الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطار الربيع الاطلسي في سوريا : سباق البعد الواحد

عبد الرحمن كاظم زيارة

2012 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


بمَ يختلف السيناريو المعد لسوريا في اطار الربيع الاطلسي عن السيناريو الليبي ؟
لايختلف إلا في واحدة ، وهذه الواحدة حساسة جدا وتتمثل بالبعد الطائفي في التحشيد والتعبئة ، وكل ما في الامر ان رقعة الوقائع السياسية الطائفية ستكتمل اذا ما انتهى المشهد السوري الحالي بسقوط الدولة السورية ، فيتحول عندئذ الهلال الخصيب الى انظمة سياسية توافقية تتداول فيها السلطة احزاب طائفية ، بمعنى ان نموذج البول برايمر الذي تم تدشينه في العراق سيتكرر في سوريا ولكن بمعادلة طائفية مقلوبة مقارنة بالعراق .
اما من حيث الوسائل التي يعتمدها الان اللاعبون الاساسيون في سوريا : امريكا ، قطر ، السعودية ، فرنسا ، اسرائيل وتركيا ، فانهم قد استطاعوا تحويل الحراك السوري السلمي الى عمل مسلح مدعوما بالمال والسلاح ، وكما حصل في ليبيا . فالبرغم من وجود طرفين مسلحين يتبادلان اطلاق النار إلا ان المتهم دائما هو النظام بحسب هذا الفريق . ويرافق ذلك الدعوة الى (تحرير ) سوريا باساليب ومفردات اعلامية تتطابق والحالة الليبية مستفيدة من خبرة الولايات المتحدة في حملتها المماثلة ضد العراق عشية احتلاله .
وعلى الجانب الاخير هناك فريق آخر يلعب دورا اساسيا في الازمة السورية يتمثل في : روسيا والصين وايران والعراق ، ومبرراته منقسمة الى مصالح دولية وتحالفات اقليمية لها بعد طائفي بحسب وجهة نظر الفريق الاخر . وكل ما يهم هذا الفريق يساوي ما يهم الفريق الاخر ، وفي كلا الحالين كل شئ يعمله الفريقان يبررانه على انه لمصلحة الشعب السوري !
والخلاصة ان السيناريو المعد لسوريا يراد له ان يخضع الى تحكمات خبرتين : الخبرة الامريكية في العراق ومتمثلة في نموذج نظام المحاصصة الذي ارصنه البول برايمر في العراق ، والخبرة الفرنسية في ليبيا التي توقف فعلها المباشر عند تهديم الدولة ، ومن ثم ، مراقبة صياغة النظام الجديد عن بعد بحسب خطة برناند ليفي كوهين . وفي كلا الحالين يكون تقويض الجيش النظامي وتفكيك المؤسسات السيادية والامنية وانهاء المؤسسات والتنظيمات الحزبية القائدة للدولة هو الهدف الاثمن لما يسمى تحرير سوريا بنفس الطريقة التي تمت في العراق وفي ليبيا تاليا.
والسؤال الان : لماذا يصر الامريكان والفرنسيون على بناء انظمة توافقية بدلا من انظمة ديمقراطية فيها حزب حاكم واحزاب معارضة خارج الحكومة تعمل من داخل البرلمان ؟
الاسباب كثيرة ولكنها تدور حول محور واحد ليجعل الحياة السياسية ببعد واحد وهو الطائفي ، من هذه الاسباب :
1. قطع الطريق على اي احتمال لتفجير ثورة جديدة تقودها هذه المرة طلائع منظمة ،ذلك ان وجود جميع الاحزاب والكتل في الحكومة سيلغي المعارضة نهائيا ويجعل من النظام يمتلك سر استمراره بصورته التوافقية كبديل عن الديمقراطية ، ولاتستطيع صناديق الاقتراع تغييره . كل ما بالامر يذهب المقترع ليختار طائفته وليس قيادته السياسية من حيث النتيجة، وكل شئ معد سلفا .
2. انهاء اي فرصة للاحزاب المدنية والوطنية للعب دورها في النظام السياسي والحياة السياسية ، وتكريس وجود الاحزاب الطائفية كحقيقة نهائية للتعبير عن مكونات للشعب ، وليس التعبير عن الشعب ككل موحد . وهذا بدوره يعزز من متانة نظام المحاصصة التوافقي.
3 . تحويل الدولة الى سلطة والسلطة الى حصص بين المكونات ، وبهذا تغفل الحكومة عن دورها في الخدمات والتنمية والبناء والدفاع ، ويشرعن الفسادين المالي والاداري طبقا للمحاصصات .
كتب الكثيرون عن تفسير ظاهرة وجود مجموعات من الناس تؤيد سقوط حكوماتها عن طريق الاحتلال او عن طريق العدوان المسلح من قبل الاجنبي ، ولماذا يعتبرهؤلاء ان الاحتلال هو الطريقة الوحيدة لاسقاط الانظمة ، ولكونه هو الطريق " الوحيد " الممكن فانه مشروع (كذا!) ، ولن نذهب بعيدا في معارضة مثل هذا التهافت ونكتفي بالقول ان مثل هذه المجموعات هي في الاغلب حصل افرادها على جنسيات اجنبية او حصلوا على اقامات في الدول الاجنبية ، ويرتب على ذلك قبولهم لمقولة ( تحرير) بلدهم (الام) من قبل بلدهم الجديد بالتجنس ، فمسألة الوطن عندهم اضحت ضبابية . وافراد مجموعات اخرى يرون في الطائفة وطنا لهم ، فلا غرو ان يأتي اشقائهم ابناء نفس الطائفة ليكونوا فيه وزراء او مسؤولين وإن كانوا من اوطان اخرى .فالاطراف الاقليمية الداعمة للمعاضة المسلحة السورية والاطراف الاقليمة الداعمة لنظام في سوريا كلاهما يتحرك وفق العصب الطائفي او على مساره في الاقل .
ويبدو لنا ان وعيا جديدا بدأ يتكون في ظل معطيات الربيع الاطلسي ، إذ ما عادت شعارات التحرير والديمقراطية تستهوي قطاع من الجمهور كما استهوته في الحالتين العراقية والليبية . وقد اضافت خبرة الواقع السياسي في تونس ومصر عاملا بناءا لوعي الجماهير بانكشاف خواء الاحزاب المتأسلمة وعدم قدرتها على الايفاء بتطبيق شعاراتها البراقة .
وان هذه الحقيقة ليست غائبة عن الفريق الساعي لاسقاط الدولة السورية تحت شعار اسقاط الطاغية ومن اجل الديمقراطية ، لذلك هم يسعون بكل مواردهم واساليبهم الى نقل الازمة السورية الى مستوى الحرب الاهلية الشاملة .
ان الشعور بالخيبة والاحباط في تونس ومصر وليبيا والعراق واليمن جراء نتائج الربيع الاطلسي في الوطن العربي هو العامل الاساسي والمشترك لتجدد وعي الجيل العربي الشبابي الجديد الذي بدأ يسخر كثيرا من رجال الدين الداعمين لما سميت بالثورات والتحرير وديمقراطية المدفع الامريكي والاطلسي ، كما يسخر من دعاة التحرر من المثقفين الذين يقرأون الواقع من خلال كتب الفها اناس اجانب ، وينحصر تطبيقهم لها في الخيال وما يكتبون حسب .
ولعل من النافع القول ان الولايات المتحدة تدرك جيدا ان الجماهير العربية بها حاجة الى الثورة الحقيقية ، ثورة تعيد بناء بلدانها وتحترم فيها كرامة الانسان وتضمن مستقبله وتضمن له حرية المعتقد والحقوق السياسة ، فالتقطت هذه الحاجة لتهوّم بها على الانظمة ليس لمساعدة الجماهير على تحقيق طوحها الانساني والوطني والحقوقي ، بل لاعادة تصنيع انظمة سياسية تغلق فرص الثورات الحقيقية لفترات طويلة . فاذا كان النظام الاقتصادي في دول الغرب كفيل بتأبيد الانظمة السياسية التداولية المحدودة بحزبين اثنين فقط ـ كما في امريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها ـ والتي تحافظ بدورها على الشكل الرأسمالي الاحتكاري ، فانها وجدت في الاحزاب الطائفية المتأسلمة ملاذها وفرصتها في تشظية المجتمعات العربية الى كانتينات طائفية وعرقية قادرة على غلق الفرص الحقيقية لأي فرصة للتغيير الحقيقي في مجال الحرية والديمقراطية والتنمية .
ومن المستغرب حقا ، كيف يمكن وصف حرك جماهيري في اي قطر عربي بالثورة وهو مدعوم من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرها ؟ وبل ومن قبل العدو الصهيوني ايضا !؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اتعجب
سلام السوسنة ( 2012 / 8 / 19 - 20:23 )
اتعجب من تحليل يتحدث عن كل شيء ... ليبية، ناتو، مهاجرين، صهيونية...
أما 40 سنة من الفساد والاستبداد واذلال الشعب السوري وتجويعه واغتيال خيرة رجاله وتعذيبهم واعتقالهم وانكار ابسط الحقوق الانسانية، كل هذا لا وجود له في تنظيرات الكاتب!!!!
عجبي


2 - رد على تعليق الاخ سلام السوسنة
عبد الرحمن كاظم زيارة ( 2012 / 8 / 19 - 21:55 )
هذا هو تحليلنا لما يجري في سوريا وقبله في العراق وليبيا ومصر وتونس ..إإتني بتحليل مغاير وسترانا متفاعلين معه قبولا او رفضا دون علامات تعجب .. واود التأكيد ان ما كتبته هو قراءة لواقع دون ان اعلان لموقف متحزب لهذا الطرف او ذاك في الازمة السورية ، ولو تأملت ما كتبته بهدوء ستجد اننا نتحدث عن مصادرة الثورة في كل الاقطار التي مر فيها قطار الربيع الاطلسي.

اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت