الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الفوضى الخلاقة الأمريكية حيال المنطقة العربية.

همام عبدالله علي

2012 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


منذ نهاية العام 2004، وبداية العام 2005، وبعد أن انكشفت أكاذيب الإدارة الأمريكية بشأن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، حدث تغير مهم في خطاب الإدارة بشأن احتلال العراق وأهدافه، فتخلت عن الحديث عن الخطر الذي يشكله العراق بامتلاكه أسلحة دمار شامل ومحاربة الإرهاب والقضاء عليه، إلى تعزيز الديمقراطية ونشرها في العراق ليصبح انموذجاً يحتذى به، وطرحت نظرية الفوضى الخلاقة.
وبعد اقتناع صانع القرار الستراتيجي الأمريكي بصعوبة السيطرة على الوضع في العراق، وفشل الستراتيجية الأمريكية المطبقة فيه اطلقت فكرة الفوضى الخلاقة من قبل (روبرت ستالون)، مدير مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في مقالة تحليلية دورية بتاريخ 15-16/ آذار 2005، وفكرة الفوضى الخلاقة واهدافها أصبحت جوهر السياسة الأمريكية البديلة عن السياسة السابقة لإدارة بوش، تجاه العراق والوطن العربي.
ولم تطرح هذه النظرية على الصعيد الرسمي ومن قبل صانع القرار الخارجي الأمريكي، إلا في نيسان عام 2005، من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، حين أدلت بحديث إلى صحيفة (الواشنطن بوست( الأمريكية، بعد أن انتشرت الأعمال التخريبية التي اتهمت بأنها مسيسة من قبل الجيش الأمريكي، وفي اجابتها عن سؤال وجه لها عن الفوضى التي يمكن أن يولدها التدخل الأمريكي في "الشرق الأوسط"، قدمت رايس الفرضية التي تقوم عليها النظرية وهي: "إن الوضع الحالي ليس مستقراً، وإن الفوضى التي تنتجها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي فوضى خلاقة، ربما تنتج في النهاية وضعاً أفضل من الذي تعيشه حالياً".
وأدخل الأستاذ (توماس بارنيت) (أحد أهم المحاضرين الرئيسيين في وزارة الدفاع منذ أيلول 2001)، بعض التطورات على نظرية الفوضى الخلاقة، إذ تقسم هذه النظرية العالم إلى:_
أ‌- من هم في القلب أو المركز، ويعني بهم الولايات المتحدة وحلفائها.
ب‌- والأخرون الذين يشكلون دول الفجوة أو دول الثقب، وإنهم مثل ثقب الأوزون، الذي لم يكن ظاهراً قبل ايلول 2001، لكن الأن لم يعد ممكناً أن يغيبوا عن النظر، وتضم دول الفجوة أو الثقب، بحسب بارنيت، الدول المصابة بالحكم الاستبدادي، والأمراض والفقر المنتشر، والقتل الجماعي الروتيني، والنزاعات المزمنة التي تصبح بمثابة مزارع لتفريخ الجيل القادم من الإرهابيين.
ووضح بارنيت إن ستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة عليها أن تتضمن:_
‌أ- زيادة قدرة دول القلب للرد على اضطرابات النظام الدولي.
‌ب- العمل مع دول القلب على ردع صادرات دول الثقب مثل الإرهاب، والمخدرات، والأوبئة.
‌ج- العمل على انكماش هذا الثقب.
وحدد بارنيت منطقة "الشرق الأوسط" للبدء بتطبيق الستراتيجية الجديدة، ويرى بأن الدبلوماسية لا تعمل في منطقة، لا تكمن مصادر التهديد الأمنية فيها في علاقات الدول البينية بل هي في داخل دول المنطقة ذاتها ثم يصل بارنيت إلى مرحلة الفوضى الخلاقة، إذ يتصور شكلاً معين لأماكن حدوثها، من نوع الانهيار الكبير أو التفكك الإقليمي.
ونظر بارنيت للتدخل المباشر من قوة خارجية لأجل حدوث الفوضى الخلاقة، إذ يقول: "إن الشيء الوحيد الذي سيغير المناخ الشرير، ويفتح الباب لفيضان التغيير، هو أن تتدخل قوة خارجية، ونحن الدولة الوحيدة التي يمكنها ذلك" ثم يحسم بارنيت حدود هذه النظرية بالقول إن هدف هذه الستراتيجية هو انكماش الثقب وليس مجرد احتوائه.
وقد طبقت هذه النظرية بدايةً في العراق بعد احتلاله، فمثلت مرحلة الصدمة الثانية من مراحل الصدمة والترويع، وذلك عبر التغاضي إن لم يكن السماح بأعمال النهب والسلب والحرق والتدمير لمؤسسات الدولة، وإعادة بناء الدولة على اسس المحاصصة القومية والاثنية والطائفية، وتعد هذه المرحلة من أخطر المراحل، ففيها تبلورت المشكلة الأمنية وتفاقمت لحد الدخول في حرب أهلية، ومن ثم الفوضى العارمة التي عصفت بالعراق، والتي عدها المحتلون فوضى خلاقة من أجل عراقٍ أفضل!!.
