الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول عدم الثقة بالنفس وعلاقته بالاستبداد

محمود جلبوط

2012 / 8 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد أتاح وصولنا إلى المنفى الأوربي لنا فرصة نادرة للتعرف إلى الآخر الأوربي الذي تشكلت صورته في ذهنيتنا السياسية والأيديولوجية وحتى الدينية من خلال ما أنتجته علاقة التبعية البنيوية بين أنظمتنا الكولونيالية ورأسماليته المركزية منذ تقاسم التركة العثمانية فيما بينها وما نتج عنها من انهيار للسيادة الوطنية وللسياسية والأخلاق والعلاقات الاجتماعية وخاصة بعد اغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني أو غزو جنوده المباشر للمنطقة والحروب البينية مذهبية كانت أو جغرافية حدودية رافقه على المستوى الفكري تعميم الفكر الهجري والوهابي بالتوازي مع انتشار فكر قومجي أو علمانوي رث وصلت أوجها بعد طفرة النفط مطلع سبعينيات القرن الماضي اشتد وزارها عقب حرب تشرين 1973 بعد أن راح البترودولار منذ ذلك الحين يلعب دورا جوهريا في إفساد الحكم والحكام وضمائر السياسيين وحتى الكثير من المثقفين المرتزقة في خدمة نشر الصهينة .
ومع تواصل السنوات في منفانا زادت معرفتنا بهذا الآخر ورحنا نكتشف ميزاته ومواقع اختلافه عنا وكلما تقدمنا من مواقعه الاجتماعية والثقافية والسياسية أكثر كلما تفككت كتلته الصماء داخلنا والتي قدمها لنا كل ما سبق ذكره في بلادنا على أنه كتلة واحدة مجملة بكل تناقضاتها وعلى أنه العدو دون تمييز بين فئاته الاجتماعية ولا حتى بين مواطنيه على أساس الاختلافات بالآراء أو الأديان أو الطبقات فذهلنا ما اكتشفناه من عوراتنا وهذا أثار فينا خارج إراداتنا شهية المقارنة الشاملة بين عقلية وذهنية هذه المجتمعات ومجتمعاتنا , وبين بناهم الفكرية والايديولوجية وبنانا فكانت الصدمة .
دخلن بعد هذا الاكتشاف الخطير بإعادة بناء أنفسنا لاقتلاع مواقع الاستبداد وما استتبعت من طريقة تفكير تناسب بنية الاستبداد في بلادنا , لكي نعيش منسجمين مع واحة الحرية الطارئة علينا في الساحة التي نفينا إليها تناولت بشكل خاص مسألة الحريات الشخصية والحب والجنس واحترام القوانين والعمل والمواعيد , وبدأنا نفهم لماذا المواطنون في أوربا يثقون بأنفسهم وبالآخرين إلى هذه الدرجة ويفتقر إليها مواطنينا , ولا يعني كلامي هذا بالضرورة أن حالة المجتمعات الأوربية هي الحالة المثالية فبالتأكيد لهم عيوبهم وأخطاؤهم .
سار بنا الأمر هكذا بشكل سلس واستطبنا العيش على أساسه في منفانا واستسلمنا لهدوء ما نحن فيه وراح اتصالنا بالوطن يقتصر على اتصالات هاتفية مع الأهل ودائرة ضيقة لبعض الأصحاب كان من نتيجتها ضعف ذاكرة الوطن فينا ومع مرور الأيام فقدنا حتى الرغبة بالمقارنة بين ما لديهم وما لدينا وبدأت الآمال والرغبة في التغيير في بلادنا التي تملكتنا في مطلع فترة وجودنا لنحاكي ما لديهم من تقدم وحرية بعد أن كنا نشاهد رسوخ الاستبداد في بلادنا والإلحاح على إعادة إنتاج علاقاته إلى أن رمت انطلاقة الانتفاضة العربية حجرا في بركة كسلنا من تونس ثم مصر واليمن وليبيا والبحرين إلى أن وصلت سوريا لتحرك سديم الركود فيها فنالنا من الحب جانب فانتفض داخلنا وثار حماسنا واتقدت عواطفنا الوطنية وانطلقنا في تكثيف الاتصالات مع الأهل للاطمئنان والتضامن ولنؤكد صدق نوايانا فتحنا صفحات اجتماعية كالفيسبوك والتويتر في الشبكة العنكبوتية وأضفنا الكثير من الأصدقاء والصديقات في الوطن وأضافونا ومنهم بالتأكيد بعض النساء والفتيات حمل الكثيرات منهن كثيرا من التوجس الموروث . ولأن كل ذلك جرى دون الاستعداد الشخصي والذاتي للتغيير ثارت شكوك عديدة , خاصة نحونا نحن الذين تعودنا جو الحريات السياسية والاجتماعية والشخصية والدينية نتيجة جرأتنا في طرح آرائنا عبر حواراتنا المشتركة , بعضها شكل إحراجات رافقها بعض الأزمات الصغيرة مما دفعني إلى فكرة كتابة هذه المقالة في تناول علاقة الاستبداد وعدم الثقة بالنفس وبالآخر لدى مواطنينا بشكل عام الذي تتجلى بأبهى صورها لدى فتيات ونساء بلادنا .
