الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف المغربي والخذلان.

محمد البوعيادي

2012 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


قد لا يكتسي الكلام عن دور المثقف ورصد تخلفه عن المشهد السياسي في المغرب شرعيته التامة إلا من خلال رصد الواقع الذي يعيش فيه هذا المثقف ذاته إلى جانب باقي شرائح المجتمع على امتداد أطراف العالم العربي الأمازيغي الكردستاني ..حيث لا ينفصل المثقف المغربي عن غيره - في هذا الوضع- من الخليج إلى المحيط في شيء. فلا يكتسي القول شرعيته إلا من خلال رصد الحاجة إلى المثقف وإلى التغيير في الواقع العربي ومنه المغربي الذي لا يشكل استثناء إلا على مستوى الخطاب الإعلامي الدولتي المُموِّه، إنني لم أجد من توصيف أكثر عمقا وتعرية ومباشرة للتوصيف الذي أعطاه علي حرب لهذا الواقع المشوه جينيا، اقتصادا وسياسة وثقافة..، صور شائهة عن مؤسسات معاقة ومنخورة من الداخل ونماذج حكم سلطوي يجند كل الرجال والعقائد والنظريات والأحزاب ورؤوس الأموال ليحافظ على ذاته برغم الصدأ الذي طاله منذ قرون وقرون:
" فالذي يتأمل المشهد العربي تصدمه هذه الصور والنماذج الطاغية والبارزة: مجتمعات ميتة سياسيا، شعوب كسولة ثقافيا، اقتصاد قوامه الهدر والفقر أو الفحش والتبذير، مجتمع يتزايد نسله بصورة تبتلع ميزانيات التنمية ، أنظمة تنتج العجز والبطالة والاستبداد، إدارات حكومية ينخرها الفساد والفوضى، جامعات مفصولة عن واقع الحياة تخرج أفواجا من العاطلين عن العمل، تعليم يتراجع باستمرار من حيث كوادره وبرامجه ونتائجه، نساء يعدن إلى الحجاب بعد مئة عام من السفور، ملاحقة الكتاب والفنانين بدعاوي الحسبة وفتاوي الردة، نخب فكرية مذعورة من عصر العولمة والتقنية، إعلاميون ودعاة ومنضالون مفجوعون لسقوط النظام العراقي، باختصار إن الأمة التي ندّعي بأنها خير أمة هي على الهامش وفي المؤخرة" {1}.
إن هذا الواقع العربي الذي رصد ع.حرب بعضه لا ينثني يَصْدُقُ على الواقع المغربي بل وبصورة أعمق وأفدح أيضا، نظرا لغياب الموارد الاقتصادية و تخلف نظام الحكم الثيوقراطي الملكي، هذا الواقع الشائه يتطلب جهودا كبيرة من كل شرائح المجتمع لرأب الصدع التاريخي واللحاق بركب الحضارة الإنسانية عبر الثورة الثقافية والاقتصادية والفنية والسياسية، كي لا نبقى منعزلين في كهوف التخلف ومستنقعات الرجعية العقدية والتبعية السياسية لأوروبا (فرنسا) وضعف الأداء الاقتصادي في مقابل باقي دول العالم، لكن شرائح المجتمع هذه لا تهمنا في مقالتنا هذه على وجه الشمول، إذ يكفينا في هذا المقام أن نسائل المثقف عن دوره في كل هذه الأخلاط غير المتجانسة، موقفه الفكري والعملي من العجز الاجتماعي والتأخر الثقافي والحضاري الذي ينعكس على مستوى أنظمة الحكم والأنظمة الاقتصادية والتعليمية ومستويات العيش، إذ بين كل هاته الفعاليات المدنية يكون المثقف هو الأكثر مسؤولية وهو الذي يقع الجزء الأكبر من المسؤولية على كاهله.
يجرنا الحديث عن المثقف المغربي إلى الفصل البيّن في المفهوم ذاته، مفهوم المثقف، إذ بدوره ليس مفهوما كليا بل هو منشطر ومتجزئ، فهناك مثقفون ونماذج شتى لمثقفين، تخلقهم ظروفهم الموضوعية ولكن ، وبشكل أكثر، يخلقهم وعيهم الذاتي ومصالحهم الطبقية في ارتباط مع جهاز الدولة ومؤسساته، فعلى الأقل هناك نوعين من المثقفين كما يحددهم هشام شرابي:
" إذ إن المثقفين عموما غربيين كانوا و غير غربيين على نوعين: المثقفون الذين يتعاطون العلم والثقافة مهنة وغاية في حد ذاتهما والمثقفون الذين يتخذون العلم والثقافة أسلوبا في الحياة وطريقا لتغيير المجتمع والإنسان"ّ{2}.
والصنف الأول مثقفون صنعهم الواقع الاجتماعي و تغَوّل السلطة البطريركية بمعناها الشامل الذي يلمس مجال التدبير السياسي أيضا، إذ لا تني السلطة تقدم مغريات مرفوقة بإنذارات وتهديدات لا يسهل على المثقف تجاهلها مثل الإنذارات التي قدمها ويقدمها النظام المغربي لقيادات الحركات المناوئة من اعتقالات بالجملة واختطافات لشباب عشرين فبراير ومختلف مكونات اليسار والاتحاد الوطني لطلبة المغرب على وجه العموم، بل وتقدم السلطة إنذارات غير مباشرة من خلال نشر الذعر وإعطاء الدروس والعبر تذكرة لسنوات السبعينات وفترات من سنوات التسعينات وما سال من الدماء و ما احتضنته المعتقلات والأقبية - في عهد الدكتاتور الحسن الثاني - من مناضلين راديكاليين دفعوا الثمن غاليا ليستفيد الفصيل الديني المتخلف في الفترة الحالية وينحني خشبة ليمر عليها النظام إلى ضفة الأمان إبان الحراك الشعبي المستمر. إن المثقف المغربي ليعاني من حالة انفصام نفسي عميق لم يكن له من مخرج منه سوى التصعيد، التصعيد بمعنى البحث عن موضوع آخر للعمل والتحرك غير موضوع التغيير وقضايا الشعب، فكثير من الأدباء والنقاد والمتفلسفين وجدوا في البحث الأكاديمي والإنتاج المعزول عن الواقع عزاء لشرخ الذات العميق الذي خلفته آلالام ومغص الانفصال عن هموم الناس وأحلامهم، وجد المثقف العربي عموما والمغربي خصوصا في التقوقع النخبوي ووهم التعالي الأخرق عزاء له ولخوفه من الاصطدام المباشر مع السلطة وذيولها، ذلك الاصطدام الذي سيؤذي لا محالة إلى تعذيبه جسديا ونفسيا وسيحرمه من الموقع الاجتماعي والوظيفة العمومية ومن "الحرية"، لكن هل يحق له ألا يتعذب؟ أيحق له أن ينجو بجلده ويغوص في بركة الذاتية والأنانية الوسخة بعيدا عن تطلعات باقي الفئات المسحوقة؟ هذا هو سؤال ما بعد رصد الواقع المغربي خصوصا.
معظم المثقفين يحملون في قلوبهم مكانة كبيرة لأيقونة المثقف المناضل ، ليس إعجابا وحسب وإنما حلما مجهضا أيضا، يحضر فيهم جزء ما من غرامشي ، في كل واحد منهم رغبة انعتاق كامنة تذكرهم بنموذج الرجل الذي قضى آواخر حياته في سجون الفاشية لأنه وقف ضد النظام الأحادي الذي يحتكر الفعل والقرار، وصرخ من داخل الأسوار أنه ما من مستقبل لمثقف يأكل بيد النظام الفاسد أو يتغافل الشرخ الكبير وصوت ضميره أمام مغريات الحياة البسيطة، ناطقا بصوت التاريخ الذي لا يرحم المثقف الطفيلي بمجرد أن يوارى في شبر من التراب، منبها إلى قسوة التاريخ.
يسود في العالم العربي نموذج المثقف الطفيلي الذي يتخذ الثقافة والأدب والمعرفة غاية نهائية في حد ذاتها ويعتاش على الصمت المتواطئ، وهو بذلك يخدم السلطة بشكل غير مباشر، فعندما يرفع شعار البعد عن الإيديولوجيا والارتماء في أحضان "الفكر" على أساس التمييز بين الفكر والإيديولوجيا، لا يكون واعيا بأنه يقتل ذاته ببطء وبأن الإيديولجيا ضرورة لا خيار، بل هي رؤية خاصة للوجود والعالم والواقع يستطيع نقدها من الداخل بالفكر وتطويرها لتصبح آلية نضالية أعمق وأقوى عوض عقيدة جامدة، إن المثقف العربي يجشب الإيديولوجيا عن جهل بجوهرها وقدرتها على تحريك الجمهور وصناعة التاريخ ثم يتحدث عن حريته الفردية بكل وثوق وانتهازية وأنانية متناسيا أن الحرية الفردية حين تمس الحريات الجماعية تصبح تطاولا، وحين تحضر في ظل غياب حريات الأفراد الآخرين تصبح امتيازا برجوازيا غير مستحق، إذ كما يقول محمد عابد الجابري " إن حرية المثقف ليست حرية "ذاتية"، جامدة، بل إنها تمتد إلى الآخرين، إنه ليس "مثقفا" لنفسه فقط بل أيضا لغيره من أفراد الشعب، فحريته إذن تكملة ضرورية لحرية مَن دون ثقافة، وفي هذا الإطار يمكن القول أن المثقف مسؤول عن ذاته وعن الآخرين كذلك"{3}.
هذه المسؤولية عن الآخرين وعن أوضاعهم تفرض انخراط المثقف العملي والنظري (فالنظرية ممارسة أيضا) في أي حراك شعبي يبغي الانعتاق من عبودية الأنظمة المُطلقة والأحادية، وليس أي انخراط بسيط وعادي وإنما انخراط بموجبه يقوم المثقف بالتخطيط والقيادة مثلما يعطينا سارتر النموذج في ثورة الشباب الفرنسية 1968 رفقة شعراء ونساء مناضلات ومفكرات قبل الرجال (سيمون دي بوفوار).
إن المثقف مطالب برفع مستوى النضال والبحث عن النقط السوداء والثغرات الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية في النظام القائم لفضحه وإعطاء النضال ركائز تحليلية قوية ورؤية مستقبلية واضحة لشكل النظام وأسسه عوض هذا التخبط الحاصل في العالم العربي والذي رمى بالسلطة في أحضان الرجعية الدينية التي لا تملك خططا وبرامج واضحة سوى خطب جوفاء وبلاغة عرجاء يكللها خطاب الدين المبرر للنظام القائم أو لتحرك الجماهير ضده، مسؤولية المثقف هي النضال الواعي وإضفاء الوضوح التام على كل خطوات الشارع، إذ وحده القادر على ترتيب الصفوف والتأثير الواسع على وفي صفوف الفلاحين والعمال والطلبة المغمورين أيضا، نظرا للمكانة التي يتولاها في قلوبهم قبل وعيهم، فعبر التاريخ أولت الجماهير اهتماما خاصا للمثقف باعتباره الصوت المنماز الذي يعكس صدى الجماعة ليس آليا وإنما بالنقد والتوجيه والرفض والسير ضد السيل الجماهيري إذا اقتضى الأمر، إنه كما يقول الجابري يحظى بقدسية خاصة عند الجماهير، لكنها قدسية تبقى مهددة ومعلقة إلى أن يثبت جدارته بقلوب أولئك المستضعفين، إذ يستشعر الناس حالات الخذلان بسرعة فائقة فيتحول القديس إلى مسخ في عيونهم كما هو حال المثقف المغربي حاليا في أعين المواطن.
فإبّان حراك 2011 الذي مازال مستمرا أبان ويبين المثقف العربي عموما والمثقف المغربي بشكل أكثر عن نذالة وخسة برجوازية لا تستحق سوى احتقارنا نحن الطلبة وسخط الفلاحين و كل جموع الكادحين، إذ تخلى عن الشباب في حراكهم الشعبي في لحظة تاريخية مواتية للتغيير الجذري قد لا يجود التاريخ بها إلا بعد عقود طويلة، في انعطافة تاريخية يستشعر فيها الشباب حاجة ماسة لأي توجيه نضالي أو تخطيط ورؤية ثاقبة تخاذل المثقفون وابتلعوا قرص المخزن الذي لوي أذرعهم بمغرياته الخاصة وآليات التهديد التي يشفرون لغتها جيدا.
°°°°°°°°°°°°°
تتعدد أسباب هذه الخذلان، إذ تنضاف إلى النزعة الاستعلائية الفجة معطيات أخرى معظمها شخصي، كاختلال مفهوم الحرية وتصوره المعطوب عند البعض، والخوف على المصالح الذاتية الضيقة كالوظيفة والراتب والدور الاجتماعي عموما، ثم بشكل آخر الخوف من صعود الحركات الإسلامية الرجعية كما حصل في بعض الدول المجاورة.
لكن هذا الخوف من فقدان الدور الاجتماعي ما كان ليكون مبررا، إذ يقتضي النضال فيما يقتضيه التعامل من داخل مؤسسات الدولة ونشر التنوير من داخلها كما يشير إلى ذلك سارتر، فالطبيب لا يخدم الدولة كجهاز بقدر ما يخدم الدولة كأفراد مسحوقين ومقهورين والمعلم لا يخدم الدولة كنظام ومؤسسة حاكمة بقدر ما يخدم أبناء الفقراء إذ ما ركز على التنوير ونشر الفكر التحرري اليساري ضدا على السيطرة السياسية التي تتمظهر في المقررات الرسمية التدجينية، مع العلم أن لاشيء يمنع من العمل الحزبي في المغرب وإن كان الفرد مندمجا في مؤسسات الدولة في انتظار التغيير الراديكالي.
أما الخوف من صعود الحركات الرجعية فلا يبرر بأي شكل وقوف المثقف صامتا أمام مد الاعتقالات وأشكال التخفي والالتفاف التي يتبعها النظام بشكل منظم بدء من لعبة الدستور الممنوح إلى الآن، إذ بِصمْت المثقف فهو يقف إلى جانب الأنظمة الديكتاتورية بشكل غير مباشر وبالتالي يشرعن كل الانتهاكات ويبارك كل الخطوات بسبب خوفه هذا، يكون دور المثقف في هذا الحالة تجاوز خوفه نحو اتخاذ موقف حازم من حراك الجماهير، يكون معهم وداخلهم في صفوفهم، وتلك هي الطريقة المناسبة لتوجيههم نحو الفكر الثوري الحر، من خلال فكره وممارسته، أما أن ينسحب إلى وكره وخموله بدعوى ذلك الخوف، فذلك يزيد حقدهم عليه ويفتح المجال للفكر السلفي المتخلف كي ينتشر ويتغلغل في وعي الجماهير على حساب الفكر اليساري الذي يتراجع تدريجيا.