ولم تتردد الولايات المتحدة في الافصاح عن عزمها تطبيق هذه النظرية في الشرق الأوسط عموماً والمنطقة العربية بالذات، والتهديد بذلك صراحةً، وهو ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في اجتماع دول جوار العراق في شرم الشيخ بمصر بتاريخ 5/5/2007، مهددة من لا يقف بجانب الولايات المتحدة في العراق، بقولها: "إن ما يحدث للعراق يمكن أن ينتقل إلى دول الجوار، إذا لم تقم بدورها بأغلاق الحدود وايقاف تدفق المقاتلين والعتاد إلى العراق"
ومما تقدم يمكن تقديم أهم الفرضيات والآليات التي تقوم عليها هذه النظرية:
‌أ- إن منظري الستراتيجية الأمريكية ينطلقون في بناء مفهوم الفوضى الخلاقة، من فكرة قوامها إن الوضع الحالي ليس مستقراً، وإن الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي من نوع الفوضى الخلاقة، التي ربما تنتج في النهاية _ حسب الزعم الأمريكي الذي تحدثت عنه كونداليزا رايس _ وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حالياً.
‌ب- تفكيك الوضع القائم في بلدٍ ما ولو أدى ذلك إلى حدوث فوضى مؤقتة، تمهيداً لإعادة تركيب هذا البلد على أسسٍ جديدة أكثر ملائمة لمصالح أمريكا ومخططاتها في المنطقة.
‌ج- حلحلة الأمور ونقلها من مرحلة الجمود إلى مرحلة المرونة والحركة؛ لكي يمكن التدخل وتشكيل الأمور وتطبيق السيناريوهات الجاهزة.
‌د- تهدف الفوضى الخلاقة إلى إعادة رسم الخريطة الجغرافية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، لتكون نموذج يطبق فيما بعد على المناطق الأخرى.
أي إنها تهدف إلى نشر الديمقراطية وتطبيقها، مع ملاحظة إن هذه الديمقراطية هي من نمط الديمقراطية التوافقية القائمة على التفتيت والتجزئة أكثر من الوحدة، والمؤدية إلى اضعاف اللحمة الوطنية والتركيز على القومية والطائفية، وهذا ما أكده (غاري هارت) الخبير في الستراتيجية والأمن القومي، عندما كتب في كتابه (القوة الرابعة): "يجب على نشر الديمقراطية أن يأخذ بالحسبان هذا العصر الثوري (...) وأن يأخذ بالحسبان إن الحقيقة الواقعة الثورية السياسية الجديدة هي سيادة الأمة الدولة"، أي إن مفهوم الأمة – الدولة، يجب أن يطغى على مفهوم (الدولة – الأمة).
عموماً فإن استخدام ستراتيجية تقوم على الفوضى الخلاقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، يشير إلى إن المرحلة الثانية من الستراتيجية الكونية للمحافظين الجدد تحولت إلى خطة، وتم الشروع في تنفيذها بالفعل على أرض الواقع، وإذا كانت المرحلة الأولى من هذه الستراتيجية جرت تحت شعار "الحرب على الإرهاب" واستهدفت احتلال افغانستان والعراق، فإن المرحلة الثانية من هذه الستراتيجية تجري تحت شعار "الحرب على الاستبداد ونشر الديمقراطية"، تمزيق دول وإثارة الفوضى فيها تحت شعار اسقاط أنظمة الاستبداد، وادخال اصلاحات سياسية بعيدة المدى في العديد من مناطق العالم.
ونخلص مما تقدم إلى إن صناعة الفوضى نابعة من ايمان عقائدي لدى صناع السياسة الخارجية الأمريكية، قائم على فكرة مؤداها إن التغيير في حد ذاته لا يكفي، وإن الأوضاع الداخلية في المنطقة وثقافتها تحتاج تحولاً شاملاً، ولذا تبنوا الفوضى التي تعقبها على حد زعمهم إزالة الانقاض والاشلاء، ثم تصميم جديد لبناء مختلف!! _ ونرى بأن ذلك لن يكون إلا في مصلحتهم هم لا غيرهم _ ومن جهة أخرى تكشف هذه النظرية عن تدبير صريح للتدخل المباشر في شؤون المنطقة، تحت ذريعة الإصلاح الداخلي والديمقراطي، الذي يشكل احد معالم الستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط عامة والمنطقة العربية خاصة.
من هنا جاء الاهتمام بهذه النظرية؛ لأنها لم تعد مجرد طرح نظري، بل ستراتيجية يجري تنفيذها وفق خطوات محددة، ولذا فإننا نسأل عن الاحداث التي يشهدها وطننا العربي في الوقت الراهن هل هي ثورات أم حراك اجتماعي أم تطبيقات للفوضى الخلاقة؟؟ ونترك الجواب لكم أيها القراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير