الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منهج البنيوية التوليدية فى النقد الأدبى.

ابراهيم حجاج

2012 / 8 / 7
الادب والفن


قد وجهت إلى المنهج البنيوى بعض الانتقادات والاعتراضات من قبل النقاد والمشتغلين بالأدب، "حيث عابوا عليه خلعه للأعمال الأدبية من جذورها والاهتمام بتحليل العمل الفنى تحليلاً داخليًا فحسب.
ومن هنا كان لابد من ظهور اتجاه جديد يجمع فى تفسيره للعمل الأدبى بين التحليل الداخلى للنص الأدبى (المنهج البنيوى)، وبين دراسة العوامل المادية التاريخية والاجتماعية وتأثيرها على النتاج الأدبى وعرف هذا المنهج الجديد بالبنيوية التوليدية.

ينسب هذا المنهج إلى الناقد والمفكر الفرنسى "لوسيان جولدمان" L.Goldman (1913- 1970)، "وهو منهج يقدم مدخلا داخليًا وخارجيًا لدارسة العمل الأدبى، ويقوم على مراوحة مستمرة بين داخل العمل وخارجه، إنه منهج لا يفهم العمل الأدبى إلا باعتباره نسقًا من العلاقات المتلاحمة داخليا، ولكنه لا يفهم هذا النسق كتجريد مطلق، ولكنه عندما يتعمق للكشف عن وظيفة هذا التلاحم الداخلى يضطر للعودة إلى الخارج، حيث الطبقة، أو المجموعة الاجتماعية للأديب المنتج، فلا يتوقف عندها، إلا لكى يفهم رؤيتها، باعتبارها بنية أشمل ولدت بنية العمل الأدبى.
إن منهج البنيوية التوليدية، يجمع فى تفسيره للعمل الأدبى بين المناهج السوسيولوجية التقليدية، التى تهتم بدراسة مضمون العمل الأدبى، وتربطه بواقع اجتماعى ساهم فى إفرازه وبين المنهج البنيوى الذى يهتم بدارسة الشكل من خلال تحليل بنبة العمل الأدبى، والكشف عن مدى التجانس بين عناصره الداخلية، بعيدا عن المؤثرات الاجتماعية والتاريخية الخارجية.
وقد تناول "جولدمان" النص الأدبى بوصفه "بنية إبداعية متولدة عن بنية اجتماعية، وذلك من منطلق التسليم بأن كل أنواع الإبداع الثقافى تجسيد لرؤى عالم متولدة عن وضع اجتماعى محدد لطبقة أو مجموعة بعينها، والواقع أن مبدأ التولد مبدأ أساسى حاسم فى منهج جولدمان كله
ويؤكد "جولدمان" أنه يجب قبل بحث العلاقة القائمة بين أى عمل أدبى والطبقات الاجتماعية القائمة أثناء كتابة العمل، يجب فهم العمل الأدبى نفسه، وفهم دلالاته الخاصة، ثم الحكم عليه من الجانب الفنى باعتباره عالمًا ملموسًا، أبدعه الكاتب، ويتحدث إلينا من خلاله. ويشير "جولدمان" إلى "أن مهمة الناقد هى استخلاص عناصر الدلالة الموضوعية للعمل الأدبى، وهى دلالة يستطيع فيما بعد أن يحاول إقامة العلاقة بينهما وبين العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعصر.
وعلى ذلك يتأسس منهج البنيوية التوليدية عبر عمليتين مترابطتين يطلق عليهما "جولدمان": الفهم والتفسير.
1- عملية الفهم:
يرى "لوسيان جولدمان" أن عملية الفهم "مشكلة تتصل بالتلاحم الداخلى للنص، وهو مشكلة لن تحل إلا بافتراض أن النص- كل النص وليس أى شئ سواه- هو ما يجب أن يؤخذ حرفيًا، وأن على المرء أن يبحث فى داخله عن بنية دالة شاملة.
ومن هنا يتضح أن الفهم عملية خاصة بالنص الأدبى بعيدًا عن أية مؤثرات خارجية (المجتمع- شخصية المبدع)، ويتم فيها دراسة بنية العمل الأدبى- بوصفها نسقًا موجودًا خارج ذات الكاتب وخارج ذات الناقد- وتحليل العناصر المكونة له وأوجه الارتباط الداخلى بينها، للوقوف على مدى تناغمها، وقياس الكفاءة اللغوية والتخيلية لها.
ومن هذه الزاوية تعالج البنيوية التوليدية مشكلتين مهمتين:
أولهما: مشكلة العلاقة بين تأويل الناقد والدلالة الموضوعية للنص الأدبى، بوصفها الغاية الأساسية التى يسعى إليها الناقد، وفى هذا الصدد يؤكد "جولدمان" على ضرورة عدم تجاوز النص إلى خارجه باقتحام تأويل خارجى لا يقع فى دائرة فهم النص.
ويضرب "جولدمان" مثلا بمسرحية "أوديب" للكاتب اليونانى "سوفوكليس" Sophocles (496-406ق.م) فيقول "يجب على الناقد أن لا يضيف شيئًا إلى "أوديب" عند "سوفوكليس"، فيفترض مثلا أن "أوديب" كان ينطوى على رغبة لا واعية فى الزواج من "جوكاستا" (والدته)، ويتطرق من خلال هذا الفرض إلى قضية سفاح المحارم، وهى فكرة ليست مقررة فى أى مكان من نص "أوديب"
ثانيهما: مشكلة العلاقة بين المقاصد الواعية للكاتب والدلالة الموضوعية للنص الأدبى.
ويقصد بالمقاصد الواعية للكاتب أفكاره الفلسفية أو السياسية أو الأدبية.
ويرى "جولدمان" أنه على الناقد- أثناء فهمه للنص- ألا يتطرف فيلغى المقاصد الواعية، ولا يتطرف فيبالغ فى تأكيد هذه العناصر، وإنما يعالجها من منظور البنيوية التوليدية التى تلح على الدلالة الموضوعية للعمل الأدبى من حيث كونها بنية معبرة عن رؤية العالم وليس على رؤية فردية لمبدعه.
ومن هذا المنظور يقول "جولدمان" إن العمل الأدبى له وظيفة دالة عند صاحبه بالتأكيد، ولكن هذه الوظيفة لا تتصل اتصالا مباشرا بالبنية التى تحكم العمل، فما أكثر ما تتعارض معها، والحل الأمثل لتجاوز خطر هذا التعارض، هو عدم الإلغاء التام لمقاصد الواعية للكاتب، والتعامل معها فى الوقت نفسه، بوصفها جانبًا من جوانب كثيرة يمكن أن تساعد فى فهم النص
ومن هنا يمكن أن تفيد المقاصد الواعية للكاتب الناقد بشرط أن يبنى فهمه معتمدًا على النص الأدبى وحده من غير أن يمنح المقاصد الواعية أية قيمة متميزة.
ويضيف "جولدمان" "أنه لو عكس الناقد الأمر وتجاهل المقاصد الواعية تمامًا، فإنه قد يحرم نفسه من معطيات تجريبية، يمكن أن تعينه فى الفهم ولو بطرائق غير مباشرة، ولو تحيز الناقد لهذه المقاصد فإنه يحيل النقد الأدبى إلى نوع من التراجم والسير، وتتجلى خطورة الوضع الأخير فى فرض مبدأ خارجى مغاير للعمل الأدبى، لن ينتج عن فرضه سوى تدمير التلاحم الداخلى لبنية العمل الأدبى نفسها".
2- عملية التفسير (الشرح):
يرى "جولدمان" أن عملية التفسير "مشكلة تتصل بالبحث عن ذات جماعية، وذلك بالنظر إلى حقيقة خارجة عن العمل لها علاقة ببنية هذا العمل، وغالبًا ما تكون هذه العلاقة علاقة تماثل
أى أن التفسير يرتبط بما هو خارج حدود النص لينفتح على المجتمع، وينظر للبنية الأدبية باعتبارها مولدة عن بنية اجتماعية أوسع.
ويؤكد "جولدمان" على أن "الفهم والتفسير ليسا سوى عمليتين مترابطتين ومتكاملتين
ففهم العمل الأدبى هو وصف بنيته الداخلية، وعزل معناه أما تفسير العمل الأدبى فهو توضيح تولده من بنية اجتماعية خارجية.
العلاقة بين بنية الوعى الخاص بفئة اجتماعية ما، والبنية التى تنظم كون العمل الإبداعى، "تكون متماثلة تماثلاً دقيقًا فى بعض الأحيان، إلا أنها غالبًا ما تشكل أيضًا علاقة ذات دلالة، هكذا يمكن لكون تخيلى، غريب عن العالم التجريبى تمامًا فى الظاهر، كخرافات الجن مثلاً أن يكون مماثلاً تمامًا فى بنيته لتجربة فئة اجتماعية معينة، أو على الأقل مرتبطًا بها بطريقة ذات دلالة".
ويرى "جابر عصفور" أن الحركة ما بين الفهم والتفسير لا تسير فى اتجاه واحد وإنما هى "حركة متعاكسة"، مكوكية، مثلما هى دائرية، فنحن ننطلق من الفهم إلى التفسير، ثم نعدل من التفسير فى ضوء الفهم، وهكذا دواليك إلى أن نصل إلى أدق إدراك لبنية العمل الأدبى"
3- الوعى الفعلى والوعى الممكن:
يعرف "جولدمان" الوعى على أنه "مظهر مؤقت لكل سلوك بشرى يستتبع تقسيم العمل، وهو يدقق فى هذا التعريف ذاهبا إلى أن كلمة مظهر تتضمن دائما عنصرًا معرفيًا مما يجعلنا نفترض فى كل واقعة وعى، أى وجود ذات عارفة وموضوعًا للمعرفة".
وينص "جولدمان" على أن وقائع الوعى تأخذ شكلين متمايزين، رغم ما بينهما من تداخل وتجاوب.
• الوعى الفعلى: وينحصر فى أنه مجرد وعى سلبى بالحاضر، وهو محصلة لتجارب سبق ظهورها فى الماضى.
• الوعى الممكن: وينشأ عن الوعى الفعلى، ولكنه يتجاوزه إلى الوعى بالمستقبل، إذ إن الوعى بالحاضر يولد وعيًا بإمكانية تغييره وتطويره
فالوعى الفعلى من وجهه نظر "جولدمان" هو وعى آنى لحظى من الممكن أن يعى مشاكله التى يعيشها، لكنه لا يملك لنفسه حلولا لمواجهتها والعمل على تجاوزها، بينما الوعى الممكن هو ما تطمح إليه طبقة اجتماعية بعد تعرضها لضغوطات مختلفة، وهو مجرد إمكانية ترتبط بالمستقبل، فهو وعى ايديولوجى مستقبلى يتجاوز الوعى الفعلى المتكيف مع الواقع، واضعًا تصورًا للتغير والتطوير.
ويرى الباحث أن المرادف الأمثل لمصطلحى "الوعى الفعلى" و"الوعى الممكن" هو "الوعى الكامن" والوعى المنطلق أو المتفجر"، ويعنى الأول، الوعى الكامن داخل الشخصية أو المجموعة الاجتماعية بسلبيات الواقع، وعدم القدرة على المواجهة والتغيير لوجود معوقات اجتماعية أو سياسية. واستنادًا إلى مقولة "أن الضغط يولد الانفجار" فإن الضغوط السياسية والاجتماعية على الفرد أو الجماعة قد تؤدى إلى خروج الوعى من كمونه وانطلاقه إلى آفاق التمرد على الواقع وتغيير الحاضر ليتحول إلى وعى متفجر.
ويصبح الوعى الممكن فى كلية العمل الأدبى – من وجهة نظر "جولدمان"- رؤية جديدة للعالم وهو ما يؤكده "جابر عصفور" بقوله "إذا كان الوعى الفعلى يرتبط بالمشكلات التى تعانيها الطبقة أو المجموعة الاجتماعية فإن الوعى الممكن يرتبط بالحلول التى تطرحها المجموعة الاجتماعية لتنفى مشكلاتها وتصل إلى درجة من التوازن، وعندما يصل الوعى الممكن إلى درجة من التلاحم الداخلى تصنع كلية متجانسة من التصورات، وعندما تزداد درجة التلاحم شمولاً لصنع بنية أوسع من التصورات الاجتماعية فإن الوعى الممكن يصبح رؤية للعالم".
4- رؤية العالم:
إن الانتقال من داخل بنية العمل إلى المجتمع لا يتم بشكل مباشر، وإنما عن طريق وسيط له وجود بين الاثنين يتمثل فى رؤية العالم.
ويؤكد "جولدمان" على "أن الأدب من حيث أنه تعبير عن رؤية العالم، فإن هذه الرؤية ليست واقعة فردية بل واقعة اجتماعية تنتمى إلى جماعة أو طبقة ما.
ويرى الباحث أن مصطلح رؤية العالم هو أكثر المصطلحات دقة للتعبير عن العلاقة بين الأدب والمجتمع، حيث رفض "جولدمان" الفكرة التى ترى فى النصوص الأدبية إبداعات لعبقرية فردية (الكاتب)، وذهب إلى أن هذه النصوص تقوم على أبنية عقلية تتجاوز الفرد وتنتمى إلى جماعات أو طبقات اجتماعية محددة، ينتمى إليها الكاتب فكريًا.
ويرى "جميل حمداوى أن رؤية العالم هى باختصار "تلك الفلسفة التى تنظر بها طبقة اجتماعية إلى العالم والوجود والإنسان والقيم، وتكون مخالفة بالطبع لفلسفة أو رؤية طبقة اجتماعية أخرى، فمثلا رؤية الطبقة البرجوازية للعالم يختلف عن رؤية الطبقة البروليتارية، رؤية شعراء التيار الإسلامى مختلفة جذريًا عن رؤية شعراء التيار الاشتراكى فى أدبنا العربى المعاصر"
وهكذا نرى الاختلاف الكبير الذى يفصل بين سوسيولوجيا المضامين (نظرية الانعكاس)، والسوسيولوجيا البنيوية، "فالأولى ترى فى المبدع انعكاسًا للوعى الجمعى أما الثانية فترى فيه على العكس أحد مقومات هذا الوعى، العنصر الذى يسمح لأعضاء الجماعة بوعى ما يفكرونه ويشعرون به، ومن ثم يعملون على تغيير واقعهم المحيط عند تحول الوعى الفعلى إلى وعى ممكن من خلال النظرة الكلية لوضعهم الاجتماعى فى فترة تاريخية محددة.
نموذج تطبيقى لرؤية العالم عند "جولدمان" من خلال نصوص "راسين" Racine (1639- 1699):
قدم "جولدمان" فى كتابة "الإله الخفى" (1956) نموذجا توضيحيا لمنهجه النقدى وفيه "يهتم "جولدمان" بمسألتين أساسيتين: ما هى رؤية العالم الكامنة فى مسرح راسين؟ وكيف يمكن شرح هذه الرؤية ككلية متسقة مرتبطة بجماعة اجتماعية معينة فى القرن السابع عشر
ولكى يجيب "جولدمان" على هذين التساؤلين، ويقدم نقدًا للعمل الأدبى يقوم على مستويين مختلفين، مستوى الموضوع الأدبى المدروس، ومستوى البنية الاجتماعية، المحيطة به فى آن واحد، تحرك فى كتابة "الإله الخفى" على النحو التالى:
"لقد تكشفت لجولدمان فى مسرحيات "راسين" بنية متكررة من المقولات (الله – الإنسان – العالم) تتغير فى مضمونها وعلاقاتها المتبادلة من مسرحية إلى أخرى، إلا أنها تكشف عن رؤية خاصة للعالم، هى رؤية بشر ضائعين فى عالم يخلو من القيمة، ومع أن هؤلاء البشر يتقبلون العالم باعتباره العالم الممكن الوحيد، وأن الله غائب عنه، فإنهم لا يكفون عن الوقوف ضد هذا العالم".
ويصل "جولدمان" – على مستوى التولد – بين هذه البنية الداخلية فى نصوص "راسين" وبين قضية اجتماعية خارجية لمجموعة اجتماعية محددة فى نفس الفترة التاريخية ألا وهى مشكلة طبقة "النبالة الشرعية".
"ففى مرحلة ازدهار الحكم المطلق فى فرنسا فى القرن السادس عشر، نظم الملك بيروقراطية تدعمه من المحامين البرجوازيين، وجعل منهم نبلاء بمرسوم ملكى، مما مكنهم من تشكيل ما سمى بالنبالة الشرعية، فى مقابل الأرستقراطية الإقطاعية القديمة، ولما كانت هذه النبالة الشرعية تدين فى وجودها الاجتماعى إلى الملك فقد أصبحت عونًا له فى صراعه ضد هذه الأرستقراطية، ولكن حدث فى أوائل القرن السابع عشر، أن شعر "لويس الثالث عشر" أن النبالة الشرعية لم تعد أداة خاضعة لإرادته تمامًا، فخلق بيروقراطية أخرى منافسة لها ومنحها حقوق وامتيازات البيروقراطية الأولى، وكان من الطبيعى أن تجد النبالة الشرعية نفسها فى موقف صعب، لقد كان أبناؤها يدينون بوجودهم إلى الملك الذى انقلب عليهم، وتخلى عنهم لأسباب غير معروفة. ولما كان هؤلاء بلا أحلاف طبقيين فقد ظلوا عاجزين فى مواجهة تصاعد الحكم المطلق ولم يعد أمامهم من خيار سوى أن يشهدوا نهايتهم على يد من خلقهم
ويكشف كتاب "جولدمان" عن وجود علاقات تصل بين المجموعة الاجتماعية المسماة بـ "نبلاء الرداء" أو "النبالة الشرعية"، والحركة الدينية المسماة بالجنسينية.
والجنسينية "مذهب دينى خاص بإتباع جنسين (1585- 1638) أسقف (إيريس) الذى آمن بالجبر وأنكر الإرادة الحرة للإنسان
وعندما حلل "جولدمان" التعاليم النظرية لأقطاب هذه الحركة التى ظهرت بين عامى 1637- 1638 وجد أن هناك ثلاث مقولات أساسية تشكل بنية الفكرة لديهم حيث "أكد الجنسينيون أن الله تخلى عن العالم وسحب منه نعمة الهداية والخلاص. ومادامت نعمة الخلاص منسحبة من العالم، فليس فى العالم نفسه سوى الشر القاهر، الذى يجر كل أفعال الإنسان إلى شراك المعصية المهلكة. ومادام العالم على هذا النحو، ومادامت نعمة الخلاص غير متاحة فيه، فلا مفر للإنسان من مواجهة المقدور عليه فى هذا العالم، لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا فى مواجهته
ويكشف "جولدمان"، على هذا النحو، عن تماثل بنيوى دقيق بين المأزق الاجتماعى للنبالة الشرعية والتعاليم الدينية للجنسينية ويتضح هذا التماثل على النحو التالى:
المجال الاجتماعى المجال الدينى
1- خلق الملك النبالة الشرعية لكنه تخلى عنها لأسباب غير معروفة خلق الله العالم لكنه تخلى عنه لأسباب غير معروفة
2- فأصبحت الظروف الاجتماعية مدمرة فأصبح العالم شرا كاملا
3- فلا قدرة للنبالة على مواجهة المقدور الملكى فلا قبل للإنسان على الخلاص فى العالم
لقد تمكن "جولدمان" من إيجاد العلاقة البنيوية بين نصوص "راسين" ورؤية العالم من خلال المجال الاجتماعى طبقة (النبالة الشرعية) والمجال الدينى (مذهب الجنسينية)، حيث أن كلا منهم يتجاوب بنيويًا مع الآخر، على أساس المقولات المتكررة (الله- الإنسان- العالم)، وبذلك كشف "جولدمان" عن الكيفية التى يتحرك بها من البنية الداخلية للعمل الأدبى ليقارنها ببنية تاريخية لمجموعة اجتماعية فى فترة تاريخية محددة.
ولم تقف حدود الدراسة عند "جولدمان" عن هذا الحد بل عاد إلى النصوص ليناقش أدق ما فيه، وعلاقات التكوين فى الأبنية الصغرى، والعلاقات الوظيفية التى تصل ما بين الجميع، وخلاصة القول أن "جولدمان" فى تطبيقه هذا يرى أن السبيل الوحيد لدراسة العمل الأدبى، هو أن نبدأ بالعمل لكى ننطلق منه إلى التاريخ، ثم نعود من التاريخ إلى العمل الأدبى فى حركة أشبه بالمكوك"
البنيوية التوليدية فى العالم العربى:
تعددت الصياغات العربية فى ترجمة المصطلح الفرنسى الأصل Structuralisme Gênetivue الذى يشير إلى المنهج الذى صاغه "جولدمان" فظهرت اجتهادات عديدة أطلقت عليه مسمى "البنيوية التكوينية، البنيوية التركيبية، الهيكلة الحركية، ولكن الباحث يتفق مع "جابر عصفور" فى الأخذ بمصطلح "البنيوية التوليدية" فى مقابل الاجتهادات الأخرى فى الترجمة "حيث هو منهج يتناول النص الأدبى بوصفه بنية إبداعية متولدة عن بنية اجتماعية والواقع أن مبدأ التولد مبدأ أساسى وحاسم فى منهج جولدمان كله".
ويمكن القول بأن البنيوية التوليدية من أكثر المناهج النقدية الغربية انتشارًا فى عالمنا العربى بصورة لم تتح للفرع الأخر من البنيوية وأقصد به "البنيوية الشكلية"، وسر هذا الانتشار يعود إلى "هيمنة الاتجاهات الماركسية تحديدًا فى أكثر البيئات النقدية العربية، فحين تأزمت تلك الاتجاهات وجد بعض النقاد العرب مخرجًا مؤاتيًا فى شكل نقدى يجمع بين تطورات النقد الغربى الحديث، ولاسيما ما نزع منه نحو العلمية، وبين الأسس الماركسية التى قامت عليها البنيوية التكوينية فى الغرب"( )
وهناك دراسات تطبيقية كثيرة قدمها بعض نقاد الأدب العربى، استخدم فيها مبادئ البنيوية التوليدية، فى محاولة لالتقاط العلاقة الوثيقة ما بين العمل الأدبى والتيار الاجتماعى، ومدى قدرتها على بلورة رؤية العالم، منها "الدراسة التى قدمها الشاعر والناقد المغربى "محمد بنيس"، وقد حاول فيها الربط بين الإبداع الشعرى المغربى المعاصر والظواهر السوسيولوجية فى المغرب العربى على وجه التحديد
وهناك دراسة أخرى لعالم اجتماع عربى، وليس ناقدًا أدبيًا "وهو التونسى الطاهر لبيب (رئيس جمعية علماء الاجتماع العرب)، وقد درس "الطاهر لبيب" رسالته للدكتوراه فى أوربا على يد "جولدمان"، وكان أستاذه المشرف، درس ظاهرة الغزل العذرى فى العصر الأموى من ناحية تعبيرها عن رؤية العالم لفئة اجتماعية وهم الشعراء العذريون، وحاول أن يقيم علاقة بين ظاهرة الغزل العذرى، بوصفها ظاهرة متميزة فى تاريخ الشعر العربى فى الفترة الأموية من ناحية، وطبيعة الأبنية الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الشعراء من ناحية أخرى، ومدى نجاحها فى تقديم رؤية للعالم تعبر عن واقعهم الاجتماعى.
ومن النقاد العرب السائرين فى هذا الاتجاه المغربى "محمد برادة"، واللبنانية "يمنى العبد"، حيث صدر لهما ولغيرهما دراسات تحليلية عديدة منها دراسة "محمد برادة" وتنظير النقد العربى (1979م) ودراسة "يمنى العبد" فى معرفة النص (1982م)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما