الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضباب ومقر البرلمان

سها السباعي

2012 / 8 / 15
الادب والفن


رسم كلود مونيه (Claude Monet (French, Impressionism, 1840-1926 عدة لوحات لقصر وستمنستر ، مقر البرلمان البريطاني ، أثناء إقامته في لندن بين عامي 1900 و 1905، أطلق عليها "The London Parliament series" . وقد اشتركت جميع اللوحات في المقاييس، وفي زاوية الرؤية التي تمثل المشهد الذي كانت تطل عليه حجرة مونيه المطلة على نهر التايمز. اختلفت اللوحات عن بعضها البعض في كونها رسمت لتبرز أوقاتًا مختلفةً من اليوم وظروفًا متباينة للطقس في المدينة التي عرفت باسم مدينة الضباب.

الضباب هو ما نراه حينما ننظر إلى هذه السلسلة من اللوحات، على الرغم من ظهور الشمس في بعضها. ملامح المبنى غير ظاهرة، لا تفاصيل، لا نوافذ، لا أبواب. فقط كيانٌ شبحيٌّ يخبر أن ها هنا يوجد شيء ما، هيكله الخارجي واضح ومعروف لمن عايشوا وجوده ومروا بجواره، الذين يحتفظون في وجدانهم بمعناه وما يرمز إليه، وفي ذاكرتهم بتاريخه والأحداث التي ساهم في صنعها أو صنعته، ففي النهاية ليس المبنى هو القضية!

تغيُّر أوقات اليوم، اختلاف زاوية الضوء، وتباين الظروف المناخية ظواهر تبدو بارزة إذا ما شاهدنا اللوحات متجاورة أو متتابعة. يكاد التغير أن يكون هو الحقيقة الوحيدة الثابتة، مهما أوحت لنا بعض المباني والكيانات بقدرتها على البقاء أو الاستمرار. وإن دامت هذه الكيانات أحيانًا على الرغم من تغير الأحوال حولها، فهذا ليس إلا إيذانًا باقتراب زوالها، وببداية نهايتها، مهما طال أمد بلوغ هذه النهاية.

في بعض اللوحات، نرى زورقين صغيرين على صفحة نهر التايمز، يبحر أحد راكبيهما في اتجاه المبنى، والآخر في الاتجاه المعاكس، أحدهما قد يجعله وجهته وقبلته ومثار اهتمامه، والآخر قد يعطيه ظهره ولا يأبه له. ذلك القصر، مقر الحكم، والنهي والأمر، منبع القرارات الصادرة السائرة عليهما وعلى أمثالهما، ولا يحق لهما ولا لأمثالهما الشكوى أو التذمر إن لم تعجبهما تلك القرارات، فالكيان الذي أصدرها يحمل لافتة عريضة كتب عليها : سلطة منتخبة لها صلاحيات!

وعلى الرغم من عدم الوضوح المخيم على اللوحات، إلا أن النهر الذي يحتل جانبًا كبيرًا منها، تبدو أمواجه الصغيرة المتلاصقة وقد انعكس عليها الضياء حينًا، وجسم المبنى الشامخ حينًا آخر، وكأن الأمواج الصغيرة ليست إلا صورةً وصدىً للكيانين الأكبر منها؛ المبنى الضخم حجمًا وتأثيرًا، والضوء العاجز عن تبديد الضباب الثقيل. ولكن في لوحاتٍ أخرى، تستقر صفحة النهر في هدوءٍ أملس، لا ملامح له، هدوءٌ يشعرك بالخرس الدائم، وبالصمت الأزلي، ويصدر لك الإحساس بأن الصمم يكون أحيانًا نعمة!

الضباب لا يلف فقط المباني والشوارع، ولا يجثم فقط على ضفاف وصفحة الأنهار العريضة؛ الضباب يلف الأسباب والنتائج، والكيفيات والوسائل، والأهداف والغايات؛ الضباب كثيرًا ما يغلف المعنى.

رابط يعرض لوحات "The London Parliament series":
http://www.youtube.com/watch?v=cidJDIUcKCI








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81