الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الميكامبوت*

سعدون محسن ضمد

2012 / 10 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في عدد (17 شباط 2012) من مجلة ناشيونال جيوغرافك. نُشر تحقيق انثروبولوجي رائع، يتحدث عن شعب الميكامبوت، وهو شعب من الرحَّل يسكن كهوفاً نائية وسط الأدغال في بابوغينيا الجديدة، ويتنقلون بين مجموعة منها على مدار السنة. ما لفت نظري في هذا التحقيق هو قصَّة الخلق بحسب رواية هذا الشعب، فهذه القصَّة رواها زعيم جماعة الميكامبوت، جون آيو، لكاتب التحقيق، مارك جينكينز، بعد أن أخذه إلى الكهف المقدس عندهم، ووقف بخشوع تحت صدعٍ في سقف هذا الكهف وسرد الأحداث التالية:
«في البداية نزل آبي، روح الأرض، إلى هذا المكان ووجد الأنهار مليئة بالأسماك والغابة مليئة بالخنازير، والكثير من أشجار الساغوا السامقة، لكنه لم يجد البشر. حينها قال آبي: هذا سيكون مكاناً مناسباً ليعيش فيه البشر، ثم شق هذا الصدع في قلب الكهف. وأول البشر الذين تسللوا إلى الداخل من خلال الصدع كانوا الآويم، تلاهم الإمبوين، ثم جماعات أخرى، ثم الميكامبوت في النهاية. وقد كانوا كلهم عراة، وبالكاد استطاعوا اختراق الصدع. وقد كان هناك بشر آخرون في الداخل، لكن بمجرد خروج الميكامبوت، أغلق آبي الصدع، وبقي الآخرون عالقين في الظلام».
هذه الرواية تكشف عن الخيال (الطفولي) الذي لم يزل يطبع الكثير من التفكير البشري، لأنها تتميز بأهم مميّزات أساطير الخلق لمختلف الشعوب، فمكان مبدعي الاسطورة يكون دائماً المكان الملائم الذي يجب أن تتم فيه عملية خلق البشر، أو نزولهم، أما رواة الأسطورة فهم دائما الشعب المختار، الذي تدور أحداث الخلق كلها مدار وجوده، ولذلك نجد أن أسطورة الخلق هذه تجعل الكون كله مسخرا، بل وحتى الآلهة، من أجل الميكامبوت.. ألم تنزل الآلهة إلى مكانهم، لتختاره من بين كل الأمكنة محلاً لنزول البشر؟ ألم تختر صدع كهفهم، حيث عاش الأسلاف، ليكون الرحم الواصل بين السماء والأرض، الرحم الذي يُغلَق بابه بمجرد نزول الميكامبوت، إذ الآلهة معنية بنزولهم وحدهم، ولا يعنيها من يبقى خلفهم حبيساً في الظلام.
هكذا تنشأ الأديان ويتم فرض العقائد، دائماً مكان خالقي الأسطورة، هو الأقدس من بين الأمكنة، ودائماً هو مكان بيت الرب أو محل نزوله، وشعبهم الأخْيَر من بين الشعوب، ودائماً يصطفيه الرب ليكون محل رعايته، ولغتهم الأبلغ من بين اللغات ودائماً يتكلم بها الرب ويختارها لغة للحياة وما بعدها؟
تساءل فرويد مرة: هل من المصادفة أن تتكرر القصة ذاتها، التي يكون فيها النبي أو المخلص بدون أب، ويسعى الملك إلى قتله، فتضطر أمه إلى تركه في مكان ما، لترعاه الآلهة، لماذا تكررت الأحداث ذاتها مع إبراهيم ومع موسى، ومع سرجون الأكدي، الذي يروي أسطورته قائلاً: «أنا سرجون الملك القوي... كانت أمي من عذارى الهيكل. لم أعرف أبي، [....] وفي مدينة آزو بيراني، على ضفاف الفرات، حبلت أمي بي. ولدتني سراً، ووضعتني في سلة من الأسل وسدت فتحاتها بالجلبان وتركتني للتيار حيث لم أغرق. وحملني التيار حتى آكي، غراف الماء.. وانتشلني آكي، غراف الماء، الطيب القلب، ورباني آكي [...] وكأنني ابنه». إذن فحتى سرجون انتشلته الآلهة من سلة تائهة وسط الماء، وحتى الميكامبوت لديهم كهفهم القبلة، وشعبهم المنتخب، وحتى نحن ما زلنا بوعينا الطفولي نجرجر خلفنا مئات الأساطير.
ـــــــــــــــــــ
* المدى 10-10-2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س