وبناءا عليه أؤكد أن الثقة بالنفس هي شرط ضروري وأساسي بل مقدمة جوهرية للثقة بالآخرين فكيف إذا كان من بين هؤلاء الآخرين من يسكن بين جوانحنا صديق كان أو حبيب لأنه من المنطقي جدا أن من لا يثق بنفسه لا يمكن أن يثق بأي شخص آخر .
كان بإمكاني أن أتوقف في خاطرتي عند هذا التصريح الأخير ولكن حماسي المعهود دفعني للاستطراد بالبحث عن مسببات هذه الحالة التي تعتبر من المظاهر المميزة لمجتمعاتنا .
لقد أثارت هذه الظاهرة اهتمام أكثر من باحث اجتماعي عربي لبحث العلاقة بين الاستبداد المعمم في مجتمعاتنا العربية وعدم ثقة المواطن العربي بنفسه ولا بالمواطنين الآخرين , أؤكد بهذا الصدد على ما نشره الكاتب السوري مصطفى حجازي في كتابه : " التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجيا الإنسان المقهور " .
إن شعور عدم الثقة بالنفس يستولد أوتوماتيكيا شعور الخوف من الآخر , فهناك علاقة طردية بين الخوف وعدم الثقة كحال جميع مجتمعات ما أطلق عليها تاريخيا " نمط الإنتاج الآسيوي " وأرجو أن يسمح لي سعة صدر الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين العرب أن استبدله بتسمية " نمط الإنتاج الاستبدادي " لأنني لا أقصر في استعمالي لهذه التسمية على الاستبداد السياسي بل تشمل الاستبداد الاجتماعي والديني والجنسي الذي تتجلى أقسى أشكاله على المرأة العربية أو الفتاة دون استثناء الأطفال , وذلك في سبيل تسويد سلطة الذكر في ظل ما يعرف بالعائلة البطريركية .
لا يعتمد نمط الإنتاج الاستبدادي لتعميمه وإعادة إنتاجه اجتماعيا على نشر الرعب بين الناس على أيدي أجهزة الشرطة والأمن والبصاصين وحسب على الرغم من أهميته كخطوة أساسية لما يليها , بل على إسكان الشرطي والبصاص في داخل المواطن : في عقله وقلبه وطريقة تفكيره ليرسخ في ساحة الشعور وساحة اللاشعور لديه لضمان إعادة إنتاج علاقته الاستبدادية لدى أطفالنا عبر التربية في المنزل والمدرسة والشارع مما أدى إلى رسوخه فينا أجيالا وراء أجيال عبر مراحلنا المتعاقبة في دائرة شيطانية لا فكاك لنا منها , فعلى الرغم من عصف الأحداث الكبيرة بمنطقتنا من ثورات وحركات تمرد عنيفة واقتراف المجازر والمذابح , إلا أن الاستبداد نجح دوما في النجاح في إنتاج نفسه في داخلنا عبر منظومة أخلاق الفكر الهجري , ولا غرابة أن يتكرر ذلك في مآل الانتفاضات العربية الحالية , ولكي لا يتكرر لا مناص لنا , لإعادة الثقة بأنفسنا وانتشارها بين المواطنين والثقة بالآخر , من تحطيم الشرطي والمطوع داخلنا كخطوة أولى على طريق القضاء على الاستبداد وآلياته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل