الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الممانعة- أمام لحظة الحقيقة

فؤاد سلامة

2012 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


قد لا يمكن الجزم بهزيمة سريعة لمنظومة الممانعة, ولكن يمكن التوقع ببدء العد العكسي لنهاية أيديولوجيا الممانعة في لبنان وسوريا. لقد تأصلت نظرية الممانعة في هذين البلدين بالأخص مع الصعود التاريخي للبعث السوري وإمساكه بأوراق عديدة في الإقليم وفي المنطقة وعلى المستوى الدولي. ومع بداية الثورة السورية وتصاعدها التدريجي، رغم الضربات التي وجهها النظام السوري والذي على العكس من التوقعات، لم يفعل إلا أن زادها تأججاً وتوسعاً, شهدنا انتكاسات متسارعة لأيديولوجيا الممانعة في الساحتين اللبنانية والسورية . لم تتوصل تطمينات أساطين الممانعة بقرب "الخلاص", إلى وقف تدهور الممانعين وجودياً، سياسياً وأخلاقياً، وإلى نضوب قدرتهم على الشحن والتعبئة واستنهاض الهمم. في هبوطهم, كما في صعودهم, يصح توقع المزيد من تعميم الخراب من أنصار أيديولوجيا لا تستقيم إلا بالقمع والقهر, والإنتقام من "المستضعفين".. الذين تدعي النطق باسمهم.
لم تعد تكفي نظرية المؤامرة الكونية في رد الضربات ومنع الإنحدار لتيار الممانعة. ولم يعد ينفع اصطناع أعداء وهميين من مثل السلفية وأمراء النفط, والغرب الإستعماري الطامع بثروات المنطقة. فتلك الثروات تبددها الأوليغارشيات العائلية الطائفية القبلية الحاكمة من دون حساب. والعداوة المستجدة مع دول الخليج والغرب تكذبها التحالفات الوثيقة مع العائلات النفطية ومع القادة الغربيين خلال العقود المنصرمة. يلزم أفكار جديدة وخلاقة لإعطاء شحنات عاطفية لأيديولوجيا الممانعة، كما يلزم إقناع الناس العاديين, قبل المفكرين, بأن ما يجري في سوريا ليس حرباً تدميرية ضد شعب أعزل تشنها أقلية شرسة متمترسة بالترسانة الحربية لنظام قاهر. يلزم الكثير من العمى أو السذاجة للإقتناع بالتخرصات الفكرية القومجية والعلمانية لجهابذة الممانعة, فكيف إذا شاءت الأقدار وإرادة الشعب الثائر أن تجتمع الضربات والسهام الموجهة نحو قلعة الممانعة المستبدة في سوريا ونحو توابعها وأذنابها في الملحق اللبناني؟
غالباً ما يكون صعود الأفكار والأيديولوجيات بطيئاً, وفي منطقتنا استغرق صعود فكر الممانعة أربعة عقود, ولكن على ما يبدو ويتأكد فإن انحدار الأيديولوجيات يسير في سرعة كبيرة, ولا يخفى أن السر في هذا الأمر يعود إلى الحروب والثورات. فانهيار الأيديولوجيا البلشفية حدث بسرعة قياسية بعد هزيمة الإتحاد السوفياتي في أفغانستان. وعلى نفس النسق يبدو أن انهيار أيديولوجيا الممانعة يتسارع على وقع تقدم الثورة السورية التي سيسجل التاريخ فرادتها. ونستطيع من الآن أن نقول بأن الثورة السورية ستكون كثورة, رغم عثراتها وأخطائها الظرفية, أهم من الثورة البلشفية في روسيا القيصرية ومن الثورة الخمينية في إيران الشاهنشاهية. وإذ شاءت الأقدار أن تكون المواجهة بين الثورة السورية الشعبية من جهة, وتحالف النخب المافيوية والعسكرية للثورتين البلشفية والخمينية من جهة أخرى, فلا يسعنا إلا أن نتساءل عن الحكمة البعيدة في هذه الصدفة التاريخية؟
في فترة بدايتها وصعودها استندت أيديولوجيا الممانعة على الفكر القومي العربي كما عبر عنه ميشال عفلق. نقطة قوة الممانعة كانت حينها, في راهنية هذا الفكر وانتشاره في أوساط الأنتيلجانسيا العربية الناشئة والمتوثبة. نقطة ضعفها كانت في التنافر الحاد بين نظامي البعث السوري والعراقي وصراعاتهما الدامية والمنهكة, نظامين رغم بطشهما ودمويتهما تجاه شعبيهما كانا يلقيان إعجاب نخب متعطشة للدفاع عن عروبة نهضوية يحاول الغرب وإسرائيل خنقها وإنهاكها. بعد سقوط صدام حسين بلغت أيديولوجيا الممانعة قمة تألقها وخاصة مع انضمام إيران إلى محور الممانعة وصعود المقاومة الإسلامية في لبنان . الدعم الإيراني شكل رافعة قوية لتيار الممانعة بما أضافه من إمكانيات وقدرات فائقة. ولكن مع بداية الثورة السورية اصبحت العلاقة مع إيران نقطة قوة في الظاهر، ولكنها في الحقيقة ستشكل مقتل نظام الممانعة لأنها تعري خطابه القومي وتحوله إلى مجرد دمية في يد نظام قوي الشكيمة يستند إلى أيديولوجيا قومية ـ طائفية تتعرى بدورها وتكشف عن مخالبها النووية وطموحاتها الأمبراطورية. الصراع يتحول بإرادة الأقوياء, النظامين السوري والإيراني, إلى صراع طائفي مكشوف بين الإسلام الشيعي والإسلام السني, وقد تراجع النظام السوري الى مربعه الطائفي الأول ظنا منه أنه يستطيع بذلك ان يحمي نفسه من السقوط, متخندقاً ومحاصراً في حصنه الأخير.
لقد خسرت الممانعة بريقها الأيديولوجي الزائف واستنفذت أغراضها كأيديولوجيا ـ غطاء لأنظمة قمعية استبدادية, ولم يبقى أمامها إلا أن تكشف عن وجهها البشع: أيديولوجيا القوة العارية لنخب عسكرية متغولة في مواجهة أرياف مفقرة مهمشة ومسحوقة. الخطاب الإنشائي عن العزة القومية والعلمانية والإشتراكية, والمقاومة ضد الأطماع الخارجية, لم يعد يصمد أمام حقيقة التعطش للسلطة واحتكار الثروة وقمع الشعب والتنكيل بالمواطنين وحرمانهم من أبسط الحقوق, وقهر الأكثرية باسم محاربة الظلامية الدينية ومواجهة الأمبريالية. ها هي منظومة الممانعة ببنيانها الهش القائم على الخداع والتلفيق تواجه ساعة الحقيقة: هي في واد وبالأحرى على قمة جبل السلطة الوحشية, والشعب في وادي العذاب والموت والدموع, وما يفصل بين السلطة والشعب نهر من الدماء يصعب أن يجف قريباً بل يزداد غزارة كلما أمد الخارج بعمر هذه السلطة المتهالكة, وأنعشها بالمزيد من وسائل البطش والدمار. لم يعد "النظام" أكثر من "قوة نيران تدميرية" لأقلية عصبوية , في مواجهة شعب ثائر مصمم على كسر قيوده, وانتزاع حريته..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
عبدالله الفراج ( 2012 / 8 / 16 - 15:08 )
مقال جيد و سرد ممتاز للأحداث اعجبني مقالك و لقد نشرت قبل قليل مقال اسمه
المواطن السوري ...الممانع ..تحياتي لك


2 - لقد اسمعت لو ناديت حيا
نزار الحافي ( 2012 / 8 / 17 - 02:05 )
يا ليت بالوطن العربي 10000 كاتب من طرازك سيدي لقد اصبت عين الحقيقه اتمنى ان يقرا هذا المقال جهابذة سوريا ولبنان من من لازالوا ينظرون وكأننا بزمن ميشيل عفلق شكري الكبير للكاتب الكبير اللذي لا يتكلم عن الهوى

اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل