الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اثنتا عشر عارية.. قصة.

حماده زيدان

2012 / 9 / 19
الادب والفن


صفحة 40 من أجندتي الخاصة.
(اقتربت الفتاة إلي، صوت الساعة مازال يدق، والفتاة تقترب، أكثر فأكثر، عارية كانت، تخبئ عورتها بيديها، كما أراها دائماً، الساعة الضخمة مازال صوتها مرتفع، وتحدث هذا الصوت،
"تِن .. تِن .. تِن"
دقت الساعة خمس دقات، والفتاة العارية وصلت إلي سريري، ونظرتها مازالت شهوانية بغيضة، وضعت يدها على كتفي العاري فسرت قشعريرة باردة في أنحاء جسدي، حتى شعرت بأنني قد مسني الجن، شعرها الأسود الغزير انسدل على جسدي فغطاني، صوت الساعة توقف الآن، شفاها الجميلة اقتربت إلي فمي، أعلنت شفتاي الاستعداد التام لمصافحة ذلك الضيف، ومع اقتراب الشفاه، اختفت فتاتي، و ،،،
" L heure est maintenant au cinquième"
أعلنتها الساعة، وقمت أنا من نومي مفزوعاً، فلم أجد فتاتي، فتابعت نومي.)

***

الثانية عشر ليلاً، كما أعلنتها الساعة، قمت سريعاً، هذا هو موعد يقظتي الذي اخترته أنا، طبيعي جداً أن أقوم بعد نوم تلك الجدة العجوز، والثرثارة "أم محروس" والتي رغم كل شيء تترك لي طعامي على الطاولة قبل أن تمشي، وطبيعي أيضاً أن يبدأ يومي عند بداية يومها، أنزل درجات السلم سريعاً، وفي البهو، أجدها كما هي لم تتغير أبداً منذ عرفتها، عارية تماماً، تخبئ عورتها أيضاً دائماً، ونظرتها كما هي شهوانية، فجة، نظرت إلي، وابتسمت أكثر، سألتها:
- لماذا أنتِ عارية دائماً؟.
أجابتني بصوتها الساحر.
- صغيري، أنا لا أللبس أبداً، الملابس يا ولد لم تخلق للنساء، النساء وهبتها الطبيعة تلك المفاتن، حتى تشبع عيون الناظرين، وأنا خُلقت لكي أُشبع نظراتك الشهوانية تلك.
قالتها، وبدأت رقصتها الليلية، هي تقوم كل ساعة، وترقص على دقات الساعة، وما إن تأتي الثامنة من الصباح، تقبلني، وتختفي واذهب أنا للنوم.

***
محاولات من كراستي القديمة.
(النهاردة الصبح، بابا وماما، جايين من فرنسا، في رحلة قالت عنها ماما إنها "رحلة عمل" مش فهمت كويس يعني إيه رحلة عمل، وأنا قاعد أهو مستني، ماما اتصلت بي النهاردة، وقالت لي:
- حبيبي أنا جايبالك هدية حلوة، يا رب تعجبك.
واهو أنا مستني، ومش قادر أنام، بس عيني وجعتني من السهر، بس ها استناهم، لغاية ما يجيوا من السفر.)

***

من أجندتي صفحات 20، و 21.
سألتها:
- لماذا تحبينني؟.
فقالت:
- أنا لا أحبك، ويجب أن تعلم ذلك، أنت من أحببتني، وأنت من سيحبني، أما أنا فلا أحب، أنا دقيقة جداً، وأكره ذلك الحب، ثم الوقت دائماً لا يحب، ها، فق يا صغيري، وحاول أن تستمتع، فقط تستمتع.
صدقتها، وسكت، وظلت هي ترقص، وتغني، مع دقات كل ساعة، فمرة تدب بقدميها، اثنا عشر دبة، ومرة بيديها تصفق، تصفيقة، ثم اثنتان، ثم ثلاثة، ترقص، وترقص، حتى الثامنة، وعندها تختفي.

***

جدتي قالت:
- أمك، وأباك، كانوا يحبونك، ولكن يحبون ربنا أكثر.
قلت أنا:
- كيف يحبون ربنا أكثر، ربنا لديه الكثير ليحبوه، أما أنا فليس عندي غيرهم، هم، وربهم أنانيين، ولم أسامحهم، ولم أحبهم ثانية.
استغفرت الجدة كثيراً مما قلت، ولم ترد، ولم أفهمها أنا.

***
(رأيتهم طائران، قال أبي:
- نحن نحبك يا فتى.
وقالت أمي:
- ستعلم، سبب غيابنا عنك لما تكبر، لا تغضب منّا يا صغيري، وحاول أن تعيش حياتك.
وقلت أنا:
- أنا كبرت، ومازالت لا أعرف لماذا ذهبتم إلى تلك السماء، وهذا الرب، هل هو يحتاج إليكم، أم أنا صغيركم، أحتاج إلى طعامك يا أم، "أم محروس" أكلها لا يشبع، وهي لا تهتم.
لم يهتما بالرد، وطارا، وقمت أنا من نومي)

***

على درجات السلم نزلت، الثانية عشر بالتمام، وصلت إلى مكانها، وجدتها، ولكن نظرتها الشهوانية تغيرت، لقد كانت غاضبة، وقالت:
- هل جاءوك اليوم، هذان الشيطانان، هل قبلت أمك، وهل ارتعشت بين يدي والدك، وتوسلت إليهما أن يعودا، هل صارحتهما بضعفك، وعلّتك منذ أن تركوك، أنت ضعيف، ووجودي جوارك كل ليلة لم يقويك، سأتركك، لأنك بدوني، وبي ضعيف، سأتركك الآن وأرحل، سأ،،،
لم أمهلها حتى تتم ما تقول، ورميت نفسي تحت قدمها، وقبلتها، وبكيت، دموعي سقطت على أصابعها الجميلة فبللتها، فصرخت قائلة:
- أنت ضعيف، أريدك قوي، أريدك أن تنساهما، أنا هنا من أجلك، وإذا لم تترك ذكراهم، سأتركك أنا.
قمت مسرعاً، مسحت دموعي حتى لا تراهم، وقلت بصوتٍ أجش ومصطنع:
- أنا قوي، قوي، ولا أحتاجهم، أنا قوي ولم أحتاجهم، أنا قوي، وسأبقي عبداً مخلصاً لكِ طوال حياتي.
عادت إليها ابتسامتها الشرهة من جديد، وبدأت في الرقص كعادتها، كل ساعة ترقص بعدد دقات الساعة، حتى انتهت ليلتنا، فاختفت هي، وأنا، نمت.

***

جزء جديد من ذكريات طفولتي.
(فضلت مستني، ماما، وبابا كتير، لغاية ما تعبت، ومر وقت كبير خالص، عنيا وجعتني، ولسه مستني، مامتي، الهدية مشوقاني خالص لانتظارها، الساعة وصلت لـ 12 بالليل، ياااااه أخرت أوي النهاردة، في تليفون بيرن في الهول تحت، نزلت بسرعة، شافتني تيته، لقيتها بتعيط، وقالت لي:
- عيني عليك يا بني، أبوك وأمك، سابوك، وطلعوا لربنا.
سألتها:
- يعني مش ها يرجعوا تاني يا تيته، من عند ربنا؟!
فقالت:
- خلاص يا حبيبي مش راجعين.
فضلت تعيط، ومسكت كرتونة، وطلّعت منها ساعة كبيرة، وقالت لي:
- دي ذكرى أبوك وأمك، حافظ عليها، وحبها)

***

صفحات من الأجندة.
التاسعة مساءاً، دقت الساعة تسع دقات، وصوت صراخ يدوي في القصر، أفزعني كثيراً هذا الصوت، فقمت، ونزلت متلصصاً لأعرف لماذا يصرخون، فوجدتها العجوز الثرثارة "أم محروس" تصرخ قائلة:
- عيني عليكي يا ستي، سيبتيني ليه يا ستي، طب والمسكين دا يعيش إزاي من بعدك يا ستي.
لم أفهم ما قالته تلك المرأة، وبعد الكثير من الوقت، وحضور الكثير والكثير من الأطباء، سمعت أحدهم يقول:
- شد حيلك، البقاء لله.
علمت بعدها أن جدتي، طلعت عند ربنا هي كمان.

***
منذ صعودها إلي الرب هي الأخرى، أختلف كل شيء، يومي أصبح بالمقلوب، الكثير من الناس الذين لا أعرفهم يأتون كل ليلة، يجلسون كثيراً، ويثرثرون كثيراً، صوت القرآن يدوي في حديقة القصر، لم أعد أستيقظ على صوت الساعة كما كنت، واختفت حبيبتي، فلم أعد أرى رقصاتها الفاجرة، ولا غناها الساحر، وشعرت بأنها قد تركتني وطلعت عند ربنا، ركبني الهم، والغم، ولم تضع "أم محروس" الثرثارة الطعام لي منذ يومها.

***
اليوم مر أربعة أيام على صعود جدتي إلي ربها، وفي اليوم الرابع، سقطت الأصوات، تلاشت، فقررت أن أعيد يومي إلى طبيعته، السادسة مساءاً، قررت النوم، ألقيت نفسي على السرير، وأغمضت عيني، وانتظرت النوم، وطال انتظاري من ساعة إلى أخرى، ومع كل ساعة، كان صوت دقات الساعة يتزايد حتى وصل لتسع دقات، والنوم أصبح كالحلم المستحيل، وصوتها فتاتي أبعد عن النوم، ولم أجد أمامي إلا الانتظار، فانتظرت.

***

الواحدة صباحاً، دقت الساعة دقة واحدة، وأنا لم أنم، تركت السرير، ونزلت إلى البهو لعلني أجدها، نظرت، وبحثت، وتعبت، ولم تظهر، والساعات أمامي تم، وفتاتي لم تظهر، وصوت الساعة يزداد كل ساعة دقة، ويذكرني بأن ساعة قد مرت دونها، وداخل قلبي شيئاً ما ينغزه، لا أعلم له سبباً.

***

جسدي بدأ يضعف، وأصبحت أقع في لحظات كثيرة، وأنام دون إرادتي لفترات طويلة، وأصبحت الكتابة صعبة جداً فخطي الآن يرتعش من أثر الهزال.

***
جزء من مذكرات أبي، أقرأه بصعوبة، يدي ترتعش، وسقطت منها الأجندة عدة مرات.
(اليوم نجهز للسفر، هي رحلة أقوم بها أنا وزوجتي كل عام، وفي كل عام كنا نأخذ "مازن" معنا، ولكن تلك الرحلة صعب أن نأخذه معنا، "مازن" مريض، وأمه لا ترعاه أبداً، وتخجل منه أمام أصدقائنا، قلت لها كثيراً:
- مازن مش مجنون، مازن عبقري، وفتشي فيما يكتب، مازن يعرف كل شيء، ساعديه أنتِ أمه.
هي لا تسمع شيئاً، ولا تهتم إلا بالموضة، والسفر، والعمل، ووحيدنا له الله، وأنا لا أستطيع أن أقدم له أكثر من ذلك، لقد أدخلته أفضل المدارس، وعلمته كل شيء، ولكنه مريض ولا يخف، وهيئتنا أمام المجتمع لا تسمح لنا بأكثر من ذلك، أعمالي كثيرة، وهيئتي مهمة أمام العالم، وهيئتها هي أهم عندها مني، ومنه، لك الله يا طفلي، لك الله يا مازن.

***

الصفحة الأخيرة.
الضعف سيطر على جسدي، ولا أقوى حتى على رفع القلم من على الكومدينو، ولكن يجب أن أحتمل، وأرفعه، لأكتب، اليوم لم يحدث الكثير، وفتاتي أصبحت بعيدة كل البعد عني، ولم تسأل علي مرة وأنا ملقى فوق السرير، الساعة مازالت تدق لتعلن عن وقت قد رحل وغيره آت، وجسدي فقدت الكثير منه، فأصبحت نحيفاً كاليهكل العظمي، وأنفاسي أصبحت متقطعة، و..... لا أقدر على التنفس.

***

نهاية، لم أكتبها أنا.
الثانية عشر، عند منتصف الليل، انتفض الراقد فوق سريره، كان نحيفاً، وضعيفاً، شعره منكوش، وعينيه حمراوتين، نزل من فوق سريره سريعاً، وهرول حتى خرج من غرفته، بعد أن تخبط في حوائطها، قال الشاب بصوته، الضعيف:
- فتاتي، معشوقتي، أهلاً بكِ مجدداً.
نزل درجات السلم، وكان يقع ويقوم، حتى وصل إلى الصالة الكبرى الموجودة في منزله الفخم، رغم هزاله الواضح، نزل ليرقص، كان يرقص كل ساعة اثنتا عشر رقصة، وبعد أن أنهكه الرقص، جلس، وظلت أنفاسه تعلو وتهبط بسرعة كبيرة، وقال:
-هذه الليلة سعيدة... سعيدة جداً... أنا سعيد بعودتك... وسعيد برقصك لي وحدي... ولكنني حزين... حزين جداً... لماذا أهملتني؟!... لماذا تركتني أنتظرك كثيراً... لقد طردت أبي، وأمي، وجدتي، من أحلامي بسببك... وأنتِ... أصبحت مثلهم وتركتني... لا أستطيع التنفس... جسدي تسري فيه رعشة غريبة... أنا... أنا... أنا...
حاول أن يتحدث أكثر، ولكن صوته انحشر بداخله، وظلت الساعة تدق، وجسد الشاب قد بدأ يفقد رعشته، وأنفاسه العالية بدأت في الهبوط، والساعة دقاتها تعلوا وسط الصمت، والفتاة العارية الموجودة في خلفية الساعة مازالت تنظر بشهوانية مقيتة، وبعد لحظات، عاد الجسد الملقى على الأرض لارتعاشه، ونطق صوته، وكان ضعيفاً:
- الثانية عشر، قلتا، ستعودان، ولكنكما لم تعودا، وعادت هي، أتركوني الآن لها، لا أريدكما، وأنتظر عودتها.
صوته الضعيف المتقطع، سكت، وارتعاشة جسده توقفت، وساعته المعلقة وقعت فانفتح الباب على عدد من الرجال، قال كبيرهم:
- ها، قد مات المجنون، غداً سنعلن خبر وفاته، وبعدها سيكون إعلان الميراث.
انتهت










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في