الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهاجر يدعى -أبو-: من مملكة بنوي بنجيريا إلى مخيم بنوي بوجدة

سعيد هادف
(Said Hadef)

2012 / 7 / 29
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


"أبـو"، شاب في العقد الرابع من عمره، طويل القامة قوي البنية، وهو ككل أفراد المخيم ينحدر من بنوي (État de Benue)، الدولة السابعة بجمهورية نيجيريا الفدرالية، البلد الذي يتكون من ست وثلاثين دولة، هو الأكبر في أفريقيا من حيث تعداد السكان (162 مليون نسمة)، حسب إحصائيات 2011، وبالرغم من كونه بلدا بتروليا فهو مصنف من البلدان الفقيرة، و بنوي تحمل صفة المملكة لدى أهلها، هذا ما كان يردده أفراد المخيم. تقع هذه المملكة أقصى الجنوب الشرقي على حدود الكامرون ويبلغ عدد سكانها ما يناهز الخمسة ملايين.
أسرته فقيرة وله أختان وأخوان هو رابعهم في الترتيب، ترك مقاعد الدراسة مبكرا وامتهن حرفة النجارة بشكل غير منتظم، ولم يفلح في الخروج من البطالة فبدأ يخطط للخروج من بلد لم يفلح نظامه في توفير الشغل، خرج وفي قلبه حلم العبور إلى أروبا.
غادر بلده منذ عام، مثل الآلاف الذين سبقوه من شباب أفريقيا جنوب الصحراء، عابرا مسافة من الأهوال حيث الصحراء لا تحيل إلا إلى ذاتها. كلّفتْهُ رحلته إلى المغرب الجوع والعطش والخوف والتعب وما يعادل خمسة آلاف درهم تكاليف السفر.
الجو كان حارا تلك الصبيحة بمخيم فيلاج الموساكين، صبيحة الخميس المصادف لخمسة يوليوز الذكرى الخمسين لعيد الاستقلال الجزائري؛ وللنظام الجزائري دور وافر في مأساة أفريقيا؛ المخيم يحتضن شابات وشبابا يحلمون بمستقبل عصي التحقق كما يحتضن أطفالا أنجبتهم الصدفة أو النزوة لم يبق لهم من الحياة سوى أمل قد تجود به الصدفة على سعيد الحظ فيهم، لأن السعادة العامة أو العمومية في قارة كأفريقيا لامكان لها في مشاريع الأنطمة المستبدة المتخصصة في تجفيف منابع الحياة. النظام الجزائري الذي ظل يحارب طواحين الهواء طيلة نصف قرن هو أكثر الأنظمة الأفريقية التي لم تبخل على القارة بكل أصناف الشعارات الثورية، وها هي القارة اليوم، تبيت وتصبح، على كل الأصناف من أطباق الأزمات والكوارث.
كان "أبـو" (وهو بالمناسبة يهوى العزف على الكيتار)، يجلس أمامي محتضنا عكازه، والتعب باد على وجهه وهو يسرد حكايته ببساطة ملحوظة، فيها الكثير من البوح وتكاد تخلو من الانفعال ومشاعر التذمر والندم، كان يتحدث بالانكليزية وكنت أستعين بهشام في إجراء هذا الحوار. كنت أصغي إليه وتاريخ أفريقيا ماثل في ذهني، بكامل أعطابه وتقرحاته.
منذ أسبوع باغَتَ رجال الدرك المخيم فجرا، كما يحدث مرارا، المهاجرون الذكور يفضلون الفرار على الاستسلام، وفي ذلك الفجر كانت المطاردة شرسة حين لاذ "أبـو" بالفرار فكان مصيره السقوط في حفرة وتعرض إلى جرح بليغ في ركبته ألزمه الفراش لمدة أسبوع وقد تلقى العلاج من طرف منظمة أطباء بلا حدود وهو الآن يسير بصعوبة.
"أبـو" الذي لم يخرج من وجدة منذ أن وصلها، لم يحدث أن حاول التسلل عبر البحر، الفرصة لم تحن بعد، والأمر ليس سهلا ومع ذلك فلا يزال يتحين الفرصة مصرا على العبور إلى أروبا.

أثناء تحريري لهذه الورقة، تذكرت شابا آخر كنا التقيناه في زيارتنا الجماعية لحي بوعرفة المجاور للحي الجامعي، الشاب الكامروني حين دخل معه عناصر الورشة في الحديث، كان كمن يلقي محاضرة أو درسا، قال للملأ المتحلق حوله: "إن قرار الهجرة بالنسبة لي كان اختيارا وأنا أتحمل وزر قراري، لقد غادرت بلدي وتركت مقاعد الدراسة، وما أعيشه اليوم هو شكل من أشكال التعلم، أنا في مدرسة، أو هكذا انظر إلى هذه التجربة، ألاحظ وأتأمل، أتحمل المعاناة وأتعلم وأستفيد، لا ألوم أحدا، وإذا حدث وأرجعتني السلطات المغربية إلى الحدود فسأعود، وقد فعلت ذلك أربع مرات".
هل يكفي أن نسمي هذه "الهجرة" غير شرعية؟ هل يكفي أن نردد مع الحقوقيين إنها هجرة غير نظامية؟ هذه الهجرات الجماعية مسدودة الأفق، هل يكفي أن يكون لها خطاب إعلامي يتسم بالموضوعية والحياد؟ ألم يعد لهذه الهجرة "خطابها" الخاص؟ ألا يحتاج "خطاب" المهاجر إلى قراءة متبصرة؟ وحين تنسد كل المنافذ في وجه هذا المهاجر- المغامر، فأي قرار سيتخذه ياترى سيما وقد فك ارتباطه بأنظمة بلدانه التي فقد الثقة في وعودها؟ هل سترضى هذه الجموع من الغنيمة بالإياب؟ فتعود إلى بلدانها وتستسلم لواقعها المزري؟ أم أنها ستبقى مرابطة على تخوم أروبا؟ وفي كلتا الحالتين هل ستجد من يأخذ بيدها لتعيش حياة "شرعية"؟ أم ستصبح أداة جاهزة في يد شبكات لها "شرعياتها الخاصة"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في