الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيمان لا يحتاج إلى إعلان

مهدي بندق

2012 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإيمان لا يحتاج إلى إعلان
مهدي بندق

من نافلة القول أن عصرنا هذا قد أرسى دعائم حقوق الإنسان ومن بينها حرية العقيدة ، حتى بات من ينكر هذه الحرية محض همجي، ملحقاً لا يزال بعصور الظلام . وما من شك في أن الأديان جميعا – قبل أن يستخدمها الطغاة لأغراض دنيوية بحتة – لا غرو طفقت تؤكد على حق الناس في اعتناق ما يشاءون من عقائد . بيد أنه ولدواعي التنظيم الاجتماعي كان ضرورياً على المرء أن يوضح للآخرين ماهية ديانته ( وليس إيمانه ) ولهذا حين قالت الأعراب آمنا قال الله لهم بل قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم . فالإيمان نبض في الأفئدة لا يسمعه غير رب القلوب .
أردت بهذه المقدمة أن أراجع صديقي وزميلي في هذه الصفحة الكاتب المثقف أ. أحمد موفق الذي نشر مقالا بالعدد الماضي بعنوان " حوار مع صديقي المؤمن مهدي بندق " ومحل المراجعة هنا هو إشارته إلى الكراس الشهير للدكتور إسماعيل أدهم المعنون " لماذا أنا ملحد ؟ " وكان قد كتبه عام 1934 وقت أن كان التقدميون يحرصون على تقديم أوراق اعتمادهم مزينة بــ "شجاعة" رفض الأديان! وكان إعلان الإيمان وقتها يعني الإذعان للسلطة المجتمعية والثقافة السائدة . ولهذا كان منطقياً أن يرد عليه مفكر تقليدي هو أ. محمد فريد وجدي بمقال عنونه بــ " لماذا أنا مؤمن ؟ " وبهذا صار الإيمان سلعة يتبادلها المشترون والبائعون في سوق الحياة العامة ( كل حسب موقفه من السلطة ) بدلا من أن يكون علاقة خاصة بين المرء وخالقه .
والحق أن قضية الإيمان إنما هي من قضايا تاريخ الأفكار أنجز فيها الفكر الصوفي اليهودي والمسيحي والإسلامي والهندوسي الكثير، بينما أراد مقالي( المنشور بهذه الصفحة 2/8ـ/2012 ) أن يسهم - على خلفية الفيزياء الحديثة - في توطين المعرفة على أرض الثقافة المصرية بغية تجديد الفكر الديني ( وأشدد على كلمة الفكر) في مواجهة الخطاب الديني الكلاسيكي الذي يرسخ خضوع العقل للنقل ، ويحجّم الإبحار الذهني إلى مياه الكون العميقة ، ويلزم الناس بالاستماع حسبُ لفقهاء السلطة وتوظيف الدولة للدين لأغراض محض سياسية .
فهل أدرك هذا المنحى الزميلُ موفق وهو يباشر نقده لمقالي نقداً أعترف بموضوعيته وسمو مقصده؟ المهم أنه طالبني بشرح مفهومين وردا بالمقال هما : نظرية أبعاد الكون المنطوية ، ونظرية الأوتار الفائقة . وهاأنذا أفعل ولعلي أضيف إليهما مغزى " قطة شرودنجر" الميتة الحية في نفس الوقت .

*** *** ***
بداية ينبغي أن نقر بأن الفلسفة المادية لا تستطيع أن تبرهن على أنها صائبة ، ذلك إنها في التحليل الأخير مجرد آراء ، ولو كانت الآراء إنتاجاً " مادياً " للتفاعلات الكيميائية في الذهن لكانت محددة ً بالكيمياء لا بالمنطق، والكيمياء لا معيارية Non-normative فلا يمكنها الحكم بأن جزئ الماء الذي هو 2 يد أ صواب أو خطأ ، جل ما تقول: هذا هو واقعه. إذن فالفلسفة المادية لن تفيدنا حين ندخل عالم ما دون الذرة حيث يتعطل قانون السببية وتبطل المعايير ، فتبدو مظاهر الكون الصغير "الميكرو " في أغرب أشكال الازدواجية .. فالضوء يتصرف أحيانا باعتباره جسيمات تشغل حيزا من الفراغ ، وأحيانا يتصرف كموجات لا حدود لها. لماذا ؟ الجواب : هكذا بدون سبب .
ومن هنا استبان الفيزيائي نيلز دي بور أن الجسيمات "الكمية " لا تتواجد على حالة واحدة معينة, لكن بحالات عدة محتملة في نفس الوقت، وإجمالي مجموع الحالات للشئ الكمىّ يسمى" دالة الموجة " wave function وحالة الشئ الموجود في كل حالاته الممكنة في نفس الوقت تسمى بالوضع الفائق superposition وعليه حين نقوم بملاحظة شئ كميّ فنحن نؤثر في سلوكه، إذ تقوم الملاحظةُ بكسر حالة الوضع الفائق للشئ وتجبره على اختيار حالة واحدة من دالة الموجة الخاصة به. وهو ما يفسر لماذا يحصل الفيزيائيون على قياسات متضاربة من نفس الشئ الكمى، فالشئ الكمى يختار حالة واحدة من حالات مختلفة أثناء عمليات القياس المتتالية، فأين ذهبت الحالات الأخرى ؟ أنها موجودة ولكن في أكوان موازية لكوننا .
يرى الفيزيائي "ايفريت هيو" أن قياساتنا تسبب تفرعا حقيقيا في الكون[ اضرب بعصاك البحر ] فيتم نسخ الكون إلى كونين, كل منهما يمثل نتيجة محتملة للقياس. لنفترض أن دالة الموجة لشئ ما هي جسيم وموجة ، فحينما يقوم الفيزيائي بقياس هذا الشئ, فهناك نتيجتان محتملتان: إما أن يلاحظ هذا الشئ كجسيم أو يلاحظه كموجة ، وفي الحالتين ينقسم الكون إلى كونين تلبيةً لكلا الاحتمالين. وعلى ذلك فالملاحظ الفيزيائي في أحد الكونين وجد أن الشئ تم قياسه على أنه موجة، أما الملاحظ الفيزيائي التوأم في الكون الآخر فقد قاس الشئ على أنه جسيم.
في هذا السياق تخيل الفيزيائي شرودنجر أن قطةً حُبست داخل صندوق مقفل تماما . و الحدث الكمى داخل هذا الصندوق هو تفعيل خلية كهروضوئية لتوصيل تيار كهربائي وهذا التيار يؤدى إلى سقوط زجاجة بها سم قاتل . ومعلوم أن الخلية الضوئية تطلق إليكترونات " توصيل تيار كهربي " إذا سقطت عليها فوتونات ضوئية معينة . هناك إذن داخل الصندوق مصدر ضوئي والضوء المنبعث منه ينعكس على نصف مرآة ( هي مرآة تعكس نصف الأشعة الساقطة عليها و تمرر نصفها الآخر) وحسب معطيات ميكانيكا الكم فإن أي فوتون يسقط على نصف المرآة فإن دالته الموجية سوف تنقسم إلى دالتين ، أحداهما تصف " الفوتون المنعكس" و الآخر " الفوتون المار " (الفوتون الحقيقي هو مجموع الاثنين ) ينتج عن هذا أن الفوتون المنعكس يجعل الخلية الضوئية تطلق سُمًّاً يقتل القطة ، والفوتون المار خلال المرآة لا يؤثر على الخلية الضوئية مما يبقي زجاجة السم في مكانها فلا تموت القطة. ولكن نظرا لأن الحالة الكمية للفوتون هي فوتون مار + فوتون منعكس فهذا يعني أن السم سوف يصيب القطة + لا يصيب القطة ، بمعنى آخر: القطة ميتة + حية ! ودون كشف الغطاء فأنت أمام كلا الاحتمالين. والحقيقة أنهما معا قائمان فالقطة حية وميتة في نفس الوقت !
هذه الغرائب وغيرها ترصدها المعادلات الرياضية التي برهنت على ما يسمى بمتعدد الأكوان أو الـ Multiversity وهو عبارة عن المجموعة الافتراضية المكونة من عدة أكوان بما فيها الكون الخاص بنا ، تشكل معاً الوجود بأكمله ، وهذا يعنى أنك لو تعرضت لموقف يكون فيه الموت نتيجة محتملة ولم تمت , ففي كون مواز لنا أنت ميت بينما أنت حي في كوننا أو العكس.
أما نظرية الأوتار الفائقة String theory فتقول إن كتل البناء الأساسية لكل مادة وأيضاً لكل القوى الفيزيائية في الكون موجودةٌ في مستوى تحت الكم حيث تختفي السببية. وهذه الكتل البنائية تشبه أربطة مطاطية متناهية الصغر أشبه بالأوتار،هي التي تصنع الكواركات فالنيوترونات فالإلكترونات فالذرات فالخلايا وهكذا. وكل نوع من المادة يُنتج بواسطة تلك الأوتار حسب تذبذبها ومحددات سلوكها، وهو ما يؤدي إلى نشوء القوى المختلفة الحاكمة للكون، وبهذا النشوء تظهر السببية وتبدأ عملها .
الوجود بأكمله إذن عبارة عن عزفٍ موسيقىّ.. عزفٌ يحدث عبر أحد عشر بُعداً وربما أكثر، فالوجود كيان مركّب، الزمان فيه أشبه بزمن المسرحية .. واقعيٌّ بالنسبة لشخوصها متخيل عند المتفرجين . لذا فوجودنا على الأرض يجعلنا في آنٍ واحد أحياء وموتى ، فنحن نيام في الليل والنهار، نعيش داخل حلم [ داخله أحلام ] ولكنه حلم يشير إلى حقيقةِ أننا خالدون بمقدار ما نمارس النضال لأجل الأنفع والأرقى والأجمل.
فهل يحتاج "الإيمان" على خلفية هذا الوعي إلى إعلان أم إلى ممارسة Praxis جادة وفاعلة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اختلف معك فى الاعلان اخى مهدى
حكيم العارف ( 2012 / 8 / 16 - 14:30 )
معذرة استاذى مهدى ... استغربت كثيرا من العنوان فاردت الافصاح عن رائ الخاص..

من الطبيعى ان الايمان هو علاقة خاصة بين المرء وخالقه ..
ولكن ... لكن ...لكن

الافصاح عن الايمان اذا طلب منه هو امر ضرورى.. و بالتالى لايجب ان تكون فيه حساسيه او خوف او مكاسب من النتائج.

الافصاح عن الايمان مطلوب لمعرفة هوية الشخص و انتماؤه.
الافصاح عن الايمان مطلوب لمعرفة كيفية ارضاؤه لاتمام العمل المطلوب منه.
الافصاح عن الايمان مطلوب فى حالات الارتباط و الزواج
الافصاح عن الايمان مطلوب لمنع عمليات نصب او تزوير.

المشكله فى البلدان التى فيها الاغلبيه مسلمين هى الاتى:
تكوين فكره معينه عن ايمان معين انه هو الشر بعينه و يجب محاربته ....
و الدليل هو محاربة الشيعه و اليهوديه و المسيحيه من الطائفه السنيه.
- زرع الكراهيه اتجاه ديانه محدده مثل كراهية المسلم لليهود بصفه مطلقه
- المسلم يتكسب من اعلان اسلامه .. بصور عديده منها الترشح لمناصب الدوله.. القبول فى تخصصات طلبه مثل النسا والولاده

و تختفى هذه المشاكل فى البلدان الاخرى لان ثقافه البلاد المحترمه هى احترام الاخر بغض النطر عن دينه او جنسه


2 - Multiversity and string theory
الدكتور سعيد غنيم ( 2012 / 8 / 16 - 16:05 )
الاستاذ والمفكر والباحث مهدي بندق كل عام وانت ومن تحب بكل خير . شكرا جزيلا وتحية علي هذا البحث القيم عن التعدد الكوني ونظرية الاوتار . احيانا اشعر ان القران قد نوه علي استحياء لهذه الظواهر الفيزيائية . والا فبماذا نفسر : يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار . وايضا : واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السماوات والارض ... وايضا : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين . وايضا : والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون . استطيع ان استنتج وافهم من هذه الايات وغيرها ان هناك سماوات اخري واراضي اخري وكون اخر سيتسني للانسان يوم الوقت المعلوم ان يراها ولامانع من ان يبحث عنها في حياته المحددة علي الارض في الكون المعلوم والمنظور الان ويستخدم كل مااوتي من علم لتاكيدها والبرهنة علي وجودها . ولماذا لا ورب العزة جل وعلا حضنا علي ذلك : يامعشر االجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لاتنفذون الا بسلطان . وهل هناك اجل واعظم من سلطان العلم ؟ شهدالله انه لا اله الا هووالملائكة واولواالعلم قائما بالقسط


3 - الإيمان واحد ولكن الثقافة تختلف
عدلي جندي ( 2012 / 8 / 16 - 20:20 )
حكيم العارف ..سعيد غنيم شكرا لكم ..مداخلة كل منكم مثال حي أن الإيمان لا يحتاج إعلان فإيمان أحدكم هو كفر الآخر
وللمفكر الفيلسوف شكرا جزيلا ...مادة دسمة و في غاية الأهمية

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س