الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نحن مواطنون ؟

أم الزين بنشيخة المسكيني

2012 / 9 / 23
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


هل نحن مواطنون أم رعاع ؟ و هل فات أوان طرح هذا السؤال أم أنّ مفهوم المواطنة قد آل الى مفهوم اشكالي في هذا السياق التاريخي لعودة الاسلام السياسي و صعوده الى الحكم في بلادنا ؟ و هل بدأ موعد الحسم الفعلي في هويتنا السياسية ؟ يبدو أنّ هذه الأسئلة هي أسئلة حارقة أكثر من أيّ وقت مضى ..ثمّة موعد خاصّ لولادة الأسئلة و لشرعيتها و لضرورة معالجتها أيضا .. و ثمّة موعد خاصّ للحسم في علاقتنا بأنفسنا و بمن نكون تحديدا في فوضى صدام الهويات و ضبابية الانتماء، و اللخبطة المقصودة بين السياسي و الديني و بين الديني و المدني و بين الشخصي و العمومي و بين الجماعوي و الكوني ..
انّ التاريخ الذي تمرّ به بلادنا بعد صعود الاسلاميين الى الحكم يفرض علينا مشاكل من نوع محدّد ..و أهمّها : أيّ نوع من الذاتية السياسية علينا التمسك به و الدفاع عنه في ظلّ عودة قوية للاسلام السياسي القائم في جوهره على الخلافة و الرعية و الطاعة بدلا عن الديمقراطية و المواطنة و الحرية ..فمن نحن يا ترى في خضمّ التجاذبات السياسية و الخلط بين الدين و السياسة : هل نحن رعية أم نحن مواطنون ؟ يبدو أنّه حينما نصير قادرين على الحسم في شأن هويّتنا السياسية ،حينها فقط ، سيكون ممكنا بالنسبة لنا الانتماء الى الانسانية الحالية انتماءا نشيطا ، دون أن نصطدم بأسئلة مغلوطة و معطوبة من نوع : هل أنت كافر أم مسلم ؟ أو هل أنت حداثي أم سلفي ؟ هل أنت يساري أم يميني ؟...
انّ ما حصل هذه الأيام في تونس من تهديد لمبدأ المساواة بين الرجل و المرأة ليس مجرّد حدث معزول خاص بتجاذبات سياسية حول الحقوق و الحريات ، ضمن مسودّة الدستور التي لم تتمّ المصادقة عليه ، انما هو مؤشر خطير على تهديد واضح لمفهوم المواطنة نفسه ..لأنّ مبدأ المساواة هو تحديدا مبدأ أساسي من مبادئ مفهوم المواطنة بوصفها الشكل الوحيد من الذاتية السياسية الكفيلة بدولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق الانسان و كرامته المقدّسة . لقد عدنا القهقرى بالفكر السياسي الى أسئلة قديمة ، اعتقدنا لفترة أنّنا تجاوزناها و انتصرنا عليها ، و ذلك من قبيل : هل المرأة مواطن أم كائن ناقص ؟ هل المرأة انسان أم عورة ؟ هل المرأة حريم أم هي بشر له نفس حقوق الرجل بما في ذلك حق الانتخاب و التظاهر و الحكم و التفكير و المعتقد و اللباس ؟؟؟
لقد صار مفهوم المواطنة أكثر المفاهيم السياسية العاجلة لأنّه أكثرها تعرّضا الى الاعتداء و التهديد ..فما حصل في تونس من اعتداءات على الفنّ و الثقافة و مسّ بالحريات و من فوضى في المساجد و من فتنة بين الاسلاميين أنفسهم ، ومن تكفير و مسّ من حرية المعتقد ، و من تهديد لمبدأ المساواة بين الرجل و المرأة ، هو مسّ من حرمة المواطن و تهديد لمقومات المواطنة بما هي تتأسس على الحرية في التعبير و التفكير و اللباس و المعتقد ..و كل تهديد للمواطنة انّما هو مباشرة تهديد لمقومات المجتمع المدني و تعطيل للديمقراطية و للحرية للكرامة الانسانية .
انّ كل تراجع عن مكاسب المواطنة هو تراجع عن مكاسب الحداثة السياسية التي حرّرت الانسان من الحكم الالاهي المطلق و جعلت من الدولة عقدا اجتماعيا قائما على ارادة الشعوب في تقرير مصيرها و اختيار حكّامها بما يضمن حرية الناس كمواطنين أحرار. و طبقا لذلك فانّ التساؤل عن معنى المواطنة بيننا اليوم هو أيضا تساؤل عن مصير الحداثة و علاقتنا بالانسانية الحالية ،وهو أيضا تساؤل عن مدى امكانية المصالحة بين ذاكرتنا و كونيّتنا و بين هويّتنا و معاصرتنا ..
من نكون تحديدا ، بعد جملة الزلازل السياسية و الانتفاضات الشعبية و الثورات التي عاشتها البلاد العربية عموما و بلادنا خصوصا ؟هل انتهى عصر الرعاع أم ثمّة ما يهدّد بالعودة اليه ؟ من نحن و ماذا ينبغي علينا أن نكون حتى نضمن حقوق الانسان و كرامته في ديارنا ؟ هل نحن حداثيّون أم ينبغي علينا أن نكون كذلك ؟ هل نحن كائنات تراثية فقط أم نحن نسيج عميق و غامض من الاسلام و الحداثة و الكونية النشيطة معا ؟ ليس من البديهي أن نكون دوما في حجم أسئلتنا . و أكثر من ذلك يمكن للأسئلة القاتلة أن تولد من مواقع بعيدة جدّا عن مواقع الاجابات الجاهزة و السعيدة و المطمئنّة الى يقينها ..
يبدو أنّه ثمّة تضادّ واضح بين وصايا الرعاع و قيم المواطنة.انّه التضادّ بين طاعة العباد للخليفة و حقوق المواطن في العيش الكريم و في الاحتجاج و الثورة ضدّ كل حاكم مستبدّ ..هو التضادّ عينه بين الرعية الهووية و المواطنين الأحرار، و بين الجماعوية المغلقة على قومية دينية و المواطنة الكونية في عالم رحب يتسع للجميع ..فبين فكرة الهوية و فكرة الانسانية الكونية مسافة طويلة عبرتها شعوب و أخرى لازالت تتعثّر في العبور الى الضفّة الأخرى : من أجل ذلك علينا السير حثيثا نحو ثورة مواطنية تحررنا من الرعية و تضمن لنا شكلا حقيقيا من المواطنة التي نكون فيها مواطنين نشيطين صانعين لتاريخنا بأنفسنا ..
لكن لا شيء بوسعنا التنبّؤ به و لا شيء يضمن لنا أنّنا نتّجه صوب مستقبل أفضل .. فالمثقّف كفّ منذ فترة طويلة عن أن يكون وصيّا على تاريخ الشعوب ..شيء واحد نؤمن به هو أنّ ارادة الشعوب ارادة لا تُقهر ..و انّ التاريخ لا ينتظر النائمين لا يحبّ المواطنين السلبيين و المستقيلين عن هموم الناس الفعلية ..لكن ثمّة دوما عثرات و عطوب و حفر ..لن نقفز من فوقها لكننا سنعبرها لأنّنا مطالبين بأن نعيش مشاكلنا بأنفسنا الى النهاية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم