الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم ابنتي

حسن الشرع

2012 / 10 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عندما قرأت رواية البؤساء لفيكتور هوكو قبل ما يقرب من اربعين عاما تفاعلت من بطلها الاسطوري جان فالجان .لم أكن اعرف آنذاك اننا ازاء أزمة صراع بين حاجاتنا البشرية وبين مجموعة من الضوابط السلوكية والقانونية والأخلاقية..كنت اكره جافير كرها شديدا مع كونه هو المخلص والأمين ..تعاطفت مع جان فالجان لأنه سرق كسرة خبز وكرهت جافير لأنه قبض على جان وأودعه السجن.وحسب. لكنني ادركت فيما بعد ان كلا الأنموذجين مدان من بعض وبطل للبعض الاخر وبالتأكيد فان المغفور له البرت اينشتاين لم يكن يعني بنظريته النسبية فهم طبيعة وأشكال هذا الصراع لكننا في جلساتنا الخاصة والعامة كثيرا ما نشير الى هذه النسبية لتضبيب المشهد الاخلاقي.
خط الفقر بموجب التعريف حدد بدولار واحد يوميا للفرد او اكثر بقليل لكنه تحديده في الولايات المتحدة كان امرا مختلفا فهو يقرب من 30 دولار يوميا وسمعت ان خط الفقر في كندا يعرف بشكل مائع فأنت فقير اذا انفقت اكثر من نصف موردك على المأكل وربما الملبس وتتفاوت نسبة السكان الذين هم دون خط الفقر من بلد الى آخر لكنها على اختلاف المعايير الاكثر في الدول (النامية )كما يطلقون عليها تأدبا كما هي مفردة كريم العين.فهو الاعور الدجال عندما لا نشتهي تكريمه .وفي العراق ذهب المختصون الى منحى آخر في الحساب والتعريف..فراحوا يبحثون عن الحاجة البايولوجية للطاقة مقدرة بالسعرات الحرارية آخذين بنظر الاعتبار معدلات كلفة وحدة الطاقة في اسواق العالم باعتبارات اننا بلد ندعم الاستهلاك الغذائي عن طريق التموين .فوضعوا نسبة كما وضعها غيرهم وهذه الارقام ليست هي المعنية بالموضوع.
البطالة هي الاخرى وجدت لها معايير في اوراق المتخصصين فاختلفوا عليها تعريفا ونسبة وتوزيعا.لكن مواضيع الفقر والبطالة وعلاقة جافير مع جان فالجان اوجه عديدة لموضوع واحد ..عجبت من يكثر من استخدام وجهي العملة في التدليل على معنى تزيد مظاهره عن ثنائية لم تجد لها مثلا غير قوانين الميراث الفقهي وتحديد بداية لعبة الكرة. يتنافس الشباب والشابات للقبول في كليات المجموعة الطبية حتى وان لم يكونوا مهيئون لها نفسيا وعلميا وبدنيا فذلك يبعدهم عن البطالة ..جميع الطلبة يتمنى (التعيين) في مؤسسات الدولة ..سياقات عمل لم تعد معروفة في اكثر دول العالم تخلفا.
تخرجت ابنتي في احدى الكليات العلمية في جامعة بغداد وكان عليها ان تنتظر اكثر من سبع سنوات لتحصل على فرصة التعيين لتساعد زوجها في اعالة بناتها فزوجها هو الاخر تخرج في نفس الكلية وذهب الى عمل بالكاد يضعهما قرب خط الفقر الحكومي المقدس حيث لا تضطره الحاجة ليكون جان فالجان عراقيا رغم انني اظن ان جان فالجان على صلة من نوع ما بسوق الشيوخ او الجبايش ورغم قناعتى انه كان علينا ان نهتم بتراث جافير المهني ونعلمه لأبنائنا ليس في اكاديميات الشرطة فحسب بل في اكاديميات الفنون الجميلة الملغاة منذ العصر الجليدي الماضي.
كانت فرحة جدا بعملها ولا تتوانى عن التعبير عن فرحها فلقد حصلت على عمل بعد طول انتظار..فذلك امر لم يكن ميسورا في ضوء ما يشهده العالم من احتباس حراري وتحول في قطبية الكوكب وتغير في المغناطيسية الارضية وتسونامي المحيط الهندي وأعاصير الكاريبي وزلازل اليابان وعمل عصابات كولومبيا وتذبذب اسعار نفط دبي الخفيف والقبض على فاطمة وهروب بن لادن والتعاقد على اجهزة السونار بالهوائي التلسكوبي...احداث كثيرة نتائجها وآثارها على البلاد كبيرة..
قال المعلم اقرؤوا فقرأنا اكتبوا فكتبنا اسمعوا فسمعنا ...انتظروا فانتظرنا..فالانتظار منا محمود والفقر فينا موجود والفرح عندنا محدود ...للأسف ربما لن تأخذي رواتبك لمدة اشهر وعليك المزيد من الانتظار ..يجب الحصول على صحة الصدور .انه اجراء سري ليس لك ان تتدخلي فيه....فقط انتظري.
جمعتني الصدفة في احدى الحفلات برجل اعمال عراقي لم اعرفه من قبل لكن ملامح شخصيته كانت واضحة لي منذ زمن بعيد ايام قراءتي لفيكتور هوكو في البؤساء ومكسيم كوركي في طفولتي وفي الام وارنست همنكوي في الشيخ والبحر لقد كان الرجل يملك ويدير مطعما فاخرا .قال لي متباهيا اتعلم يا دكتور سر نجاح عملي قلت وفي ذلك بيل كيت: الجد والمثابرة ونوع المأكولات والخدمة الممتازة بالطبع .قال كنت اعلم انك ستقول هذا لكن الامر مختلف. السبب هو السعر المرتفع الذي يضعه المطعم .قلت نعم وهل ان ارتفاع السعر يعني بالضرورة النجاح قلت هذا وقدر بدر الى ذهني مطاعم الكي اف سي ومطاعم الماكدوناد ...قال ان السعر المرتفع سيأتي لك بطبقة اجتماعية راقية وواعية ومثقفة هي وحدها من يليق بها هذا المكان.قلت اتراك تبرر لارتفاع الاسعار .قال لا ابدا فان ذلك (يعني السلوك البورجوازي) هو من اخلاق مهنتي.
اخلاق المهنة ...ألّا يهنأ من لا يملك لقمة الّا تمسح في يوم دمعة..ان تصبح ملّاكا بالقرعة !
ألّا يظفر الفقير بالكرامة.
رأيتك يا ابتي العزيز في منامي انت وأمي وآنا نبكي نحيبا ..هكذا كتبت في اخر رسالة لها .قلت وماذا بعد قالت :لابد ان خيرا سيقع فقد علمونا ان البكاء في احلامنا فرحا وان السعادة ...غمة. ثم اضافت رن هاتف صديقتي لتبشرني ان صحة الصدور وصلت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الزُهدُ من مكارِم الأخلاق
آمـــــال حســــن ( 2012 / 10 / 20 - 11:44 )
هذه الفتاة بنت أبيها.. فلو كانت من فتيات هذا الزمان لذهبت هي وزوجها وحتى أهلها لإيجاد الطريق الأسهل.. المحسوبية والواسطات للحصول على عمل.. لكنها فضّلت الإنتظار والتحمل حتى تأخذ فرصتها بدون الإعتماد على ما إعتاده أهل البلد في إيجاد الحلول السهلة من خلال المعارف الذين لهم سلطة في الحكم في كل الأزمان.
لقد كانت صبورة جداً حتى في المرحلة الثانية من الإنتظار ولم تفكّر بإستعجال الأمور وتقبلّت ذلك التأخير .. فقط لأنها تنتمي إلى الزمن الجميل -رغم صِغر سنها- الزمن الذي كان أناسه يتحلون بالصبر والزهد والقيم الأساسية التي لا نرى منها إلا ما ندر في هذه الأيام.
أحلامنا هي أساسيات الحياة.. غيرنا يحلم بما هو جديد ونحن نحلم بأساسيات الحياة.. الحصول على عمل وإنتظار موافقات -السادة الكِرام- هو حلمٌ من أحلامنا المتواضعة لكي نستمر بالعيش ولم نصل لحد الآن إلى الحُلم بالعيش الرغيد والحياة الكريمة التي يستحقها كل البشر.

اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا