الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستبداد وشيزوفرينيا المواطنة

سالم الصادق

2012 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


يحفل تاريخ الأمة العربية قديماً وحديثاً بأسماء حكام يمكن وصفهم بالديكتاتوريين بنسب متفاوتة ، وأزمنة مختلفة ، مهما تنوعت ألقابهم السلطوية ؛ فالرئيس ، والسلطان ، والأمير ، والملك ، والخليفة ، والوالي .... وقد احتلَّ هؤلاء عروشهم إما بانقلابات دموية أوغير دموية أو بالتوريث ، أو بحركات إصلاح وتصحيح لم تُرَق فيها دماء كثيرة ، أو بتمثيليات هزلية ، وقد عدَّ هؤلاء كرسي الحكم حقاً مقدساً استمدوه من إرادة الله أو الشعب حسب الظروف الزمنية ، والمجتمعية والمكون الثقافي للرعية المخدوعة . وقد بدأ الواحد منهم عهده بتخدير جماهيره بوعود الإصلاح ، وشعارات التقدم والنهضة ، وسخَّروا لذلك أحزاباً سياسية بشعارات براقة خادعة لعملية غسل الأدمغة مستخدمين وسائل الإعلام ، وجوقة المضللين والطبالين من مختلف طبقات المجتمع ؛ من كتاب ومفكرين وقانونيين وفنانين ورجال دين .... ، وفي الوقت نفسه اتخذوا منهجين لاثالث لهما في التعامل مع شعوبهم ( الأعداء الأخطر ) لأنهم يدركون وعي المجتمع باغتصابهم السلطة أو بامتلاكهم ناصية الحكم وإن كان توريثاً بغير وجه حق ، ولأنهم يدركون وجود من هو أكفأ منهم في إمساك دفة الحكم ، وأن هناك من لديه القدرة على نقد سلوكهم وطريقة إدارتهم البلاد ، فاعتمدوا مع الشعب سياسة التطويع بالرشوة بالمال أو بالمناصب أو بالقوة ، وفتحوا لمؤيديهم أبواب الاختلاس والنهب والسلب ، وصارت المحسوبيات عرفاً عندهم متغاضين عن الفساد متعمدين الإفساد . فتكونت طبقة من المنتفعين الفاسدين يدافعون عنهم وعن بطانتهم بكل شراسة ، ويؤيدونهم بكل ما أوتوا من وسائل ، ويبررون قمعهم وينفذونه ، فتحولوا إلى طغاة صغار يحمون الطاغية الأكبر، وهم في ذلك يوهمون أنفسهم بصواب مواقفهم ، فأصبحوا جلادين من الطراز الأول يتلذذون في إهانة وتعذيب الناس لأقل ذنب أو بلا ذنب ،
وحاولوا كسب شرائح من المجتمع تتخلق بأخلاقهم على اختلاف مواقعهم ومناصبهم ومصالحهم وفساد أخلاقهم ، وهؤلاء الساديون يمارسون ساديتهم على عدو مفترض يختلقونه من أبناء جلدتهم ليبررواصواب مايقومون به ، والحاكم في كل هذا يستعرض سلطانه بمناسبة يختلقها ، أو حتى من غير مناسبة ليرهب أعداءه الحقيقيين والمفترضين حتى تخافه النطف التي لم تخلق كما يقول أبو نواس لهارون الرشيد... وهؤلاء عدٌُوا هذا المسلك التعبير الأمثل عن صدق ولائهم للحاكم الأوحد ، الإله الذي توحد بالوطن ، فهم في ذلك أكثر وطنية ممن يقفون في الجانب المقابل موضع التنكيل والعسف والقهر،
هذه الفئة الأخرى من أبناء المجتمع ، وهم يشكلون السواد الأعظم تقع عيهم مطارق هذا الاستبداد ، فتسحق عقولهم وقلوبهم قبل أجسادهم ، ويكوًّن هؤلاء غالبية المجتمع من أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة ممن ينتشر فيهم الجهل وتغشى الخرافة عقولهم ، فيعلق في وهمهم أن هذا الحاكم ( الإله ) محقٌ في كل ما يفعل ، وهو الوحيد القادر على تسيير البلاد وسوس العباد ، لأن الله والشعب اختاراه من دون غيره لأسباب لا يقوون على تفسيرها ، أويخشون مجرد التفكير بها . فالحاكم هذا يمثل الكمال والمطلق لدى الموتورين من مؤيديه ومن سذج رعاياه ، بل تجاوزوا على الله في ذلك . ما شئت لا ما شاءت الأقدار / فاحكم فأنت الواحد القهار . كما عبر عن ذلك ابن هانئ الأندلسي .
هذه الطبقة تبرهن على صلاحها ومواطنتها بمدى الخنوع والتذلل وتقبل أفعال الحاكم حتى لو وقع عليهم القتل غير المبرر ، وكما يقول الكواكبي واصفاً هؤلاء الماسوشيين الذين وجدوافي ماسوشيتهم طريقة للتعبير عن وطنيتهم وصفهم "بالعوام" وهم " قوَّة المستبد وقوته ، عليهم يصول ويجول ، يأسرهم فيتهللون لشوكته ، ويغصب أموالهم ، فيحمدونه على إبقائه حياتهم ، ويغري بعضهم على بعض ، فيفتخرون بسياسته ، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثِّل يعتبرونه رحيماً ."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية