الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول المنهج العلمي، ملاحظتان الي العجمي

آکو کرکوکي

2012 / 9 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


على صفحات الحوار المتمدن وفي عددها المرقم 3866، أطل علينا الأستاذ حسن العجمي، بمقالة قيمة ورصينة تحت عنوان:


السوبر حداثة : فلسفة المنهج العلمي

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=326255

تناولت المناهج العلمية ورئي (السوبر حداثة) فيها.


لايترك التناول الشيق والتسلسل السلس للفقرات، مجالاً ابداً، كيما يحس القارئ بأي تعب أو ملل وهو يتابع القراءة. و كأي طرحٍ رصين، فهي بقدر إجابتها عن أسئلة معينة، فتعلن في الوقت نفسه عن ولادة أسئلة وملاحظات أخرى جديدة. وفي هذا السياق إنتابني شعورٌ جامح، كيما أقصر ملاحظاتي وأسئلتي حول ماجاء في مقالته الموسومة بإثنتين فقط. أستدعت مني اكثر من ألفي حرف فأصطدمتا بدايةً، بحاجز الألف حرف المسموح بهِ في باب التعليقات، وبعد تقسيمها الى أجزاء، أصطدمتا هذه المرة بحاجز السيد الكاتب، الذي منع التعليقات أصلاً. فكانت هذه المحاولة الكتابية.


ودرات الملاحظة الأولى: حول التفريق بين المنهج العلمي، والمعيار العلمي للتمييز بين النظريات، إنطلاقاً من عرض السيد العجمي لنظرية بوبر.


فالمنهج العلمي بالنسبة لكارل ريموند بوبر(1902-1994)، هو بكل بساطة منهج المحاولة والخطأ، وهذا يعني وكما ورد في مقالة السيد عجمي، هومحاولة فرض الفرضيات ثم السعي عبر النقد والإختبار لإيجاد الأخطاء فيها ومعارضتها للواقع والمنطق وبالتالي دحضها.


لو تعمقنا في هذه الفكرة المفتوحة (المحاولة والخطأ- trial and error )، فيمكننا أن نحدد أهمية هذا المنهج الذي لايُقيد أي عالم بأي شئ. فإي واحد منهم يمكن له أن يفرض مايريد لتفسير ظاهرة ما، ولهُ أن يختبر فرضيته (محاولته)، في البدء منطقياً، ليعرف مقبوليتها، ثم يحاول جاهداً، وعندما يتسنى له ذلك، أن يختبرها تجريبياً (لاحظ عندما يتسنى ذلك-سنرجع اليها لاحقاً). ولحين حلول ذاك الوقت، فإنها تحتفظ بتلك المقبولية، بسبب حججها المنطقية المُتناسقة والتي تطابق إحداها الإخرى، وبسبب كونها الوحيدة، القابلة على التفسير الأفضل، للظاهرة المعُنية. والجدير بالذكر إن هذه المقبولية لاتعطيها أي صفة إطلاق، ولا أي صفة تعزيز، وليس لها علاقة بوصف النظرية كونها: علمية أم لا. فهي لحد الآن تفسر بحجج منطقية، فلها مقبولية منطقية، وقابلية تفسيرية فقط.


فعندما نقول إن نظرية ما مقبولة لدى العلماء، فهذا يعني إن هناك أسباب منطقية أو رياضية لهذا القبول. فمثلاً الثقوب السوداء، فلقد تنبأ آينشتاين بها، وعبر عنها رياضياً في النسبية العامة (معادلات المجال). وهي فكرة قديمة لم تاتي من فراغ.


وفيما بعد، فلقد أمكن التعرف على الثقوب السوداء عن طريق مراقبة بعض الأشعاعات السينية، التي تنطلق من المواد، عندما تتحطم جزيئاتها نتيجة لإقترابها من مجال جاذبية الثقب الأسود. وقد تم رصدها فلكيا في 1963، أما ستيفن هويكنج، فلقد أثبت إن الثقوب السوداء تصدر إشعاعاً.


هذا بالنسبة للمنهج العلمي حسب بوبر.


أما التفريق والتمييز بين النظريات كونها علمية أم غير علمية، أي مايسمى بمعيار القابلية للخطأ ( أو قابلية الدحض، قابلية التفنيد falsifiability)، فموضوع مختلف عن المنهج العلمي. وأرجو أن يعلق في ذهن القارئ كلمة –قابلية- فهي التي ستفرق بين مفهوم القابلية للخطأ، والخطأ نفسه. وكما سيرد لاحقاً.


والآن نأتي الى التمييز بين النظريات كونها علمية أم غير علمية. أي حسب بوبر كيفية التمييز بين النظريات كونها قابلة للإختبار وغير قابلة للإختبار، أو بصورة أدق كون النظرية قابلة للخطأ (الدحض)، أو غير قابلة للخطأ (الدحض). وهذا التمييز يكون فقط ممكناً لو إحتوى النظرية على التنبؤ العلمي، أو كما يسميه بوبر بالمحتوى الإخباري والمعرفي للنظرية.


فأي نظرية تتنبأ بأمرٍ علمي ما، فهي نظرية علمية، لأن التنبؤ هذا يمكن إختباره يوماً ما، ويمكن حينها دعم أو دحض النظرية. أما النظرية التي لاتتنبأ بشئ وتقف عند حدود الوصف فقط، فهي غير قابلة للإختبار، وبالتالي غير علمية. وكما أورده السيد العجمي على لسات سمولن.


كما أسلفنا، فإن العالم يقوم بمحاولة لتفسير ظاهرة ما ويعرضها بشكل منطقي أو رياضي، ليستشهد بمقبوليتها، ثم يحاول جاهداً، وعندما يتسنى له ذلك، أن يختبرها تجريبياً. ولو نرجع الى (متى يتسنى له إختبار النظريات) وأستشهدنا بالنسبية كمثال فيتوضح لنا الكثير.


فنظرية آينشتاين في النسبية العامة التي نشرت في 1916،إنتظرت أربع سنين لكي يمكن إخضاعها للإختبار لأول مرة، عن طريق السير أدنغتون في 1919. ورغم دعم التجربة والإختبار لأراء آينشتاين فهي لم تعتبر نظرية مطلقة، فلا إطلاق في العلم، فهي كما يقول بوبر مجرد محاولة لا تخلو من الخطأ. ولكنها نظرية علمية كونها تنبأت بالعديد من الأمور ويمكن إشتقاق الكثير من العبارت العلمية ذات الطابع الإخباري المتُنبئ منها. فمثلاً عبارة: سرعة الضوء ثابتة بالمطلق،وعبارة إن الزمن يتباطئ لو سرت بسرع تقترب من سرعة الضوء، وعبارة تقعر الزمكان يؤدي الى الجاذبية، التي تحرف الضوء عن المسار المستقيم وهكذا. وما كان تجربة السير أدنغتون إلا إختبار لتنبؤ العبارة الأخيرة، حول تقعر الزمكان، وأنحراف مسار الضوء، المشتقة من النظرية الأم: النسبية.


وأنتظرت النسبية، عقود أخرى لكي يغزو الإنسان الفضاء، ويرسل ساعة ذرية ويختبر تباطئ الزمن. والذي دعم النظرية مرة أخرى. وأنتظرت عقود أخرى لكي تُبنى المعجلات العملاقة تحت الأرض ويُختبر فيها سرعة الضوء، ويكتشف إن هناك جسيمات سرعتها تفوق سرعة الضوء، بعكس تنبوء آينشتاين. هذا إضافة الى تعارضاتها النظرية الكثيرة مع ميكانيكا الكم. وبذلك يثبت بإن هذه النظرية العملاقة كانت تحمل الخطأ ولم تكن سوى محاولة. مثل قوانين نيوتن في الفيزياء التي دامت أكثر من 250 سنة، الى أن جاء آينشتاين فدحضها. وكذلك الحال بالنسبة للثقوب السوداء، فهي لربما عليها أن تنتظر كثيراً كيما يمكن اختبارها يوماً.


فالنظريات بمجرد تنبؤها بامرٍ ما، تصبح علمية وقابلة للإختبار، وتكتسب مقبوليتها حسب المنطق والمقارنة والنقد، اما التجربة والإختبار فيعززها أو يدحضها، ولكن إجراء الإختبار نفسه يتم حينما يكون ذلك ممكناً، فهي مجرد مسئلة وقت.

خلاصة القول إن المنهج العلمي حسب بوبر هو المحاولة والخطأ، وهو منهج مفتوح لايقيد أحد، لأن لا حقيقة في العلم ولا محاولة خالية من الأخطاء. ولأن العلم لايعرف الحقيقة فبالتالي لايعرف الجمود، وبالتالي لايتوقف عن البحث والمحاولة والخطأ. وهو مختلف عن موضوع التمييز بين النظريات.


فالتمييز بين النظريات (القابلية للدحض والتكذيب-لاحظ كلمة قابلية) مجرد (معيار) وليس منهج، يختبر كون النظرية تتنبأ بأمر علمي ما يمكن اختباره أم لا. والمفارقة التي تضلل الكثيرين وفق هذا المعيار: هي إن النظريات القابلة للخطأ والإختبار، هي فقط التي تعتبر النظريات العلمية.



أما (الدحض) أو (التكذيب) أو (إكتشاف الخطأ)، فهو –حُكم-، وهو مثل التعزيز والدعم، يأتي بعد الإختبار. فـ(الدحض) غير (القابلية للدحض) أو (الخطأ) غير (القابلية للخطأ).


ونورد هذا لأنه غالبا مايتم الخلط بين المنهج والمعيار حسب بوبر وكما ورد في مقالة الأستاذ عجمي .


وهنا يجب أن أعلن عن إتفاقي التام، مع أورده السيد العجمي، من نقد، حول آراء فيريباند حينما يقول:

فكما أن الأسطورة لا تعتمد على منهج و مبادئ لصياغتها و تقييمها كذلك أمسى العلم بلا منهج و بلا مبادئ لدى فيرابند....إنتهى الإقتباس.


هذه كانت الملاحظة الأولى حول ماورد في مقالة الأستاذ العجمي، وأأسف له وللقارئ الكريم على طولها النسبي، فرغم عرضي لمنهج بوبر بإقتضاب، فهو بالتأكيد لم يوفِ حقه.



أما الملاحظة الثانية والتي سأحاول إختصارها بتساؤل مفتوح، أوجهُ لحضرتهِ، فهي حول جُملته التي وردت في نهاية المقالة وتقول:

هكذا لا محددية المنهج العلمي تحرر العلماء من سجون منهج علمي واحد مُحدَّد سلفاً. من هنا , الحرية ماهية العلم. ...أنتهى الأقتباس.


هذا يعني إن هناك عدة مناهج للعلم، لايمكن التحديد أي منها الأصح، وهي بالتالي تمنح حرية أكبر للعلماء.

في الحقيقة خلال عرض الأستاذ العجمي، أستطعت أن أميز ثلاث آراء أو مناهج للعلم فقط:


المنهج العلمي حسب الوضعيين المناطقة.

المنهج العلمي حسب بوبر. وسمولن يعتمد نفس منهجه.

واللامنهج حسب فيريباند.



بالنسبة لهذا الأخير فليس له منهج ويعتبر فوضوياً من مخلفات مابعد الحداثة، التي تهاجم العقلانية، ولا أعتقد إنه أفاد العلم بشئ.


أما منهج التحقيق حسب الوضعيين المناطقة، فتوجه لهم إنتقادات عدة، أهمها إنهيار مبدأ الأستقراء على يد بوبر، وتركيزهم على اللغة بدل المنهج. فيبقى في النهاية منهج بوبر كما ناقشناه. أي المحاولة والخطأ.


فسؤالي هو أين هو اللاتحديد يا أستاذ حسن العجمي؟ أي اللاتحديد هذا يقصد به بين أي منهج وأي منهج؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فلسفة المنهج العلمي
حسن عجمي ( 2012 / 10 / 2 - 02:39 )
شكراً على هذه المقالة القيمة و على الجهد الفكري . أولاً سيدي الكريم لقد أوقفت التعليقات على مقالاتي بسبب بعض الأحقاد التي تكتب من فترة إلى أخرى. فبدلاً من نقد النص يتم توجيه النقد للكاتب كشخص من دون أن يكون لديهم أي معرفة شخصية بي. وهذا خطأ منطقي كما تعلم. أما نصك فيتجنب هذا الخطأ و لك الشكر. ثانياً بالنسبة إلى السوبر حداثة من غير المحدَّد ما هو المنهج العلمي بشكل عام , ومهما كان المنهج الذي نتصوّره أو قد نتصوّره فمن غير المحدَّد ما إذا كان حقاً هو المنهج العلمي. إنها حقيقة موضوعية أنه من غير المحدَّد ما هو المنهج العلمي كما تقول السوبر حداثة تماماً كما أنه من غير المحدَّد ما إذا كان الالكترون جسيماً أم موجة في نظرية ميكانيكا الكم. فمثلاً من غير المحدَّد ما إذا كان المنهج العلمي يستلزم الاختبار أم لا يستلزم اختبار النظريات و من غير المحدَّد ما إذا كان المنهج العلمي كامناً في تكذيب النظريات أم تصديقها أم تكذيبها و تصديقها معاً

اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي