الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البجعة السوداء - من دار الأيتام إلى خشبة المسرح

سها السباعي

2012 / 10 / 18
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


ميخائيلا دي برنس: يتيمة الحرب التي أصبحت راقصة باليه


قرأت هذا التقرير الذي كتبه ويليام كرِمر على موقع بي بي سي بتاريخ 12 أكتوبر 2012، بعد أيامٍ قليلة من جريمة إطلاق النار على الفتاة الباكستانية والتي تصارع الموت حاليًّا في أحد مستشفيات بريطانيا مالالا يوسفزاي، وأثناء مناقشاتٍ مجتمعية لمسودة دستور مصر الجديد يتعالى فيها الدفاع المستميت عن مادةٍ منظمةٍ لسن زواج الفتيات بحجة الرجوع للأصول الشرعية وعدم الالتفات لمعايير الغرب، وبعد وخلال حوادث متفرقة في تونس وفي مصر قرأت عن أحدثها اليوم فقط لمحاولاتٍ قد تبلغ حد العنف أحيانًا لمنع أو على الأقل لفصل الطالبات الراغبات في ارتياد الجامعات في أماكن منفردة. بطلة هذا التقرير واجهت أهوال حربٍ أهلية وهي بعد طفلة في أفريقيا، وأنقذتها امرأة أميركية بيضاء من مصير أسوأ من القتل أو الحرمان من التعليم. ولكن انتظار المخلَّص ليس حلاًّ يمكن الاعتماد عليه. بالإضافة إلى أن الجهود الفردية مهما بلغت نواياها الحسنة، لن تحسن كثيرًا من أوضاعٍ رديئة، رسختْها أنظمةٌ وترسانات أسلحةٍ وصفقاتٌ تُعقد بهدف الوصول إلى السلطة، مع سيادة شبه أزليةٍ للفقر والجهل والمرض.

هذه ترجمةٌ للمقال، الذي ربما تكون بداياته مقبضة، ولكن نهايته تحمل لمحةً ضئيلةً من نور، أضاءت في حياة فتاةٍ كانت أسعد حظًّا من غيرها، وساهم اجتهادها وتمسكها بالأمل، في إضفاء المزيد من الضوء على رحلتها الملهِمة:


الظهور لأول مرة في عرض مسرحي للمحترفين، حدثٌ ضخمٌ في حياة أية راقصة باليه. ولكن جولتها الأخيرة في جنوب أفريقيا أضافت علامةً مميزةً إلى رحلتها غير العادية منذ طفولتها كيتيمة حربٍ في سيراليون. تتحدث ميخائيلا دي برنس عن نفسها قائلة: "لقد أتيت من مكانٍ فظيع، لم أكن أتصور أنني سأصل إلى ما وصلت إليه، إنني أعيش حلمي في كل يوم".

وُلدت دي برنس في سيراليون، أسماها والداها "مابينتي"، ولكن بعد وفاتهما خلال الحرب الأهلية، أُرسِلَت إلى دار أيتام، حيث أصبحت مجرد رقم. تستعيد ميخائيلا ذكرياتها: " أعطونا أرقامًا من 1 إلى 27، رقم 1 كان الطفل المفضل في الميتم، و27 كان أقل الأطفال تفضيلاً".

كان رقم دي برنس هو 27، وذلك بسبب إصابتها بالبهاق، ذلك المرض الجلدي الذي يتسبب في أن تفقد بقع من الجلد صبغتها. بحسب معتقدات "العمات" اللاتي كن مسئولات عن إدارة الميتم، كان هذا دليلاً على وجود روحٍ شيطانية تتلبس الطفلة ذات الأعوام الثلاث. لا تزال ميخائلا تتذكر العداء البغيض من قبل هؤلاء النسوة تجاهها. تقول ميخائيلا: "لقد كن يعتقدن أنني ابنة الشيطان. وفي كل يوم كن يقلن لي أنه لن يتبناني أحدٌ أبدًا، لأنه لا أحد يمكن أن يرغب في تربية ابنة الشيطان!".
وعلى الرغم من تحريض الفتيات الأخريات في الميتم على أن يتجنبها وألاَّ يلعبن معها، إلا أن ميخائيلا كونت صداقة قوية مع الطفلة رقم 26، والتي كانت تدعى أيضًا "مابينتي"، وكانت مكروهة كذلك من قبل "العمات لأنها كانت عسراء! تشاركت الطفلتان حصيرة للنوم، في الليل، عندما تراود ميخائيلا الكوابيس، كانت "رفيقة الحصيرة" تخفف عنها بالكلمات الطيبة والحكايات .

معلمة واحدة في الميتم اهتمت بميخائيلا وكانت تساعدها بعد انتهاء الحصص الدراسية في استذكار دروسها، وكانتا تسيران ليلاً حتى بوابة الميتم لتتبادلا تحية المساء. وذات ليلة، وبينما تؤديان طقسهما الوداعي المعتاد، مر ثلاثةٌ من الجنود المتمردين خارج البوابة. تتذكر ميخائيلا: " اثنان منهم كانا ثملين، والثالث كان شابًّا يافعًا، كانت معلمتي تقف خارج البوابة وكنت لا أزال في الداخل، اقترب الرجلان الأكبر سنًّا ولاحظا أنها كانت حبلى".

اندلعت الحرب الأهلية في سيراليون منذ عقود، ونالت سمعتها السيئة بسبب الأعمال الوحشية التي ارتكبت بحق المدنيين. وكانت النساء الحوامل عرضةً لنوع خاص من التشويه، فقد كان الجنود المتمردون يبقرون بطن المرأة ليتعرفوا على نوع الجنين.

تروي دي برنس: "إذا كان الجنين ذكرًا فإنهم يتركون المرأة على قيد الحياة، أو يقتلونها وينقذون الطفل، ولكنهم وجدوا معلمتي تحمل أنثى، فبتروا ذراعيها وساقيها". تتذكر ميخائيلا أن الشاب الأصغر سنًّا، ربما في محاولة منه لإثارة إعجاب الجنديين الآخرين، شق معدتها بساطور. فقدت ميخائيلا الوعي ولكن تم إنقاذها عندما قرعت رفيقتها جرس الإنذار.

ذكرياتها عن طفولتها الأولى عبارة عن لحظات متفرقة ولكنها نقية ونافذة البصيرة أُعيد ترتيبها بحسب تاريخ الحدوث. تعتقد ميخائيلا أنه بعد أن شهدت مقتل معلمتها بفترةٍ وجيزة، تعثرت في الشيء الذي سيكون سببًا في تشكيل بقية حياتها؛ مجلة مهملة؛ "كانت بها صورة لسيدة، تقف على أطراف أصابعها، ترتدي هذه التنورة الجميلة الوردية المنتفخة شديدة القصر. لم أكن قد رأيت شيئًا كهذا من قبل، هذا الزي المتلألئ الرائع الجمال والذي يأخذ شكل الجسم. لم أستطع أن أرى إلا الجمال في هذه الإنسانة، والأمل والحب وكل ما لم يكن لدي. "وكل ما خطر بفكري، ما أجملها ، هذا هو ما أتمنى أن أكونه".مزقت ميخائيلا الصورة من المجلة ، ولأنه لم يكن هناك أي مكان متاح للاحتفاظ بها، خبأتها في ملابسها الداخلية.

ذات يوم، تم تحذير الملجأ من تفجير محتمل بالقنابل، وكان على الأطفال أن يسيروا مسافة طويلة إلى معسكر اللاجئين، وهناك علمت دي برنس أن رفيقة الحصيرة الحبية تبناها أحدهم؛ امرأة أميركية، تدعى إلين دي برنس، حضرت لتبني الطفلة رقم 26، وهنا اضطربت ميخائلا بشدة لأنها أيقنت أن جميع الأطفال سيؤخذون إلى منازل جديدة وسيتركونها وراءهم. ولكن حدث تغير في الخطط بشكل مفاجئ، عندما أخبرت العمات إلين دي برنس أنه من غير المحتمل أن تجد ميخائيلا منزلاً يقبلها، فقررت المرأة تبني الطفلتين معاً.

جاهدت ميخائيلا طويلاً لتفهم ما يحدث، كانت مبهورة بالمرأة الأميركية وبشعرها الأشقر اللامع، ولكن كان هناك شيء آخر يشغل بالها. "كنت أنظر إلى أقدام الناس لأنني توقعت أن الجميع يجب أن يرتدي أحذية الباليه، يجب أن يكون لديهم أحذية باليه لأنهم أمريكيون". ولم تكن إيلين ترتدي حذاء للباليه، بل إن ميخائيلا لم تجد واحدًا في أمتعتها عندما فتشت فيها تلك الليلة أيضًا.

وسرعان ما لاحظت أمها الجديدة ولعها بالباليه، تقول ميخائيلا: "عثرنا على فيديو لباليه كسارة البندق، وشاهدته 150 مرة"، وعندما ذهبوا أخيرًا لمشاهدتها على المسرح، كانت ميخائيلا قادرة على أن تشير لأمها أين أخطأ الراقصون في خطواتهم. ألحقت إيلين الطفلة ميخائيلا ذات الخمس سنوات بمدرسة "روك للرقص" في فلاديلفيا، حيث يجب أن تقود سيارتها لمدة 45 دقيقة يوميًّا.

ومع ذلك ظلت دي برنس فتاةً خجولة، دائمة القلق بشكل مؤلم بسبب إصابتها بالبهاق، تقول : "كان هذا هو كل ما أفكر فيه وأنا على المسرح، وكنت أجد صعوبة في النظر إلى نفسي في المرآة". وبدلاً من أن تتألق في تنورتها اللامعة و صدارها الملتصق بجسدها الرشيق، ذلك الزي الذي جذبها إلى حب الباليه، كانت تغطي نفسها تمامًا ببلوزات ذات ياقة مرتفعة.

ذات يوم، سألت دي برنس إحدى معلمات الباليه، إن كانت تظن إن مرضها الجلدي يمكن أن يقف عائقًا أمام مستقبلها المهني، وردت المعلمة بأنها لا تدري ما الذي تتحدث عنه، فلم تلاحظ تلك البقع الشاحبة في جلدها لأن كل ما كان يشغلها هو خطواتها وفقط. كانت هذه لحظة عظيمة بالنسبة لميخائيلا. ولكنها ظلت تعتقد أن كونها راقصة بالية سوداء أمر صعب، حتى في الولايات المتحدة. كانت تظن أنه إن تغاضينا عن الراقصات المنفردات، فإن راقصات المجموعات يُفترض أن يكن متشابهات.
تقول ميخائيلا أن هذا كان يشكل تحديا بالنسبة لها، فإن نظرت إلى مجموعات الباليه لن تجد راقصة سوداء. ربما وجدت فتاة مختلطة الأعراق ولكنك لن تجد إلا راقصة سوداء منفردة أو اثنتين في سائر الولايات المتحدة".

أما الآن، فقد أكملت ميخائيلا البالغة من العمر 17 عامًا مؤخرًا جولة مع فرقة مسرح هارلم للرقص، حيث كثير من العارضات ينحدرن من أصول أفريقية أو من أعراق مختلطة.

تصف ميخائيلا نفسها بأنها أصبحت أكثر تفاؤلاً وابتهاجًا بعد أن كانت فتاة خجولة جدًا، لقد نضجت الآن وهي سعيدة بما آلت إليه الأمور.



ملاحظات جانبية:

- استمرت الحرب الأهلية في سيراليون أحد عشر عامًا، وانتهت رسميًّا في عام 2002.
- بلغ عدد القتلى حوالي 50 ألف شخص.
- الآلاف تعرضوا للتشويه من قبل متمردي الجبهة الثورية المتحدة، الذين كانوا يشنون الحملات للبتر والاغتصاب.
- تبنت إلين وتشارلز دي برنس من نيوجرسي ثلاث فتيات، ميريل، ميا وميخائيلا.
- للفتيات ستة إخوة آخرين، أربعة منهم متبنون.
- ميا، تبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، ترغب في أن تكون عازفةً ، وبالفعل تستطيع العزف على خمس آلات موسيقية.
- مريل، تصغر ميخائيلا بعدة أشهر، والتي تصفها بأنها خدومة جدًّا ومرحة.
- الفتيات الثلاث متقاربات جدًّا في العمر، ويشبهن بعضهن لدرجة الاعتقاد أنهن توائم.
- ولدت ميخائيلا في عام 1995.
- في عام 1999 وُهبت للتبني وأُخذت إلى الولايات المتحدة،ثم أُلحقت بمدرسة "روك للرقص" في فيلاديلفيا.
- في عام 2011 ظهرت كشخصية مميزة في الوثائقي التلفيزوني "المركز الأول" وفي برنامج "الرقص مع النجوم".
- في عام 2012 تخرجت في مدرسة جاكلين كينيدي أوناسيس للرقص التابعة لفرقة مسرح الباليه الأميركي في نيويورك. وانضمت لفرقة مسرح هالم للرقص.
- كان أول ظهور محترف لها في 19 يوليو / تموز 2012 في دور "جلنار" في العرض الأول في جنوب أفريقيا لباليه "القرصان".


رابط الأصل الإنجليزي للتقرير:

http://www.bbc.co.uk/news/magazine-19600296








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالقمع والضرب.. إيران تفرض -الحجاب- على النساء وتعتقل المخال


.. ملكة جمال الذكاء الاصطناعي…أول مسابقة للجمال من صنع الكمبيوت




.. انهيار امرأة إيرانية خارج محطة مترو -تجريش- في طهران بعد اعت


.. صاروخ إسرائيلي يقتل عائلة فلسطينية من ثمانية أفراد وهم نيام




.. نساء الرقة: منظومة المرأة الكردستانية مظلة لجميع نساء العالم