إن موقف المثقف المغربي الآن لا يجب أن يكون موقف المتفرج المشاهد، كي لا يقع في خطإ تاريخي يندم عليه مدى الحياة، فهو مطالب بالانضمام إلى الشارع وإعادة الحياة إلى المطالب التي بدأت تخفت والأصوات التي بدأت تتعب في غياب رؤية موحدة ونقدية، إنه مطالب بتفتيت السلطة من الداخل من خلال مواقعه الرسمية والنضالية مستفيدا من غضب الجماهير على أداء الحكومة الدينية التي كشفت أوراقها مبكرا وولاءها اللامشروط للنظام القائم، إذ لا يمكن الحديث عن تموقع ستاتيكي للمثقف اتجاه السلطة، التموضع خارج المؤسسة شبيه بانعزال محارب العصابات ، ذلك معطى يدري الجميع أنه غير ممكن في إطار التنظيم الدولتي الجديد و في ظل هيمنة شخص الحاكم على كل أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والعسكرية منها على وجه الخصوص. بل - وبصراحة – في ظل غياب رجالات مناضلين قادرين على المواجهة المباشرة.
إن موقف المثقف المغربي من المفترض أن يكون موقفا نابعا من الواقع بعيدا عن التأريخ المتعالي، حيث يسهم المثقف في صنع التاريخ عوض الانشغال بما سيكتبه القادمون عن التاريخ وعن العناصر التي تهم من الواقع والتي سيحفظها التاريخ مثلما فعل ع. العروي في آخر حواراته معلقا:
" يعلم الجميع جيدا بأن الاكتشاف الكبير في العلوم الفيزيائية هو أن "القصور" (مبدأ القصور) ليس بدون تأثير. الأمر نفسه متعلق بالتاريخ. لقد رأينا ذلك للتو مع شباب 20 فبراير، ليسوا هم من كتب الدستور الجديد الذي سيكون الوثيقة الوحيدة التي سيدرسها المؤرخون القادمون، مؤرخو الثورة الفرنسية يؤكدون على دور الحشد ودور تجمعات الأحياء..لكنهم يتوقفون أكثر عند الدستور، لأنه ترك العديد من الوثائق، بينما تكلم الحشد وكلامه ذهب في مهب ريح التاريخ"{4}.
أليس الحشد هو الذي دفع ب"المقدسين" الذين وضعوا الدستور إلى إجراء التغيير؟، وهل كان أحباء التاريخ أولئك ليتلاعبوا على الجميع لولا مثل هذه التموقعات السالبة والعدمية للمثقفين "الكبار" من حراك الأحياء الذي تحدث عنه المؤرخون الفرنسيون(مرة أخرى) باحتقار وتنقيص؟ ألا يمكن أن يذهب المؤرخون المتعالون والبعيدون عن الحراك في مهب الريح إذا ما تغيرت المواقع وموازين السلطة؟.
يؤكد الأستاذ م.ع.الجابري أن "الديموقراطية اليوم ليست موضوعا للتاريخ، بل هي قبل ذلك وبعده ضرورة من ضرورات عصرنا"{5}، الديموقراطية مطلب في صلب اليومي، إن المؤرخ المثقف الذي يقف مكتوف الأيدي في انتظار "اكتمال" السيرورة التاريخية لا يسعه إلا أن يقدم تحليلات جيدة بعد أن يكون كل شيء قد أنجز، تحليلات قد تصل إلى مستوى عميق جدا من الصواب لكنها وللصراحة تقل أهمية عن التحليلات التي توجه الحراك في لحظته، إذ تختلف صناعة التاريخ عن التعليق على أحداثه بعد توفر مسافة تاريخية معينة، فالمثقف الذي يقبل بالخطأ خير من المثقف المهووس بدقة التحليلات بعيدا عن اللحظة المناسبة إذ لا تعوزه الآليات ولكن يعوزه التوقيت المناسب، وهل من شيء أهم في التاريخ غير التوقيت المناسب؟.
إن تموقع كثير من المثقفين المغاربة اليوم لا يمكن فهمه بعيدا عن موقفهم من الديموقراطية عموما، وقد نبه الأستاذ الجابري إلى ذلك منذ زمن ليس بالبعيد إذ:
" إن الباحث لا يملك إلا أن يلاحظ أن الخطاب السياسي العربي الحديث والمعاصر كان في جملته ضدا على الديموقراطية، إما بصورة صريحة وإما بشكل ضمني، وحين لم تكن الديموقراطية مستهدفة بذاتها مباشرة فإن تأجيلها أو صرف النظر عنها أو ترجمتها إلى ما ليست إياه كان يكفي لإقصائها من دائرة الاهتمامات المؤسسة للوعي"{6}. وهو ذاته الموقف الذي يتخذه المثقفون المغاربة أو أعظمهم على الأقل من قضية الحراك الشعبي، معتبرين أن السيرورة التاريخية كفيلة بإحداث تغيير متدرج، فهل هناك ما هو أغبى من هذا التصور المعطوب لبنية الثورات وسيرورة التغييرات الجذرية؟.
إن أي رأس سلطة يمتلك كل الأجهزة تحت يديه لن يقبل بالتخلي عن سلطاته التي يجمعها كاملة عن طواعية، إذ نجد أنفسنا الآن كالأطفال نذكر بدروس التاريخ، وبالأشكال التي اندحر بها الفاشيون والحكام المطلقون من أماكنهم، فإغراء السلطة يفوق كل "طيبوبة" مفترضة أو "خير مُتوسّم" في أحدهم.
°°°°°°°°°°°°°°
إن المثقف المغربي إلى حدود السبعينات وبدايات الثمانينات كان متحمسا للتغيير لكن الواقع لم يكن ناضجا كما هو الآن، جنّد ذلك المثقف كل وعيه وأنشطته الحزبية والنقابية في اتجاه الانتصار لمطالب الشعب، وخلقت أيقونات بديعة لنموذج المثقف (ابن بركة - اللعبي – السرفاتي – المنبهي...) قادت لحظات هامة من تاريخ النضال اليساري في المغرب، لكن ما كان ينقص أولئك الطيبين هو التحليل العميق لبينة المجتمع المغربي آنذاك، إذ كان تحركهم انفعاليا وحماسيا أكثر مما هو تحرك واع نابع عن نظرة ماركسية متجذرة للواقع.
مشكلة مثقف السبعينات لم تكن في مستوى وعيه هو أو في الإيديولوجيا التي كانت تؤطر حراكه أو في المنظمات و الحركات السياسية وآليات اشتغالها، وإنما كانت مشكلة بنية اجتماعية لم يستطع وعيها وتمثلها تمثلا كافيا نظرا لقصور العمل السوسيولوجي آنذاك، وبالتالي لم يكن قادرا على اتخاذ خطوات غير "انتحارية" ملائمة لم يكن المجتمع ليلفظها أو يقف ضدها نصرة للبرجوازية الوطنية وحليفها النظام الديكتاتوري.
فكغيره من المجتمعات الخارجة من نير الاستعمار الإمبريالي كان المجتمع المغربي مجتمعا فوضويا، بنيته شائهة وغير مكتملة، فلا هو مجتمع رأسمالي متحول جذريا ولا هو مجتمع اشتراكي، ذلك أن الصراع الطبقي لم يكن واضحا في حد ذاته، والوعي الجماهيري كان قاصرا بسبب غلبة نسبية الأمية وتمكن النظام من ضم الأغلبية الأمية إلى جانبه باستخدام الدين والشرعية التاريخية، وحتى البرجوازية الوطنية التي حمست الجماهير وقادتها نحو "الاستقلال" لم تكن برجوازية مستقلة بمطامعها وممارستها المعادية للطبقات الكادحة، إذ بالرغم من خروج المستعمر وتغير رأس السلطة شكليا إلا أن المصالح الإقطاعية لفرنسا بقيت مستمرة ، حيث لعبت البرجوازية الوطنية ( وعلى رأسها العائلات الفاسية والعائلات المقربة للقصر) في تضافر مع القصر دور الوسيط الطائع بين المستعمر الفرنسي والسوق المغربية، السوق الاقتصادية والثقافية، بل والمنجم الدائم للثروات والمنفذ الطبيعي لتصريف الأزمات التي شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وفداحة الخسائر الاقتصادية التي تكبّدتها فرنسا، فلم تبن البرجوازية بوجه سافر كعدو للطبقات الكادحة، وإنما ظلت خادمة مطيعة للمستعمر الذي ضمن استمراره رغم الخروج الشكلي، حتى المثقف البرجوازي كان صورة للطبقة البرجوازية كما هو واجبه، إن وظيفة المثقف البرجوازي آنذاك لم تكن سوى وظيفة البرجوازي الصغير في كل العصور، تبرير السلطة والتحليل السطحي للعلائق، لأنه يحمل في عمقه النفسي تناقضا بين ميله النفسي وظروف معيشته وحياته، ما يؤدي إلى انفصال وعيه عن الواقع{7}. ولنا في نماذج من مثقفي العائلات التي استفادت من تحالف البرجوازية مع فرنسا خير دليل، إذ رحل العديد من أبناء هؤلاء الخونة للدراسة بالخارج وعادوا لنشر الفكر "الوسطي" الذي لقنتهم فرنسا إياه.
أما وظيفة المثقف اليساري آنذاك فلم تكتمل كما يجب ولم تفد منها الجماهير بشكل عملي، لأن عملية التثوير كانت مشروطة بنضوج واقع لم ينضج بعد، واقع نخرته الأمية ومجتمع مشايع للخرافة والدين، بنية المجتمع من جهة أخرى لم تكن بنية متناقضة تماما ليشتغل قانون النفي ويكتمل الجدل نحو التركيب.
وبالإضافة إلى بنية المجتمع، المجتمع الذي لم تستقل فيه البرجوازية لتصبح عدوا للبروليتاريا والذي لم تتطور فيه وسائل الإنتاج لتصير ملكا تاما لهذه البرجوازية، كان هناك عائق كبير ربما لازالت امتداداته راسخة إلى اليوم، ألا وهو مشكل التنظيم الاجتماعي السائد آنذاك.
إن المجتمع المغربي إلى حدود السبعينات وبداية الثمانينات كان مجتمعا فلاحيا بامتياز إذ شكل الفلاحون الأغلبية الساحقة من السكان، وبنية القبيلة التي كانت تتخذ التعاونية الفلاحية شكلا تنظيميا كانت بنية متخلفة تسند نظام الملكية المطلقة من خلال الولاء الذي يرسخه "إعطاء" الأرض و"منحها"، في تلك البنية كان الإقطاع يظهر كحالة طبيعية وعادية بسبب الموروث القبلي والمعتقدات الدينية، بل والمفهوم الجمعي عن السلطة، حيث "بديهية" هرمية السلطة الفادحة والموغلة التي تستتبعها فوارق على كل المستويات، وحيث كان شيخ القبيلة يستلم السلطة بناء على تعيين من الأعلى فيكون خادما للسلطة القائمة ولكن بتزكية الجموع ( التي كان من المفترض أن تكون بروليتاريا ثائرة)، فكان لأعوان السلطة هيبة تدل على هيبة أكبر للحاكم، لم يستطع النضال اليساري أن يكسرها بتنوير العقول، نظرا لضعف الإمكانيات وغياب استراتيجية ناجحة، دون نسيان الدور الخبيث الذي لعبته فرنسا في تصفية اليساريين إذ وقفت يدا في يد مع الملك لتصفي رؤوس النضال وتفتح المجال أمام حكم أبدي يخدم مصالحها تحت الطاولة وفوقها.
لقد كان نظام الحكم المغربي نظاما محافظا، فوّت على المغرب تقدما تاريخيا هاما، إذ كانت دول كبيرة الآن في طور النمو ولم يكن يفصلنا عنها الشيء الكثير، لكن واقع النظام خرب كل شيء، إذ بعد تصفية رموز جيش التحرير وتغييرهم بدمى متحركة، عمل ويعمل النظام المغربي على تجميد الواقع والإبقاء على مصالح البرجوازية من جهة، لأنها تشاركه الحكم والثروة بشكل غير مباشر، ثم الإبقاء على مصالح الإقطاعية الفرنسية من جهة أخرى، لأنها تمد له يد العون ضد الشعب في حالة الاحتياج، كما أنها تحتفظ بريبرتوار أسود عن تاريخ العائلة المالكة ومفاتيح كثيرة في مستقبلها، بالإضافة إلى أنها تفتح أمامه بوابة أوروبا ومعبره نحو الرأسمالية التي تضمن بقاء النظام بدعم رجال الأعمال وسندهم للنظام والاستقرار ضد أي تحول قد يعصف بتركز الثروات ويؤدي إلى إعادة توزيعها.
إن مشكل مثقف السبعينات كان مشكلا ثلاثي الأبعاد، واقع غير مكتمل النمو وطبقات غير متقابلة تماما بفعل التعمية، حيث كانت هناك فترة انتقالية تميزت بالصراع بين البرجوازية والملك لكنه صراع ضمن تكامل المصالح والتآمر ضد بقية الشعب ابتغاء للثروة والسلطة السياسية، فكان الملك محترسا من الوطنيين وقدم تنازلات لهم، كما ساندوا شرعيته فيما بعد بشكل تام، ثم مشكل بين البرجوازية والفلاحين من جهة، إذ ظهر شكل التعاونيات مع توزيع بعض الأراضي الفلاحية كخطوة "ذكية" من النظام، لترسيخ التقاليد الفلاحية وإعاقة التحول نحو مجتمع الصناعة وبالتالي كبح خلق ظروف القهر اللازمة داخل المصنع لانبثاق تكثلات عمالية وازنة، فبقي الكادح المغربي إما فلاحا يملك قطعة صغيرة من الأرض، أو عاملا مُياوما لا يملك الأرض لكن يشتغل لدى الفلاح الصغير في أعداد متناثرة وأيام متقطعة فلا يجد عدوا مناسبا له ( إذ الفلاح الصغير ليس عدوا برجوازيا) ولا يجد نفسه ضمن أعداد كبيرة لتشكيل عمل نقابي بالإضافة إلى غياب ديمومة العمل وتنوعه وتقطعه على فترات زمنية متباعدة.
لقد وجد النظام آنذاك شكلا ذكيا للإبقاء على بؤس الإنسان المغربي وفقره دون أن يمنح له فرصة التكتل والشعور بالقوة الجماعية التي تولد الأمل والقدرة على التغيير. وهنا استفادت البرجوازية المغربية من الوضع فاحتفظت بامتيازاتها المحروسة من النظام ووسعتها فسيطرت على الاقتصاد الوطني وبؤره الكبرى مدعومة من الهولدينغ الملكي والشركات المتروبولية الفرنسية، ليبقى الكادح المغربي شاعرا بالقهر والطبقية الموغلة، لكن غير قادر على الحراك والتكتل لأنه موثوق برقعة الأرض الصغيرة أو معزول عن الكادحين الآهرين بسبب طبيعة العمل في هذه البقع الفلاحية المتناثرة والتي تخالف طبيعة العمل داخل المصنع.
ثالث مشكل واجه المثقفين والمناضلين السبعينيين هو مشكل الوعي الجماهيري، إذ غاب – ويغيب بشكل مشابه – الوعي الثوري عن المغاربة بسبب ضيق الأفق وضعف التفكير وحالات التدجين التي جنّد لها النظام مختلف وسائل الإعلام والمنابر الإعلامية المكتوبة، هذا دون إغفال مسألة تمخزن عدد كبير من المثقفين ورجال السياسة، خصوصا خطوط القيادة الانتهازية التي ستأتي فيما بعد بعقد من الزمن، مع الاتحاد الاشتراكي وحكومة التناوب المزعومة.
لقد وجد النظام في تلك العقود آليات خبيثة لشل الوعي اليساري ومحاصرته داخل الجامعة بل ومطاردته حتى داخلها، أول تلك الآليات الدين، حيث ثم ضخ كميات هائلة من المتأسلمين داخل الجامعات مما أدى إلى خلق خطوط وفصائل متخلفة نشرت وباءها بين خطوط الطلبة والطالبات، وتم التركيز على تدريس المواد الدينية بمختلف المستويات التعليمية بدء من المستوى الابتدائي، ناهيك عن محاربة الفلسفة واعتقال أساتذتها ونبذها من المقررات التعليمية، بالإضافة إلى الركوب على الوطنية وخطاب حماية التراب الوطني وكأن النظام وحده كان هو الضامن لتلك الوحدة.
كانت هذه الظروف تعيق عمل المثقف وتهدد حركيته، لكن أغلبها اختفى، فقد تطورت البنية الاجتماعية من القبيلة نحو المؤسسة، وتراجعت الأمية بنسبة ما على الأقل، كما أن الإعلام أصبح فرصة أمام المناضل وليس ضده فقط، وتعزز العمل الحقوقي بخلق مؤسسات مدنية كثيرة، فهل يكفي ذلك ليتحرك المثقف المغربي ؟ و كيف تقاعس عن دوره التاريخي حاليا والظروف الموضوعية أكثر مساعدة من مراحل سابقة ( هذا إن قبلنا الحديث عن الظروف الموضوعية)؟ ثم ما الذي على المثقف فعله وما أدواره المفترضة؟
°°°°°°°°°°°°°°°
كملحوظة قبل رصد الدور المنوط بالمثقف لابأس بالقول أن صورتنا التخييلية عن المثقف صورة نمطية ومغلوطة، إذ ليس بالضرورة أن يكون المثقف رجلا مسنا ذا بطن كبير وربطة عنق ومحفظة وكرسي جامعة أو وظيفة مهمة، إننا نرى أن الانتقال الجيلي الجديد يمنح فرصة لجيلنا كي لا يكون في حاجة لأولئك العجائز، جيل يحلم من جديد ويؤمن بأحلامه وبمشروعيتها.
أما مسؤولية هذا الجيل من المثقفين الجدد وبعض المثقفين الفعليين الذي ناضلوا فعلا (كي لا نبخسهم حقهم)، هذه المسؤولية لا تختلف عن مسؤولية الزمن القريب الذي تحدثنا عنه قليلا، إذ بالرغم من تغيرات طفيفة لمست بنية المجتمع المغربي، خصوصا مع توسع قاعدة البرجوازية المتوسطة، إلا أن الهياكل الكبرى المنظمة للفئات السكانية و للفوارق بينها لازالت في توسع، بحيث تتوسع هذه الفوارق الطبقية بين المواطنين، ومعها يتعمق الفارق في مستويات العيش، مع ارتفاع الأسعار بفعل الأزمات الرأسمالية المتتالية وجمود الرواتب وضعف التغطية الصحية وندرة مراكز الاستشفاء التي التهمتها الخوصصة بالإضافة إلى بروز خطاب خوصصة التعليم حاليا مع حكومة "العدالة والتنمية" في مقابل ارتياح النظام الحاكم وتوسع قاعدة ثرواته و الهولدينغ الاقتصادي والبذخ والترف الفادح الذي يتقاسمه مع فلول البرجوازية الوراثية، تلك التي يعانى المغاربة من تسلطها الأخطبوطي على مراكز السلطة السياسية ومناجم الثروات ورؤوس الأموال التي لا تجد نفسها مطالبة بتبريرها خصوصا مع خطاب رئيس الحكومة الجديد الذي ينبني على مقولة " عفا الله عمّا سلف" .
تبرز هذه المسؤولية من الوعي بضرورة الالتزام بقضايا المجتمع ومشاكله بعيدا عن النزعة الاستعلائية المفرغة من أي معنى والتي يعاني منها مثقفونا المحترمون وأساتذتنا الأجلاء، وذلك من خلال:
+ نقد النظام البطريركي في السلطة السياسية والدين والثقافة، وتعريته إيديولوجيا والعمل على تخريبه وإنتاج ثقافة مضادة ونشرها على أوسع نطاق ممكن، مع الدعوة إلى نماذج منفتحة من الحكم والاستفادة من تجارب الأمم المتقدمة، والتركيز على مبدإ الفصل بين السلط، وضرورة تداول السلطة. وهو الأمر الذي تغاضى عن التنبيه إليه كل المثقفين ماعدا ثلة قليلة إبان الدعوة إلى التصويت على الدستور الممنوح.
+ تعرية الواقع الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي والثقافي المتردي من خلال خطاب نقدي يكشف مفاصل الأزمة ويعرض الإمكانيات المتاحة والنماذج المثالية التي يجب أن تتحول بنية المجتمع نحوها على جل الأصعدة.( التعليم – الصحة ....).
+ الدعوة إلى فصل الدين عن السلطة و دعم توجه الدولة المدنية بعيدا عن الطائفية وسياسة التفريق.
+ الدفع بالجماهير إلى عيش المظالم كحالة وعي دائم ومستمر، إذ غالبا ما ينقص الوعي بواقع متردي بالرغم من شعور القهر وغياب أبسط الحريات.
+ المشاركة في النقاشات الوطنية عن الحريات الفردية والجماعية ومختلف اهتمامات المواطنين عوض ترك ذلك للفقهاء والتفهاء من مصدري الفتاوى المنقرضة.
+ الكشف عن الأوجه الجديدة التي تظهر فيها البرجوازية متقنعة، وإماطة الأقنعة المموهة، من خلال نقد الخطابات الجديدة، التي تحاول من خلالها تبرير الاستغلال والطبقية، أعني الإعلام السمعي البصري والمكتوب وشبكة الأنترنت والمواقع الاجتماعية، وكل أشكال الخطاب الجديدة من إشهار ودعاية، خصوصا ما تعلق بأجهزة الإعلام المخزني الرديء.
+ الانخراط في العمل الميداني لتوجيه المناضلين وتأطير الحراك الشعبي ومرافقته بالتوجيه والنقد البنّاء بعيدا عن التقوقع والجمود الإديولوجي، لأن مشكل الحراك الشعبي في المغرب هو كونه حراكا أهوجا غير منظم نظرا لانسحاب المثقفين وتقهقرهم وبالتالي غياب التخطيط الفاعل والرؤية الثاقبة والناقدة أساسا ( أهمية النقد).
+ كشف واقع الثقافة الرسمية وتفنيد التاريخ الرسمي، من خلال البحث العلمي والندوات والمقالات والخروج إلى الشارع لمباشرة التنوير مع الفلاحين والعمال والكادحين، عوض التقهقر بين أسوار الجامعة واستهلاك الذات بلا جدوى.
+ اعتبار تطوير الفكر اليساري أولوية من أولويات النضال أيضا، وذلك من خلال تجاوز جمود الخطوط التقليدية غير العلمية وفتح أبواب النقد البناء لبناء نموذج إيديولوجي أكثر مرونة يوافق الوضع المغربي وبنية المجتمع لأجل تفادي السقوط في خطأ المناضل السبعيني، لكن دون التخلي ولو خطوة عن الهدف الثوري أو السقوط في انتهازية المثقف الذي تحدثنا عنها تحت دعوى الانفتاح على "النظريات" التي تخدم الرأسمالية وفلولها إن مباشرة أو عن غير وعي.
......إلخ من التوجهات والمعطيات التي تخدم التغيير الجذري نحو متقبل أفضل للسلطة والحكم.
إن المثقف المغربي الحالي بعيد كل البعد عن هذه الأنشطة والتوجهات وذلك راجع لأسباب ذكرنا بعضها باختصار، كما أنه يعزى لتراجع الإحساس بالأمانة الملقاة على عاتقه، ولتردده أمام انهيار التجارب الاشتراكية التي عرفها العالم قبل عقود فقط أمام مد الرأسمالية الإمبريالية، لكن البديل للأزمات المستمرة وللتراجعات المهولة التي مست الحريات الفردية السياسية والنقابية، حرية الاعتقاد وحتى اللبس، حريات المرأة، وكل المجتمع المدني لا يمكن أن يكون هو الفكر الديني، إذ سيؤدي – وهو يؤدي حاليا – إلى تراجعات أخطر وتقهقر في كل الميادين، لعل تجربة بنكيران تثبت بعضها حاليا، وعاجلا أم آجلا سيكتشف المغربة استحالة الحكومةالثيقراطية، إذ بنية المجتمع المتعددة والمتنوعة تفرض نظام حكم مدني يحفظ التنوع و التكامل بعيدا عن التصنيف العرقي أو الديني، وتلك اللحظة هي لحظة اليساريين بامتياز، لكن التاريخ يفرض العمل والتحضير و التوعية والانخراط أولا، إذ تعطي كلّك فلا يُعيطك إلا جزأه.

هوامش:
{1} علي حرب، أزمنة الحداثة الفائقة، المركز الثقافي العربي، طبعة أولى 2005،ص ص 129-130.
{2} هشام شرابي، النقد الحضاري للمجتمع العربي، بمركز دراسات الوحدة العربية، 1999،ص 77.
{3} محمد عابد الجابري، رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية، مطبعة دار النشر المغربية، 1982، ص 42.
{4} حوار مع عبد الله العروي، جريدة المساء عدد 1723، نقلا عن مجلة زمان.
{5} محمد عابد الجابري،الديموقراطية وحقوق الإنسان، كتاب في جريدة، عدد 95، 2006،ص12.
{6} نفسه ، ص 7.
{7} عبد الله العروي، الإيديولوجية العربية المعاصرة،المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 1995، ص 71.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية