الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل العالمة برتل خسارة كبيرة لجبهة العلماء الشرفاء

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2012 / 8 / 17
سيرة ذاتية


خسارة كبيرة

في الرابع عشر من حزيران/ يونيو الماضي رحلت الدكتورة روزالي برتل Rosalie Bertell عن عمر ناهز الثالثة والثمانين.وبرحيلها فقدت الأوساط العلمية المستقلة وبخاصة جبهة العلماء المناوئين للحرب وللأسلحة النووية ولذخائر اليورانيوم المشعة،عالمة كبيرة خدمت العلم والبشرية نحو ستة عقود، وتركت لزملائها وتلامذتها وللأجيال القادمة إرثاً علمياً وإنسانياً.

ولدت برتل في بوفالو، نيويورك، في 4 نيسان (أبريل) 1929، من أب أميركي وأم كندية. حملت الجنسيتين الأميركية والكندية. تخرجت من كليّة «ديوفيل كولج» D´YouvilleCollege قسم الفيزياء والرياضيات، ثم نالت الماجستير في علوم الرياضيات/الفلسفة والدكتوراه في علوم الرياضيات- البيولوجيا والكيمياء الحيوية، من الجامعة الكاثوليكية في أميركا (1966) وكانت أطروحتها مكرسة للقياسات الحيوية «بيوميتركس» Biometrics وتطبيقاتها في البيولوجيا والكيمياء الحيوية.

تخصصت برتل في علم الأوبئة Epidemiology وأصبحت خبيرة مشهورة عالمياً. وعملت في بحوث عن حسبان الديمومة المحتملة للحياة البشرية.وإتجهت لدراسة الأمراض وصلتها بالبيئة ضمن إختصاص الصحة البيئية ودخلت علم الأوبئة البيئي Environmental epidemiology. وتخصصت في مجال الإشعاع،وأصبحت أيضاً خبيرة عالمية فيه،وركزت على الإشعاع المؤين Ionizing radiation وتحديداً الإشعاع المنخفض المستوى LLR. وعملت مستشارة علمية لدى «هيئة التنظيم النووي الأميركية» NRC و«الوكالة الأميركية لحماية البيئة»EPA. واستعانت بها وزارة الصحة الكندية للعمل في «برنامج التأثيرات الصحيّة للبحيرات الكبرى» Great Lakes Health Effects Program ،إضافة إلى مشاركتها في «مجلس التقويم البيئي» EAB في أونتاريو. وترأست الوفد الكندي في «مجموعة عمل صحة النظام البيئي» EHW التابع لـ «مجلس المستشارين العلميين» في «اللجنة الدولية المشتركة» للولايات المتحدة وكندا حول البحيرات الكبرى. وترأست «المعهد الدولي للعناية بالصحة العامة» ICPH بين عامي 1987 و2004. وشاركت في «الهيئة الطبية الدولية حول بهوبال»، التي رصدت الآثار الصحية المترتبة على انفجار مصنع للمبيدات الكيماوية تابع لشركة «يونيون كاربايد» الأميركية في مدينة «بهوبال» الهندية (1984)، وتعتبر الكارثة الصناعية الأسوأ. وأسست «الهيئة الطبية الدولية لتشرنوبيل»، كما شاركت في تأسيس «اللجنة الدولية للمهنيين الصحيين» و «الرابطة الدولية للطب الإنساني». ولقبت بـ «الراهبة الرمادية ذات القلب المقدّس».وقبيل وفاتها، كانت تعمل في «اللجنة الدولية المشتركة» التابعة لـ «فرقة المهمات النووية».

وإضافة إلى هذا السجل، شاركت برتل في هيئات تحرير دوريات ومجلات علمية رصينة، ومنها «إنترناشيونال بيرسبكتف إن بابليك هيلث»
The International Perspectives in Public Health.

وأصدرت برتل كتباً علمية منها «لا خطر مباشر: إنذار للأرض النشطة إشعاعياً» (1985)
No Immediate Danger: Prognosis for a Radioactive Earth. Women s Press,London 1985.
و«كوكب الأرض» Planet Earth الذي صدرت طبعته الأولى في العام عينه، وتكررت طباعته 7 مرات.و«كتاب عن تقويم الأضرار الصحية للتعرّض للأشعة المؤيّنة- بحث دولي» (1986)
Handbook for estimating health effects from exposure to ionizing radiation. Interna- tional radiation research. Training Institute, Birmingham 1986.
و «كوكب الأرض: السلاح الأخير في الحرب» ( 2000).Planet earth - The latest weapon of war, The Women s Press, London,

وقدّمت بحوثاً علمية متنوّعة شملت «ضحايا العصر النووي» : The Ecologist, Volume 29, No. 7, November1999 ، و«التكاليف الصحية والبيئية للعسكريتاريا» و «العولمة: إندماج البيئة وحقوق الإنسان» ( قدمتهما في الملتقى الدولي "نحو عالم بدون عنف"،الذي إنعقد في برشلونة في 24 جزيران/ يونيو 2004. و «الأضرار المهنية للحرب- اليورانيوم المُنضّب: جميع الأسئلة التي لم تجد جواباً عن اليورانيوم المُنضّب و «متلازمة حرب الخليج»(نشرته International Journal of Health Services 36 (3), 2006) ، و«اليورانيوم المُنضّب في جسم الإنسان» و «فوكوشيما: كارثة نووية» وغيرها. وعُرِفَ عن العالِمة الراحلة أنها كانت دائماً تبحث عن إجابات للأسئلة الصعبة والمعقّدة، خصوصاً ما يتّصل بالملوّثات السامة..

اليورانيوم و «متلازمة حرب الخليج»

كتبت برتل ورقة علمية فيمة عن استخدام اليورانيوم المُنضّب في حرب الخليج وعلاقته بإصابة الجنود الأميركيين بـ «متلازمة حرب الخليج» Gulf War Syndrome.نشرت في عام 2006 ،شكلت ردّاً واضحاً على خبراء البنتاغون وأضاليلهم الزاعمة أنه «لم تثبت» علمياً أخطار اليورانيوم المُنضّب على صحة البشر.إذ سلّطت الورقة الضوء على ما يسبّبه اليورانيوم المُنضّب من تلف كيمياوي وإشـعاعي في الخلايا الحـيّة، واستهدافه جهاز المـناعة ما يـفتح الـباب أمام الإصـابـة بمـجـموعة من الـجراثـيم، وأثـره المـُسـرطـن للأنسجة، وأضراره على خلايا التكاثر ما يولّد تـشوّهات خلـقيـة متـنوّعـة وغـيرها. وكرسـت بـرتل حيزاً خـاصاً لـلتفريق بين غبار اليورانيوم المنضب المتولد خلال الحرب، ونظيره في مناجم اليورانيوم ومطاحنه. وتأتي أهمية هذا التفريق من تركيز معظم البحوث على غبار اليورانيوم في المناجم والمصانع، ثم استخدام نتائجها في صنع صورة عن الآثار الصحية المحتملة لغبار اليورانيوم المُنضّب في الحروب.
وبكل صراحة، ناوءت برتل المنهجية التي سارت عليها «الهيئة الدولية للحماية من الإشعاع»، موضحة أن هذه المنهجية استندت إلى دراسات عن الإشعاع العالي المستوى، ما يتضمن نوعاً من الإخفاء للآثار المرتبطة بالتعرض للإشعاع المنخفض المستوى. ولذا، اعتبرت برتل أن هذه المنهجية لا تصلح لفهم التعرض لليورانيوم المُنضّب الذي يحمل أشعة واطئة المستوى. وأشارت إلى أن مزج هذه الأشعة مع المعدن الثقيل والمواد السامة، قادر على تخريب مُكوّنات أساسية في نواة الخلية، مع إعاقة قدرتها على إنجاز وظائفها طبيعياً والتخلّص من السموم. وأوضحت برتل أن هذا الوضع لا يقتل، لكنه يبقي المُتعرّض لليورانيوم المُنضّب مريضاً على نحو مزمن.
واستعملت هذا المقترب لتفسير «مـتلازمة حرب الخليج» التي عاناها جنود أميركيون شاركوا في حرب الخليج عام 1991. وأكّدت برتل عدم وجود جرعة آمنة من التعرّض للأشعة.

على صعيد موازٍ، نشطت الراحلة ضد الحروب ولنصرة السلام والاستقرار العالمي، داعمة بقوة حقوق الإنسان، خصوصاً حق شعوب العالم الثالث في التمتع بحياة لائقة وصحة مستقرة. وسجلت برتل مواقف بارزة حيال شعوب عدّة، على غرار المساعدة التي قدمتها للمواطنين الفليبينيين بشأن المشاكل التي نجمت عن النفايات السامة التي تركها الجيش الأميركي في قواعده العسكرية هناك، وضحايا حادث بهوبال في الهند، والحكومة الإرلندية إبّان سعيها لتحميل بريطانيا مسؤولية التلوث الإشعاعي في البحر الإرلندي.

ولا ينسى العراقيون دورها الكبير في كشف ما تعرضوا له من اليورانيوم المُنضّب، لأن «متلازمة حرب الخليج» أصابت مواطنين في العراق، إضافة إلى جنود الجيش الأميركي.

وتقديراً لإنجازاتها العلمية والإنسانية ولجهودها المضنية كمدافع عن العدالة الاجتماعية، حازت الدكتورة برتل وبجدارة على جوائز عدة دولية وأميركية وكندية، منها وسام «هانز أدلبرت شويغارت» من «الاتحاد العالمي لحماية الحياة»(1983) وجائزة Right Livelihood Award(1986) وجائزة World Federalist Peace Award(1988) وجائزة Ontario Premier s Council on Health (1991) وجائزةGlobal 500 award من برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP (1993)،وجائزة Health Innovator Award وجائزة The Sean MacBride International Peace Prize، وغيرها.. كما منحتها 5 جامعات كبرى شهادة الدكتوراه الفخرية تقديراً لعملها العلمي والمهني.

وعلى رغم مكانتها العلمية الكبيرة وإنجازاتها الباهرة، كانت الراحلة برتل عالِمة متواضعة جداً، كما لم تبخس حق من سبقها من العلماء في البحوث العلمية.
------
* أكاديمي عراقي مقيم في السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