الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الدين في ثقافة الاصلاح

ماجد البصري

2012 / 7 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين منظومة قيمية متكاملة ذات علاقة وثيقة بالفرد والمجتمع يعمل على إرساء قواعد ومعايير عظيمة لإعادة بناء الهياكل الفاسدة بعد الانحراف الذي يصيبه ، حيث يضع أسس عامة لمسارات أخلاقية تمكن الأفراد من محاربة العادات الموروثة والتي تنحدر من ثقافات شعبية تتعارض مع القيم العليا للدين حيث (التفكك الاجتماعي وغياب الوازع الذاتي نتيجة انهيار المنظومة القيمية لبنى للمجتمع ) .
وهذا التصدع الكبير الذي يحدث في المنظومة القيمية والذي تعجز القوانين عن ضبطه والسيطرة عليه والذي يؤدي إلى تمرد الأفراد على المعايير الحاكمة للسلوك وبالتالي تتفشى قيم الفساد في زوايا المؤسسات الاجتماعية مما يجعلها تؤسس لمنظومة ثقافية فاسدة , تكون آثارها مدمرة وكبيرة حيث تتفكك البنى الثقافية وتحل محلها بنى فاسدة مدعومة من قبل مؤسسات الدولة والنخبة, التي تمسك بمقاليد السلطة, وحين يتقبل النظام الاجتماعي ذلك الواقع ليحل الصراع محل التسامح ،وتنتشر معاني القبح محل معاني الجمال ويصبح كل ما يمت إلى الأخلاق شاذا ,وتكون قيمة الإنسان الفرد مساوية لقيمة الصفر غير المضاف مما يعطي للافراد القدرة على تجاوز كل المعايير الإنسانية .
في ضوء تلك المسارات الفردية والاجتماعية يكون للدين دور عظيم في إعادة هيكلة البنى القيمية حيث يمكن أن تقوم المؤسسة الدينية بإعادة صياغة القواعد والمعايير لإيقاف عجلة الانهيار في قيمة رأس المال الاجتماعي .
والتجارب التاريخية تثبت هذا الدور للدين وكيف استطاع رجاله المخلصين إنقاذ المجتمع البريطاني من الانهيار في عصر التحول الصناعي في القرن التاسع عشر (العصر الفيكتوري) وتحول هؤلاء الرجال القساوسة من مختلف الطوائف إلى جنود في الحملة الكبرى لإعادة هيكلة القيم الأولى ضد عبودية الإنسان لذاته ومحاربة الجريمة والمغامرة وكل أنواع الرذائل التي استشرت في الحياة اليومية , والتي نرى مثيلاتها في مجتمعنا اليوم .
هؤلاء الرجال هم من وضعوا اللبنات الأولى لمنظمات مجتمعية نقلت بريطانيا من مجتمع متصارع إلى إمبراطورية لا تغيب عن أراضيها الشمس ولم يكن ذلك من خلال الكنائس والأقبية بل من خلال الرجال المخلصين الذين انتشروا في كل ركن من أركان المجتمع .
وفي مثال آخر تطالعنا اليابان بتجربتها العظيمة بعد نظام (ميجي) وكيف استطاع اليابانيون أن يؤسسوا لقواعد سلوكية مهدت إلى التحول نحو حقبة الصناعة بعد قرون عديدة من الخرافة عاشها المجتمع الياباني كما يراها فوكوياما .
والتساؤل الكبير الذي نطرحه هنا ما هو الحل إذا تسرب الفساد إلى رجال الدين وتحولت المؤسسة الدينية إلى عامل مساعد لديمومة تلك المسارات الفاسدة مما يعود عليها بالنفع الآني ؟ وهنا نشاطر المفكر (فوكوياما) في تساؤلنا عن قدرة الدين ودوره في اليقظات الثقافية بعد أن تسربت الشبهات لرجال الدين وأحاطتهم بالضبابية مما يجعلهم محل تشكيك لأداء دورهم في قلب التصدع العظيم الذي يمكن أن يتخذ مسارا معاكسا مما يؤدي إلى استحالة حدوث إعادة هيكلة البنى العظمى .
إذا كان مفكروا الغرب قد وضعوا العديد من علامات الاستفهام بعد كل هذه التساؤلات نتيجة استشعارهم للخطر وقلقهم الكبير مما يحدث في مجتمعاتهم, فماذا نصنع نحن أمام المشاهد المتكررة والمؤلمة التي تسير بمجتمعنا نحو الهاوية حيث فقدت المؤسسة السياسية رأس مالها في إيجاد حلول مناسبة للازمات السياسية , فما الذي تنتظره المؤسسة الدينية وهنا لا نقصد تدخلها المباشر بل أن لا تكون جزءا من ديمومة الأزمة ورافده لها بالطاقة .
وخطورة الموقف تتطلب من هذه المؤسسة إن تقوم بإعادة صياغة المعايير الثقافية والمفاهيم الفكرية بطريقة عقلانية تسمو فوق الطقوس التي تتحكم بها العواطف والانفعالات مما يعيد للعبادات روحها بعد أن تحولت إلى عادات جامدة ليس لها تأثير في سلوك الفرد فضلا عن السلوك الاجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و