الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغزو الوهابي لمصر

مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي

(Magdy Abdel-hadi)

2012 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


• تقــديم :
-------
إذا جاز لنا من الوجهة النظرية إعتبار السعودية مجرد قطر من أقطار الوطن العربي، والوهابية مجرد مذهب من مذاهب إسلامية عديدة، فإن الواقع لن يجيز لنا ذلك، فحتماً سيعترض شكلاً على لفظة "مجرد"، كما سيرفض مضموناً ما يمكن أن توحي به من إستخفاف وإقلال من شأن الدولة والمذهب المذكورين، من حيث هما سائدان، لا متعادلان وجوداً وقوةً مع باقي الدول والمذاهب العربية والإسلامية، كما قد توحي جملتنا السالفة .

فلا شك أن القطر العربي القائد اليوم، ليس كما المُفترض قتيل العروبة المهزومة ... مصر، بل هو السعودية صاحبة الفائض الإقتصادي الأكبر، والأهمية – وليس الوزن ولا الثقل- الإستراتيجية لدى العالم الغربي والشرقي على السواء؛ بحكم سيطرتها - نظرياً – على إحتياطي بترولي ضخم، ستنتهي أهميتها الإستراتيجية بنفاده .

كذا فإن المذهب الإسلامي السائد اليوم – داخل القطاع الإسلامي السني – هو السلفية الحشوية في طبعتها الوهابية، التي تكونت أسسها على يدي محمد بن عبد الوهاب، وهو الأمر الغريب، من حيث غلبته على مذاهب أخرى، ليست فقط أعرق تاريخياً، بل أعمق فكرياً وفلسفياً ومؤسسياً وإجتماعياً، كالتيار الأشعري الذي كان سائداً في مصر وأزهرها .

وإن كان الأمر بمنطق آخر – واقعي يأخذ بالإعتبار تغيرات وتحولات ونتائح الصراعات العربية / الغربية والأهم العربية / العربية – يصبح طبيعياً جداً ومنطقياً جداً، كذا شديد الوضوح، إلا لمن عمت بصيرته، فهو والأنعام سواءاً بسواء .


• الوهابية تسيطر على مصر وتحتكر الإسلام :
----------------------------
إذا سرت في شوارع مصر اليوم، فستجد نساءاً مُتشحات بالسواد من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، ورجالاً يرتدون جلابيباً بيضاً قصار، وكلها أردية جديدة ومُستحدثة بشكل لا علاقة له لا بتراث الشعب ولا بطقس البلد !! ، وإذا ركبت إحدى وسائل المواصلات العامة، فستعجب من جدوى الجدل التافه حول حرمة الأغاني من عدمه ؟! ، وعندما تعود لبيتك، وتفتح تلفازك؛ فربما عثرت في جولتك بين قنواته في صرخات رجل ملتح يسب هذا أو ذاك، مُكفراً، أو مُجهلاً في أحسن الأحوال !! ، فإذا تركته وذهبت لصلاة الجمعة؛ فستجد شُبيلاً من أشباله يصرخ مُزلزلاُ أركان المسجد، مُقلداً شيخه؛ عله يصل يوماًُ !!

أما إذا إستجمعت شتات نفسك، وركزت فكرك أكثر، متجاهلاً الأسلوب وصيغ الإستعلاء والإقصاء، فستعجب حتماً من نوع القضايا التي يطرحها السادة المُتصارخون بعصبية مُزعجة ، ممن ترتعش وجناتهم غضباً، وتطلق أعينهم شرراً !! ، فغالباً ما ستجدهم يزأرون لأجل قطعة قماش إضافية، أو دفاعاً عن طاغية لص، حكم فسرق وقتل وتجبر، منذ 1200 عامٍ لا أقل، أو سباً في كاتب قال رأياً أو خرج بإجتهاد، جدير بالنقد والنقاش، لا التكفير والسباب .

تتضح مأساوية الوضع، إذا ما عدنا بالذاكرة لمائة عام فقط، عندما كان المثل النموذج لرجل الدين، لا هذا أو ذاك من الرجعيين والمرتزقة، بل قادة مُجددين ومُجتهدين بمرتبة الحكماء، كجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ورفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده وغيرهم، قادة ممن وعوا القضايا الحقيقية المُلحة لمجتمعاتهم الحاضرة، فقاتلوا في سبيلها، ووعوا كيف يجب أن يكون المستقبل، فلم يستعبدهم الماضي، فإضطلعوا بمهمتهم في التنوير والتثوير، وأسسوا للبناء لا الهدم !!

لم يكن لدى هؤلاء السادة وقتاً لإصطناع عراكٍ أحمق بين سني وشيعي، أو مسلم وكافر، أو علماني وأصولي، فالقضايا الحقيقية كانت على رأس أولوياتهم، فمناهضة الإستعمار والحكم الظالم، والكفاح في سبيل الحرية والتقدم، وبالمُجمل النهضة، هى أولى الأولويات .

ومهزلة المهازل أن يتطاول أقزام اليوم على عمالقة الأمس، فنجد فئران الوهابية تقطع بألسنة حداد في لحوم هؤلاء المفكرين الذين صنعوا نهضة العرب الحديثة – والتي لم تكتمل بفعل هذه الفئران وسادتها كما سيرد !! – وبذروا بذور الوعي والتمرد والثورة على الغاصب الخارجي (المستعمر) والغاصب الداخلي (الحاكم المُستبد)، كلاً على طريقته .

وللعجب تحظى هذه الفئران اليوم بشعبية جارفة ومصداقية ليسوا جديرين بها، بينما يكاد يطوي النسيان مُفكري التنوير الحضاري ومُجتهدي التثوير الديني وقادة التحرر الوطني !!

لاشك أن وجود هؤلاء الأعلام في الذاكرة الجمعية يرتهن إرتهاناً مطلقاً بمشروعهم ذاته، فإذا كان هذا المشروع – النهضة بكافة نواحيها ووجوهها من تحرر وطني وسياسي وإقتصادي وإجتماعي...إلخ – قد سقط - مُسقطاً معه الأمة كلها في مستنقعات التبعية والفساد والاستبداد والرجعية، بما تستتبعه جميعها من جهل وفقر ومرض..إلخ – فبداهةً لابد وأن يسقطوا معه .

ولأن لكل مرحلة رجالها؛ فإن رجال هذه المرحلة السوداء لابد وأن يكونوا من نوعها، وعلى ذات مستواها، من الجهالة والرجعية والتخلف، شاملاً ذلك ضمن ما يشمل، رجال الدين المُعتمدين !!

فدين المرحلة – أو بالدقة الدين كما هو مفهوم في هذه المرحلة- لابد وأن يتوافق مع المرحلة مضموناً، وإن عارضها – بحكم طبيعته الحقيقية - شكلاً !!

ورجال المرحلة إنتظمتهم الوهابية، التي إكتسحت في طريقها – مدعومة بمليارات البترودولار السعودي – كل الأفكار التنويرية والتثويرية والتحررية، بل والمذاهب الفقهية والعقائدية الإسلامية الضاربة بجذورها عميقاً في التاريخ؛ مُهدرة كل ما كان فيها من ثراء – خاصةً إذا ما قُورنت بالوهابية الفقيرة والضحلة فقر الصحراء التي بها نشأت- وما راكمته من تاريخ وتراث وتطور، كان يمثل بلاشك أساساً أفضل للبناء عليه، مُقارنةً بالوهابية، التي ربما كان لها ميزة واحدة، وهى رفضها - النظري والمتناقض ذاتياً- لتقديس الموتى والسحر....إلخ .

تقوم الوهابية على أساسين، الأول هو فكرة التوحيد الخالص للله، فلا إله ولا معبود بحق إلا الله، وهو حق نؤيده بكل قوة، باعتباره أساساً للمساواة بين البشر ولحرية الإنسان على الأرض، إذ يعني اللامشروعية المُطلقة للعبودية لأي كائن كان، فكل إنسان حر، وسيد نفسه تجاه الآخرين، فلا سادة ولا عبيد ولا آلهة أرضيين، وهو جوهر المضمون الثوري للإسلام .

ولكن للآسف يأتي هذا القول داخل المنظومة الوهابية كحق يُراد به باطل، فأولاً، لا يفهم الوهابيون التوحيد بذلك المضمون الثوري، بل يصبح الأمر عندهم مجرد تهاويم وحجايا لفظية تافهة ليس لها أي قيمة واقعية أو عملية في حياة الفرد والمجتمع، فيتقبلون الحكم الفاسد والظالم بلا إعتراض، بل ويتواطأون معه – إذا لم يساعدوه بشكل إيجابي -، بينما يستأسدون على هذا أو ذاك من مخالفيهم ومخالفي أسيادهم الأرضيين، ومن ناحية أخرى يستخدم الوهابيون راية التوحيد – عبر مُنتجها الفرعي لديهم عقيدة الولاء والبراء - كراية كنسية كهنوتية يفرقون بها المسلمين، ويكفرونهم، فيطردون المغضوب عليهم – وهم أي مخالف لهم ولأسيادهم في أي حقل كان – من جنتهم التي إحتكروها لجماعة المؤمنين، التي يمثلونها وحدهم بلا شريك !!

هذا هو الأساس الأول، والذي يمثل الجانب العقائدي لدى الوهابية، أما الأساس الثاني، الذي يخص جانب المعاملات، فيتمثل في منهجهم الفقهي، الذي استمدوه من أحمد بن حنبل، عبر ابن تيمية فابن قيم الجوزية، وهو منهج يعمد إلى، ليس تقديم النقل على العقل مثلاً، بل الرفض المطلق والقاطع للعقل، فما العقل سوى مفسر من الدرجة الأولى - تماماً كمعادلات الدرجة الأولى في الجبر، وليس له التأويل بحال من الاحوال – لمتن النص، بعد جرح وتعديل سنده .

وهى مدرسة المحدثين والمفسرين في الفقة، والتي تستند لأحد أكبر أئمة الفقة الإسلامي، وهو أحمد بن حنبل، الذي يعد رغم ذلك، أقل الكبار شأناً، فهو تلميذ الشافعي، الذي تبع الإمام الأكبر أبي حنيفة المؤسس ورائد مدرسة الرأي، والذي سبقه مالك المدينة مؤسس فقة المصالح .

إذن تعمد الوهابية إلى النصوصية في الفقة والشكلية في العقيدة، وذلك بما يتسق تماماً وطبيعة نشأتها الصحراوية الفقيرة حضارياً، ففقدت العمق الذي يعطيه العقل، والرونق والقوة المنطقية التي تضفيها الفلسفة وعلم الكلام، وهو ما نتج عنه تلك النزعة الإقصائية، بسيطة التصنيف، فالناس كلهم ما بين أبيض وأسود، فإما وهابي موحد، أو كافر في النار، وإنطلقوا بهذا المنهج مجتاحين في طريقهم أئمة كبار، وفرق هائلة العدد، راسخ علماءها في العلم، بجرأة عجيبة، إن نمت عن شئ، فإنما تنم عن جهل مطبق، أو غرض غير شريف .

مدرسة فكرية (!!) بهذه المواصفات، ضحلة، سطحية، مُتشددة، إقصائية، لم يكن لها أن تحظى بكل هذه الشعبية، خارج بيئتها الطبيعية – مع العلم بأنها رفضت في البداية في بيئتها الطبيعية، كما نُقدت بقسوة - إلا بمساعدة عوامل خارجة عن إطار واقعها المفترض، وبعيدأًُ تماماً عن إمكاناتها الذاتية .

هنا يبرز لنا شريك الوهابية، نشأةً وصيرورة، وهو آل سعود، حكام أكبر دول الخليج العربي، بسلطتهم التي حرمت أي مذهب مخالف داخل دولتهم – وإن قبلوا راغمين بالمذاهب الموجودة، مع حصارها ومحاربتها في ذات الوقت -، كذا استعمال أموال البترول للترويج له في الخارج .

وبصفة عامة يشتبك تاريخ آل سعود بالوهابية – وبآل عبد الوهاب أنفسهم- إشتباكاً لا انفصام له، فنشأة مشتركة، ومصالح مترابطة، وأسس وجود متبادلة، جميعها أسس لإندماج يستحيل فكه، بغير تحول جوهري في طبيعة طرفي المركب، أو فناءهما معاً !!


• نبذة تاريخية سريعة عن الوهابية وآل سعود :
----------------------------
نشأت الوهابية في أواسط القرن الثامن عشر على يد المؤسس محمد بن الوهاب في نجد، وقد قُوبلت في البداية بالرفض؛ لما تضمنته من نقض للأعراف المتوارث عليها آنذاك، كذا نزعتها المتشددة التكفيرية، والتي شدت خيط التكفير لأقصاه؛ بحيث لم تحتمل مجتمعات المسلمين مدى الحدة التي وصلت لها تلك الدعوة التكفيرية؛ فانتفض بوجهها الكثير من العلماء ورجال الدين وقتها، وهو ما إنعكس سياسياً بطرد ابن عبد الوهاب، ومطاردته فكرياً؛ ما ألجأه لأمير طموح، هو محمد بن سعود، وجد في دعوة الشيخ وسيلة يمكن توظيفها مادياً ومعنوياً في خططه التوسعية، وهكذا اتحد الرجلان؛ لينشأ لنا ذلك التحالف، الذي ما زال قائماً حتى تاريخه، مع تحولات كثيرة جرت على بنيته، وإن لم تلغ أسس وجوده، كذا ضرورته لكلا الطرفين .

وقد أُعيد تكييف العلاقة ما بين التوأم بعد استكمال عبد العزيز آل سعود لسلطته على كامل أراضي ما يُسمى الآن بالسعودية، وإعلانه إياها مملكة بإسمه، وحدث الصراع ما بينه وما بين الإخوان (ليسوا الإخوان خاصتنا !!، بل القوات الوهابية التي ساندته في حروبه مع باقي القبائل) - والذي يكشف لنا على أي حال مدى سذاجة قطاع كبير من مُنتسبي هذه الدعوة، وكيف كانوا أداةُ تم توظيفها بأيدي الشياطين، من شيوخ وأمراء وإستعمارين - والذي إنتهى طبعاً بإنتصار عبد العزيز، وتحديد دور الوهابية المرسوم لها، فرجالها ليسوا سوى (وعاظ سلاطين)، كما نعت الدكتور علي الوردي أمثالهم، يغضبون لغضب السلطان – وليس الله – ويرضون لرضاه، يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه، فيصدرون الفتاوى بما يرضيه، وحسبما يهوى، وهو الدور الذي أداه الوهابيون – للحق – بمنتهى الأمانة، وهى الأمانة الوحيدة التي أدوها حقها، كما أنها الأمانة الوحيدة الجديرة بالإحتقـار !!

كذا أوكل لهم عبد العزيز دوراً آخر يعزز سطوته، ويمكن لسلطته، وذلك بتكوينه لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تكاد تكون قوتهم المادية التي يمارسون من خلالها البطش العملي على شعب الجزيرة؛ لتصبح سيفاً مُسلطاً على رقاب الشعب، تتدخل في أدق تفاصيل حياته، وتعاقبه بعقوبات قاسية، بينما تخنس بخسة عندما يتعلق الأمر – أو المنكر هنا !! – بأحد أمراء البيت السعودي، كما يخنس دائماً مشايخهم الكبار في مواقف أكثر أهمية بكثير، خاصة تلك المتعلقة بالتواطئ مع الغرب الإستعماري ضد عرب ومسلمون يفترض أنهم أخوة في الدين والدم، الأمر الذي يؤكد ويثبت حقيقتهم كحفنة من عبيد آل سعود، فلا مبدأ ولا كرامة تجعلم يتخذون مواقفاً واحدة ومُتسقة تجاه الجميع، كما يقتضي الإسلام وعدله، وكما تقتضي الأخلاق والدماء الحرة، والكرامة والأنفة العربية ثانياً !!

أما من خرجوا على هذا الإجماع العبودي، واصطدموا بآل سعود، فقد كانوا حالات نادرة وإستثنائية، تم سحقها بسرعة وقسوة، وبمشاركة رجال الوهابية الكبار ذاتهم، عبر آلياتهم التقليدية التي يتقدمها التكفير كآلية أولى، وأحياناً أخيرة أيضاً !!

هذه الآلية التي لم تسئ فرقة إسلامية على مدى التاريخ الإسلامي كله إستخدامها – اللهم إلا الخوارج، مع كثير من التجاوز عن لا مشروعية وظلم المقارنة بين الخوارج المخلصين لمبدأهم والوهابيين عبيد آل سعود !! – مثلما فعل الوهابيون، والتي لم يتوانوا في توظيفها في خدمة سادتهم حسب حاجاتهم، فمرة يكفرون القذافي، ومرة يمسلمونه، حسب تقلبات علاقاته بآل سعود !! وقبلها كفروا صدام حسين، بعد أن كان مسلماً مجاهداً في حربه مع إيران المُسلمة !!

وإذا كان التكفير الوهابي مجرد آلية واحدة من آليات القتل المعنوى لخصوم آل سعود داخلياً وخارجياً، فإن آليتهم الأخرى الأكثر عمومية هى الفتاوى – وإستخدام السلطة لها ليس بجديد على التاريخ الإسلامي -، وكلنا يذكر فتواهم الحقيرة بعدم حرمة سرقة المال العام لغياب المالك !! ، حسبما ارتأى أحد جهلتهم، وهى الفتوى التي جاءت في سياق الحرب السعودية ضد الناصرية، وتجربتها الإشتراكية في مصر .

وما هذا سوى غيض من فيض، لا نرغب في الخوض فيه، فليس هذا بالمجال المناسب للتعمق في مستنقعات تاريخ الوهابية وآل سعود، فقط ما نرغب في إيضاحه، هو هذا الدور الذي لعبته الوهابية في خدمة آل سعود، وكيف مثلت إحدى أدواتهم الفعالة، في تثبيت شرعيتهم من ناحية، ولزعزعة قوة الآخرين، وإخضاعهم، من ناحية أخرى .
لهذا لم يأل آل سعود جهداً في تقوية وتفعيل أداتهم، فلم يبخلوا عليها بالمال أو العتاد، والتي وصلت بها بعض التقديرات لما يقارب الـ (75) مليار دولار !! [1] ، أتت أكلها، ولاشك، عبر مئات الآلاف من المنشورات والكتيبات والشرائط الصوتية، وأخيراً القنوات الفضائية .

وهذا الإنفاق ليس جديداً، فلا ترجع أصوله للسبعينات، كما يظن البعض، بل أن هناك بعض المصادر التي تؤكد على تلقي حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين دعماً مالياً سخياً من آل سعود، كما أنه من المؤكد تاريخياً مدى الدعم الذي تلقاه الكثير من مفردات الإخوان المسلمين أيام عبد الناصر، والذي لم يأخذ بالضرورة شكل المساعدات المادية المباشرة، كما يؤكد ما سبق ما وأعلنه أحد آمراء آل سعود المتنفذين الكبار، عن دعمهم المالي للإخوان المسلمين .

هذا الدعم المالي، مع المناخ الثقافي العام الذي أرسته الوهابية عموماً، يمثل ولاشك السبب الجوهري في هذا التحول الكبير في إتجاهات الإخوان المسلمين الفكرية من صوفية أشعرية إلى سلفية وهابية، لم يرض عنها – رغم ذلك – الوهابيون، إذ بدت لهم منقوصة، فطاردوا الإخوان بألقاب المفسدين والمفلسين !!

بمثل هذا الدعم في الخارج والداخل، مثلت الوهابية إحتياطياً هائلاً لآل سعود، إستندوا له دائماً بثقة لا تهزها الأنواء، ولا تزلزلها النوازل، حتى حدث ما كان في 11 سبتمبر ضد الحليف والسيد الأكبر لآل سعود، ما آثار غضب الأول على خدمه في الرياض؛ فبدأ الخدم في مراجعة علاقتهم بشريكهم الغبي، وهو ما نتج عنه إختلافاً كبيراً داخل الملكية السعودية حول الموقف المفترض من الوهابيين، ما بين من يرغب في التقليل من نفوذهم أو حتى إنهاءه؛ حيث يرى لاجدواهم بعد أن استقر الأمر لآل سعود، وبعد أن أصبحوا - الوهابيين – عبئاً على الحكم؛ يجعله مرفوضاً داخلياً وخارجياً .

وما بين طرف آخر، يرى أنه لا وجود لآل سعود بدون الوهابية، فوجود أي منهما مشروط بوجود الآخر، وعليه، فلابد من دعم الوهابية، بعد تقليم أظفارها – أي تطهيرها من أكثر عناصرها نقاءاً وحسن نية ووعياً بحقيقة آل سعود !! - وتحسين صورتها فقط ، فهى – حسبما يزعمون – ليست سوى الفهم النقي للإسلام على درب السلف الصالح بعيداً عن المذهبية، حتى وإن احتفظوا مع ذلك بكافة أساليبهم وآلياتهم التكفيرية والإقصائية كأدوات بقاء !!

وقد تجلى هذا الخلاف في تأجج الصراع ما بين الليبرالية السعودية والوهابيين بشكل غير مسبوق، ولا يمكن التنبؤ بنتائجه، فالمؤكد فقط هو سيطرة آل سعود على الصراع، وإدارتهم له بالكيفية التي تتناسب ومصالحهم، وإن كنا لا نعتقد بنجاحهم على المدى الطويل، إذ أن إطلاقك لإحدى القوى، لا يعني بالضرورة قدرتك على كبحها والسيطرة عليها بعد الإطلاق، وقد أُصيبت السعودية بمس الليبرالية الذي لن ينتهي إلا بالسقوط المدوي للوهابية المتهافتة .


• معركة التحرر والتبعية : صراع الناصرية والوهابية:
---------------------------------
وإن قامت الناصرية على التجربة والخطأ، فإنها لم تخل رغم ذلك من نوع من الإنتظام اللاواعي، الذي جمع خلاصات ما حققته النهضة العربية بالتلاحم مع المُنجزات العلمية والفكرية الثورية في الغرب، وقد كان أساس هذا الإنتظام اللاواعي، على كثرة الأشكال وتنوع التجارب، نابعاً من وحدة الهدف والقضية .

فالناصرية الهادفة لنهضة أمة وعزتها وكرامتها، لم تكن لتفهم الإسلام سوى فهماً ثورياً، يتوائم ومضمونه، الذي قدمه رجال نهضة القرن التاسع عشر، قادة الموجة الأولى من النهضة العربية، كالأفغاني والكواكبي، ولم تكن لتغفل عنما يقدمه الفكر والعلم الغربي من مفاهيم جديدة، تتلائم ومصالحنا والتحديات التي تواجهنا، فكان هذا الإندماج الذي حققته الناصرية ما بين القومية العربية والإشتراكية تحت لواء الإسلام الثوري، ضد جميع الغاصبين والمستكبرين داخلياً وخارجياً.

وهكذا نشأت حركة التحرر الوطني على أرضية من التثوير الديني – حققه الأفغاني والكواكبي – والتثوير الاجتماعي – قدمه الفكر الغربي – بدرجات مختلفة من التوليف ما بين الجانبين الديني والمدني؛ ما أنتج لنا الدرجات اللونية المختلفة جزئياً وعرضياً، والمتفقة جوهراً ومضموناً، من الحركات الفكرية والسياسية والاجتماعية؛ فكانت الناصرية والبعثية والقومية العربية والشيوعية والاشتراكية واليسار الإسلامي .

ولم تكن الرجعية العربية لتقف مكتوفة الأيدي أمام ذلك الزخم الثوري؛ فكان أن نقبت في التراث الديني، مُعيدة توظيفه في صالحها، وهى المهمة السهلة بالضرورة، كون هذا التراث، في أغلبه، قد تكون في ظل طغاة مستبدين عاشوا بـ / وعلى الملك العضوض والغلبة والعصبية؛ ما يجعله أسهل توظيفاً في أيدي الرجعية، سواءاً من ناحية نشأته، أو من ناحية كونه مجرد مجموعة من النصوص التي يسهل ليها بما يلائم الأغراض المختلفة، تماماً كما حدث مراراً مع القرآن نفسه، الذي وصفه الإمام علي بأنه "حمال أوجه"، و"إنما ينطق به الرجال" .

وهكذا إندفعت جحافل الرجعية العربية، وفي قلبها الإخوان المسلمون، مدعومة من النظام الملكي في مصر قبل الثورة، ثم من الملكية السعودية بعد الثورة والمطاردة الناصرية لهم، على طريق الحرب ضد الثورة الوطنية .

وفي هذا الظرف وجدت الوهابية ساحتها المثلى لمُمارسة هوايتها الأزلية في التكفير واللعن والتخوين لحساب أسيادهم آل سعود، الذين يعملون لصالحم ولصالح أسيادهم في واشنطن؛ لتتمركز الوهابية في قلب المعسكر الرجعي، جنباً إلى جنب مع الإخوان المسلمين والحركات السلفية ضد كل الحركات التقدمية المناوئة للإستعمار والرجعية .
وبعد هزيمة القوى التقدمية في مواجهة عدوها الأساسي / الخارجي (الإستعمار)، كان طبيعياً أن تنهزم أما عدوها الثانوي / الداخلي (الرجعية)، وخصوصاً بعد ما حدث من تحولات جوهرية – ليس الغرب والرجعية العربية بمعزل عنها- في البنية الإجتماعية وإتجاهات السلطة في مصرعلى وجه الخصوص؛ بما أدى لإنحيازها لمعسكر الرجعية، وبحيث تغير ميزان القوى جذرياً لحساب المعسكر الأخير .

تواكب مع هذا التغير تزايداً مضطرداً في قوة القوى الرجعية عموماً، والسلفية منها على وجه الخصوص، مع تقدم قوي لآل سعود تزامن شرطياً مع تراجع قوة مصر ودورها، وسقوطها في المنحدر الذي أُعد لها بعناية، بدءاً من الانفتاح الإقتصادي، ووصولاً للإنهيار الشامل الذي نعيشه الآن في كافة النواحي، والاقتصادية منها بخاصة؛ ما دفع المصريون للقيام بإحدى أكبر موجات الهجرة في تاريخهم، سواءاً للغرب أو لدول الخليج، التي إغتنت بفعل ثورة أسعار النفط بعد حرب 1973م، وهو ما عنى تدفقاً بشرياً هائلاً إليها، عاش تحولاً كبيراً في نمط عيشه، ما بين بلده الأصلى الفقير، وبلد المهجر الأفضل حالاً؛ وبحيث إنتهى به الأمر للقناعة – بناءاً على آلة الدعاية السعوهابية ذاتها – بأن فارق مستوى الحياة هو فقط من فضل الله، الذي يمن على عباده المؤمنيين الملتزمين بتعاليم الدين – الذي هو هنا دين السعوهابية -؛ وليعود لنا بمفاهيم جديدة وغريبة غيرت شكل الحياة ونمطها في مصر، وتمكنت الوهابية بشكل نهائي من مصر، بعد أن وصلت أخيراً للبنى الاجتماعية العميقة لها، حيث البشر العاديين من العامة غير المُؤدلجين، المؤمنين العاديين، غير المرتبطين بجماعة أو مؤسسة دينية، يرتزق منها أو من خلالها .

وهكذا توهبنت مصر، وتوهبن الإسلام في مصر، فبعد هجرة بعض الإخوان إلي الوهابية، هاجر بعض الأزاهرة ورجال السلطة، فقطاع واسع من عامة المصريين؛ ليكتمل لآل سعود التمكين في مصر والعالم العربي، بالسيادة مادياً ومعنوياً، وكما هو معلوم من الواقع بالضرورة – وكما يؤكد تاريخنا وحاضرنا المُعاش – فكل تمكين لآل سعود هو تمكين للرجعية والطائفية ولأميركا وإسرائيل .


• وهم النهضة العربية :
-------------
لا يمكن لأي كان أن يسوقك حيث يشاء، إلا إذا كان لديك القابلية المُسبقة للإنسياق والإنقياد، فمهما بلغت قوة وسطوة الرجعية العربية، فإنها لا تفسر لنا إنتصارها الساحق عربياً، وهزيمة كامل المشروع الثوري التقدمي النهضوي، إذ لا يفسر هزيمةً بهذا الحجم والمدى سوى عناصراً بنيوية هيكلية في صميم البنية الإجتماعية، فإلقاء كل اللوم على آل سعود والوهابيين، يصورهم كشياطين قادرين على السحر، والسحر هنا ليس لشخص أو لبضعة أشخاص، في لعبة تافهة من ألعاب خفة اليد وذلاقة اللسان، بل هو سحر للملايين، المقودة لحتفها .

هذه الأسباب البنيوية هى من العمق والتشعب والتنوع بما لا يتسع له هذا المقال، ولا يُناط بمجاله؛ ما يدفعنا للإكتفاء فقط بالسطح العام للظاهرة .

لا تبدو نقطة البدء صعبة، أو بعيدة عن النظر، إذ يحدث الخطأ فقط إذا إفترضنا وجود نهضة عربية ثم هزيمتها على أيدي الرجعية، فسيقودنا هذا لمسارب ومضايق وتعقيدات يصعب حلها، خاصةً من حيث توصيف هذه النهضة غير المكتملة بحال من الأحوال .

إذن فالسؤال هو : هل تحققت نهضة عربية أساساً ؟!!

قد يبدو السؤال غريباً بالنسبة لمن يسطحون الأمور وينظرون فقط لظلال الواقع وهوامشه، المتمثلة في صدور كتاب أو نشوء فكرة أو تيار ما، فأهمية مثل هذه العناصر إنما تكون بالنظر إليها لتقييمها داخل السياق الذي تمت فيه، ومن خلاله، وعندها يمكن الحكم بموضوعية عن مدى دلالتها وقوتها الإشارية .

في مطلع القرن كانت الليبرالية – بالمعنى العام – سائدةً في الفكر المصري، وكان الشارع المصري مناضلاً للإستعمار، مناهضاً للإستبداد، رافضاً للطائفية والتمييز الديني والإعتقادي، مؤمناً بالعدل والحرية على جميع الأصعدة، هذا ما كان واقعاً أو هكذا كان يبدو .

اليوم يبدو هذا بعيداً بالنظر لواقعنا الحالي، فالشارع المصري المعاصر طائفي حتى النخاع، يقوم بالتمييز والفصل الديني والإقصاء الإعتقادي، ولا يعني كثيراً بالحرية، ولا يبالي بالعدل، إلا حيث يكون ضعيفاً !!

يبدأ الخطأ من مثلنة الألفاظ، أي التعامل معها مثالياً، كمفردات ثابتة تشير لوقائع وعناصر ثابتة؛ ما يعمينا عن وعي الواقع على حقيقته، فهل الشارع المصري اليوم هو هو الشارع المصري منذ مئة عام ؟!

حتماً لا ، وهنا بالذات نستطيع تفهم أين هى المشكلة، فليس الشارع المصري أوائل القرن العشرين هو نفسه أواخره، ولا هو نفسه أوائل القرن الحادي والعشرين، فقد قادنا التطور لنتائج متناقضة، وصلت بنا لهذا الواقع الغريب .

فبينما يمثل توسع نطاق المشاركة - نسبياً – على المستوى الإجتماعي، من حيث دخول شرائح إجتماعية جديدة في عملية الصراع السياسي الإجتماعي (بالمعنى الواسع للصراع)، من الناحية الشكلية على الأقل تقدماً عظيماً، يضيف لأي أمة، دافعاً إياها لمزيد من التقدم والرقي، فإنه قد فعل العكس تماما في مصر أم العجائب !!

فبينما مثلت الشرائح المدينية الضيقة من الطلبة والعمال والحرفيين وغيرهم قديماً ثقلاً سياسياً كبيراً (نسبةً لحجمها)، لعب دوراً مهماً في تحديد – بمعنى من المعاني – كثيراً من التوجهات الفكرية والسياسية السائدة في مصر، بما تلائم مع مستوى الوعي المرتفع الذي إتسمت به تلك الشرائح وقتها، نجد اليوم بعد إضطراد عملية التحضير – أو بالأحرى ترييف المدن ! – ضعف ثقل هذه الشرائح بشكل درامي، بعد تمدين – من سكنى المدن وليس من المدنية !- قطاعات متزايدة من السكان، لم تحظ بأي مستوى تعليمي أو ثقافي يرقى بوعيها، رغم حصول كثير منها على تعليم عال !!

إذن ما كان يبدو من نهضة كان مجرد وهم، ناتج عن التأثير القوي لشرائح ضيقة واعية، لا تمثل مُجمل قوى الشعب؛ نتج تأثيرها القوي عن هامشية الشرائح الأوسع من المجتمع، التي لم تتصل يوماً بتأثيرات النهضة، والتي ما أن ظهرت بالصورة - وبالتزامن مع المتغيرات الجديدة التي تناولنا بعضها – حتى ظهرت الصورة الحقيقية؛ فتضائل الوجود النسبي للشرائح الواعية وسط زخم الجماهير الغفيرة التي قضت زمنها بعيدةً عن أي تراث تنويري، مُقتاتةً بالتراث المُعتمد من الرجعية.

للسخرية نتجت هذه الجماهير عن سياسة التعليم التي إنتهجتها الثورة !! فمجانية التعليم – هذا الإنجاز العظيم والرائع والناقص بذات الوقت – لم تتواكب وكفاءة فيه؛ بما ينتج وعياً نقدياً، بل ينتج فقط تقنيين يؤدون مهامهم في صمت ورعب من أجهزة البطش المتربصة دوماً !!

هذه الجماهير المُبرمجة كانت مستعدة تماماً للغزو الوهابي، سواءاً آتاهم في عقر ديارهم، أم ذهبوا هم إليه بحثاً عن الرزق .

وهى الجماهير التي كانت بعيدةً عن تراث النهضة ردحاً طويلاً من الزمن؛ تاركةً التأثير لشريحة ضيقة واعية، أعطتنا وهماً بنهضة واقعية، لم يكن لوجودها من أسس سوى أفكار بعض المؤسسين، ولكن بعيداً عن أي شعبية أو شرعية جماهيرية تنقلها من إطار القوة إلى الفعل؛ لتتجسد الفكرة في التاريخ، وينتصرالروح التاريخي للأمة .

فما انتصر في النهاية كان الماضي، الذي نجحت الرجعية بتوظيفه، مُستخدمةً ثغرة قوى الثورة الأساسية، التي وإن أخرجت جماهيراً أوسع لهواء الحياة الطلق، إلا أنها لم تنجح في صناعة وعيهم، بحيث يصبحوا جنوداً في معركة تحررهم، بل أصبحوا جنوداً لأعداهم، في حالة من الصراع ضد الذات، أو الانتحار التاريخي إذا جاز لنا الوصف !!

بالنهاية، ما كان يبدو كنهضة لم يكن سوى أفكاراً نخبوية وضعها البعض، وسعى البعض الآخر لتطبيقها بعيداً عن الشعب ومشاركته؛ فبقى في غياباته، يجتر فضلاته، بعيداً عن حركة التاريخ؛ ليصبح فريسة سهلة لإستغلال رعاة الرجعية وسدنتها؛ يأتمر بأمرها وينتهى بنهيها، فيغذي جرثومة فناءه، ويحطم ترياق شفائه !!


• الدين والهوية والتاريخ :
---------------
تمثل الهوية وعى الجماعة بذاتها، مُشكلةً الوحدة الناظمة لها، المحافظة على وجودها، وبها يتحدد موقعها من التاريخ والعالم المحيط بها، وموقفها فيه ومنه، وهى لا تنفصل عن واقع هذه الجماعة، فهى نتاجه، الذي يفترض أن يتسق وإياه، في أي مجتمع يسير على دروب التقدم والرقي، فنهضة أي مجتمع تبدأ بتحديده الصحيح والواضح لموقعه من التاريخ، بما يمكنه من تحديد مواقفه وسلوكه الحاضر والمستقبل، الذي يقوده على طريق الرقي لا الإنحدار، وذلك بمواءمة سلوكه واستجاباته للتحديات التاريخية المطروحة .

فهوية أي مجتمع هى نظرته – الغالبة – لنفسه ولموقعه من عالمه، ووعيه بظروفه المحيطة والتحديات المفروضة عليه، وما يجب عليه فعله في مواجهتها، فليست الهوية مجرد يافطة مرفوعة للتفاخر الأجوف، بل هى وعي تاريخي إجتمـاعي ذي أبعاد متعددة، ينبني عليه الكثير من سلوكيات المجتمع، التي ينبني عليها مصـيره اللاحـق .
هذه الهوية – بالضرورة - متعددة الأبعاد، فليست أحادية البعد، فهى متعددة الأوجه، وإن كانت متسقة ومتماسكة الكيان، إذ لا يمكن لها الاستمرار بغير ذلك .

هذه الهوية تمثل إحدى عناصر البنية الفوقية للمجتمع، بحكم إنتماءها لعناصر الوعى والسلوك البشري، وهى بذاتها إحدى مؤسسات المجتمع التي تقوده وتحدد سلوكه، وهذا الإنتماء يجعلها تابعة نوعاً لبنية المجتمع التحتية المتمثلة في قواه الإنتاجية والعلاقات المرتبطة بها، وذلك ضمن التشكيلة الإقتصادية – الإجتماعية التي يعيشها المجتمع المعني .

داخل هذه الهوية يقبع الدين كأحد أهم عناصرها الحاكمة والمعيارية، والذي يقود ويحدد كثيراً من سلوكيات الجماعة، كذا يأطر نظرتها لنفسها وللآخرين .

وبحكم إنتماء الدين للبنية الفوقية، ولحقل الثقافة والوعي الإجتماعي بعامة؛ فإنه ليس بالمعصوم من التبعية للبنية التحتية، إذ يخضع – بشكل ما – لآثارها، فهو وإن كان ذا أصول سماوية، إلا أنه خاضع في تفسيره للبشر الذين يعيشون بين ظهرانينا، بكافة ما لهم من خصائص البشر الطبيعيين الاعتياديين، أصحاب المصالح والنوازع والأهواء، المتأثرين ببيئتهم ومجتماعاتهم التي يعيشون فيها، بما يصبغ نظرتهم وتفسيراتهم للدين بشكل وطبيعة هذه البيئات والمجتمات .

ينتج عن هذا أسطورية التصور النقي للدين، أي دين، فهو لا ينطق بذاته، بل ينطق به البشر، الذين لا يملك أي منهم سلطاناً ألوهياً أو صك وكالة من السماء !!

فليس هناك إذا شكل واحد للدين الواحد في الزمن الواحد في المجتمعات المختلفة، كما أنه ليس له شكل واحد في المجتمع الواحد في الأزمان والأوضاع التاريخية المختلفة، بل إن هذه الاختلافات هى مما يخلق تصورات وتفسيرات مختلفة ومتعددة تعدد هذه الأوضاع، والمناظير الإجتماعية المنبثقة عنها بالضرورة .

ولا يشكل هذا التعدد ترفاً فكرياً وعقائدياً، تنتحله المجتمعات لمجرد التفرد والتميز الفارغ كهدف بحد ذاته !! ، بل إنه ليكاد أن يكون ضرورة يفرضها الواقع، كفرض لازم لإستمرار هذه المجتمعات في الحياة؛ حيث ضرورات المرونة والتغير للتكيف مع الوقائع والأوضاع الجديدة، التي يفرضها التطور التاريخي، الذي يطحن تحت عجلاته القاتلة المتأخرين والمتخلفين، ممن لم يعوا ويستجيبوا لضروراته .

ففهماً بعينه لدين بعينه في مجتمع بعينه، يلزمه لينال موقعه كفهم سائد يقود المجتمع ويحدد رؤيته لنفسه وللآخرين، كذا يحدد سلوكه ونمط حياته، نقول فهماً كهذا، لابد وأن يتواءم وظروف هذا المجتمع التاريخية، وإلا قاد المجتمع لمنحدر الإنهيار فالدمار .

وعليه ففهماً وهابياً للإسلام، إذا كان يناسب أرض الجزيرة – وهو أمر نشك فيه لأسباب عديدة تتعلق بشكوك ناتجة عن طبيعة نشأة هذا الفهم وظروف وجوده -، فإنه لا يناسب بلداً كمصر، تتطلب ظروفه فهماً آخر تماماً، وهو ما يثير تساؤلات حول تلك الظروف التي سمحت بإنتقال مثل هذا الفهم من بيئته الأصلية لبيئة آخرى مختلفة تمام الاختلاف، والتي قد تشككنا في الآليات المادية الإجتماعية التي تحرك المجتمعات وتحكم تطور وحركة الأفكار .

فما سبق ذكره من أسباب، ينتمى في أغلبه للحقل السياسي البشري أو الفوقي في البنية الإجتماعية، ولا يفسر لنا ذلك الإكتساح الوهابي للتصور الإسلامي المصري، اللهم سبب واحد تناولنا جانبه السيكولوجي المتعلق بإنتقال كثير من المصريين لأراضي الخليج وعودتهم بالمفاهيم التي تشربوها هناك مع الفائض المالي الذي حققوه؛ لينشروا هذه المفاهيم بغير وعى، جنباً إلى جنب، مع من نشروها بوعى من مؤمنين بها ومرتزقين من خلالها .

والحقيقة هى أن هجرة المصريين للخارج، هى جانب واحد من المسألة، فالمُعضلة الحقيقية هى هذا التحول المأساوي في بنية الاقتصاد المصري، وتحوله من إقتصاد زراعي شبه صناعي، إلى إقتصاد ريعي، يعتاش على الفوائض الريعية من تصدير البترول والغاز الطبيعي وخدمات قناة السويس وقطاع السياحة وتحويلات العاملين بالخارج .

هذا التحول الذي قادنا لوضع لا يختلف كثيراً عن أوضاع ممالك الخليج الريعية، اللهم إلا بإستثناء الوفرة البترولية !!

وفي هذه التكوينات الريعية، يحدث نوع من الإنفصام المحدود ما بين البنية التحتية والتصورات السائدة في المستوى الفوقي للمجتمع، وإن سادت – بصفة عامة - أفكاراً حول قدرية الرزق، وقيماًُ مُحقرة للعمل والإنتاج، فالواقع الإقتصادي والإجتماعي في ظل هذه التكوينات يثبت لكل ذي عينين أن الأرزاق – ونقصدها هنا إجتماعياً وليس فرديإ – هى نتاج الصدف والمفارقات الجغرافية والجيولوجية والتاريخية والفيزيائية...إلخ؛ ما ينتهي بتصورات المجتمعات عموماً لنوع من القدرية الشاملة، بدلاً من القدرية الجزئية التي كانت لدى المصريين مثلاًً !!

هذا الإنفصال الجزئي ما بين البنيتين الفوقية والتحتية، يترك فراغاً سهلاً يملأه أي عابر سبيل لا يتناقض تناقضاً جذرياً مع باقي مكونات البنية الفوقية السائدة، فإذا أضفنا ما يرتبط بالريعية من ثقافة قدرية، مع العوامل – السياسية – التي سبق ذكرها، لا يبقى غريباً علينا هذا الإكتساح الوهابي للوعي المصري، بل إنه ليصبح طبيعياً جداً ومنطقياً جداً، خاصةً إذا ما أخذنا بالإعتبار التحالف غير المقدس ما بين أنظمة الحكم في مصر والخليج العميل، حيث التحالف في العمالة !!

وعليه تصبح سيادة الوهابية في مصر مجرد عرض لفشلها وتخلفها الإقتصادي والإجتماعي بعامة، حيث ما يجب عليها وما تفرضه الضرورات التاريخية، هو إنجاز مشروع التصنيع والتخلص من حالة التبعية والريعية المترابطتان .

وهو الأمر الذي سيتطلب على المستوى الثقافي تطوير فهماً مصرياً أصيلاً للإسلام يتواءم ومتطلبات المرحلة التاريخية، فهماً ثورياً يقود الجماهير المطحونة تحت عجلات التبعية والمُستعبدة في ظل الريعية والمُفقرة بفعل الإحتكارية، على طريق التحرر الشامل .

تبقى نقطة أخرى وليست أخيرة، تتعلق بدور الدين ضمن هيكل الهويات داخل المجتمع، وهو الدور الذي يعنى من حيث هو مجرد دور واحد ضمن أدوار متعددة تقوم بها مكونات أخرى، عدم ابتلاعه لباقي أشكال ومكونات الهوية الإجتماعية، إذ يعني إبتلاع الدين لكافة أشكال الهوية في المجتمع من الوجه الآخر إختزالاً لهوية المجتمع في هويته الدينية، بما لا يتلائم والأوضاع الإجتماعية والتاريخية الفعلية (التي تجاوزت سيادة الدين كهوية أولى)، التي تفرض شبكة مُعقدة من العلاقات والهويات الإجتماعية؛ ما ينشئ تناقضات وصراعات إجتماعية عنيفة، تأتي على رأسها الطائفية، التي تكشف عن إنقسام مجتمع توحده ظروفه المادية، بينما تقسمه انتماءاته الدينية، بما يعني ضرورة تحجيم أحد الطرفين لحدوده الطبيعية، ما يعني بالنهاية ضرورة تحجيم الانتماءات الدينية لأحجامها الطبيعية، حيث لا يمكن تحجيم الأوضاع المادية بدون تحطيم المجتمع بكافة بناه الإقتصادية والإجتماعية، وحتى السياسية .

ناتج آخر من نواتج هذا الإختزال الديني لشبكة الهويات الاجتماعية، هو التمكين للإستبداد في المجتمع، فالسيادة الساحقة لجانب واحد من الهوية على باقي الجوانب، يعني تحطيماً لشبكة الهويات في المجتمع، الأمر الذي يقود – إلى جانب إثارته لنزاعات إجتماعية عديدة وإفقاد المجتمع لكثير من توازنه الذي يقوم على نظام معين (مفترض بحكم الأوضاع المادية) لتركيب وترتيب الهويات الفرعية – إلى تنميط شخصية المواطن وطبعها بطابع الفراغ الداخلي الذي تملأه الهوية وحيدة الجانب السائدة؛ بما يكون إنساناً وحيد البعد بتعبير الفيلسوف الألماني هيربرت ماركيوزة، يسهل إخضاعه إجتماعياً وسلطوياً .

هذه الأحادية والفراغ هما اللذان يقودان الفرد – في حالة عدم نجاح الهوية الأحادية السائدة في استقطابه كلياً – إلى التسطح والتفاهة؛ فلا عجب أن تصبح أحزابنا الأهلي والزمالك، بعد أن كانت الوفد والدستوريين !!


• خاتمة : نحو إسلام ثوري :
-----------------
يعطينا الواقع المأساوي السائد دفعة قوية للتجديد وإعادة فهم الإسلام على ضوء الضرورات التاريخية، هذا إذا أردنا حقاً النهوض من عثرتنا والتحرر من هزيمتنا وتبعيتنا .

فأمة لا تعيد فهم نفسها وتجديد وعيها ـ هى أمة لا تستحق الحياة أو البقاء، حيث لا حاجة للحضارة بها، فالحضارة تحتاج فقط لمن يضيفون لها، أما من يعرقلون مسيرتها بجذبها للخلف أو حتى بمجرد المراوحة في مكانهم، فإنها تطحنهم تحت عجلاتها الضخمة .

فتجديد الإسلام هو إحدى المهام العاجلة، وليس بتجديد ذلك التجديد الذي يعود لقراءة النصوص التراثية للغوص بين سطورها طمعاً في إستخراج كنوزاً وهمية أو منسية !! ، بل يكون التجديد الحقيقي بإعادة قراءتها في ضوء الواقع وبمنظوره وتحت مظلته، وبمنطق فقه المصالح الذي أسسه الإمام مالك (رحمه الله) .

ويبقى من نافل القول، أنه ليس للوهابية من مكان في فيالق ثورتنا المأمولة !!

هذه الثورة التي لن تبقي حجراً على حجر من أحجار التخلف والرجعية، لابد وأن تبدأ بمعركة التحرير والتثوير الديني كجزء لا يتجزء من معركة التحرير الوطني .


===================================================

[1] أنفقت السعودية دولة العالم الثالث الفقيرة إلا من النفط كل هذه الأموال لنشر الوهابية في العالم الإسلامي وحده في ظرف أربعين عاماً لا غير، بينما أنفق الإتحاد السوفييتي الدولة العُظمى صاحبة الجيوش الجرارة والقاعدة الإنتاجية العملاقة التي ناطحت أميركا لنصف قرن، فقط 7 مليـارات دولار لنشر الشيوعية في العالم كله خلال ثمانين عاماً !!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زلة قلم
طاهر النجار ( 2012 / 9 / 27 - 19:52 )
الأستاذ/ مجدى عبد الهادى
قبل كتابة تعليقى أحب التأكيد على أننى لا أؤمن بالأديان أو بوجود هذا الإله البدائى وأفكاره التى لا تتناسب مع التقدم العقلى لإنسان اليوم،وأثناء قراءتى للمقال وجدت عبارة يقع فيها بعض الكتاب الذين يدعون إلى التنوير، - يستخدم الوهابيون راية التوحيد – عبر مُنتجها الفرعي لديهم عقيدة الولاء والبراء - كراية كنسية كهنوتية يفرقون بها المسلمين - ، ويستخدمها أيضاً الأصوليون والبسطاء بأعتبار أن الكنيسة والكهنوت مذمة أو شتيمة أو نوع من التكفير ، لا أعرف كيف يمكننى وصفها لكنها عبارة تدعو لأحتقار الآخر المختلف فى الدين، لذلك أعتبرها زلة قلم أليس كذلك؟ أتمنى أن تكون حقاً زلة قلم حتى يستوى المقال فى خطابه والمراد منه. مع الشكر


2 - من الجانب الآخر
صريح_99 ( 2012 / 9 / 27 - 20:55 )
قد أتفق مع الكاتب في بعض ما ذهب إليه، ولكن الواقعية تجبرني للتطرق لأمور لم تبين من الكاتب. لا أعتقد بأن القائمين في الحكم يهمهم نشر صورة معينة من الإسلام بل أعتقد بأن الدولة هي دولة مؤسسات مدنية وتقوم بذكاء بالغ بإرضاء الشريحة المتدينة من الشعب فقط.

فالسعودية أنفقت أموال طائلة على قطاع التعليم منذ السنوات الأولى لاستخراج النفط، فقد توالت البعثات الخارجية لمواطنيها في كافة الحقول المعرفية إيمانا بالأهمية القصوى للتعليم في كافة المجالات المعرفية. وتزايد عدد الطلبة المبتعثين في السنوات الأخيرة في شمال أمريكا، أوروبا، ودول الشرق الأقصى حتى تجاوز المئة ألف مبتعث ومبتعثة. وفي المجال الطبي تحديدا تميز العديد من الأطباء حتى أصبح أمرا مألوفا إجراء عمليات فصل التوائم السيامية .

أما في الجانب السياسي، فما يميزها هو عدم تطرقها في أي تدخل خارجي، مما ولد الشعور
بالرفاهية للمواطن والتركيز الأكبر على إنعاش الاقتصاد داخليا. بخلاف كثير من دول المنطقة كإيران والتي صرفت مليارات الدولارات في تصدير ثورتها الإسلامية الخمينية، ولم تحصد سوى الحسرة والأسى والغضب الشعبي العارم في الداخل الإيراني.


3 - الحضارة المصرية اولا
بلبل عبد النهد ( 2012 / 9 / 28 - 09:28 )
لقد نسي المصريون ان حضارتهم لم يسبق لها احد ان هرم من الاهرام احسن من مكة وما حوت من خرافات واساطير فاذا استطاع السعودييون ان يهيمنوا بدينهم على باقي الشعوب فذاك مرده الى تخلف هذه الشعوب التي تؤمن بالخرافة


4 - خطا اولي
محمد البدري ( 2012 / 9 / 28 - 23:05 )
من الخطأ الشائع الذي روجه مجرموا القومية العربية القول بوجود ما يسمي وطن عربي. هذا الطرح الفاسد يلغي هوية الاقطار ويضمها للبداوة العربية الاقل شأنا وادني تحضرا واكثر بربرية. فإعتبار السعودية مجرد قطر من أقطار الوطن العربي كما جاء في مقدمة المقال لهو تجريف لباقي الاوطان لصالح هذا البلد الذي تحكمه الوهابية وبالتالي فان المقال يعطي شرعية للوهابية بان تكون سائدة في باقي البلاد المكونة للوطن الواحد. فالاوطان كلها خارج جزيرة البداوة لها تاريخ اكثر رقيا منها. كم قلنا فضوها سيرة فالعروبة آفة المنطقة ولم يعد في الاسلام سوي الوهابية فما الداعي له ولاستمرارنا مسلمين؟


5 - ألغلبة وألمستقبل للسلفية - 1
‎هانى شاكر ( 2012 / 10 / 8 - 11:34 )
مصر وفى كل تجمع سكانى عرفاه ألتاريخ وألجغرافيا .. تتوقف علاقات ألبشر داخل أى تجمع على قيمة ألأنسان ألفرد داخل ألتجمع .. ويعتمد حال ألتجمع كله على علاقاته بمحيطه ألخارجى

كمثال : ألأنسان ألفرد عالى ألقيمة جداً فى سويسرا .. وأسرائيل سوف تبادل أى أسير لها بالف ممن تعدون ...

ليس كذللك أليمنى ألفقير .. أو ألعراقى أو مؤخراً ألسورى ..

عندما أهلك ألمماليك ألبلاد وقتلوا ألعباد ... كادت مصر أن تخلوا من ألسكان .. وفطن محمد على (وأولاده من بعده) أن ألأنسان ألمصرى مهم لتطلعاته فى خلق دولة حديثة .. فارسل رفاعه أبن ألفلاحين إلى باريس .. وأعطى ألمصريين ألرتب حتى وصل سعد زغلول (إبن ألفلاحين) إلى منصب رئيس ألوزراء .. وفطن ألحكام أن مصر ألقوية تحتاج إلى 10 ملايين مواطن .. كى تبنى وتزرع وتُصدر وتستورد وتُدافع ..

مع وصول أنقلاب ألأبالسة 52 وألأنحراف ألتدريجى ثم بعد ذلك ألأنحراف ألسريع نحو .. تناكحوا وتناسلوا .. أنقلبت دفة ألأمور ووصلنا إلى خرابة تئن تحت ثقل ألتكاثر ألحشرى وأقتربت قيمة ألأنسان ألمصرى من ألصفر ..

......


6 - ألغلبة وألمستقبل للسلفية - 2
‎هانى شاكر ( 2012 / 10 / 8 - 11:35 )

مالحل أذن وما هى خطوط ألمستقبل ؟

مصر ألأن تشبه ألدولة ألبيزنطية قبل ألأكتساح ألعثمانى بربع ساعة .. فعندما أكتسح آل عثمان بيزنطة وحرقوا ألقسطنطينية .. صحا من نجوا من أهل بيزنطة ليجدوا أمر واقع جديد .. شعب ينافس شعب .. واحد أعزل وألآخر مدجج .. فبقى منهم ألف نفر .. وغادر 10 ملايين إلى ألبندقية وجيرانها .. وبنوا جداراً منيعا أمام بنى عثمان فلم تسقط أوروبا (بعد) أمام طرقهم ألشديد ..

فى مصر ألأن تسع شعوب (حجم كل منها عشرة ملايين تقريباً) كلها تشعر بالتغريب ألشديد .. ... ألقبطى غريب بين هياج ألعامة وتخاذل وضعف ألحكومات ... وألسلفى متغرب فى مجتمع سايب وعالم غارق فى ألكفر .. هكذا أيضا باقى ألفرق ألسبع ألأخرى بألمحروسة (سابقاً) ..

خفض سكان مصر من 90 مليون إلى 10 ملايين سيستغرق بعض ألوقت .. كما هو ألحال فى سوريا أليوم .. وألعراق غداً

هنيئا للسلفيين إذن ألفوز بألجائزة .. لأنهم أشرس فرقة .. وحماسهم يفوق حبهم للحياة .. وهارد لك لباقى ألمصريين

ألفرق فى زمننا ألأغبر بيننا وبين أهل بيزنطة خمس قرون خلت وولت ..أن أقرب ملجأ من طراز ألبندقية .. يوجد على ظهر كوكب ألمريخ

....