الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أريد أن أكون حراً وجائعاً...

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2012 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


رداً على مقالة الدكتور عبد اللطيف ملحم "الربيع العربي والعدو الإسرائيلي" عن صحيفة "أراب نيوز" السعودية الصادرة بالإنجليزية

نحن الفلسطينيون، من أكثر الشعوب التي تعرضت للظلم طوال التاريخ، ولست معنياً بسرد تاريخ الظلم الذي تعرضنا له كفلسطينيين، فالبعض يعرف والجميع يحس بذلك بمن فيهم الظالم نفسه، ولكن أن يأتي "مثقف" عربي، ليضع هذا الظلم في إطار مقارنة بظلم آخر ويخرج بنتيجة أن هذا الظلم أفضل بكثير من الظلم الآخر، فعلى أحد أن يوقفه ويقول له: إبحث لك عن ظلم ترضى به، أما نحن، فلا تفرض علينا أن نقبل به، حتى لو تم إجبارنا عليه، لكننا لن نقبل به من داخلنا، ولن نرضى بأن نهمس لأنفسنا بأن الظلم الواقع علينا أقل وطأة من الظلم الواقع على الآخرين، لذا يجب أن نكون سعداء.

يقول الدكتور في مقاله: إن الربيع العربي أظهر للعالم أن الفلسطينيين أكثر سعادة وأحسن حالا من إخوانهم العرب الذين حاربوا لتحريرهم من الإسرائيليين.

وبالطبع ينسى الدكتور فجأة وبقدرة قادر أن إسرائيل هي احتلال استعماري، يعمل على طريقة الإلغاء والإحلال، فمنذ متى يا دكتور يتم مناقشة الوضع الاقتصادي لشعب تحت الاحتلال كمقياس للرضى عن الاحتلال أو رفضه؟

إن رفض الشعب الفلسطيني للاحتلال يأتي من منطلق كونه احتلالاً، وليس من أي منطلق آخر، وحتى لو أردت نقاش ما ذهب إليه الدكتور، فعلى ما يبدو أنه لا يعرف كيف يعيش الفلسطينيون من الأساس، ولا يعرف ما معنى أن تعيش في مخيم لتسمع أصوات جيرانك وهم يتحدثون من ضيق المساحات، وأن تكتظ بك غرفة فصل مع ستين طالباً آخر لأنك لاجئ في نفس البلاد التي أخذها منك أعداؤك، كما يبدو أن الدكتور لا يعرف شيئاً عن مصادرة الأراضي ولا عن عدد الشهداء الفلسطينيين ولا عن عدد المعتقلين، ولا عن الحواجز في غزة والضفة الغربية ولا عن منع الصيادين من الصيد، ولا عن الجدار العازل، ولا عن حفريات الأقصى، ولا عن ممارسات المستوطنين في موسم قطاف الزيتون مثلاً، ولا يعرف شيئاً عن سكان غزة الذين تضغطهم الجغرافيا والسياسة، وسكان الضفة الذين تضغطهم لقمة العيش، لذلك قال ما قال.

ويستمر الدكتور ليقول: ماذا كان الثمن الحقيقي الذي دفعه العالم العربي وسكانه مقابل الحروب؟ بل والسؤال الأكثر صعوبة والذي لا يريد أي مواطن عربي طرحه هو ماذا كان الثمن الحقيقي لعدم الاعتراف بإسرائيل سنة 1948، ولماذا لم تستثمر الدول العربية ثرواتها في التعليم والرعاية الصحية والبنى التحتية بدل الحروب؟ أما السؤال الأصعب الذي لا يريد أي مواطن عربي سماعه فهو هل أن إسرائيل هي العدو الحقيقي للعالم العربي وللشعوب العربية.

نعم سيدي الدكتور، هناك مشكلة في توزيع الثروات في العالم العربي، ولكن بربك كيف يحول هذا إسرائيل من محتل إلى صديق؟ بأي منطق؟ ثم ما هي الحروب التي خاضهتا بلادك أنت شخصياً من أجل فلسطين؟ أم تظن أن إراحة الضمير بدفع المال بالقطارة هنا وهناك يمكن أن يبرئ البشر من تهمة التخاذل؟ وأن هذا يمكن أن يجعلنا ننسى 418 قرية تم قتل وتهجير أهلنا منها في حرب لم تكن حرباً؟ وبالمناسبة فإن ثروات العالم العربي تذهب في حسابات حكامها لا من أجل حروب مع إسرائيل وراجع تاريخك العربي جيداً.

وتستمر السيمفونية: لقد بذر العالم العربي مئات ملايين الدولارات وأزهق حياة عشرات الألوف من الأبرياء في محاربته لإسرائيل التي اعتبرها عدوه اللدود، وهو العدو الذي لم يعترف يوما بوجوده. إن العالم العربي له الكثير من الأعداء وكان يجب أن تكون إسرائيل في أسفل القائمة.

ولماذا تتعب نفسك؟ إسرائيل ليست في أسفل قائمة الأعداء يا سيدي، هي في أعلى قائمة الأصدقاء، عند معظم الأنظمة العربية وبلادك أولها، ومحيطك كذلك، ولم يطالبك أحد بأن تصنف الفقر والجهل على أنه عدو ثانوي، ولكن هذا لا يجعل من احتلال أرض وتشريد شعب كامل منطقياً، ففكرة كتابتك للنص بالإنجليزية مثلا، تعني أنك لا توجه خطابك للعرب من الأصل، وهذا يضع مقالك موضع تساؤل بريء، مجرد تساؤل: من كان قارئك المفترض حين كتبته؟

يقول في مقطع آخر: إن الفظائع التي ارتكبها هؤلاء الديكتاتورات بحق شعوبهم أسوأ بكثير من جميع الحروب الشاملة العربية الإسرائيلية.

وحتى لو كان هذا صحيحاً، فلماذا عليّ أن أقارن وأختار ذلك الذي هو أقل دموية، مع قناعتي التامة بأنك لا تعرف الطريقة التي تعمل بها آلة القتل الميكافيلية الإسرائيلية، وقد حدث وأن قابلت ضابط مخابرات إسرائيلي للتحقيق، وقابلت ضابطاً آخر في إحدى الدول العربية، وصدقني: إن الإثنين تلقيا نفس الدرس من نفس المعلم، مع جهل في التطبيق من الضابط العربي، ومعرفة ودهاء من الضابط الإسرائيلي، فهل عليّ هنا أن أتمتع بالقمع المدروس وأعتبره أفضل بالنسبة لي من القمع العشوائي؟

تتحدث عن سوريا والعراق وتونس واليمن ولبنان، ما هذه الموضوعية التي لا يتم فيها ذكر السعودية والكويت والبحرين وقطر، أم أنها بلاد انتهت من مرحلة الديمقراطية في رأيك؟

وآخر فقرة سأقتبسها من مقال الدكتور: وماذا حدث لعدو العرب اللدود، إسرائيل؟ تملك إسرائيل حاليا أكثر التسهيلات البحثية تقدما، وفيها أفضل الجامعات والبنى التحتية المتقدمة، وما لا يعرفه العديد من العرب أن متوسط العمر المتوقع للفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل أكبر بكثير من العديد من الدول العربية، كما أنهم يتمتعون بحرية سياسية واجتماعية أكبر بكثير مما يتمتع به العديد من إخوانهم العرب. بل حتى الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة يتمتعون بحقوق سياسية واجتماعية أكثر من بعض مناطق العالم العربي.

نعم، تملك إسرائيل تسهيلات بحثية، نعم قد يكون متوسط عمر الفلسطيني في إسرائيل أطول، هذا إذا لم تدخل عمليات القتل الإسرائيلي في الحساب، لأنني أعرف أن هذا سيخفض متوسط عمر الفلسطيني إلى النصف، فإيمان حجو وحدها بنت الشهور الأربعة كفيلة بأن تختصر أعمار الفلسطينيين، وشهداء حرب غزة لا أظنهم قد اختفوا من شاشة ذاكرتك كي أذكرك بهم، وعلى ما يبدو أنك لا تملك أدنى فكرة عن الحقوق السياسية والاجتماعية في غزة والضفة، فعلى سبيل المثال فقط، لم يقم أهالي الأسرى في قطاع غزة بزيارة أبنائهم منذ 12 عاماً، فعن أية حقوق تتحدث؟ أم أنك تعيش في عالم آخر وتستقي معلوماتك من الإعلام الإسرائيلي، وحتى إن كنت تفعل فإن هناك في الإعلام الإسرائيلي إسرائيليون منطقيون أكثر منك، ولا يطرحون ما تطرح.

إذا أردت فعلاً أن تبحث عن حلول للعالم العربي فالحل بسيط، يمكن استخراجه من كلماتك نفسها، ادع إسرائيل لاحتلال بقية العالم العربي ولتبدأ بدولتك، كي تكون بقية الدول متقدمة أكثر مما هي عليه الآن، كي يطول متوسط عمر الفرد فيها ببركات الاحتلال الإسرائيلي، فالحل أمام عينيك ولكنك لا تراه، أو تخجل من طرحه، أما أنا شخصياً، أما نحن الفلسطينيون، فنفضل أن نكون جياعاً أحراراً على أن يطول متوسط أعمارنا تحت الاحتلال.

الرابع عشر من تشرين الأول 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال