الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قميص دهشور الذي قسم ظهر البعير(2)

مجدي مهني أمين

2012 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


يتندر الناس في أحداث دهشور أنه تم القبض على المتهم الرابع ألا وهو إبن عم المكوجي القبطي، ولم يتم القبض على متهم واحد ممن قاموا بحرق ونهب وتهجير الأقباط، ويختتم الناس تندرهم بقولهم:

- يحيا العدل!! يحيا العدل!!

تندُر أقرب للنحيب، وضحك كالبكاء، وحكومة بنفس ردود الفعل،تتصرف بنظرية الواحد اللي مش واخد باله، بل يعلق ياسر على المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية أنه لم يحدث تهجير قسري للأقباط، ويتندر الناس قائلين:

- يبقى أكيد راحوا يتفرجوا على الحاوي.

يعني 120 أسرة راحت تتفرج على الحاوي!! والواقع أننا جميعا من يتفرج على الـ 120 أسرة المشردة في بلاد الله، شعور لن يشعر به إلا أهالي مدن القناة، أو من استضاف أهالي مدن القناة، من تم تهجيرهم بعد النكسة، الفارق الكبير، أن أهالي القناة في غربتهم أثناء الحرب، كانوا يشعرون أنهم في مهمة وطنية، أما مهجري دهشور فهم مهجرون لأنهم أقباط، مهجرون بلا قضية يمكنهم يفتخرون أنهم قد هجروا من أجلها:

- هل يفتخرون أنهم مهجرون بسبب جريمة من جرائم الكراهية؟
- هل يفتخرون أنهم مهجرون لخلل في الثقافة التي تنبذ الأخر؟
- هل يفتخرون أنهم مهجرون لخلل في الحكومة المتنمية لهذه الثقافة الردئية؟

ليس لديهم ما يفتخرون به، بالعكس.. لديهم ما يخبئونه حتى لا يظهر وطنهم في هذا الثوب المخجل من إزدراء الآخر ونفيه، أو تهجيره، تصريحات الحكومة تضعها في نفس دائرة تصريحات الحكومات السابقة، تصريحاتهم تدينهم؛ فلا أمل في مثل هذه حكومات، الأمل في الثورة أن تزيح هذه الحكومات الزائفة التي زيفت إرادة الجماهير حتى تصل وتتحكم، والأمل الأكبر أن تتغير ثقافات الإقصاء، فالحكومات هي إبنة شعوبها:

- فلو كانت الثقافات السائدة هي ثقافات الإقصاء؛ فلا نستحق إلا حكومات إقصاء،
- ولو كانت الثقافات السائدة هي ثقافات احتواء؛ فوقتها نستحق حكومات ضم ولم شمل واحتواء.

يعبّر فضيلة المفتى عن ثقافة الاحتواء حين يقول في خطبة الجمعة "إن حماية الأقلية المسيحية واجب شرعي، وأن ما حدث في دهشور يذكرنا بالجاهلية.." هذا نداء احتواء لرجل فاضل، أتوقع أن فضيلته كان سيردد النداء ذاته حتى لو كان من تم تهجيرهم بهائيين، أو شيعيين، أوبوذيين، أو لا دينيين، أو غيرهم.

لُب الثقافة هو كيف ننظر للآخر، والإقصاء يتمثل في كلمة "كافر" بعد أن نجردها من سياقها التاريخي، كلمة "كافر" هي التي قادت للعديد من أعمال العنف والتنكيل وحرق البشر أحياء في ثقافات القرون الوسطى. فكي تحدث ثورة، لا بد لنا من نقلة أمام هذه الكلمة، فهي الكلمة اللغز التي يلوح بها دعاة الكراهية ويقودون بها مريديهم لجرائم الكراهية؛ كما يعرفها مدحت قلادة أنها : "التحيز الذى ينفذ بطريقة مباشرة ومؤذية ضد شخص أو ممتلكات يختارها المعتدى عن قصد، بناء على العرق أو اللون أو العقيدة أو الأصل أو الجنس.." (أنظر الرابط الأول).

إن الانقسامات بين الأديان، وبين مذاهب الدين الواحد تمت تحت وطأة كلمة "كافر"، فالحروب الدينية في أوروبا التي حدثت في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي -بعد ظهور حركة الاصلاح البروتستانتية- ما تمت إلا في ظل هذه الكلمة، لقد رأى كل دين وكل مذهب ما يبرر أن الآخر كافر، ولأنه كافر فقد سقطت عنه الحرمات.

وانقلبت الآية كثيرا، فأصبحت معاملة الكفار معاملة طيبة نوع من المنحة وليست حقا من الحقوق. لعل تلك كانت ثقافة العصور الوسطى، ولكن العالم تطور، تطورت النظرة لحرية العقيدة، وحرية الإيمان، وتطورت النظرة لحقوق الإنسان.

وقد يقول قائل أن هذه الحرية ضد الدين، ولكنها كانت في صف الإيمان، فقد تفرقنا الأديان والمذاهب ولكن يجمعنا الإيمان بالإله الواحد، ومن لا يجمعنا بهم إيمان تجمعنا بهم قيمة، ومن لا تجمعنا بهم قيمة تجمعنا بهم أخلاق ومُثل عليا، هل يوجد شعب بلا مُثل عليا؟ هل توجد حضارة بلا أخلاق؟ لقد تحدث القدماء عن الفضيلة قبل ظهور الأديان، تأملات الفراعنة ورؤيتهم للخالق وحبهم لعمل الخير أمر يشرح كثيرا مضمون حضارتهم وسمو أخلاقهم ورقي ضمائرهم.

- مَن نحن حتى نحكم على مَن؟
- مَن نحن حتى نقرر مَن نقدره و مَن نستحل دمه وماله؟
- مَن نحن حتى نروّع مَن تحت وطأة بعض المفاهيم؟

هي أسئلة تُطرح على الضمير الإنساني؛ أسئلة عصر الحرية، لا يوجد آخر كافر، يوجد أنا وعلى أن أصلح ذاتي قدر استطاعتي، أنا موضوع ذاتي، وليس الآخر موضوعي، الآخر يصبح موضوعي لو كنت أريد أن أكرس نفسي لخدمته، وليس لإرهابه وسحقه، لأني في كل مرة أرهب وأسحق هذا الآخر يترسب في أعماقي خوف، في كل مرة أقهر الآخر يترسب في أعماقي خوف أن أُقهر يوما، في كل مرة أقتل أخشى أن أُقْتل، مش ممكن واحد بيعذب ويقتل ويرهب ها يكون إنسان سعيد، يصعب على شخص من القاعدة في جبال تورا بورا- يقتل أبرياء دون ذنب- أن يكون إنسانا سعيدا.

من يرهب ويسحل ويقتل هو إنسان غير سوي، الجندي اللي سحل ست البنات ها يفضل لآخر يوم في عمره خايف إن الناس تعرفه. ثمرة الإيمان الوحيدة، وثمرة كل العقائد والفلسفات هي الفضيلة والأخلاق وعمل الخير، ما عدا ذلك لا يعد ثمرة إيمان بل ثمرة كراهية، وهذه جريمة وليست تقوى ، ثمرة أي إيمان هي التقوى والعمل الصالح.

الثورة لا تعني مظاهرات سلمية، الثورة في الأساس فكر جديد، الثورة إقرار بحرية الآخر، احترام لحقوقه، الثورة يعني رؤية جديدة للإنسان كقيمة، الثورة تعني أن معتقدات أي إنسان تخصه وحده كي يعيشها، ويقيّم نفسه على ضوئها لا أن يتسلط على الآخر ويرهبه ويعذبه ويهجره ويهدم له مقدساته؛ فهذه أفعال تخالف الضمير الإنساني، ولا تقرها أخلاق العصر.

إن إقرار حرية الآخر واحترام حقوقه يجب أن تصبح الثقافة السائدة، وليس مجرد طريقة تفكر بها الصفوة، تلك هي الثورة، فالثورة مشروع ثقافي في الأساس، الثورة نقلة في نمط التفكير نحو الأفضل، والفصل بين الدين والسياسة يعد جزء من هذا المشروع الثقافي الذي يجب أن نسهر عليه جميعا.

إن الفصل بين الدين والسياسة في مشروع الدولة المدنية هو الوسيلة التي تجعل الدين اختيارا خاصا نحو الفضيلة، بينما تجرد السياسة من سلاح الهيمنة، كي تتسلح السياسة بالقانون، وكفاءة الأداء، وخدمة الصالح العام دون سواه.

ولعل "دهشور" وغيرها تنبئنا بالكوارث التي يمكن أن تنشأ من خلط الدين بنبذ الآخر، وخلط الدين بالسياسة ؛ خلط لن يفيد الدين بل سيمزق أوصال الوطن الواحد.

الروابط:
الرابط الأول: مدحت قلادة، جرائم الكراهية، http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=485087 ، 2 ديسمبر 2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك