الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة تحليلية في نص (خروجا على الصف ) لربيع عقب الباب

سالم وريوش الحميد

2012 / 8 / 23
الادب والفن


نص للكاتب المصري رربيع عقب الباب
هذه رؤية تحليلية لنص ( خروجا على الصف ) ..
وهونص متميز ..
النص
قشرت جلد جحيمي ؛
توقا لعبور البرزخ .
قلت : " ولي الوقت ؛ فهيا لمعاودة دخول الصف ".
أسلمت الوجه لحنين صارخ.
ابتل الوقت / الريح / العمر ، فمسّت كفُّ الله الروح "
لكن لحيما مشدود القيظ ، اغتصب براءة إبحاري من فوق المنبر ؛
و لمدة ساعة ونصف الساعة استعملني كـ ..... ؛
فغاضبت العالم
وحين رأيت شبيها له على باب الحارة ، كنت أبحث عن آلة حادة .......


خروجا على الصف
العنوان بداية التمرد .. وعادة مثل هذه الجملة توحي الخروج مما هو عام أو شائع أو نظام أو عرف اجتماعي والخروج هنا أما أن يكون جماعيا أو فرديا .. تحدد ماهية هذا الخروج من الأطر التي أعتيد عليها .. إلى أطار أخر لا يحمل صفة الهروب من الواقع بل المواجهة مع ما هو قائم .. ولو استخدم الكاتب كلمة خروجا من الصف .. لأصبح الخروج هو الابتعاد ولا يحمل بالضرورة معارضة أو مقاومة ... لذا فإن اختيار العنوان .. كان متوائما مع النهاية .. لأن متن النص كان يحمل فكرا مغايرا .. لكل من العنوان والنهاية
قشرت جلد جحيمي توقا لعبور البرزخ ...
البرزخ في اللغة العربية
ما بين كل شيئين، وهو الحاجز بين الشيئين. وقد يكون البرزخ ما بين الدنيا والآخرة قبل الحشر من وقت الموت إِلى البعث ,وما يهمنا هنا هو الانتقال من شي إلى شيء فما بينهما هو برزخ ..
إذن الصورة التي أرادها .. الأستاذ ربيع قد نسجت في مخيلتنا وأصبحنا مهيئين لاستقبال الفكرة العامة للنص ..
السارد هنا ".سلخ انتماءه وتبعيته القديمة والمسيطر عليها من قبل قوى متسلطة .. هذا الانسلاخ لم يأتي لرغبة ذاتية دون مؤثر خارجي لذا جاءت الجملة مكتملة البنيان توجز بحالة من التكثيف أكثر من دلالة ... جاء التوق للخروج إلى العالم الآخر بعد أن وسم انتماءه ( بالجحيمي)
وهوتعبير عن الغليان الداخلي الذي كان يعيشه البطل
...قلت : " ولي الوقت ؛ فهيا لمعاودة دخول الصف ".
هنا وجد نفسه يائسا قد لا ينفع خروجه لوحده قد لا يغير شيئا أمام هذا الكم الكبير من البشر الذين ارتضوا الخنوع أو اسلموا إراداتهم وأفكارهم طواعية لتلك القوى دون وعي أو إدراك
تحركهم بذلك عواطفهم ، الوقت أصبح لغير صالح البطل حيث ولى زمانه أو هكذا توهم ، لأن الأفكار التي أراد أن يرضى بها نفسة للتخلص من حالة التوتر .. هي محاولة إيهام للذات فالمجتمعات في حالة تغير وتبدل مستمر والأفكار لابد وأن تمر بأطوار بعضها آني لا يخضع لدينامية التغيير والآخر حتمي ، توهم البطل أنه ماعاد قادرا على التغيير وأصبحت العودة إلى الصف شيئا لابد منه لئلا أن يتهم بالشذوذ والاختلاف وربما بالجحود والتمرد .. العودة للصف أكثر تقية من البقاء خارجه ، حتى وإن كان هذا الخروج بمعنى الهروب أو الخوف
أسلمت الوجه لحنين صارخ
البطل يبقى في حالة تردد ، بين القبول بالأمر الواقع ، أو إكمال إبحاره والسير ضد التيار .. المقاومة أو إقرار بنود استسلامه .. رغم أن الجملة بدت هي الأخرى تحمل ذات الحيرة التي راحت تسيطر على نفس البطل وقد نبنى تفكيكنا للنص على النقيضين .. أي حالة الرفض .. وحالة التسليم
ا بتل الوقت / الريح / العمر ، فمسّت كفُّ الله الروح
هنا أصبحت الشمولية حالة عامة ، كل شيء تأثر بهذه القوى .. حتى الزمان .. والمكان والظواهر الطبيعية ،وعمر الإنسان ، الذي أصبح بحكم أرادة تلك القوى .. إن أجل الإنسان محكوما بقوانين الطبيعة إضافة إلى الإرادة الإلهية لكن التوظيف هنا جاء ليقول لنا أن لهذه القوى القدرة على استلاب الأرواح
باسم الله ..
لكن لحيما مشدود القيظ ، اغتصب براءة إبحاري من فوق المنبر ؛ و لمدة ساعة ونصف الساعة استعملني كـ ..... ؛
هذه التداعيات التي عاشها البطل والتي رسمت له طريقا محاطا بالضبابية ، بل طريقان لا يعرف بأي منهما يسير رغم معرفته التامة ألا لا نجاة مع الاستسلام
وأن الطريق الآخر محفوفا بالمخاطر .. لذا جاءت هذه الجملة (لكن لحيما مشدود القيظ ) فيها دلالة إيحائية للتعبير عن إن الالتصاق بهذه القوى يجيء نتيجة عجز وقوى خارجة عن أرادة الإنسان , وبذا يكون هذا الالتصاق رغم قوته هو التصاقا ظاهريا ، قوة الجذب تعمل على التغيير الخارجي لكن يبقى الداخل حاملا ذات الرفض ،
لتجره تلك التغيرات إلى محاولة هضم هذا النسيج الغريب عن كيانه ، يحاول التجاوب معهم ، وهي ليست قناعات أكيدة بل هي محاولات لإيهام الذات ومن هنا تبدأ ردة الفعل الحقيقية لديه لم يكن البطل ولن يكون يوما ما في توافق مع أفكار مغايرة لأفكاره ’ لإنسانيته ، لمبادئه .. تبقى هذه الأفكار غير مهضومة .. لذا جاء الرد متمردا .. جاء بقوة الانتفاضة ، فاق من غيبوبة حاول التعايش معها ... إذ كان مشدودا لخطابا غير الخطاب الذي تربى عليه لساعة ونصف الساعة هو يسمع أفكارا غريبة فوضوية هدامة تحاول أن تجعل من الدم والقتل والذبح طريقا للإله ...
لتأتي النهاية أن لا خلاص إلا بالمقاومة .. ومهما اتبعنا من سبل لتجنب المجابهة مع هذه القوى أو الابتعاد هنا ، أو محاولة هضم أفكارها نجد أنفسنا عاجزين عن ذلك .. لأن ثمة مبادئ في داخلنا تأبى علينا أن نسير ضمن ركبها فغاضبت العالم .
وحين رأيت شبيها له على باب الحارة ، كنت أبحث عن آلة حادة .......

كان لابد أن يغاضب العالم ومن يحيطون به .. لأن بداية النهاية صعبة ، وأن مقارعة هؤلاء بالحجة أو الدليل أوالبرهان أو المنطق العقلي تصبح عقيمة ..
النص .. لم يأت من فراغ .. أن نتاج العقل عادة يكون خاضعا لعدة عوامل تأتي في مقدمتها التأثيرات السيكولوجية ،والبيئية ، والفكرية ، والمؤثرات الآنية التي تطرأ على العقل .. نتيجة أحداث معينة ، إضافة إلى المعين المعرفي للأديب كعامل مساعد في ترتيب وتشكيل الشكل البنيوي للنص .. كل هذا يجعل من النص مادة مهيأة بشكل تلقائي في داخل الكاتب .. قد لا تحتاج إلى لحظة من التجلي ليخرج إبداعا مميزا ...
النص لو لحظناه من بداية العنوان وحتى النهاية .. لم يكن نصا عاديا ، بل هو ملحمة فلسفية ، استطاع الكاتب أن يوجز مرحلة من الصراعات الفكرية والسياسية في نص قد لا يتعدى ثلاثمائة كلمة .. وهذا قمة الإبداع .. وقمة التمكن ...
قد أكون تجاوزت حدود النقد بهذا الانحياز لأدب الأستاذ الربيع .. ولكن مثل هذا الإبداع .. أقف له احتراما وتبجيلا .. أدب يفرض نفسه ...
-------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا


.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه




.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة