره ليست بجديده على الكثير من الثورات و سبق حدوثها فى الثورات الحديثه فى أوروبا سواء فى الثوره الإنجليزيه او الهولانديه او ثورات القرن السادس عشر و السابع عشر الاوروبيه و التى أصطبغ فيها صراع الاحزاب و القوى السياسيه بصبغه دينيه مسيحيه , لذا فمن المهم الا تعمينا هذه الصبغه عن المصالح الطبقيه و الإجتماعيه الحقيقيه التى يدافع عنها كل فصيل.

2- من الخطأ الشديد المقارنه بين وضع اليسار بفصائله المختلفه فى إيران وخضوعه لقياده الخمينى و سياساته بعد 11 فبراير 1979 و بين اليسار الثورى المصرى الهزيل و مواقفه من الإخوان بعد 11 فبراير 2011 , فمن ناحيه كان اليسار الإيرانى ينقسم الى قسمين رئيسيين :

القسم الاول : حزب توده الشيوعى

هو الحزب التاريخى للطبقه العامله الغيرانيه بعضويه تزيد عن 50 الف كادر نشط و 100 الف عضو فى مختلف مؤسسات الحزب , له جريده يوميه توزيعها يتعدى المائه الف نسخه , و تاريخ طويل و مشرف من النضال ضد نظام الشاه سواء رضا شاه او محمد شاه و دور قوى و بارز فى الثوره , الحزب كان له قواعد و جذور ممتده وسط قطاعات عريضه من العمال خاصه فى قطاعات مؤثره كالبترول و النقل و الصناعات الثقيله " و التى لعبت الدور الأكبر فى حركه الإضرابات التى أطاحت بالشاه " , كما كانت تحتل كوادره معظم المقاعد فى النقابات العماليه لهامه و مجالس الشورى.

و بدلا من سعى هذا الحزب القوى فى تلك الفتره التاريخيه من الصراع الطبقى الى تقويه نفوذه المستقل و تنميه أواصر العلاقات بين مجالس الشورى فى المصانع و المؤسسات المختلفه لتلعب دورا مشابهه لما لعبته السوفيتات فى الثوره الروسيه من قياده للجماهير الكادحه , و التوجه بحسم لسيطره الطبقه العامله على مفاصل الدوله , أدت السياسات الكارثيه للحزب بإتباع الخمينى كقائد للثوره الوطنيه الديموقراطيه كمرحله أولى و ضروريه قبل الثوره الإشتراكيه الى النتيجه التى سبق ذكرها من تحطم الحزب و إعدام قادته و قطع رأس قياده الطبقه العامله و فرصتها فى حسم الصراع الثورى لصالحها.

بالطبع تذكرنا هذه النظريات الستالينيه الفاشله المدعومه من الإتحاد السوفيتى بالطبع بحجج حل الحزب الشيوعى المصرى فى الستينات و الإندماج مع النظام الناصرى الذى تم الزعم انه يمثل الطريق اللارأسمالى للتنميه !!

القسم الثانى :تنظيم مجاهدى خلق و العصابات اليساريه الإسلاميه " المجاهدين و البايكار "

بالرغم من الدور البطولى الذى لعبته هذه التنظيمات خلال الثوره فى المواجهات مع السافاك و الجيش قبل الإطاحه بالشاه و بعد ذلك فى مواجهه نظام بختيار , الا ان هذه المجموعات المسلحه و المتأثره بالأفكار الماويه و الجيفاراويه بإنعزالها عن الحركه الجماهيريه عن الطبقه العامله كانت قد حكمت على نفسها بالإندثار فى النهايه بالرغم من صلابتها و قوه عزيمتها , كما أن إنخداعها بالراديكاليه المؤقته للخمينى خاصه أثناء أزمه الرهائن الأمريكيين و خطابه الدينى الشعبوى أدى لقدرته على شق صفوفها و شلها تماماً.

و للإيضاح فلنقتبس هذه الفقره من النبى و البروليتاريا عن مجاهدى خلق :" انهم يتمسكون بقوة بسياسة تجنب المواجهات مع الحكومة ذات الطابع الدينى، ففى اواخر فبراير عندما نظم الفدائيون مظاهرة لاكثر من 80 الف فى جامعة طهران مطالبين بالاصلاح الزراعى، وانهاء الرقابة على الصحف وحل القوات المسلحة، وقف المجاهدون بعيدا عن الاحداث. وفى اوائل مارس عندما احتفلت النساء ذوات التعليم الغربى باليوم العالمى للمرأة بالتظاهر ضد مراسيم الخومينى لالغاء قانون حماية الاسرة، وفرض ارتداء الخمار فى مكاتب الحكومة، وطرد "الجنس الادنى" من القضاء، حذر المجاهدون أن الامبريالية كانت تستخدم هذه الوسائل للتفريق. وفى اواخر مارس عندما هاجم رؤساء نادى متحمسون مكاتب جريدة " ايندجان " المعادية لرجال الدين، لم يقل المجاهدون شيئا، وعارضوا مقاطعة الاستفتاء حول الجمهورية الاسلامية وصراع الاكراد من أجل الاستقلال، وشددوا على أنه لو لم تستمر الامة متحدة وراء الامام الخومينى فربما يغرى ذلك المستعمرين على تكرار محاولتهم فى 1953. "

وفى أغسطس وقف المجاهدون صامتين عندما هاجمت عصابات مسلحة مكاتب الفدائيين، وتجنبوا تحدى مرشحى الحزب الجمهورى الاسلامى فى انتخابات 1979 لمجلس الشورى ( الفقه ) وبعد احتلال سفارة الولايات المتحدة أصبح اليسار أقل انتقادا للخومينى من ذى قبل.

و فى النهايه عندما أفاقت هذه المجموعات على الطبيعه الطبقيه المعاديه للعمال فى سياسات الخمينى كان الوقت قد تاخر و أنهارت هذه التنظيمات فى المواجهات المسلحه مع حزب الله و الباسييج , و بالرغم من تحولها الى سياسه الإغتيالات و نزولها تحت الارض أستمرت فى التدهور البطىء حتى انتهت بالهرب الى العراق مع بدء الحرب الإيرانيه العراقيه.

3- لم يستطع الخمينى القضاء على منافسيه الا بالتحالف عن طريق زجزاج مع الليبراليين و باذرجان ضد اليسار فى المصانع و الجامعات و النقابات , ثم الهجوم على الليبراليين و باذرجان بإتباع سياسات تبدو راديكاليه مثل تصعيد الخطاب ضد الإمبراليه و الرأسماليه الغربيه و أتباعها من الليبراليين الإيرانيين و تصعيد ازمه الرهائن الأمريكيين مما خدع اليسار و جذبه الى الوقوف خلفه و تأييده , ثم فى النهايه خلق الخمينى مؤسسات تابعه له مثل حزب الله و الحرس الثورى و المجالس الثوريه راكم السلطات تدريجيا فيها , و اخيرا و الاهم ربط تطهير مؤسسات الدوله من عناصر النظام القديم بوضع هؤلاء المواليين له و لسياساته فى اماكنهم مما عنى فرص للترقى الطبقى لقطاعات واسعه من الطبقات الوسطى و المهمشين ممن يدينون له بالولاء.

4- أخيراً القضاء على الحركه الجماهيريه الواسعه أستلزم حرب ضروس بلا طائل طوال 8 سنوات مع العراق تم إستغلالها لتعبئه الحس الوطنى فى مقابله الحس الطبقى لدى الجماهير الإيرانيه.

فى النهايه ما الذى مثله إنتصار الخمينى

سنقتبس هذه المره من تونى كليف هذا الشرح : كانت الطبقة الحاكمة القديمة ضعيفة جدا عن التشيث بالسلطة فى مواجهة الازمة الاقتصادية و الثورة من اسفل، بينما لم تمتلك الطبقة العاملة التنظيم المستقل الذى يسمح لها ان تصبح قيادة الحركة ، هنا تستطيع قطاعات من الاتنليجنسيا أن تقايض على السلطة، شاعرة انها تحمل رسالة حل مشكلات المجتمع ككل:
" ان الانتليجنسيا حساسة لتاخر بلادهم التقنى، وبسبب مشاركتها فى عالم العلوم وتكنولوجيا القرن العشرين، تكون مختنقة من تخلف بلادها الخاصة. يتأكد هذا الشعور من خلال " بطالة المتعلمين " المزمنة فى هذه البلاد. وفى ظروف التخلف الاقتصادى العام يكون الامل الوحيد لمعظم الطلاب هو الوظيفة الحكومية، ولكن لا يوجد تقريبا ما يكفى من هذه الوظائف لهم. كما ان الحياة الروحية للمثقفين ايضا فى ازمة فهم يشعرون بعدم الامان أو الانتماء داخل نظام يتأكل من خلال تأكل النماذج التقليدية وتحللها، ويفتقدون فيه للقيم الراسخة.

ساعد التحلل الثقافى بسبب التحول السريع الى النظام الرأسمالى على نمو الحاجة الشديدة الى وحدة جديدة يجب ان تكون كلية وديناميكية لو كان لها ان تملاء الفراغ الاجتماعى والروحى، يجب ان توحد بين الانتماء الدينى والنضال القومى. انهم يسعون الى حركة ديناميكية توحد الامة وتفتح مجالات واسعة أمامها، ولكنها فى نفس الوقت ستمنحهم السلطة، وهم يأملون فى الاصلاح من أعلى وسوف يسعدهم تسليم العالم الجديد الى أناس يعترفون بالجميل بدلال من ان يشهدوا حركة تحرر من أسفل من ناس واعيين بانفسهم وينتظمون معا بحرية و بأبداع تكون نتيجته عالما جديدا لانفسهم، وهم يهتمون أقل من ذلك بكثير بالديمقراطية وكل هذا يجعل رأسمالية الدولة الشمولية بأشكالها هدفا جذابا جدا للمثقفين. "

لقد كان الخمينى ممثلاً للتحالف بين طبقه رجال الدين و طبقه صغار التجار التقليديه "البازار" و الطبقه الوسطى التقليديه فى مواجهه اليسار و الطبقه العامله و باذرجان الليبرالى و الطبقه الوسطى الحديثه و حلفائها من الرأسماليه العالميه. و أستطاع الخمينى جذب قطاعات واسعه من البرجوازيه الصغيره و حثاله المدن الكبرى الى مشروعه الطبقى بوعدهم بالترقى الإجتماعى و الإمتيازات على حساب أتباع النظام السابق و المتفرنجين من الطبقه الوسطى الحديثه , و كان تنظيم هؤلاء فى منظمات مختلفه تدين له بالولاء هو مفتاح فهم السر فى كيفيه إنتصاره و شريحته على منافسيه اللذين أفتقدوا القدر الكافى من التنظيم المستقل او اللذين عجزوا عن إستغلاله بكفاءه.
لقد أستطاع الخمينى تمييع الصراع الطبقى بالسياسه و الحرب لصالح الرأسماليه التقليديه الإيرانيه و البازار ضد مصالح الطبقه العامله و الرأسماليه العالميه و لكن كما شاهدنا منذ بدايات القرن الواحد و العشرين فإن الليبراليه الجديده و ضرورات الخصخصه فى إيران لن تترك النظام السياسى الإيرانى مستقرا لفتره طويله و قد شاهدنا فى 2009 عوده الإحتجاجات و المظاهرات و بدايات للصراع الطبقى تظهر من جديد فى الشارع الإيرانى و هذه المره لن يكفى التنديد بأمريكا او الغرب و لا الشعارات المناوئه لهما لتلتف الجماهير حول النظام من جديد فالشعوب لاتنسى دروسها القاسيه بسهوله.

اليسار و الإخوان المسلمين و الوضع السياسى المصرى

بالكشف عن مدى الإختلاف الجذرى بين الوضع السياسى الإيرانى اثناء الثوره و الوضع السياسى المصرى بعد المرحله الاولى من الثوره و التى انتهت بتنحى مبارك يمكننا إستنتاج الاتى :

أولاً : أن وضعيه اليسار المصرى فى غايه الإختلاف عن وضعيه اليسار الإيرانى أبان الثوره , فمبدئيا هناك ضعف شديد فى قوى اليسار السياسى المنظمه فى مصر بما لا يقارن مع وضع اليسار الإيرانى فى السبعينات , كما أن حدود تواصل اليسار بكل طوائفه فى مصر مع الطبقه العامله تظل ضئيله للغايه مقارنه باليسار الإيرانى الذى كان بأمكاننا بالفعل ان نطلق عليه قياده فعليه للطبقه العامله الإيرانيه , أيضاً تغيب الحركات اليساريه الإسلاميه من المشهد السياسى المصرى بعكس إيران و هو ما يعكس فى رأيى الشخصى إنعزال القوى السياسيه اليساريه عن الحركه الجماهيريه بمعناها الواسع و ضأله تفاعلها معها , لان من البديهى ان تصطبغ أى حركه سياسيه جماهيريه بشكل كلى أو جزئى الان و فى ظل السياق الإيديولوجى الحالى للمجتمع المصرى بصبغه دينيه بشكل او بأخر , و هو ما يمكن ان نلاحط بدايته فى تكون فيما يمكن أن يسمى بالتيار الليبرالى الإسلامى الملتف حول مشروع المرشح الرئاسى السابق د/ عبد المنعم أبوالفتوح , و لهذا فإن أى إدانه لليسار المصرى حول تذيله للإسلاميين و تكرار التنظير حول كيف أدى ذلك الى كارثه لليسار الإيرانى يتجاهل الفارق الضخم بين يسار ضخم منظم كان مؤهلاً لقياده ثوره لو حافظ على إستقلاليته و بين يسار هامشى مشتت يسعى لتنظيم صفوفه , و يتجاهل الفارق بين صراع و تنازع بين القوى السياسيه المختلفه على هيكل الدوله فى إيران و بين صراع لايزال مستمر بين القوى السياسيه ضد الدوله فى مصر.

ثانياً : لايزال جزء كبير من قطاعات اليسار متأثراً بالأفكار الستالينيه و بحروب التنوير المقدسه ضد الإسلاميين و الإخوان الظلاميين و هو فى هذا السياق مستعد للتحالف مع الليبراليين و الرأسماليين ضد ما يراه خطر الدوله الدينيه و الاخطر قد يكون على إستعداد للتحالف مع الدوله نفسها و مؤسساتها بل و المجلس العسكرى ذاته ضدهم فى تكرار بائس لتجربه رفعت السعيد التى دمرت اليسار المصرى فى الثمانينات و التسعينات , و هذا القطاع لا يفشل فى رؤيه حقيقه المشروع الطبقى و الإجتماعى للإخوان فقط و لكنه يضع الإسلاميين كلهم فى سله واحده و خطوره هذا القطاع لا تكمن فى شعبيته او انتشاره و لكن فى تدميره لسمعه و شعبيه اليسار وسط الحركه الجماهيريه.

ثالثاً : تختفى بالطبع أى أثار لتنظيمات يساريه مسلحه من المشهد المصرى و لكن هذا يرتبط بالحقيقه الموضوعيه لمستوى الصراع الطبقى المتدنى الذى لا يرقى لتهديد كيان الدوله حتى الان , و لكن توجد إشارات عديده بوجود العديد من التكوينات و الإتجاهات اليساريه المتطرفه التى فى ظروف طبقيه مختلفه لن تمانع فى العنف الثورى المسلح بعيداً عن حركه الجماهير و هذه العناصر و التكوينات تكمن خطورتها الحقيقيه الان كما فى بعد ذلك فى جذبها للعديد من الشباب و الكوادر المتحمسه الراغبه فى العمل الثورى النقى بعيدا عن السياسه و الاعيبها و تحالفاتها و ترى فى المواجهات المباشره من الاقليه الثوريه المخلصه حلاً كافياً لإنتصار الثوره و عاده ما تميل هذه المجموعات نتيجه لذلك الى الفكر الأناركى.

رابعاً : تظل المجموعات التى تتبنى الأفكار الإشتراكيه الثوريه بشكل منظم او بشكل عام أما ضحيه للذوبان وسط مجموعات او أحزاب يساريه لا تتبنى نفس الإتجاه و هو ما يؤدى لميوعه المواقف السياسيه النهائيه نتيجه للتوازنات الداخليه بداخل تلك المجموعات و الاحزاب , و أقتصار دورها على الشكل الدعائى التحريضى بدلاً من العمل القاعدى المنظم و الممنهج , و إما ضحيه للعصبويه الزائده و الإنغلاق على الذات فى حاله المجموعات و الأحزاب المبنيه على الطراز اللينينى , مما يعيقها عن الإنغماس فى المشهد السياسى بالقدر الذى يظهر تناقضات و حدود القوى السياسيه الإسلاميه و الليبراليه امام جماهيرها لحين تغير موازين الصراع الطبقى.

أن التأكيد هنا حول أهميه التنظيم اللينينى المستقل لحاملى أفكار الإشتراكيه الثوريه خاصه فى وقت الثوره و البعد عن كل المتذبذبين أو الستالينين من باقى قوى اليسار ليحتاج الى اكثر من هذه المقاله للدفاع عنه و عن مدى صحته , و فى الوقت نفسه فإن هذا التنظيم المستقل عليه الدخول بإستمرار و بلا تردد أو ملل فى كل التحالفات الممكنه مع كل القوى الجذريه إشتراكيه أو ليبراليه او إسلاميه طالما تضرب فى سلطه الدوله و تهدد سلطاتها , على ذلك التكوين المستقل العمل مع قواعد كل القوى السياسيه الإصلاحيه فى الشوارع و المصانع فى كل معركه ديموقراطيه أو إجتماعيه و كشف زعماء تلك الأحزاب و القوى و مدى ترددهم و عجزهم عن المضى الى اخر الطريق , ان معركه الهيمنه للثوار بمعناهم الواسع و العريض و صراعهم ضد الدوله هى معركه الماركسيين و الإشتراكيين الأساسيه , فحتى الأن لم تصل الثوره المصريه الى 11 فبراير 1979الإيرانيه.

خامساً : يمثل الإخوان المسلمين شرائح و قطاعات واسعه فى المجتمع المصرى , و بكل تاكيد تشمل هذه شرائح كبيره من الطبقه الوسطى التقليديه و الحديثه و المهنيين و شريحه التجار التقليدين و قطاعات من الطبقات الأدنى و هى نفس الشرائح التى أيدت و ساندت الخمينى , و لكن يظل هنالك فارق ضخم يفرق بين القوتين السياسيتين بالإضافه الى ذلك , حيث يضم الإخوان قطاعات مؤثره و مسيطره من البورجوازيه الكبيره و رجال الأعمال المرتبطه مصالحهم بالرأسماليه العالميه و السوق العالمى , ليس هذا و حسب و انما مصالح ممتده مع الولايات المتحده الامريكيه و إستثمارات عالميه كذلك , و فوق ذلك تشغل هذه الشريحه و مصالحها و توجهاتها الإقتصاديه و السياسيه موقع النفوذ الاكبر بداخل جماعه الاخوان و يعبر عنها بوضوح المهندس خيرت الشاطر الذى كان المرشح الرئاسى الاول لجماعه الإخوان المسلمين.

أى أنه على العكس من الخمينى و نظامه الذى كان على العداء مع الرأسماليه العالميه و تبنى خطاباً راديكالياً ضدها ليقوى من وضعه كممثل لمصالح الرأسماليه الإيرانيه المحليه و طبقه التجار التقليديين ضد الإحتكارات الأجنبيه , من المستبعد تماماً ظهور نفس الميول الراديكاليه داخل جماعه الإخوان المسلمين و التى أنتهجت الخط الإصلاحى منذ ما يزيد عن ثلاثه عقود.

إن الخطر الحقيقى الذى تمثله الجماعه هو نفس الخطر الذى تمثله أحزاب الإشتراكيه الديموقراطيه الان فى أوروبا , أحزاب جماهيريه ضخمه تخدع قواعدها و تعدهم بإصلاحات لا تأتى أبداً و تعمل على مص دماء الجماهير و تقليص أجورهم وتخفيض مستويات معيشتهم من اجل تشجيع الإستثمار و رجال الاعمال و تطبيق أجنده الليبراليه الجديده تبعاً لاوامر سادتها فى البنك الدولى و مجموعه الثمانى , يعنى بشكل ما او بأخر نفس السياسات الإقتصاديه لحزب وطنى جديد و لكنه ذو شعبيه حقيقيه هذه المره , يربطه الإنتماء الإيديولوجى و الحزبى بدلاً من شبكه المصالح و الفساد السابقه , و لكن التاريخ يعلمنا ان الاحزاب الجماهيريه الإصلاحيه دوماً ما تقع فى ازمات فى وقت الثورات و كثيراً ما تتفكك و تنهار امام عجزها عن التوفيق بين مصالح جماهيرها المتناقضه و المتعارضه.

هذا التحليل لطبيعه مشروع الإخوان يخالف المقوله البلهاء لبعض القوى و الأحزاب التى أدعت ان الإخوان و العسكر وجهين لعمله واحده "فاشيه دينيه و فاشيه عسكريه " , فالفاشيه لا تتفكك و لا تنهار و الفاشيه لا تشارك فى الإضرابات و لا النقابات كما يفعل الكثير من اعضاء الإخوان المسلمين و الفاشيه لا تواجه العسكر و لكنها تدعمه دوماً لقمع النقابات و المنظمات العماليه , و لكن فى الواقع و تاريخياً أنها قواعد و أعضاء الاحزاب الإصلاحيه الجماهيريه التى تشارك فى النقابات و الإضرابات المختلفه , كما تستخدم قيادات الإصلاحيه البرلمان و التشريعات للحد من حركه العمال و تستخدم الإعلام و التشويه ضدهم و تخون فى النهايه مصالح قواعدها و أعضائها ,على العكس من الفاشيه التى لا تعرف سوى لغه القوه.

ربما كانت حركه جماهيريه واسعه كالإخوان تحتوى بذور للفاشيه قد نكتشفها فيما بعد , و لكن المؤكد الأن ان شجره الفاشيه العملاقه الممثله فى المجلس العسكرى و الشرطه العسكريه و المخابرات و باقى أجهزه القمع موجوده و بقوه و فى إنتظار لحظه ضعف الثوره لتنهال عليها بكل قسوه.

سادساً : لايزال الوضع السياسى المصرى بإيجاز متوقفاً عند مرحله الصراع بين المجلس العسكرى و باقى مؤسسسات الدوله البرجوازيه " الدوله العميقه " و بين القوى المدنيه بأطيافها ما بين إصلاحى و ثورى , و وفق تطورات هذا الفاصل ما بين الجانين سيتحدد مصير الثوره المصريه فى السنوات القادمه.

إن الإطاحه بالأجهزه السياديه و هدم كل مؤسسات الدوله و على رأسها المؤسسه العسكريه يجب أن يكون البوصله الهاديه لكل الإشتراكيين الثوريين , و فى سبيل هذا الهدف لابد فى حرب الخنادق هذه من عقد التحالفات التكتيكيه بشكل جبهات متحده مع كل من يتحدى الدوله و يتحدى العسكر , و فى الوقت ذاته على اليسار الثورى بناء تنظيماته و تكويناته المستقله وسط الجماهير الى أن يحين وقت الإعتماد عليها حينما ينفتح وقت المناورات الكبرى و الصراع الطبقى بعد الإطاحه بالمجلس العسكرى , إن ما سيمنع الإخوان الإصلاحيين من عقد الصفقات هو أن نشكل أكبر جبهه مستقله لنا لتقف ورائهم و تدعمهم ضد العسكر و لكنها فى الوقت ذاته عليها أن تكون كالسيف فى ظهورهم تدفعهم الى الامام وتخترقهم عندما يفكرون فى العوده للوراء و خيانه الجماهير و احلامها فى الحريه و العداله الإجتماعيه و لنا فى الخمينى و تكتيكاته فى الثوره الإيرانيه عبره لمن يعتبر.

المصادر :
النبى و البروليتاريا – كريس هارمان
إيران: من ثوره 1979 الى أزمه 2009 محاوله للفهم , أوراق إشتراكيه21 - سامح نجيب
The return of Arab revolution- International socialism130








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تمخـّض الجبل
محمد بن عبد الله ( 2012 / 7 / 14 - 16:48 )
بعد قراءة هذا المقال الطويل الممتع في استعراض الوقائع التاريخية وصلت إلى ما استخلص كاتبه من عبرة لتحديد قواعد العمل المستقبلي..وهنا جاءت الكارثة: ينصح الاستاذ محمد شفيق بالتحلف بين التقدميين والاخوان ! وكأنه لم يفهم أو يتعلّم شيئا من التاريخ

قراءة الماضي متاحة للجميع لكن فهمه يتطلّب ذكاء يبدو انه نادر عند بعض المؤدلجين

عموما شكرا على العرض التاريخي ولكل قارئ أن يستخلص منه ما يراه من دروس


2 - تحالف الثوريين مع القوي الاصلاحيه الي اي مدي؟؟
أحمد عطيه ( 2012 / 7 / 16 - 12:18 )
أود ان اشكر كاتب المقال علي الدراسه المرهقه له واليسيره للقارئ في ذات الوقت والمشفوعه بالمصادر والتأريخ الدقيق

ان تشرذم اليسار المصري وسيطره الافكار الستالينيه بشكل كبير علي أحزاب اليسار الكبيره كالتجمع كقوي يسار تقليديه أو التحالف الشعبي الذي ينحي منحي التجمع بخطي سريعه تفرض علي القوي الاشتراكيه الثوريه تشكيل جبهه موحده مع القوس الاصلاحيه وفي مقدمتها الاخوان المسلمين في مواجهه الفاشيه العسكريه.

اوافق الكتاب في عدم انطباق شروط الحركات الفاشيه علي جماعه الاخوان واري ان يكون التحالف في صوره جبهه متحده لا يفقد خلالها اليسار الثوري تمايزه بل يدفع فيه في سبيل فضح التناقضات بين شعارات العداله الاجتماعيه التي يرفعها الاخوان وبين سياساتهم الليبراليه الجديده الواضحه..

ألا ان هذا يستلزم بالضروره مد جسور تواصل قويه مع عمال المصانع التي لا تتوقف اضراباتهم يوما واحدا اذا اراد الاشتراكيون الثوريون ان تكتسب حركاتهم زخما جماهيريا حقيقيا.

شكرا.

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا